د ملتونو د پرمختګ نفسياتي سننونه
السنن النفسية لتطور الأمم
ژانرونه
ولدينا دليل على ذلك فيما نلاقيه من مباني الفرس التي شيدت بعد عشرة قرون، وبيان الأمر أن الأسرة الكينية التي أسقطها الإسكندر قد خلفتها الأسرة السلوقية فالأسرة الأشكانية فالأسرة الساسانية التي قضى عليها العرب، وبالعرب اكتسب الفرس فن بناء جديد، وما يشيده الفرس من مبان على أثر ذلك فذو طابع إبداع ثابت ناشئ عن مزج الفن العربي بفن بناء الكينيين القديم المعدل بخلط مع فن الأشكانيين ذي المسحة اليونانية كالأبواب الشاهقة التي تبلغ ذروة وجهة البناء، وكالآجر المطلي بالميناء، وكالأقواس ذات الزاوية في أعلاها إلخ، وهذا الفن الجديد هو الفن الذي نقله المغول إلى الهند محولا بعد ذلك.
وتدلنا الأمثلة السابقة على ما قد تحدثه الأمة من التحولات في فنون أمة أخرى، وذلك بحسب العرق وبحسب الزمن الذي يدوم فيه نفوذها.
ويرجع الفن المستعار - كما رأينا - إلى طور منحط لدى عرق متأخر كالإثيوبيين يحمل وراءه قرونا مع اتصاف بقدرة دماغية ناقصة، وقد رأينا لدى الأغارقة؛ أي لدى العرق الرفيع وذي المجهود في عدة قرون، تحول الفن القديم إلى فن جديد أعلى منه تحولا تاما، ولم نجد لدى عرق آخر؛ أي لدى الفرس الذين هم دون الأغارقة سموا، والذين لم يمهلهم الزمن، غير حذق كبير في التركيب وبدء بالتحويل.
ولكننا إذا عدونا تلك الأمثلة التي يرجع معظمها إلى زمن بعيد وجدنا من الأمثلة ما هو أحدث من تلك كثيرا، وجدنا من نماذج هذه الأمثلة ما لا يزال قائما وما يدل على عظم التحولات التي يضطر العرق إلى إحداثها فيما يقتبسه من الفنون، وتلك الأمثلة تزيد بروزا عند النظر إلى أمم تدين بديانة واحدة مع اختلاف أصولها، وأقصد بذلك المسلمين.
فلما استولى العرب في القرن السابع على معظم العالم اليوناني الروماني القديم وأقاموا إمبراطوريتهم العظمى التي لم تلبث أن امتدت من إسپانية إلى أواسط آسية مارة بجميع شمال إفريقية وجدوا أنفسهم أمام فن بناء واضح المعالم، وجدوا أنفسهم أمام فن البناء البزنطي، فانتحلوه على علاته في بدء الأمر، سواء أفي إسپانية أم في مصر أم في سورية، وذلك في شيد مساجدهم، ولدينا برهان على ذلك الانتحال في مسجد عمر بالقدس، ومسجد عمرو بالقاهرة، وفي غيرهما من المباني التي لا تزال قائمة، ولكن ذلك الانتحال لم يدم طويلا؛ فقد رئي أن المباني تتحول بين قطر وقطر وبين قرن وقرن بسرعة، وفي كتابنا «حضارة العرب» درسنا أمر هذه التحولات، فوجدناها بلغت من الاتساع ما لا تبصر معه أدنى شبه بين بناء أقيم في بدء الفتح كمسجد عمرو بالقاهرة (724) وبناء أقيم في آخر العهد العربي كمسجد قايتباي (1468)، ومما أظهرناه بشروحنا وصورنا في ذلك السفر أن المباني القائمة في مختلف البلدان التي دانت لشريعة الإسلام بلغت من الاختلاف ما يتعذر معه جمعها تحت اسم واحد؛ وذلك خلافا لما يمكن فعله، مثلا، في أمر المباني القوطية البادية التشابه مع تنوعها.
ولا يمكن عزو تلك الفروق الأساسية في فن بناء البلدان الإسلامية إلى اختلاف المعتقدات ما دام الدين واحدا، بل يعزى إلى اختلاف العروق الذي يؤثر في تطور الفنون ومصاير الدول تأثيرا عميقا.
وإذا صح ذلك القول وجب علينا أن ننتظر اطلاعنا في البلد الواحد الذي تسكنه عروق مختلفة على مبان متباينة أشد التباين، على الرغم من وحدة المعتقدات ووحدة السلطان السياسي، وهذا ما يشاهد في الهند بالضبط. وفي الهند يسهل أن تجد من الأمثلة ما يؤيد المبادئ العامة المعروضة في هذا الكتاب، فتراني أعود إليها على الدوام، ولنا في شبه جزيرة الهند الكبرى أكثر كتب التاريخ إغراء وحكمة، واليوم تمثل الهند، في الحقيقة، القطر الوحيد الذي يمكن بانتقال بسيط بين البقاع أن يطاف به كما يراد في غضون الزمان، وأن ترى فيه ماثلة سلسلة المراحل المتعاقبة التي اضطرت البشرية إلى مجاوزتها للوصول إلى مستوى الحضارة العالي، وفي الهند تشاهد جميع وجوه التطور، تشاهد فيه العصر الحجري كما تشاهد فيه عصر الكهرباء والبخار، ولا تجد في مكان ما تجده في الهند من العوامل العظيمة التي تهيمن على تكوين الحضارات وتطورها.
وقد حاولت، مطبقا المبادئ المشروحة في هذا الكتاب، أن أحل مسألة بحث عنها منذ زمن طويل، حاولت اكتناه أصل فنون الهند، وهذا الموضوع إذ كان معروفا قليلا إلى الغاية، وإذ كان ينطوي على تحقيق طريف لأفكارنا في روح العروق، نرى تلخيص أهم خطوطه هنا.
1
لم تظهر الهند من ناحية الفنون إلا في زمن متأخر جدا من التاريخ، ولا يكاد أقدم آثارها؛ كأعمدة أشوكا ومعابد كارلي وبهارت وسانچي إلخ، يعود إلى ما هو أقدم من التاريخ الميلادي بقرنين، وعندما أقيمت تلك الآثار كان معظم حضارات العالم القديم المسنة؛ كحضارات مصر وفارس وآشور، قد أتمت دورها فأوغلت في ليل الانحطاط، وكانت حضارة رومة وحدها تحل محل الحضارات الأخرى، وكان العالم لا يعرف غير رومة سيدا.
ناپیژندل شوی مخ