أحدهما: الاعتبار فيما بدا، وحكمه في ماضي إرادته فيما أنشأ.
والأمر الثاني: فإحكام تدبير منشأه، وتبليغه غاية مداه، بإحداث ما لا يكون بلوغ المدى للآية، وما يريد الحكيم من إبقاء المنشأ بأسنانه من مواد الأغذية، وحوط المنشأ من كل مفنية.
ثم يكون ذلك في لطف مدخله، وحوط فرعه من الفساد وأصله على قدر حكمة تدبير المدبر، واقتدار قدرة العليم المقدر، فلا يمكن في حكمه التدبير، ولا تدبير ذي العلم القدير، أن يزيد كون لقائه إلا مع خلقه، المقيم إبقائه من مادة الغذاء وتركيب التي للاغتذاء من الأفواه والأوعية، وبسط الأيدي العبدية لاستحالة بقاء الحمقى مع عدم ما به للبقاء، واستنكار دوام دائم، أو توهم قوام قائم، جعلهما الله لا يدومان إلا بمديمهما، ولا يقومان طرفة عين إلا بمقيمهما، ثم يقطع المديم المقيم لهما عنهما وهو مريد مع قطعه بدوامهما لما في ذلك من الجهل الذي تعالى الله عنه، وخطأ التدبير الذي بعد سبحانه منه، كنحو ما خلق من حيوان للإنسان الذي خلقه، لا يبقى إلا عادة الغذاء، وجعل غذاه لا يكون إلا بتجرد الأرض والماء وبما فطر سبحانه من حرارة النار والهواء، وبما جعل من فصول السنة الأربعة، وجعل السنة لا تكون إلا بشهورها المجتمع، وجعل الشهور لا تتم إلا بأيامها ولياليها، وما قدرها الله عليه من تواليها، وجعل الأيام لا تتم إلا بساعات أزمانها، والأزمان لا تتم إلا بحركة الأفلاك ودورانها.
(الليل والنهار) 26
مخ ۴۳