الفصل التاسع
نأكل لنعيش
قبل شهور كنت أعيب على بعضنا قلة تقديرهم واحترامهم لعيد «شم النسيم»؛ إذ بدلا من أن يجعلوا منه مهرجانا للربيع وهو في غلوائه، وعيدا للزهور وهي في أرجها، ينتشون بجمالها، ويتنسمون نسمات الصبح المشرق في الحقول النضرة، يعمدون إلى أكل الفسيخ والبصل ويجعلون من أنفسهم سبة وقحة لهذا العيد الذي يعد في صميمه عيدا لجمال الطبيعة.
ولكني عند التأمل أجد أننا في طعامنا العادي نكاد نأكل الفسيخ ثلاث مرات كل يوم؛ إذ إننا نكثر من الملح والتوابل، فنبقى طوال النهار نشرب الماء؛ كي نخفف من الحرقة التي تحدثها هذه التوابل والمأكولات المملحة.
وعلى الرغم من أن الحضارة المصرية قد دخلت بيوتنا، فإن مائدتنا قد ظلت، من حيث الطعام، شرقية، وإن كانت من حيث النظام قد أصبحت غربية، ولذلك لا نكاد نجد طعاما يخلو من الثوم أو البصل أو الفلفل أو غيرها مما يثير المعدة إلى طلب الزيادة، فنتعود الشره، ونأكل حتى نتخم، ثم نسمن ونترهل ونستكرش، وتأخذ شهوات البطن الدنيا عندنا مكان الشهوات الذهنية العليا عند المتمدنين.
وأعظم ما يدل على الرجل المتمدن، أن يكون بطنه متمدنا، والحياة الفنية العالية يجب أن تحملنا على مقاطعة تلك التوابل التي تحثنا على الإكثار من الأكل، وليس يليق بالرجل المتمدن أن تختلط أنفاسه بروائح الثوم أو البصل، كما لا يليق به أن يأكل الأطعمة المتوبلة التي لا يشبع منها قبل أن يتخم.
يجب أن نأكل لنعيش فقط، لا لنسمن ونترهل، ويجب أن نهتم بالزهور النضرة، والأطباق الفاخرة، أكثر مما نهتم بالأطعمة الدسمة المتوبلة، ويجب أن نتذوق الطعام بعقولنا قبل أن نتذوقه بألسنتنا، فنطلب النافع الذي نصح به قبل أن نطلب اللذيذ الذي قد نلذ به، ولكن نمرض منه.
الفصل العاشر
لا نخف الحياة
من أعظم ما يدل على أن بعض شبابنا يخافون من الحياة، ويؤثرون الوقوف على شاطئ السلامة والأمن، مهما يكن في وقوفهم هذا من ضعة وجبن، أن كثيرا منهم يسألون ويبحثون عما تملكه الفتاة التي يخطبونها للزواج، بل هم أحيانا يضعون هذه المسألة في مقدمة ما يطلبون، كأنها الغاية الأولى من الزواج.
ناپیژندل شوی مخ