{ وإذ قال } واذكر إذ قال، وقيل: ظرف لقالوا { ربك للملئكة } كلهم، وقيل لطائفة خزان الجنان، يسمون الجان، أرسلهم إلى الأرض ليطردوا الجن منها إلى البحار ، والجزائر، والجبال، ولا يصح هذا، ولا يصح أن إبليس ملك منهم، وأقرب من هذا أنه ولد من الجن قبله، وليسوا ملائكة، قاتلهم الملائكة وأسروه فتعبد مع الملائكة، والمشهور أنه أول الجن، وقيل ملائكة الأرض، لأن الكلام فى خلافة الأرض، والمجرد ملئك بهمزة مفتوحة بعد الللام، وهو مقلوب مالك بهمزة ساكنة فهل اللام، من الألوكة، وهى الرسالة، وهم رسل الله إلى الأنبياء، وإلى ما شاء الله، وأخطأ من قال، إن ملائكة الأرض يعصون كبنى آدم، والملائكة أجسام نورانية قادرة على التشكل بأشكال مختلفة، وعلى الظهور { إني جاعل في الأرض خليفة } ينفذ الأحكام عنى، وهو آدم، إذ لا يقدر أهل الأرض على تلقى الأحكام عن الله ولا عن الملائكة { قالوا أتجعل فيها من يفسد فيها } بالذنوب الكبار والصغار والمكروهات كالعجب، والكبر والبغى، والحسد { ويسفك الدماء } يريقها، كناية عن القتل، ولو بلا إراقة دم، علموا ذلك من فعل الجن الذين سكنوا الأرض قبل آدم، فى القول به، وقاسوا عليه آدم وأولاده، أو علموا ذلك من اللوح، أو بإخبار الله لهم، كما روى أنهم قالوا يا ربنا، ما تفعل ذرية هذا الخليفة، فقال: يفسدون فيها، ويسفكون الدماء أو بإلهام، أو لفهمهم أن من خالف الخلقة الملكية لا يخلو عن ذلك، وقولهم ذلك تعجب وطلب للعلم بمكة اقتضت جعل الخيلقة مع أنه يحصل الفساد والسفك، ولعلهم بالغوا فى التعجب والطلب، فعاقبهم بقطع الوحى عنهم، إلى أن أوحى إليهم، أنى أعلم ما لا تعلمون. وقيل: استفهام حقيقى، أى أتجعل فيها من يفسد فيها ويسفك الدماء أم من يصلح { ونحن نسبح بحمدك } نسبحك مصاحبين بحمدك، تقول سبحان الله والحمد لله، أو سبحان الله وبحمده، أى وبحمده نسبح. سئل رسول الله صلى الله عليه وسلم أى الكلام أفضل؟ قال:
" ما اصطفى الله تعالى لملائكته، سبحان الله وبحمده "
، ويقال، تسبيح الملائكة سبحان ذى الملك والملكوت، سبحان ذى العظمة والجبروت، سبحان الحى الذى لا يموت، أو نسبحك مثنين عليك وشاكرين لك على توفيقك لنا للحمد، أو كقولك، كان كذا بحمد الله، أى بفضله وإذنه { ونقدس لك } نطهرك عن صفات النقص، أى نعتقد خلوك عنها، وجاز هذا لأن التسبيح المذكور مراد به لفظ سبحان، وإذا كان ذلك حالنا فنحن أحق بالاستخلاف، لأنا أحفظ لعهدك، ولا ندرى، ما الحكمة فى العدول عنا إلى من ذلك صفته، وذلك عجيب عندنا، متعجبون نحن منه، فأخبرنا بها، يقال قدس الله، وقدس لله، وشكر الله، وشكر لله، وسبح لله، وسبح لله، ونصح الله، ونصح الله، أو نذكر ألفاظ التقديس لأجلك، أو التسبيح التنزيه عما لا يليق به، فالتقديس تنزيه ذاته عما لا يراه لاثقابه، أو نقدس لك نطهر أنفسنا عما لا يجوز من الأدناس والمعاصى، فلا نماثلهم { قال إني أعلم ما } تبدون وما تكتمون وأعلم ما { ما لا تعلمون } من غيوب السماوات والأرض، ومن إرادتى إظهار حكمى وقدرتى، وأن المطيع الواحد منهم أفضل من الملائكة، وأنهم أشد عبادة وأشق، لأنى أخلق لهم موانع كالنفوس والهوى والشياطين منهم ومن الجن، والشهوات، ولهم جهاد وقراءة ليسألكم، وصلاتهم تشمل عبادتكم.
