د اخلاقو ميتافيزيک تاسيس
تأسيس ميتافيزيقا الأخلاق
ژانرونه
أريد أن أسلم، بدافع من المحبة للإنسان، أن معظم أفعالنا تتفق مع الواجب، غير أن الإنسان حين ينظر عن كثب إلى ما تنطوي عليه وما تهدف إليه، فإنه يصطدم في كل مكان بالنفس العزيزة التي تطل دائما برأسها وعليها تستند مقاصد هذه الأفعال، لا على الأمر الصارم للواجب، الذي كثيرا ما يتطلب من الإنسان إنكار الذات، ولا يحتاج المرء إلى أن يكون بالضرورة عدوا للفضيلة، بل يكتفي أن يكون مراقبا موضوعي النظرة،
4 ⋆
لا يأخذ الرغبة الجارفة إلى الخير من فوره مأخذ الخير الحقيقي؛ أقول لا يحتاج الإنسان إلى ذلك لكي يتسنى له (وبالأخص حين تتقدم به السن ويكتسب ملكة الحكم التي أنضجتها التجربة وزادت الملاحظة من حدتها) في لحظات معينة أن يراوده الشك فيما إذا كانت هناك بالفعل فضيلة حقة في هذا العالم. وهنا لا يستطيع شيء أن يقينا من السقطة التامة عن أفكارنا عن الواجب ويحفظ في نفوسنا الاحترام المتين لقانونه إن لم يكن ذلك هو الاقتناع الواضح بأنه، حتى لو لم توجد أبدا أفعال انبثقت من هذه المنابع الصافية، فإن الأمر هنا لا يدور بحال من الأحوال حول ما إذا كان هذا الفعل أو ذاك قد حدث، بل يتعلق بأن العقل بذاته، مستقلا عن كل الظواهر، يأمر بما ينبغي أن يحدث وأن هناك بالتالي أفعالا لعل العالم لم يضرب لها أدنى مثال حتى هذه اللحظة ولعله أن يشك كل الشك في إمكان القيام بها ويبني كل شيء على التجربة، ومع ذلك فهي أفعال أمر بها العقل أمرا لا رجعة فيه، وأن الوفاء الخالص في الصداقة على سبيل المثال أمر لا ينفك كل إنسان مطالبا به حتى لو لم يوجد على ظهر الأرض حتى الآن صديق وفي واحد؛ ذلك لأن هذا الواجب بما هو واجب على الإطلاق متضمن قبل كل تجربة في فكرة العقل الذي يحدد الإرادة عن طريق مبادئ أولية.
فإذا أضفنا إلى هذا أننا إذا أردنا ألا نجرد تصور الأخلاق من كل صدق ومن كل علاقة بموضوع من الموضوعات الممكنة، فإننا لا نستطيع أن ننازع في أن قانونه يبلغ في دلالته من الاتساع ما يحتم صلاحيته لا بالنسبة للناس وحدهم، بل بالنسبة لكل كائن عاقل على الإطلاق ولا تحت شروط عرضية وباستثناءات معينة فحسب، بل صلاحية ضرورية مطلقة، ومن هذا يتضح أنه ما من تجربة على الإطلاق يمكنها أن تسمح لنا حتى بمجرد استنتاج مثل هذه القوانين الضرورية؛ إذ بأي حق يمكننا أن نضع موضع الاحترام المطلق ونجعل قاعدة عامة لكل طبيعة عاقلة شيئا ربما لا يصح إلا تحت الشروط العرضية للإنسانية؟ وكيف يتسنى لنا أن نعد القوانين التي تحدد «إرادتنا»، قوانين لتحديد إرادة الكائن العاقل على الإطلاق، وألا نعدها قوانين صالحة لنا حتى تكون كذلك، إن كانت قوانين تجريبية فقط ولم تكن قوانين قبلية محضة تنبع عن عقل خالص ولكنه عملي؟
وليس في مقدور الإنسان فضلا عن ذلك أن يسيء إلى الأخلاق إساءة أبلغ من محاولة استخلاصها من أمثلة تجريبية؛ ذلك لأن كل مثل يقدم لي عنها ينبغي أن يحكم عليه هو نفسه قبل ذلك وفقا لمبادئ الأخلاق، لكي نتبين إن كان جديرا بأن يعد مثلا أصيلا؛ أعني أنموذجا، ولكن من المحال عليه أن يعطينا بادئ ذي بدء تصور الأخلاق. إن قديس الإنجيل نفسه ينبغي أن يقارن بالمثال الذي لدينا عن الكمال الخلقي قبل أن نصفه بأنه كذلك،
5
وفضلا عن ذلك فإنه يقول عن نفسه: كيف تدعونني (وأنا الذي ترونه) خيرا؟ لا أحد خير (أنموذج للخير) سوى الله الواحد (الذي لا ترونه). ولكن من أين لنا بتصور الله بوصفه الخير الأسمى؟
6
إنه لم يأتنا إلا من الفكرة التي يرسمها العقل قبليا عن الكمال الخلقي ويربطها بتصور إرادة حرة ربطا لا انفصام له. إن المحاكاة لا مكان لها في مجال الأخلاق، والأمثلة تفيد في الحفز والتشجيع فحسب؛ أي إنها تخرج إمكان القيام بتنفيذ ما يأمر به القانون من دائرة الشك، إنها تقرب للعيان ما تعبر عنه القاعدة العملية تعبيرا عاما ولكنها لا يمكن أن تبرر أبدا أن يطرح الأصل الحقيقي، الذي يستقر في العقل، جانبا ويهتدي المرء بالأمثلة.
فإذا صح القول بعدم وجود مبدأ أعلى أصيل للأخلاق يقوم بالضرورة على العقل الخالص وحده مستقلا عن كل تجربة؛ فإنني أعتقد أنه لن يكون هناك ما يدعو حتى للسؤال عما إذا كان من الخير أن نعرض هذه التصورات عرضا عاما (مجردا) على نحو ما هي موجودة قبليا مع جملة المبادئ المتصلة بها، على فرض أن المعرفة (الجديرة بهذه الكلمة) ينبغي أن تفترق عن المعرفة المشتركة وأن تحمل اسم المعرفة الفلسفية، ولكن يبدو أن هذا السؤال لا غنى عنه في زماننا هذا؛ ذلك لأننا إن جمعنا الأصوات لنعرف ما يقف منها في صف المعرفة العقلية الخالصة النقية من كل تجربة، وبالتالي ميتافيزيقا الآيين.
ناپیژندل شوی مخ