وقد أثار التصوف جدلا وحوارا في الفكر الإسلامي، وأكبر الظن أن هذا الجدل أو هذا الحوار سيبقى خالدا ما بقي الفكر، كما أوضحنا قبلا.
والذين نقدوا التصوف الإسلامي وجهوا نقدهم الأكبر إلى أهداف ثلاثة:
فالفلاسفة وأصحاب المذاهب العقلية عابوا طريقته إلى المعرفة، وأنكروا أن يكون التفرغ والتجرد من متع الحياة والزهد في شهواتها ونعيمها سبيلا إلى المعرفة، بل سبيل المعرفة عندهم هو تغليب أرقى أجزاء النفس على الحواس وهو يقصدون بذلك قوى العقل وإرادته، كما وصفوا الانتصار العقلي على الحواس بأنه أرفع مراتب السعادة، كما يقول ابن رشد.
وهم بذلك يؤيدون الصوفية أكثر مما ينقدونها أو ينقصونها؛ لأن في سعيهم إلى تغليب العقل نزوعا إلى الصوفية وإن اختلف الوضع فنادوا بالعقل ونادى المتصوفون بالروح.
وعلماء الاجتماع ورجال الأخلاق تهكموا بالصوفية وأساليبها، وأسرفوا في التهكم والتجريح، لأنها في نظرهم لا تصلح للحياة العملية، ولا يقوم نظام المجتمع ولا يمكن أن تتأسس على نظمها الزاهدة الأمم.
وتلك شهادة للتصوف لا عليه؛ فهي تدل ضمنا على أنهم لا ينشدون مظهرا في الحياة ولا غلبة في مضمارها، ولا يبغون مأربا ولا يتلمسون مغنما من مغانمها، وإنما ينشدون طهرا وقربا من الله وفوزا برضوانه وعبادة للعبادة، بل إن التصوف الإسلامي جعل العبادة أصلا والمعرفة فرعا.
والصوفيون لا يقولون إن طريقهم للناس جميعا؛ لأن المثالية لم تكن يوما من الأيام شرعة مباحة لكل من يخطر بقدمين على الكوكب الأرضي.
وليس في استطاعة الناس جميعا أن يكونوا ملوكا، ولا أن يكونوا فلاسفة أو أطباء مثلا أو غيرهم من الطوائف والمذاهب العقلية والعلمية.
وأما الفقهاء وعلماء الكلام فقد هاجموا المتصوفة هجوما عنيفا، بل غالوا في هجومهم حتى رموهم بالمروق والضلال ومفارقة الشريعة وظاهر السنة.
وهنا يبدو موقف دقيق؛ ففريق من المتصوفة قد غالوا وأفرطوا كجماعة الحلوليين الذين قالوا بوحدة الوجود، وفريق آخر عبث بظاهر الشرع وأفرط في السبحات والوثبات والاستغراقات حتى تحلل من الفرائض والآداب.
ناپیژندل شوی مخ