{ إنآ أنزلنآ إليك الكتاب لتحكم بين الناس بمآ أراك الله } بما عرفك الله بالوحى { ولا تكن للخآئنين } لأجل الخائنين ونفعهم، أو عن الخائنين وهم بنو أبيرق أو طعمة ومن معه، أو للخائينين مطلقا، والعطف عطف إنشاء على إخبار، أو على محذوف، أى احكم بالحق ولا تكن، أويقدر قول، أى قلنا إنا أنزلنا، فإنه لا إشكال فى قولنا ولا تكن الخ { خصيما } على خصمهم، أو لا تكن خصيما ثابتا لهم على خصمهم، زجر له صلى الله عليه وسلم عما ظهر له ومال إليه من تبرئه طعمة والاقتصار على تحليفه والحكم على اليهودى لوجود الدرع عنده، وبطلان شهادة المشركين له على المسلم، وذلك كله حق بحسب ما ظهر له صلى الله عليه وسلم، وهو الذى كلف الله به العباد، إلا أن الله سبحانه بين له صلى الله عليه وسلم أن اليهودى برىء، وأن طعمة هو السارق، ونهاه أن يحكم على اليهودى، فجرى على هذا الغيب الذى أخبره به، ولو لم يخبره الله به لجرى على ذلك الذى ظهر له من الحكم على اليهودى وكان محقا، له أجران، لأنه مصيب فيما كلف به، كما فى سائر حكمه بحسب ما ظهر له، وقوله إنى آخذ جذوة من نار لمن حكت له بغير حقه، لظاهر الأمر، وهو عالم بأن الحق ليس له.
[4.106]
{ واستغفر الله } عليك فى عجلة بلا تأن، وتدبر إلى الحكم على اليهودى مع أنه حق، أو من تغليظك على قتادة بلا تأن، أو من اهتمامك قبل التدبر، وذلك لعلو مقامه صلى الله عليه وسلم حتى إنه يعد هذا فى حقه ذنبا ، مثل ما يقال حسناتالأبرار سيئات المقربين، أو أراد استغفر لمن أرادوا الذب عن طعمة من قومه وإظهار براءته من السرقة، لندمهم على ذلك أو من ميلك إلى الذب عنه بإغراء قومه لك، وأيضا النهى عن الشىء لا يوجب أن يكون المنهى مرتكبا للمنهى عنه،وأيضا قد تكون الآية من باب، لئن أشركت، كما قيل إن الخطاب لمطق الإنسان { إن الله كان غفورا رحيما } للمستغفرين.
[4.107-108]
{ ولا تجادل عن الذين يختانون أنفسهم } هم طعمة وقومه، أو بنو أبيرق، أو مطلق الخائنين، ودخل طعمة وقومه فيهم، وذلك أن خيانتهم لغيرهم خيانة لأنفسهم، إذ أوقعوها فى موجب العقاب، بيتو أن يشهدوا صباحا بالسرقة على اليهودى، دفعا عن طعمة، أو شبهت المعصية بالخيانة للنفس، أو الخيانة المضرة مجازا، وفى قوله يختانون وقوله { إن الله لا يحب من كان خوانا أثيما } مبالغة بالافتعال، وفعال وفعيل، لأن من طبعه السرقة، وقد تكررت منه فى الجاهلية، وعلم قومه بتكررها، حتى إنه مات فى مكة بعد ذلك تحت حائط نقبه للسرقة، أو هم بنو أبيرق، وصيغة المبالغة للنسب، فشملت ما لا مبالغة فيه، أو مراعاة الحال من الآية فى شأنه، وفيه ما فى:
وما ربك بظلام للعبيد
[فصلت: 46]. من الأوجه، وذكر الإثم بعد الخيانة مبالغة، أو الخيانة باعتبار إنكار السرقة، أو إنكار الوديعة، والإثم باعتبار تهمة البرىء،كما قيل عن ابن عباس، وآخر، لأنه مسبب عن الخيانة، ولتأخر وقوعه عنها وللفاصلة { يستخفون من الناس } حال فعل المعصية أو ما يعاب ويعد فعل ذلك حياء وخوفا { ولا يستخفون من الله } الجملة حال أو معطوفة، والمراد أنهم لا يقدرون على الإخفاء عن الله { وهو معهم } بالعلم، فهو أحق بأن يستخفوا منه، أى بأن يتركوا ما نهى عنه، خوفا لعقابه، فسمى الترك استخفاء، بجامع عدم الظهور، فإنه كما لا ظهور فى موجود مخفى لا ظهور فى معدوم، وفيه مشاكلة { إذ يبيتون } يدبرون ليلا { ما لا يرضى } أى الله { من القول } البهتان، وشهادة الزور، واليمين الفاجرة، قال طعمة: أرمى اليهودى بأنه سارق الدرع ، وأحلف إنى لم أسرقها، فتقبل يمينى، لأنى على دينهم، ولا تقبل يمين اليهودى، وقال قومه: نشهد زورا لدفع السرقة، وعقوبتها عن من هو واحد منا، وذلك تدبير ليلا، ولذلك عبر عنه بالتبييت، أو إطلاق للمقيد على المطلق، أو استعارة لجامع الاتفاق ما دبر ليلا وقت الخلو أجود وسمى التدبير، وهو مبنى فى النفس قولا، بناء على ثبوت الكلام النفسى، ولا بأس به فى المخلوق، أو ذلك تلفظ صدر منهم ليلا { وكان الله بما يعملون محيطا } فلا يفوته عقابهم، ويروى أن بشرا أخا بشير ومبشر وهم بنو أبيرق من بيت قتادة بن النعمان رضى الله عنه، كان منافقا يقول الشعر فى ذم الصحابة وينسبه لغيره، ويتهمونه به، ونقب غرفة رفاعة بن زيد، وسرق منها دقيق الحوارى وسلاحا، فذكر ذلك لابن أخيه قتادة، فقيل له: قد استوقد بنو أبيرق وما نرى إلا على طعامكم، وهم فقراء في الجاهلية والإسلام، وأنكروا، وبهتوا بذلك لبيد بن سهل فأتاهم بسيفه، فقال لهم: والله لتبيننه أو لأقتلنكم، فقالوا: والله ما سرقت، فاستعانوا بأسير بن عروة وغيره، أنهم ما سرقوا، فقالوا: إن قتادة يا رسول الله نسب أهل صلاح إلى السرقة فزجره وأخبر عمه رفاعة، قال رفاعة: الله المستعان، فنزلت الآيات فى بشر، فقال رفاعة: ذلك السلاح فى سبيل الله، قال قتادة، ومن حينئذ زال شكى فى إخلاص إيمانه.
[4.109]
{ هآ } حرف تنبيه، تدخل على المبتدأ المخبر عنه بالإشارة { أنتم هؤلآء } أشار إلى المجادلين كما فسره بقوله { جادلتم } الجدال أشد الخصام { عنهم فى الحياة الدنيا } حال، أو صلة هؤلاء بمعنى الذين، وهو قول الكوفيين، أو يا هؤلاء، فيكون جادلتم خبرا، وحذف حرف النداء من اسم الإشارة قليل، والخطاب لقوم طعمة بن أبيرق التفاتا من الغيبة إليه، لأن تعدد جنايتهم توجب المواجهة بالتوبيخ { فمن يجادل الله عنهم يوم القيامة } إذا حضر عذابهم { أم من يكون عليهم وكيلا } يمنع عنهم عذاب الله عز وجل، ويتولى أمرهم والاستفهامان للإنكار.
[4.110]
ناپیژندل شوی مخ