[آل عمران 40]، أو تعجبا أو استفهاما حقيقيا عن الكيفية كقول الخليل عليه السلام، رب أرنى كيف تحيى الموتى { فأماته الله مائة عام } أى ألبته الله مائة عام ميتا، وذلك يستلزم وقوع الموت قبل الإثبات، وهو لا يكون إلا دفعة، أو يقدر، فأماته الله وألبثه مائة عام أو ولبث مائة عام، ووجه السببية أن الاستفهام أو التعجب أو الإنكار سبب لإرادة القدرة على البعث، وسمى الحول عاما لأنه قعود الشمس فيه للبروج كلها { ثم بعثه } ليريه الإحياء مع كيفيته من بعث الناقة من مكانها، تمثيلا للسرعة مع أنه أخرجه تام العقل والفهم كهيئته يوم مات { قال } الله بواسطة هاتف من السماء أو جبريل، أو رجل مؤمن شاهده يوم مات، وعمره الله إلى حين إحيائه { كم لبثت قال لبثت يوما أو بعض يوم } تام أول النهار، أو ضحى، فقبض، وأحيى عند الغروب بعد مائة عام، وأو للشك، أو بمعنى، بل ظن أنه بعث بعد اليوم الذى نام فيه، أو بعد فجره ليصح حزمه بتمام اليوم، وإلا لم يصح جزمه مع نقصان ما قبل الضحى منه، إلا إن لم يعده لقلته، وقال بعض، يوم شكا أو إضرابا، إذ رأى بقية الشمس { قال بل لبثت مائة عام } لا يوما ولا بعض يوم، فالعطف على محذوف، أى ما لبثت ذلك، بل لبثت مائة عام { فانظر إلى طعامك } تينا أو عنبا { وشرابك } عصيرا أو لبنا { لم يتسنه } عائد إلى الأول، ويقدر مثله للثانى، أو يعكس، أو لم يتسنه ما ذكر، أو اعتبر شيئا واحدا، لافترانهما كما مر فى جعل المن والسلوى طعاما واحدا، والهاء للسكت، والفعل يتسنن بتشديد النون الأولى، قلبت الثالثة ألفا لكراهة الأمثال، كتقضى فى تقضيض وتظنى فى تظنن، وحذفت للجازم، والهاء للسكت، أو من السنة على أن لامه هاء، فلهاء أصل، أى لم تمض عليه سنة أو سنون، أى لم يتصف بما يتصف به ما مرت عليه سنة أو سنون من التغيير. والتسنه عبارة عن مضى السنين، بالغ الإسرائيليون فى الفساد، فسلط الله عليهم بخت نصر، بضم الباء والنون وفتح الصاد مشددة، وبخت بمعنى عطية أو بان ونصر صنم، وجد عند الصنم ولم يعرف له أب، فنسب إليه، جاءهم من بابل بستمائة ألف راية، فخرب بيت المقدس، فقتل ثلثهم وأقر ثلثهم إلى الشام، وسبى ثلثا، وهو مائة ألف، فقسمه بين الملوك الذين معه، فأصاب كل ملك أربعة، وكان عاملا لكهراسف على بابل، وكان عزير ممن سباه، ولما تخلص من السبى ورم على القرية، وكان من أهلها، راكبا على حمار دخلها وطاف بها، فلم يجد أحدا، وغالب أشجارها حامل، فأكل وقطف فى سلة، وعصر فى زق وربط حماره، وألقى الله عليه النوم، وأماته فى نومه، وأمات حماره، وحفظ الله تينه وعصيره، أو لبنه ولحمه والأشجار عن الخلق، ومضت سبعون سنة، فسار ملك عظيم من ملوك فارس، اسمه كوسك، بإرسال الله ملكا من الملائكة، يقول له، إن الله تعالى يأمرك أن تنفر بقومك، فتعمر بيت المقدس وإيليا وأرضها حتى تعود أحسن مما كانت، فانتدب بثلاثة آلاف قهرمان مع كل قهرمان عامل فعمر بيت المقدس أحسن ما كان ورد الله بنى إسرائيل، وعمروه ثلاثين سنة كأحسن ما كان، وكثروا.