وعبادات لهم ليست لكم كالصوم والصدقة، وأظهر العدل فيهم ولا أبالى، وأدخل العاص منهم النار عدلا ولا أبالى، ويحيون من الدين ما لا تحيون بالتعلم والتعليم والأمر والنهى، علم الله ذلك ولم يعلمه الملائكة، وقالوا، سرا فيما بينهم، لن يخلق الله خلقا أكرم عليه منا ولا أعلم، لتقدمنا ورؤيتنا بعض ما فى اللوح، وأن آدم يطيع، وإبليس يعصى، وأن منهم أنبياء ورسلا، وأعلم مضارع لا اسم تفضيل، لأنه لا يضاف للمفعول.
[2.31-32]
{ وعلم آدم الأسماء } ألقاها فى قلبه مرة،لا بتعليم ملك كما قيل { كلها } من جميع اللغات، وهى الحروف، والأفعال، والأسماء، وواضع اللغة الله؛ فالمراد بالأسماء الألفاظ الدوال، على المعانى، فشملت الحرف والفعل إقراء وتركيبا، حقيقة ومجازا، ودخلت أسماء الله كلها، بل قيل، أراد أيضا ما يدل بلا لفظ كالنصب، والعقد، والإشارة بالجارحة، وحال الشىء، والمراد الأنواع كالإنسان، والفرس والجبل، والنخلة، لا الأفراد كزيد، وشذقم، وهيلة، وكل أهل لغة من أولاده وأولاد أولاده حفظ لغة، ونسى غيرها، وكلها موجودة فى أهل سفينة نوح، أو أوقد عليها فى ألواح، ودفنت وأخرجت بعد الطوفان، أو أوحتى ما اندرس منها إلى نوح أو هود، وآدم بوزن أحمر من الأدمة، بمعنى السمرة، ولا بأس بها فى الجنة، لأنه لم يدخلها جزاء، أو سمر بعد الخروج، وفسر بعضهم الأدمة بالبياض، ومن الأدمة بفتح الهمزة والذال، وهو الغدوة، أو من أديم الأرض، أى جلدها أى ظاهرها، أو من الأدم، أو الأدمة بمعنى الألفة، وألفه عن همزة، وقيل عجمى، بوزن شالح وآزر، فألفه أصل، وذلك فى الجنة، وخلق فى الدنيا، ورفعته الملائكة إلى الجنة، وعاش بعد خروجه منها ألف عام أو تسعمائة { ثم عرضهم } أى الأسماء بمعنى المسميات، وذكر الأسماء مرادا بها الدوال، ورد الضمير إليها مرادا به المدلول على الاستخدام، وضمير الذكور العقلاء تغليب على الإناث وغير العقلاء { على الملئكة } القائلين أتجعل فيها { فقال أنبئوني بأسماء } بألفاظ { هؤلاء } الأنواع المعروضة، أحضر كل نوع، فقال ما اسم هذا، جسما أو عرضا، مثل أن يلهمهم فى قلوبهم الفرح ما اسمه، والنفل ما اسمه، كما يقول لهم، ما اسم هذا مشيرا للحجر، وقد عرفوا بعض الأسماء والأفعال والحروف بلغة من اللغات، كما هو نص الآية، وإنما خص آدم بجمعه ما لم يعلموا إلى ما علموا، أو ذلك تعجيز لهم، لاتكليف بما لا يطاق { إن كنتم صدقين } فى دعوى أنكم أحق بالخلافة، والاقتصار عليكم عما يفسد ويفسك، وأنكم أعلم، وقد قالوا لن يخلق الله تعالى خلقا أعلم منا ولا أكرم، وكأنه قيل، فما قالوا، فقال:
{ قالوا سبحنك } عن أن نكون فى قولنا أتجعل الآية معترضين { لا علم لنا } بتلك المسميات وغيرها { إلا ما } أى إلا علم ما { علمتنا } إياه، أولا معلوم لنا إلا ما علمتناه، هذا اعتراف بالعجز، وشكر على إظهار الحكمة فى الخليفة لهم { إنك أنت العليم } بكل شىء { الحكيم } فى جميع ما فعل وما قال، وما يقول، وما يفعل، لا يكون منه سفه، أو لا يخرج الأمر عما أراد، يقال أراد فلان إحكام شىء، أى إتقانه فأتقنه ، أى لم يخرج عما أراد، وقدم العلم على الحكمة لأن المقام له ولقوله وعلم، وقوله لا علم، ولأن الحكمة تنشأ عن علم وأثر له، ولا حكمة بلا علم، لأن العلم لا يكون إلا صفة ذات، والحكمة تكون صفة ذات، بمعنى أنه أهل لأن لا يكون منه إلا الصواب وإلا الإتقان، وتكون فلا بمعنى إتقان الأمر والإتيان به صوابا.
