302

تيسير التفسير

تيسير التفسير

ژانرونه

فما منكم من أحد عنه حاجزين

[الحاقة: 47] وقوله: { ولم يفرقوا بين أحد منهم } مقابل لقوله: ويريدون أن يفرقوا بين الله ورسله، ويقولون: نؤمن ببعض ونكفر ببعض، ويريدون أن يتخذوا بين ذلك سبيلا { أولئك سوف نؤتيهم } المشهور أن سوف المضارع للمستقبل الطويل بعد احتماله الحال والاستقبال القريب، وقيل هى لتأكيد مضمون مدخولها المستقبل، وكأنه قيل هو واقع لا محالة ولو تأخر جدا، أو ضد لن يفعل الموضوع للتأكيد، كما قال سيبويه: لن يفعل نفى سوف يفعل، والمضمون هنا هو إيتاء الثواب، كما قال { أجورهم } أى ثواب أعمالهم وإيمانهم { وكان الله غفورا } لما صدر من ذنوب التائب وإنما يهلك من لا يتوب { رحيما } بتضعيف الحسنات إلى أكثر من سبعمائة لحسنة واحدة، وقالت أحبار اليهود: إن كنت صادقا فائتنا بكتاب من السماء جملة كما أوتى موسى بالتوراة جملة، وقيل: بكتاب محرر بخط سماوى على ألواح كالتوراة، وقيل: بكتاب نعاين نزوله، وقيل بكتاب إلينا بأعياننا وأسمائنا، وأنك رسول الله فنزل قوله تعالى:

{ يسألك أهل الكتاب } سؤال تعنت، ولو سألوه ليتبين الحق لنزل ما طلبوا كما قاله الحسن { أن تنزل عليهم كتابا من السمآء } وليس ذلك ببدع منهم ولا أول جهالتهم، ولا تستعظمه ولا تبال به لأنه قد سبق أكثر من ذلك منهم، كما قال { فقد سألوا } أى لأنهم قد سألوا، أو إن استعظمت ذلك وعرفت ما كانوا عليه تبين لك رسوخ كفرهم، والواو لأهل الكتاب كلهم { موسى أكبر من ذلك } وهو مجمل بينه بقوله { فقالوا أرنا الله جهرة } وإنما سأل هذا أوائلهم، لكنهم لما كانوا على مثل هذا السؤال وراضين عنه ومصوبين لأفعالهم وأقوالهم نسب إليهم السؤال، ويجوز رجوع الواو إلى البعض السائلين القائلين فلا مجاز، قال بعض المحققين، إسناد فعل البعض إلى الكل وقع فى نحو ألف موضع من القرآن، ولا أراه يصح، شبه إظهار ما يرى بإظهار الصوت المسموع، فسماه جهرة على الاستعارة، وأصل الجهر فى الصوت، أو أطلق الجهر على مطلق الإظهار، فهو مجاز مرسل لعلاقة الإطلاق والتقييد، والمعنى، أرنا الله مجاهرا إلينا، بفتح الهاء، أو أرنا الله مجاهرين له، أو إراءة جهرة، أو أجهر لنا به جهرة كقمت وقوفا فجهرة حال من لفظ الجلالة أو من نا، أو مفعول مطلق خرج سبعون رجلا من بنى إسرائيل مع موسى عليه السلام إلى الجبل فقالوا، أرنا الله جهرا { فأخذتهم الصاعقة } نار من السماء فأهلكتهم، وقيل الموت { بظلمهم } لظلمهم أنفسهم، ودين الله بطلب ما هو محال فى حق الله، وهو رؤيته، فإنه نقص وشبه بالمخلوق، وما كان نقصا يتنزه الله عنه فى الآخرة كما تنزه عنه فى الدنيا فلا يرى فى الآخرة، وبيان الشبه ولانقص الجهات والحدود والحلول والغلظ والرقة والطول والعرض المستلزمات للون، وقومنا يقولون ظلمهم هو إباؤهم عن الإيمان حتى يروه، وذكر الجهرة مع أن رؤية العين لا تكون إلا جهرة زيادة فى التشنيع عليهم، أو تحرز عن توهم الرؤية بدليل لا بالعين { ثم اتخذوا العجل } إلها، صوروه من الذهب والفضة وجواهر، والترتيب فى الإخبار لا فى الزمان، أن اتخاذهم العجل فى حال سؤال من ذهب مع موسى إلى المناجاة أو قبله أو بعده { من بعد ما جآءتهم } على وحدانية الله تعالى { البينات } المعجزات من اليد والعصا وفلق البحر، وسائر كل ما يدل على وحدته تعالى بالألوهية، لا التوراة، لأنهم اتخذوا العجل قبل نزولها، ونسب إليهم اتخاذ العجل لأنه فعل آبائهم، وقد رضوا عنه، وفعلوا ما يشبه اتخاذ العجل من البدع { فعفونا عن ذلك } لم نعاقبهم عليه لتوبتهم، فتوبوا أنتم من كفركم نعف عنكم كما عفونا عن آبائكم { وءاتينا موسى سلطانا } تسلطا عليهم، بأن أمرهم أن يقتلوا أنفسهم توبة عن اتخاذ العجل فأطاعوه، فقتل منهم سبعون ألفا { مبينا } ظاهرا.

