ولكن التصوف الصادق لا يعترف بهؤلاء ولا هؤلاء، بل يبرأ منهم ويهاجمهم بأشد من هجوم الفقهاء أنفسهم.
ودستور الصوفية وصفاتهم يرسمه الغزالي ويوضحه بقوله في كتاب «ميزان العمل» عند ذكره لعلامات السائرين إلى الله فيقول:
اعلم أن سالك سبيل الله تعالى قليل والمدعي فيه كثير، ونحن نعرفك علامتين له، العلامة الأولى: أن تكون جميع أفعاله الاختيارية موزونة بميزان الشرع موقوفة على حد توقيفاته إيرادا وإصدارا وإقداما وإحجاما، إذ لا يمكن سلوك هذا السبيل إلا بعد التلبس بمكارم الشريعة كلها، ولا يصل فيه إلا من واظب على جملة من النوافل، فكيف إليه من أهمل الفرائض، والسالك لسبيل الله يعرض عن الدنيا إعراضا لو ساواه الناس بكلهم لخرب العالم.
فإن قلت: فهل تنتهي رتبة السالك إلى حد ينحط عنه بعض وظائف العبادات ولا يضره بعض المحظورات، كما نقل عن بعض المشايخ من التساهل في هذه الأمور؟ فاعلم أن هذا عين الغرور، وأن المحققين قالوا لو رأيت إنسانا يمشي على الماء وهو يتعاطى أمرا يخالف الشرع فاعلم أنه شيطان وهو الحق.
وإذن فالغزالي يقرر بأن المتصوفين فئة خاصة، ولا يمكن أن يكون العالم على مثالهم وإلا لخربت الدنيا وتغيرت معالمها وفسد نظامها.
كما أنه يربط التصوف بالشريعة رباطا لا ينفصم، فيجعل التمسك بقواعد الشريعة غاية السالك، فإذا خالف الشريعة ولو سار على الماء وطار في الهواء فهو شيطان.
تلك هي الصوفية الكاملة التي يصفها الغزالي في كتابه المنقذ من الضلال بقوله:
إني علمت يقينا أن الصوفية هم السالكون لطريق الله تعالى خاصة، وأن سيرتهم أحسن السير وطريقتهم أصوب الطرق وأخلاقهم أزكى الأخلاق، بل لو جمع عقل العقلاء وحكمة الحكماء وعلم الواقفين على أسرار الشرع من العلماء ليغيروا شيئا من سيرهم وأخلاقهم ويبدلوه بما هو خير منه لم يجدوا إليه سبيلا، فإن جميع حركاتهم وسكناتهم في ظاهرهم وباطنهم مقتبسة من نور مشكاة النبوة، وليس وراء نور النبوة على وجه الأرض نور يستضاء به.
وماذا يقول القائلون في طريقة طهارتها وأول شروطها تطهير القلب عما سوى الله تعالى ومفتاحها استغراق القلب بالكلية في ذكر الله وآخرها الفناء بالكلية في الله، وأول هذه الطريقة المكاشفات، حتى إنهم في يقظتهم يشاهدون الملائكة وأرواح الأنبياء ويسمعون منهم أصواتا ويقتبسون منهم فوائد، ثم يترقى الحال من مشاهدة الصور والأمثال إلى درجات يضيق عنها نطاق النطق.
ينقسم التصوف الإسلامي إلى قسمين: قسم يتعلق بالتربية وتهذيب الروح ونبل الخلق والتحلي بالفضائل والمحاسن الأدبية، وهو ما اصطلح على تسميته بعلم المعاملة، وقسم يتعلق بالرياضة الروحية والعبادة وما فيها من نور وطهر وكشف وفيض.
ناپیژندل شوی مخ