وقد مات بخت نصر ببعوضة دخلت دماغه، فأحيا الله منه عينيه، ثم شيئا فشيئا منه، وهو ينظر ونظر إلى طعامه وشرابه عنده لم يتسنه مع سرعة التغير إلى الطعام غالبا، ثم نظر إلى حماره عظاما متفرقة تلوح، فاجتمعت هى ثم أجزاؤه إليها فأحيا بمشاهدته فقام بنهق كما قال { وانظر إلى حمارك } فنظر إليه عظاما وأجزاءه متفرقة، فعلنا ذلك لتعلم كيف نحيى الموتى، وتمام قدرتنا على إحيائها والأزمة فى الإحياء سواء { ولنجعلك ءاية للناس } دالة على البعث، أو وفعلنا ذلك لنجعلك وأحوالك وأحوال حمارك آية للناس، أو لنجعلك وما معك آية للناس، فعلنا ذلك. وسماها، أعنى أجزاء الحمار حمارا باعتبار ما كان أو ما يكون { وانظر إلى العظام } عظام الحمار، وقبل عظام الحمار وعظام القوم، لا عظام الحمار فقظ كما قيل، وقيل: عظام نفسه، بأن خلق الله الحياة فى قلبه وعينيه وردهما فشاهد جسده عظاما بالية، وشاهد إحياءه، وإنما قلت، أحيا قلبه، لأن العين بلا قلب لا تحس، لكن إن شاء الله أحست، وكرر الأمر بالنظر لأن الأول ليرى أثر المكث الطويل والثانى ليشاهد الإحياء { كيف ننشزها } فبعثها حية، فالعظم حى يؤثر فيه الموت، كقوله تعالى: قل يحييها، أى من موت، وذلك مذهبنا ومذهب الشافعى، أو نركب بعضا على بعض، وانظر إلى حمارك سالما محفوظا كطعامك بلا علف ولا ماء، وانظر إلى عظام الآدميين الموتى الذين تعجبت من إحيائهم، والحمار على هذا حقيق، ورجحوا لأول لمناسبته أمر البعث وقد يرجع الثانى لأنه سماه حمارا، أو لم يسمه عظاما، وفصل بينه وبين قوله، وانظر إلى العظام بقوله: ولنجعلك آية للناس { ثم نكسوها لحما } فنظر إلى عظام الحمار أو الموتى تنتشر وتكسى لحما، روى أنه نادى ملك، أيتها العظام البالية إن الله يأمرك أن تجتمعى، فاجتمع كل جزء من أجزائها التى ذهب بها الطير والسباع والرياح، فانضم بعضها إلى بعض، والأعصاب والعروق، واتصل كل بمحله، وانبسط عليه اللحمن ثم الجلد ثم الشعر، ونفخ فيه الروح، وقام رافعا رأسه وأذنيه ينهق، وروى أنه أقبل ملك يمشى وأخذ بمنخر الحمار فنفخ فيه الروح فقام حيا { فلما تبين له } أن الإحياء أو شأن الإحياء، وهو أى قدر الله المدلول عليه بقوله { قال أعلم أن الله على كل شىء قدير } لا على التنازع، لأن قوله، إن الله على كل شىء قدير مع أعلم قبله لفظ مفرد بالحكاية، أحاط به القول ولا يشاركه غيره فيه، ولو كان فى الأصل جملتين فإن الله.
.. الخ جزء اسم، وأما أن يشترط للتنازع الارتباط بعطف فلا أقول به، ولو قال به ابن عصفور، وهو باز من بيزان الفن، كما قالوا بالتنازع فى قوله تعالى،
هاؤم اقرءوا كتابيه
[الحاقة: 19]، والمراد، أعلم علم مشاهدة ومعاينة بعد العلم بالبرهان، أو المراد بأعلم العلم الاستمرارى السابق والمتأخر والحاضر، وأتى قومه على ذلك الحمار، وقال، أنا عزير فكذبوه، فقرأ التوراة من رأسه، ولم يحفظها أحد قبله، فعرفوه بذلك، وقالوا، هو ابن الله، ويروى أنه رجع إلى بيته شابا وأولاد أولاده شيوخ فإذا حدثهم قالوا حديث مائة سنة فكذبوه، فقال، هاتوا التوراة، فقرأها من رأسه وهم ينظرون فى الكتاب، ولم يزد حرفا ولم ينقص، وكان قبل بخت نصر ببيت المقدس ممن قرأ التوراة أربعون ألف رجل. ولما رجع عزير وجدهم جاهلين بالتوراة فاقدين نسختها، فقرأها عن ظهر الغيب، فقال رجل من أولاد المسلمين ممن ورد بيت المقدس بعد هلاك بخت نصر، حدثنى أبى عن جدى لكم، فذهبوا به إلى كرم جده، ففتشوا فوجدوها، فعرضوها على قراته فما خالف خوفا، وروى أنه حين اسود الرأس واللحية إذ هو ابن أربعين سنة حين أماته الله، وأنكر الناس وأنكروه، وأتى محلته وأنكر المنازل، ووجد فى محلته عجوزا قد أدركت زمن عزير، فقال لها عزير: يا هذه، هذا منزل عزير، قالت: نعم وأين عزير، فقدناه منذ كذا، وبكت شديدا، قال: فإنى عزير، قالت سبحان الله، كيف ذلك، قال: أماتنى الله مائة عام ثم بعثنى. قالت: إن عزيرا محاب الدعاء، فادع الله يرد على بصرى حتى أراك، فدعا الله، ومسح بين عينيها فأبصرتا، وأخذ بيدها، فقال، قومى بإذن الله، فقامت صحيحة، فنظرت إليه فقالت، أشهد أنك عزير، وانطلقت به إلى محلة بنى إسرائيل، وكان فيهم ابن لعزير بلغ مائة سنة وثمانى عشرة، وبنو بنيه شيوخ، فنادت، هذا عزيز قد جاءكم، فكذبوها، فقالت، انظروا، إنى بدعائه رجعت إلى هذه الحالة، فنهض الناس إليه، فقال ابنه، لقد كان لأبى شامة سوداء بين كتفيه، فنظروا فإذا هو كذلك.
