ثم قال بعد ذلك: وقولي ثانيا أو شافعا لي مما قد جنيت غدا فهي شفاعة أخرى غير شفاعة الإنقاذ بالاستغفار للذنب، قال تعالى: ﴿وَاسْتَغْفِرْ لِذَنْبِكَ وَلِلْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ﴾ [محمد: ١٩] . وقال: ﴿أَنَّهُمْ إِذْ ظَلَمُوا أَنفُسَهُمْ جَاءُوكَ فَاسْتَغْفَرُوا اللَّهَ وَاسْتَغْفَرَ لَهُمْ الرَّسُولُ لَوَجَدُوا اللَّهَ تَوَّابًا رَحِيمًا﴾ [النساء:٦٤] . فالأولى شفاعة فعلية بأن ينقذه من العذاب بعد وقوعه فيه، والثانية شفاعة قولية بأن يحال بين المذنب وبين المؤاخذة -قال- وهذا ظاهر. انتهى.
أقول بل كله كلام باطل متناقض، من ذلك كونه جعل قوله في خطابه للنبي ﷺ ومنقذي من عذاب الله والألم أو شافعا لي إخبارا فهذا باطل، بل هو استغاثة به ﷺ لا خبر وقد قدمنا -عند قوله فيما تقدم: وصاحب البردة يخبر أنه إن لم يكن النبي ﷺ آخذا بيده وإلا فقل يا زلة القدم- إيضاح ذلك ولكن لو سلم أنه خبر مع استحالة كونه خبرا فهو إخبار منه للنبي ﷺ لأن الخطاب معه فهو يخبر النبي ﷺ بأن يشفع له شفاعتين قولية وفعلية،
فهو يخبر النبي بما لا يعلمه لأنه لو كان يعلم ذلك لم يحتج إلى إخباره له بذلك.
وحقيقة كلامه إذا جعله خبرا أنه يقول أنت يار سول الله تشفع لي شفاعتين فعلية وقولية. فهل يوجد كلام أسمج من هذا الكلام؟! مع تضمنه الكذب على الله وعلى رسوله وتزكية نفسه بحصول شفاعة النبي ﷺ له، فهو والحالة هذه شاهد لنفسه بأنه من أهل الجنة، وجعله الشفاعة الأولى بأن ينقذه النبي ﷺ من العذاب بعد وقوعه فيه، والشفاعة الثانية استغفار النبي ﷺ له ما أعجب هذا!!
هل في الآخرة توبة واستغفار؟! وإنما الواقع من الأنبياء وغيرهم الشفاعة، ولم يأت أهل الموقف إلى الأنبياء يقولون استغفروا لنا بل بقولون اشفعوا لنا.
وأيضا إذا حصلت لهذا الشفاعة الفعلية بزعمه، وهي الإنقاذ من العذاب فقد سلم من المؤاخذة بذنبه فلا يحتاج أن يشفع له ثانيا بأن لا يؤاخذ
1 / 66