ثالثُها: وهو الذي يَأتي عليه ما قاله سندٌ- ما قاله أبو محمد مِن أنَّ المسألةَ محمولةٌ على الإطلاقِ- وإن لم يَكُنْ في بدنِه أذىً- لقولِه: كماءٍ تُطُهِّرَ به مَرَّةً. قال القاضي: وهو أسعدُ؛ لأنه كجوابِه في الماءِ المستعملِ سواءٌ. ولتعلمْ أنّ الخلافَ الذي ذكره المصنفُ إنما هو في حقِّ مَن سَلِمَتْ أعضاؤه مِن النجاسةِ وغيرِها، وأما إِنْ كان نجسَ الأعضاءِ- فهو ماءٌ حَلَّتْه نجاسةٌ، وأما إِنْ كان وَسِخَ الأعضاءِ- غيرَ نجسِها- فهو ماءٌ حلّته أوساخٌ طاهرةٌ فَأَجْرِهِ على ما تقدم.
وعلى كلٍّ مِن التعاليلِ لا يَنبغي أنْ يُؤتى بالمستعمل في قسمِ ما خُولِطَ ولم يتغير، إلا على الثالث، فقد يُؤتي به، وقد لا يؤتي به، إذ لا تَلزَمُه المخالطةُ في حقِّ الخارجِ مِن الحمَّامِ مَثَلًا.
ونَصَّ ابنُ القاسم بعد قولِ الإمامِ مالكٍ (لا خَيْرَ فِيهِ) على أنه إذا لم يَجِدْ غيرَه- أَنَّهُ يتوضأ به. وحَمَلَ غيرُ واحدٍ مِن الشيوخِ المختَصِرِين قولَ مالكٍ (لا خَيْرَ فِيهِ) على معنى: لا خيرَ فيه مع وجودِ غيرِه، فإذا لم يُوجد غيرُه- فكما قال ابنُ القاسم؛ فهما متفقان. عياضٌ: وعلى ذلك أكثرُ المختَصِرِينَ. وقال ابنُ رشدٍ: هما مختلفان، ورَجح بأنّ ظاهرَ (لا خَيْرَ فِيهِ) التحريمُ؛ لأن المكروهَ لا يُنفى عنه الخيرُ نفيًا عامًّا، وقوله (وَقَالَ فِي مِثْلِ حِيَاضِ الدَّوَابِّ: لا بَاسَ بِهِ) أي لكثرته.
وقوله: (أَصْبَغُ: غَيْرُ طَهُورٍ) أي قال أصبغُ: هو غيرُ طهورٍ. وقال اللخميُّ وغيرُه: هو قولُ مالكٍ في مختصرِ ابن أبي زيد، ومذهبُ ابنِ القاسم في كتاب ابنِ القَصَّار؛ لأن ابن القصار حَكَى عنه أنه يتيممُ مَن لم يَجِدْ سِواه. وحكى بعضُهم عن الأَبْهَرِيِّ أنه تأوَّل ما وَقَعَ لابنِ القاسم في كتابِ ابنِ القصارِ- على أنه يَتوضأ به ويتيمم.
وقوله: (وَقِيلَ: مَشْكُوكٌ فيه) لم يُصرِّح قائلُ هذا القولِ- وهو الأبهري- فيما حكاه ابنُ القصار بأنه مشكوكٌ فيه، كما ذَكَرَ المصنفُ، وإنما قال: يتوضأ به ويتيمم. قال اللخميُّ: وأَراه في معنى المشكوكِ وفي حُكمِه. وصرّح ابنُ عطاء الله بأنه قولٌ ثالثٌ في المسألة- كما
1 / 13