وهذا يدل على خوف من الدنيا، وعلى أنهم يبغون قضاء حياتهم على هذه الأرض بلا اقتحامات، وبلا صعوبات، وليست هذه هي الحياة المثلى للرجل الأمثل؛ لأن الحياة يجب أن تحتوي النور والظلام، والمتعة والمحنة، كي نعيشها حافلة بالاختبارات والتجارب، وكي نسبر أعماقها كما نرتفع إلى قممها.
ومع أن مجتمعنا ليس وطيدا في بنائه الاقتصادي، بل إنه كثير التزعزع، فإن الشباب الذي ينشد من الزواج أمنا اقتصاديا قبل كل شيء إنما يضحي بسعادته ومسراته العليا من أجل الوقاية من الخوف، وهو في هذه التضحية خاسر بلا شك.
إنما متعة الزواج في رفقة الحياة التي قد تبلغ نصف قرن أو تزيد وهو تكون، ثم نمو، ونضج، بل هو خلق جديد يستتبع تبعات قاسية سامية في تربية الأبناء وتنشئتهم.
وهذا المال الذي يتطلبه الشاب من خطيبته ليس سوى الهباء الذي لا قيمة له بالمقارنة إلى ما يرثه هؤلاء الأبناء من الذكاء والجمال والصحة، هذه الصفات الثلاث التي يجب أن تطلب أولا في الشاب أو الفتاة اللذين يبغيان الزواج، بل ليست هناك صفة أخرى تطلب إلى جنب هذه الصفات؛ لأنها أزلية تورث في الأعقاب.
أيها الشاب: إذا فكرت في الزواج فانشد الفتاة الذكية الجميلة التي عاشت مع أبوين كريمين فاضلين، فحصلت بذلك على ميزتي الوراثة والوسط، وتهيأت بذلك للزواج والأمومة، وحسبك هذا.
الفصل الحادي عشر
الصحة والجمال
من مساوئ مجتمعنا في الوقت الحاضر أن نعد العمل ضرورة للكسب فقط، ونتمنى لو أننا كنا قادرين على الاستغناء عنه وعلى أن نعيش في بطالة، وهناك من الأثرياء الوارثين من يعيشون في البطالة فخورين بثرائهم، حتى لينظر إليهم غيرهم من العاملين المكدورين بعين الحسد، يودون لو أنهم أيضا كانوا قد ورثوا وقد هنئوا مثلهم بالبطالة.
ولذلك تعد البطالة في بعض أوساطنا ميزة، إذا لم تكن الفرص تتيح لنا تحقيقها فلا أقل من أن يدفعنا الزهو إلى التظاهر بأننا قادرون على أن نعيش فيها، حتى لنرى المالك الوارث الذي لا يملك سوى خمسة أو ستة أفدنة يتباهى ببطالته، ويقضي وقته فراغا كاملا في حركة الجسم والذهن، ونرى كذلك سيدة البيت وهي تقعد وتتعفن في مقاعدها بلا عمل؛ اعتقادا بأن للبطالة حقها الطبيعي، وأن العمل والخدمة لم يخلقا لها، وأنه ما دام في البيت خادم فإنها هي يجب أن تقضي حياتها مرتاحة، في حين يجب على الخادم أن يعمل ويكد، وكثيرا ما أتأمل هذه الحال، وأقارن بين الخادمة وسيدتها، فأجد أن الأولى تمتاز بالقوام النحيف الجميل في حين أن الثانية تترهل وتستكرش وتلهث لأي جهد، وذلك لأن العمل ينشط الخادمة ويشيع الصحة في جميع أعضائها، فهي خفيفة متحركة نشيطة، في حين أن البطالة التي تفخر بها سيدتها تملأ أعضاءها شحما وتجعل بطنها ينبعج، حتى لتزول معالم الجمال فيها؛ إذ هي كتلة متراصة من اللحم والشحم، ونحن إذا أغفلنا القيم الاجتماعية، واعتمدنا على القيم البشرية وحدها، لقلنا: إن هذه الخادمة أفضل من سيدتها، ولو أننا كنا قد نشأنا على احترام العمل، وعلى أن سبب وجودنا في هذه الدنيا هو أن نخدم المجتمع الذي نعيش فيه، لما احتجنا إلى الألعاب الرياضية التي نعوض بها ما كان يجب أن نؤديه بالخدمة والعمل اليدوي، ولو كانت كل سيدة تمسح منزلها كل يوم، وتؤدي واجبات الخدمة لزوجها وأبنائها لما أوذيت أعيننا بمظاهر الشحم المتكتل واللحم المترهل في نسائنا اللائي فقدن معالم الجمال؛ لإيثارهن البطالة على العمل، واعتقادهن أنه ليس من واجبهن أن يجهدن ويخدمن.
ليكن لنا مذهب ندعو إليه ونمارسه: وهو أن العمل والخدمة هما الشرف، أما البطالة فهي الضعة والخسة.
ناپیژندل شوی مخ