أما إنكلترا فما اكترثت بما فعله البوير، وظلت تقاتل إلى أن بقي بينها وبين بلوم فنتين خمسة عشر ميلا، ومن ثم أرسل اللورد روبرتس إلى الرئيس ستين يطلب منه التسليم فأبى، وكان إباؤه بعكس رغبة الأهالي؛ ولذلك هرب إلى مدينة كرونستاد وجعلها عاصمة جديدة لحكومته، وفي الساعة الثامنة من صباح 13 مارس دخل اللورد روبرتس مدينة بلوم فنتين، ورفع علما بريطانيا فوق ديوان الجمهورية كانت صنعته اللادي روبرتس بيدها، وأعلن في الحال باسم جلالة الملكة احتلاله لعاصمة جمهورية أورنج رسميا، وعين الجنرال بريتمان حاكما عسكريا للمدينة.
وفي 15 مارس سنة 1900 استقال الجنرال جوبير من قيادة الجيش العامة؛ لأنه كان يلح كثيرا على الرئيس كروجر في طلب الصلح أيام انتصارهم فلم يسمع الرئيس لكلامه، حتى وقعوا فيما كان يخشاه، ولما قنط من النصر فضل الاستقالة وأوصى بتسليم القيادة بعده للجنرال بوثا.
أما الجيوش الإنكليزية فلم يزل النصر قائدهم حتى أنقذوا مدينة مفكنج، فدخلها فيلق الكولونيل ماهون في الساعة الرابعة من صباح 16 مايو بعدما عانى تعبا شديدا في رفع الحصار عنها، ثم فتحوا أكثر بلاد الجمهوريتين، ونخص بالذكر مدينة جوهانسبرج التي فتحوها في غرة يونيو سنة 1900، وفي 4 منه دخل اللورد روبرتس مدينة بريتوريا عاصمة جمهورية الترنسفال، وما زال الإنكليز يفتحون بلاد الجمهوريتين الواحدة بعد الأخرى حتى أوائل أكتوبر سنة 1900.
ولما تيقن الرئيس كروجر بعدم نجاح جنوده ووقوع أكثر بلاده في أيدي الإنكليز، قام من خليج دلاجوي في 9 أكتوبر سنة 1900 قاصدا السياحة في عواصم أوروبا؛ ليطلب من ملوكها التداخل بينه وبين الإنكليز لإيقاف رحى الحرب وإعادة استقلاله تحت سيادة إنكلترا، أو بأي الشروط، وترك الرئيس ستين والجنرال دي ويت والجنرال بوثا وغيرهم في ساحة القتال، وقد امتنعت كل ملوك أوروبا عن التداخل ولازموا الحياد.
ولقد أظهرت هذه الحرب ما أدهش العالم بأسره من فعال المتحاربين؛ فالبوير على قلتهم قد أتوا بما يدهش العقل ويحار له الفهم من ضروب الشجاعة والصبر على الدفاع عن بلادهم، حتى صارت أخبارهم لا تكاد تصدق لاستعظامها، فجدير بتاريخهم أن يحفظ بخزائن الفكر ويرسم على صفحات القلوب؛ لأنهم شخصوا في ميدان القتال رواية عظيمة ذات فصول مهمة، كان موضوعها محبة الوطن والدفاع عن الاستقلال.
وقد شخصت هذه الحرب أيضا نصب أعين العالم آخر ما تصل إليه مدارك الإنسان، ونبهت الأفكار إلى تقلبات الأيام وتغيراتها السريعة التي لم تكن في الحسبان، فبعدما كانت جمهوريتا أورنج والترنسفال في استقلال تام واطمئنان عظيم تعللان النفس بتوسيع نطاق أملاكهما، قلب لهما الدهر آمالهما بهدم استقلالهما، وصارت الجمهوريتان مستعمرتين إنكليزيتين ابتداء من منتصف سنة 1900، فسبحان مغير الأحوال ومبدل الآمال.
ناپیژندل شوی مخ