[2.260]
{ وإذ } ظرف زمان متعلق بقال من قوله قال أو لم تؤمن، أو مفعول به لا ذكر كما قال الله جل وعلا، واذكروا إذ جعلكم خلفاء، والأمر بذكر الوقت أمر بذكر ما فيه { قال إبراهيم رب أرنى كيف تحيى الموتى } قيل، سأل ذلك لأن الله عز وجل قال، إنى اتخذتك خليلا، وأجيب دعوتك، وتحيى الموتى بإذنى، والأولى أنه مر على حمار أو حوت أو رجل ميت بساحل بحر طبرية، إذا مد أكل منه الحوت، أو جزر أكل منه السباع والطير، وقد قال نمروذ له، إذ قال ربى الذى يحيى ميتا ويميت حيا، هل عاينته بفعل ذلك، فسأل الله، أن يريه كيف يحيى الموتى من بطون الحوت والسباع والطير، ومن أرواثها ليزداد يقينا، فيصير له عين اليقين بعد علم اليقين، لأن البيان أقوى من الإخبار، وليقول، نعم، عاينت إذا قيل لهم، هل عاينت، وكيف مفعول مطلق لتحيى، والجملة مفعول ثان لأرى من الإرادة البصرية، علقها الاستفهام عن الثانى، فإن الرؤية البصرية تعلق كالعلمية عندى، تقول، رأى عمرو بعينه كيف أفعل، ونظر بعينه كيف فعلت { قال أو لم تؤمن } بقدرتى على إحياء الموتى، أى ألم تعلم، ولم تؤمن { قال بلى } آمنت، سأله ليجيب بقوله بلى { ولكن ليطمئن } سألتك ليطمئن { قلبى } بالمعاينة فيعلم السامع للقصة أن إبراهيم غير شاك، وقد اطمأن قلبه بالدلائل والوحى، لكن أراد اطمئنانا آخر مضموما إلى اطمئنان الدلائل والوحى، أو اطمئنانا عن الاضطراب الحاصل من التشوف إلى رؤية الكيفية والإيمان، يزداد بزيادة الأدلة، وينقص بالكسل والإعراض وكأنه قال ليذهب قلبى إلى المشاهدة بها { قال فخذ } إذا أردت ذلك فخذ، ويجوز تقدير أن على التجوز، أو عطف أمر على إخبار، أى قبلت سؤالك فخذ { أربعة من الطير } أو يقدر، إن تصممت على ذلك فخذ أربعة أفراد من الطيرن وهو اسم جمع عند سيبويه، ويدل له أنه ينسب إليه. لا لمفرد وجمع عند الأخفش، كتاجر وتجر، ومخفف طير بالشد مسمى به جماعة، أو مصدر سميت به، وخص الطير لأنه كالإنسان يمشى على رجلين كالإنسان، ورأسه مدور كالإنسان، ولقوة إدراك بعضها، حتى إنها تعلم فتتعلم، والببغاء والدرة تتكلمان بلا تعليم وتتعلمان ما علمتا، ولأنه يطلب المعاش والمسكن، ولجمعه ما فى الحيوان وزيادة الطيران، ولأنه همة إبراهيم عليه السلام القصد إلى جهة العلو، والطير تعلو للسماء، وللمنسابة خصها فى قوله صلى الله عليه وسلم:
" لو توكلتم على الله حق توكله لرزقتم كما ترزق الطيور، تغدو خماصا وتروح بطانا "
، فقيل أمر أن يأخذ طاووسا وديكا وغرابا وحمامة أو نسرا بدل الحمامة، كما أخرجه ابن أبى حاتم عن ابن عباس.