[2.33]
{ قال يئادم } شرفه بالنداء، كما قال يأيها الرسول، يا موسى، وبأنه حقيق أن يعلم غيره، وبمنة التعليم والإفادة على الملائكة، وفى دعائه نفى استيلاء الهيبة عليه { أنبئهم } أى الملائكة { بأسمائهم } بأسماء المسلمين، وقد علمت أن المراد العقلاء وغيرهم، وغلب العقلاء، أى اذكر لهم الألفاظ الدالة عليهم، وفى ضمن ذلك ذكر حكمة المسمى، وللملائكة بعض لغة يفهمون بها ما يخاطبهم آدم به، أو يفهمون بإشارته أو بإلهام الله سبحانه لهم إلى الفهم عند خطابه، مثل أن يقول لعل للترجى، والإنسان أنا وولدى والجبل لذلك الجسم الصلب والأرض لهذه السطحية والقصعة ودعا لوضع الطعام، وقام بعنى تمدد جسده من هذه البسيطة، وآدم اسم عجمى لا دلالة له على معنى سوى ذاته، كما هو الأصح، أو أصله من الأدمة، وهو لون إلى سواد، أى سيكون كذلك إذا خرج إلى الدنيا، أو هو كذلك حتى إذا أدخلها جزاء كان أبيض، أو أفعل من أديم الأرض، وهو عربى على الوجهين، ومن ذلك { فلما أنبأهم بأسمائهم } العطف على محذوف، أى فأنبأهم، فلما أنبأهم { قال ألم أقل لكم إني أعلم غيب السموات والأرض وأعلم ما تبدون وما كنتم تكتمون } أى قولوا، قد قلت لكم إننى أعلم، لما عجزوا بادر لهم بالأمر بالإقرار بالعجز، أو وبخهم على عجلتهم إلى الاستفهام، وكان الأولى لهم أن يترقبوا ظهور الحكمة بلا سؤال، ولا سيما أن سؤالهم على صورة الاعتراض لفعل الله، والقدح فى بنى آدم، بل فى آدم أيضا وذريته بصورة العموم، ولو لم يقصدوا الاعتراض والقدم إجمالا، والآية موجبة لمجانية لفظ ما يوهم ما لايجوز، ولم لم يقصد ما لا يجوز، وغيب السماوات والأرض ما غاب فيهما، ولم يضمر للأسماء تعظيما لها، والأصل غيب السماوات والأرض وشهادتهما، لأنه يلزم من العلم بغيبهما العلم بشهادتهما، وذلك على العموم، وقيل المراد بغيب السماوات أكل آدم وحواء من الشجرة، وبغيب الأرض قتل قابيل وهابيل، وقيل غيب السماوات ما قضاه، وغيب الأرض ما يفعلونه، وقيل الأول أسرار الملكوت، والثانى ما غابه عن أصفيائه، وما تبدون ما تظهرون من قولكم، أتجعل فيهما.. إلخ، وما تكتمون من قولكم، لن يخلق الله أكرم منا ولا أعلم، والإبداء والكتم باعتبار ما بين الخلق، ولا يخفى عن الله شىء، وأدخل كان للإعلام، بأنه عالم بما استمروا على كتمانه فى الماضى، ولا تقل إنها زائدة، ولا إنها للاستمرار لأن الأصل عدم الزيادة ولأن تكتمون أدل على الاستمرار وحده منها.
[2.34-35]
ناپیژندل شوی مخ