قالا: "لَمَّا نُزل برسول الله ﷺ طفِق يطرحُ خميصةً له على وجهه، فإذا اغتمَّ بها كشفها عن وجهه، فقال وهو كذلك: "لعنةُ الله على اليهود والنصارى، اتَّخذوا قبورَ أنبيائهم مساجد، يُحذِّرُ ما صنعوا".
وقولهما ﵄ في الحديث: "لَمَّا نُزل" يَعنيَان الموتَ، وقد اشتمل هذا الحديث على ثلاثة أمور:
الأمر الأول: الدعاء على اليهود والنصارى باللَّعن.
الأمر الثاني: بيان سبب اللَّعن، وهو اتخاذ قبور أنبيائهم مساجد.
والأمر الثالث: بيان الغرض من ذكر ذلك، وهو تحذيرُ هذه الأمَّة من الوقوع فيما وقع فيه اليهود والنصارى، فيستحقُّوا اللَّعنة، قال الحافظ في الفتح (١/٥٣٢) في شرح هذا الحديث: "وكأنَّه ﷺ علم أنَّه مرتحلٌ من ذلك المرض، فخاف أن يُعظَّم قبرُه كما فعل مَن مضى، فلعن اليهود والنصارى إشارة إلى ذمِّ مَن يفعلُ فعلَهم".
وثبت في صحيح مسلم من حديث جندب بن عبد الله البَجَليِّ أنَّه قال: سمعتُ النَّبِيَّ ﷺ قبل أن يموت بخمسٍ، وهو يقول: "إنِّي أبرَأُ إلى الله أن يكون لي منكم خليلٌ، فإنَّ الله قد اتَّخذني خليلًا، كما اتَّخذ إبراهيم خليلًا، ولو كنتُ متَّخذًا من أُمَّتي خليلًا لاتَّخذتُ أبا بكر خليلًا، ألاَ وإنَّ مَن كان قبلكم كانوا يتَّخذون قبور أنبيائهم وصالِحيهم مساجد، ألاَ فلا تتَّخذوا القبورَ مساجد، إنِّي أنهاكم عن ذلك".
وفي الصحيحين عن أبي هريرة ﵁ قال: قال رسول الله ﷺ: "قاتَل الله اليهودَ؛ اتَّخذوا قبورَ أنبيائهم مساجد"، وثبت في الصحيحين من حديث عائشة ﵂ وصْفُ الذين يَبنونَ المساجد على القبور بأنَّهم شرارُ الخَلق عند الله.
1 / 36