[4.154]

{ ورفعنا فوقهم الطور } الجبل، ليس الجبل المعروف بطور سيناء، بل هو جبل كانوا فى أصله معسكرين، وهو فرسخ فى فرسخ { بميثاقهم } بسبب ميثاقهم، أى ليحصل به أخذ الميثاق على أن يأخذوا التوراة ويعملوا بها، لو لم يقبلوها لسقط عنهم، وقيل، أخذ عليهم الميثاق أن يعملوا بما فى التوراة فنقضوا بعبادة العجل، ويرده أن العجل قبل نزول التوراة، وقيل، هموا بنقض الميثاق فى شأن العمل بالتوراة، فرفع فوقهم وتركوا النقض { وقلنا لهم } على لسان موسى أو لسان يوشع وهو أشهر { ادخلوا الباب } باب بيت المقدس، أو أريحاء، وقيل باب إيلياء، وقيل: الباب اسم قرية، وقيل باب القبة التى يصلون إليها فى التيه، لأنهم لم يخرجوا من التيه فى حياة موسى { سجدا } وعن ابن عباس ركعا، وقيل سجدا، وقيل منحنين، خضوعا لله عز وجل، وشاكرين على الخروج من التيه، وفتح القرية بيت المقدس أو أريحاء، أو تسجدون عند قرب الباب، كذلك قيل، والطور مطل عليهم إن لم يدخلوا سجدا سقط { وقلنا لهم } على لسان داود وعلى لسان موسى، بأن قال لهم عند رفع الجبل على قبول التوراة، أو دخول الباب سجدا ما ذكر الله من قوله { لا تعدوا } لا تعتدوا، أبدلت التاء دالا وأدغمت فى الدال { فى السبت } بصيد الحوت فيه، وذلك ظلم للحوت فيه، والنهى عن الصيد فيه، وجعله عيدا لهم فى عهد موسى عليه السلام والتعدى فيه، والمسخ فى زمن داود، ودخول التيه بعد نزول التوراة { وأخذنا منهم ميثاقا غليظا } على العمل بالتوراة وتعظيم السبت أو تحريم صيد الحوت فى السبت والميثاق، أنه إن هموا بالرجوع عن العمل بها أو السبت أو تحريم الصيد أهلكهم الله بأى عذاب شاء، أو الميثاق لقولهم سمعنا وأطعنا.

[4.155]

{ فبما نقضهم ميثاقهم } لعناهم، يقدر لعناهم مؤخرا، كما فى المائدة، فهو أولى من تقدير فبما نقضهم ميثاقهم فعلنا بهم ما فعلنا من اللعن والغضب وضرب الذلة والمسكنة وغير ذلك، مما تسبب فيه نقضهم، وما صلة لتأكيد، وقيل نكرة تامة، ونقض بدل منها، ولو علقنا الباب بحرمنا لزم تعليق حرفى جر لمعنى واحد بعامل واحد وذلك لا يجوز إلا فى العطف والبدل والتوكيد اللفظى، وعطف البيان على القول بجوازه فى الجمل، والجار والمجرور، وذلك أن يظلم متعلق بحرمنا، ودعوى أن فاء فبظلم زائدة فى البدل من قوله: فبما نقضهم ضعيف لطول ما بين البدل والمبدل منه، ولأن الأصل عدم الزيادة، ولا يسيغ زيادتها طول الفصل كما زعم بعض أنها زيدت، فيعلم بزيادتها، أنها ومدخولها بدل من الفاء ومدخولها، ولأن الكفر والنقض وقتل الأنبياء وقولهم قلوبنا غلف ذنوب عظام إنما يناسبها العقاب العظيم لا تحريم بعض المأكولات { وكفرهم بأيآت الله } القرآن والإنجيل والتوراة، وحججه الدالة على وحدانيته { وقتلهم الأنبيآء بغير حق } لا يكون قتل نبى حقا، ولكن ذكر بغير حق زيادة تشنيع، كأنه قيل، وقتلهم الأنبياء مع أن قتلهم أبدا غير حق، والمراد أنهم علموا أنه غير حق { وقولهم } للنبى صلى الله عليه وسلم { قلوبنا غلف } تأبى قبول ما تقول لبطلانه، أو جعلت كذلك خلقة، والمفرد أغلف، كأفلف وقلف، كقوله تعالى: فى أكنة مما تدعونا إليه... الآية، أو أوعية للعلم فلا تحتاج إلى ما تقول إذ ملئت، فالمفرد غلاف ككتاب وكتب بالإسكان من الضم تخفيفا أو جمعا على حدة { بل طبع الله عليها بكفرهم } حجبها عن العلم، خذلانا عن أن يوفقها لتدبر فى الآيات لا إجبارا، وإلا لم يذمهم، وهى كالبيت المقفل، والباء سببية، أو للآلة، وقيل: الطبع حقيق كما روى البزار والبيهقى عن ابن عمر عنه صلى الله عليه وسلم:

" الطابع معلق بقائمة العرش، فإذا انتهكت الحرمة وعمل بالمعاصى واجترىء على الله، بعث الله الطابع فطبع على قلب العاصى فلا يعقل بعد ذلك شيئا "

{ فلا يؤمنون إلآ قليلا } أى إلا إيمانا قليلا، لأنهم لم يؤمنوا بكل ما يجب، بل بنبوة موسى ولم يعملوا بها، أو زمانا قليلا ثم يرتدون لا منصوب على الاستثناء من الواو، لأنه يترجح الإبدال لتقدم النفى، وقيل، لأن الواو لمن طبع على قلوبهم، ومن طبع على قلبه لا يؤمن، قلت: لا مانع من إيمانه ببعض دون بعض، فهو الإيمان القليل، ولا من إيمانه زمانا قليلا ثم يرتد، ولا ينفعهم، فلا يمتنع نصبه على الاستثناء، من الواو، وأيضا الإسناد فى الآية من إسناد ما للأكثر إلى الكل، ويجوز عود الواو إلى الكفرة بلا قيد الطبع، فيصح الاستثناء منه مع كون الإيمان صحيحا كإيمان عبد الله بن سلام وأهله.

[4.156]

ناپیژندل شوی مخ