لكن ذكر بدل الغراب الغرنوق، أو اختار الأجناس هو لصفاتها، ففى الطاووس زوج، وفى الديك شدة حب الجماع، وفى الغراب الحرص، وفى الحمامة الأنس، وهن صفات الإنسان، وقيل الديك والغراب والطاووس لخيانتهن، فالطاووس خان آدم، والبط قطع شجرة اليقطين عن يونس، والديك خان إلياس، لأنه سرق ثوبه، والغراب خان نوحا، لأنه اشتغل بالميتة حين أرسل لينظر موضعا لا ماء فيه { فصرهن } أملهن { إليك } أمره بإمالتهن إليه ليحقق أوصافهن قبل أن تفرق أجزاؤهن لما بعد اجتماعها فيراها كحالها الأول ليست آخر مثلها، ولا خالف جزء موضعا له، وفى الآية عمل العامل فى ضميرين لمسمى واحد، مع أنه من غير باب علم وظن وعدم وفقد ورأى الحلمية، وهو مقيس إذا كان أحدهما بحرف، لا كما توهم بعض، فضمير صر وإليك لواحد، ومنه قوله تعالى، يجره إليه، وقوله تعالى: وهزى إليك، وقوله تعالى: وتوبى إليك، وقوله تعالى: واضمم إليك، وقوله تعالى: فسيحشرهم إليه، وقوله: يخصفان عليهما، وقوله، يهديهم الله. إذا قلنا هاء إليه، كما هو المتبادر عائدة إلى الله، وقوله تعالى: ولا يجدون لهم من دون الله وليا ولا نصيرا، إذا قلنا وجد هنا بمعنى لقى وصادف، فيكون له مفعول واحد، وهو المتبادر هنا، ومن ذلك قوله تعالى: وآتانى منه رحمة ورزقنى منه { ثم اجعل على كل جبل منهن جزءا } ولا يتصور إلا بالقطع، فالقطع مفعوم التزاما، أو صر بمعنى اقطع، وعليه فإليك يتعلق بخذ، أو يقدر صرهن واضممهن إليك، وصر اقطع، وإنما قطعهن بعد الذبح وذلك لئلا يعذبن، ولئلا يتناول الميتة، ويقال قطعهن، وخلط لحومهن وريشهن ودماءهن وسائر أجزائهن. والأجزاء أربعة فالجبال أربعة، وقيل الأجزاء سبعة فالجبال سبعة، أو الأجزاء عشرة والجبال عشرة، ولم يشترط تساوى الأجزاء، واختار بعض التساوى، أو على كل جبل من جبال أرضك ولو كثرت { ثم ادعهن } قل: تعالين بإذن الله إليك { يأتينك سعيا } على أرجلهن لا طائرات ، ليتحقق أن أرجلهن سوالم، ثم يطرن فيتحقق أنه لم يبطل طيرانهن، أو سعيا فى الهواء بالطيران، وقيل أمسك رءوسهن عنده بأمر الله فأتت أجزاء كل طائر إلى رأسه بعد اجتماعها، وذكر القرطبى، أنه لما اجتمع أجزاء كل طائر فى جملة أعاد النداء فجاءت إلى الرؤوس، فيقرب رأس طائر إلى غيره فيتباعد حتى يقرب إليه رأسه، وعن الحسن أنه عليه السلام نادى: أيتها العظام المتفرقة واللحوم المتمزقة والعروق المنقطعة اجتمعن برد الله فيكن أرواحكن وعن مجاهد، دعاهن باسم إله إبراهيم، وذلك الدعاء تكرير من الله لحياتهن، وقيل: التقدير: فقطعهن ثم اجعل على كل جبل من كل واحد منهن جزءا أحيهن فإذا أحييتهن فادعهن. وهذا تكلف. وسعيا مفعول مطلق ليأتينك لأن المراد إتيان سعى، أو لحال محذوف، أى ساعيات سعيا، أو يقدر ذوات سعى أو مبالغة { واعلم أن الله عزيز حكيم } لا يعجزه شىء ولا يعبث.
ناپیژندل شوی مخ