خمسُمائة رَطْلٍ بالبَغْدادي. وقال بعضُهم: ليس له حَدٌّ بمقدارٍ، [٣/أ] بل بالعادةِ. هكذا حكى ابنُ عبد السلام هذه الأقوالَ. وقال ابنُ راشدٍ: ليس في المذهبِ في القليلِ حَدٌّ. ورأيتُ لابن رُشْدٍ أنَّ اليسيرَ قدرُ ما يَتوضأُ به ويَغتسلُ. قال: والمعلومُ مِن قولِ ابنِ القاسم وروايتِه عن مالكِ: أَنه مِثْلُ الجرةِ.
وإن لم يَفْسُدْ مِن قطرةِ البولِ فإنه يَفسد بما هو أكثرُ مِن ذلك، وإن لم يتغيرُ بخلافِ الجُبِّ والمَاجَلِ فإنه لا يَفسد بما وقع فيه إلا أَنْ يَتغير.
وحاصلُ ما ذَكَرَ المصنفُ ثلاثةُ أقوالٍ: المشهورُ أنه طَهورٌ إلا أنه يُكره استعمالُه مع وجودِ غيرِه؛ لما رواه أحمدُ وأبو داود والترمذيُّ والنسائيُّ: قيل: يا رسول الله، أنتوضأُ مِن بئرِ بُضَاعَةَ، وهي بئرٌ تُلقى فيها الجِيفَةُ والنَّتْنُ ولحومُ الكلاب؟ قال: "الماءُ طَهُورٌ لا يُنْجِسُه شيء" صحَّحه الإمامُ أحمدُ وحسَّنَه الترمذيُّ.
ولا يُعارِضُه حديثُ القُلتين، فإنه إنما يَدُلُّ بالمفهومِ، وأيضًا فإنَّ المفهومَ إنما يُعمل به إذا لم يَكُن ثَمَّ دليلٌ أرجحُ منه. وقد اختَلف الناسُ في صِحَّةِ حديثِ القُلتين، فصحَّحه الدارقطنيُّ وابنُ خُزَيْمَةَ وابنُ حِبَّانَ، وتَكلم فيه ابنُ عبد البر وغيرُه. وقيل: الصوابُ وَقْفُهُ. ومِنْ ثَمَّ وَقَعَ في المذهبِ قولٌ أَنَّهُ غَيْرُ مكروهٍ، حكاه اللخميُّ ولم يَعْزُهُ.
ثم قال: ورَوى أبو مصعبٍ عن مالكٍ أنه قال: الماءُ كلُّه طاهرٌ إلا ما تَغَيَّرَ لونُه أو طعمُه أو رِيحُهُ بنجاسةٍ حَلَّتْ فيه مَعِينًا كان أو غَيْرَ مَعِينٍ. وقال: فعلى هذا يُتوضأ به مِن غيرِ كراهةٍ. وذَكَرَ ابنُ بَشير أن اللخمي حكاه عن أبي مصعب، وليس بظاهرٍ؛ لأنه لم يُصَرِّحْ به عن أبي مصعبٍ، ثُم رَدَّه ابنُ بَشير لعدمِ وجودِه في المذهبِ، وليس رَدُّ ابنِ بشير بشيءٍ؛ لأنَّ حاصلَه شهادةٌ على نَفْيٍ.
وأَوْرَدَ ابنُ راشد سؤالًا، وهو أن المكروهَ ليس في فعلِه ثوابٌ، وقد صحَّ الوضوءُ به، والصحةُ تستلزمُ الثوابَ، فكيف يُجمع بينهما؟ انتهى.
1 / 15