[3.69]
{ ودت } أحبت أو تمنت { طائفة من أهل الكتاب } اليهود { لو يضلونكم } لو مصدرية، أى إضلالكم، أو ودت ضلالكم، لو يضلوكم لسرهم ذلك، فلو شرطية، أو بيان لتمنيهم، كأنهم قالوا، ليتنا أضللناكم، فلو للتمنى { وما يضلون إلا أنفسهم } بالسعى فى إضلال غيرهم، إذ لم يتابعوا، كما روى أن اليهود دعوا عمارا وحذيفة ومعاذا إلى اليهودية فلم يوافقوهم، والآية تعم المسلمين، ولو خص سبب النزول بهؤلاء فسعيهم فى إضلال هؤلاء المسلمين زيادة فى إضلال أنفسهم، وذلك إخبار بالغيب، قيل لم يتهود مسلم قط، أو ما يهلكون إلا أنفسهم، فذكر الإهلاك بذكر سببه وملزومه، وهو الإضلال، ووزره عليهم خاصة، أو لا يضلون عمارا ومن معه، بل يضلون أمثالهم من الأشقياء، أو يزيدون فى ضلالهم، أو يضلون من شارف الإضلال، فسمى الأمثال، أو من شارف بلفظ الأنفس كأنهم هم لعلاقة التمادى فى الكفر، ولما هاجر المسلمون إلى النجاشى تبعهم عمرو بن العاص وعمارة بن أبى معيط فقالوا: جاءوا ليفسدوا دينك ويأخذوا ملكك، فجمع قسيسيه ورهابينه والترجمان، فسألهم عن رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقالوا، إنه يأمر بالتوحيد ويأمر بالمعروف وحسن الجوار وصلة الرحم ونحو ذلك، وأنزل الله عليه القرآن، فقرأوا له الروم والعنكبوت والكهف ومريم، وقال عمرو: إنهم يشتمون عيسى، فسألهم، فقالوا: عبد الله ورسوله، فقال: ما خالفتم، ولو قدر ما يقذى العين، محمد على الحق، وهو وأصحابه حزب إبراهيم، فقال عمرو: وما حزب إبراهيم؟ قال: الذين اتبعوه، فنزل فى المدينة إن أولى الناس الخ { وما يشعرون } أن سعيهم فى إضلال المؤمنين لا يؤثر فيهم وأن عليهم وزر ذلك، مع أنهم لا ينالون مرادهم.
[3.70]
{ يا أهل الكتاب لم تكفرون بأيآت الله } بالآيات التى فى التوراة والإنجيل الشاهدات على نبوة محمد صلى الله عليه وسلم ورسالته وبالقرآن وبالحجج الدالة على نبوته صلى الله عليه وسلم { وأنتم تشهدون } تعترفون بأن التوراة والإنجيل حق، وهما مشتملان على نعت محمد صلى الله عليه وسلم، وكتابة القرآن، أو لم تكفرون بالقرآن وأنتم تشهدون حقيقته من التوراة والإنجيل، وبمعجزاته صلى الله عليه وسلم، أو تشهدون له إذا خلوتم.
[3.71]
{ يا أهل الكتاب لم تلبسون } تخلطون { الحق } المنزل { بالباطل } الذى تأتون به كذبا، فهما لا يفرق بينهما، وذلك بتبديل الباطل مكان الحق، وبالتأويل الزائغ، وبإسقاط ما أنزل، ويكذبون ويحسنون كذبهم، وبإظهار الإسلام إخفاء للنفاق، فيتوصلون إلى غرض، وكما قالوا آمنا بالذى أنزل على الذين آمنوا وجه النهار الخ، فإنهم إذا فعلوا ذلك فقد نافقوا { وتكتمون الحق } ما في التوراة والإنجيل من نعت محمد صلى الله عليه وسلم والقرآن { وأنتم تعلمون } أنه حق وتقرون به إذا خلوتم، وربما أمرتم به من سألكم من غريب ومن ملتم إليه، روى البخارى عن أسماء بنت أبى بكر رضى الله عنه، أنه جاءت امرأة وقالت: يا رسول الله، إن لى جارة، أى ضرة، فهل على جناح أن أتشبع من مال زوجى بما لم يعطنى؟ فقال صلى الله عليه وسلم:
" المتشبع بما لم يملك كلابس ثوبى زور، ومن استعار ثوبين يتجمل أو يتنسك بهما لتقبل شهادته يتأزر بأحدهما ويرتدى بالآخر "
، ومن عادة العرب ألا يقبلوا شهادة من ليس لابس حلة، فكان أحدهم إذ لم يجدها استعارها، وأضاف التوبين الزور لأنهما يلبسان لأجله، وقد شهد زورا، وأظهر أن الثوبين له وليسا له، أو هو المرائى يلبس ثياب الزهاد وباطنه مملوء بالفساد.
[3.72]
{ وقالت طآئفة } جماعة، قدر ما تستدير ويطاف حولها { من أهل الكتاب } التوراة، تواطأ اثنا عشر رجلا من خيبر، أو منها ومن غيرها، فقال بعض، ككعب بن الأشرف ومالك بن الصيف لبعض، ادخلوا فى دين محمد أول النهار بألسنتكم دون قلوبكم، صلوا معه الفجر والظهر والعصر، واستقبلوا الكعبة، وقد شق على اليهود نسخ بيت المقدس إلى الكعبة، وأظهروا الكفر به آخر النهار، وقولوا، نظرنا فى كتبنا وشاورنا علماءنا فوجدناه كاذبا ليس الموصوف، فيشك أصحابه، ويقولون اليهود أهل كتاب وهم أعلم، فيرجعون معنا إلى ديننا وقبلتنا، فأخبر الله نبيه صلى الله عليه وسلم فلم يؤثر عقد حيلتهم فى قلب من ضعف إيمانه لهذا الإخبار، ولم يفعلوها أو فعلوها ولم يؤثر ذلك { ءامنوا بالذى أنزل على الذين ءامنوا } بالقرآن، فقد أقروا بأن الله أنزل، أو أنزل على الذين آمنوا فى زعم الذين آمنوا { وجه النهار } أوله، ووجه كل شىء مستقبله، وهو أول ما يواجه منه { واكفروا } أظهروا الكفر به الذى فى قلوبكم { ءاخره لعلهم } لعل الذين آمنوا { يرجعون } عن دينهم إلى دينكم، ويقولون، ما رجع اليهود عنه إلا لخلل بان لهم.
ناپیژندل شوی مخ