188

تاریخ ترجمه

تاريخ الترجمة والحركة الثقافية في عصر محمد علي

ژانرونه

وفي سنة 1255، طبع «تحفه خيرت» وهو قاموس تركي عربي فارسي صغير تأليف خيرت أفندي وضع لاستعمال تلاميذ المدارس.

هذه هي قواميس «اللغات الثلاث» كما كانت تسمى، وقد أدت مهمتها، فسهلت للقائمين بالترجمة عن إحدى هذه اللغات إلى الأخرى عملهم.

وحوالي سنة 1825 تحول محمد علي بوجهه عن إيطاليا إلى فرنسا، فاستدعى إلى مصر الفرنسيين، وفي سنة 1827 أنشئت مدرسة الطب المصرية، وبدأت تتغلب على مشكلة اختلاف اللغات بالمترجمين وبترجمة الكتب الفرنسية إلى العربية، وفي سنة 1826 أرسلت أكبر بعثة إلى فرنسا، وفي سنة 1832 عاد معظم أعضاء هذه البعثة وبدءوا يشاركون في حركة الترجمة عن الفرنسية إلى العربية، وهنا ظهرت الحاجة الماسة إلى قاموس بل قواميس علمية مختلفة للغتين.

أحس هذه الحاجة قبل غيره كبير مترجمي العصر رفاعة رافع الطهطاوي، وأحسها وهو في فرنسا يتخصص في الترجمة، ويترجم في مختلف الفنون والعلوم، وأغلب ظني أنه لم يوفق هناك إلا إلى قاموس بقطر؛ فقد ظهرت طبعته الأولى في باريس بعد وصوله بثلاث سنوات، وقبل عودته إلى مصر بسنتين، فلما عاد إلى وطنه وبدأ يراجع بعض الكتب التي ترجمها في باريس ويعدها للطبع أحس هذا النقص مرة ثانية، وأحس به إحساسا قويا، وعبر عن شعوره هذا في أول كتاب طبع له وهو كتاب المعادن النافعة، الذي طبع في بولاق بعيد عودته في سنة 1248؛ فقد قال في مقدمته: «وقد فسرت مفرداته على حسب ما ظهر لي بالفحص التام وما تعاصى منها حفظت لفظه، ورسمته كما يمكن كتابته به، وربما أدخلت بعض تفسيرات لطيفة. والعذر لي إذا زل قدم ترجمتي في بعض التفاسير؛ لأن اللغة الفرنساوية لم يفض ختامها إلى الآن بقاموس شاف مترجم.»

10

ويبدو أن رفاعة كان قد عبر عن شعوره هذا لإبراهيم باشا عند مقابلته له أول وصوله إلى الإسكندرية، فبادر إبراهيم باشا وكلفه بوضع هذا القاموس؛ فقد أشار رفاعة في هامش الكتاب السالف أمام الجملة السابقة إلى هذا الأمر، فقال: «وقد أمرني سعادة ولي النعم أفندينا إبراهيم باشا بترجمة قاموس، وعين لي حضرة عثمان بك (يقصد عثمان باشا نور الدين) قاموس أكاديمة، ولكن عاقني عنه عوايق، منها أشغال أبي زعبل، ومنها أنه يحتاج إلى وضع المترجم في كتب خانة، ويحتاج أيضا إلى أن يكون معي مساعد فرنساوي، بل هذا الشغل هو شغل نحو عشرة أنفار حتى يكون مستوفيا ومستوعبا للألفاظ الاصطلاحية.»

11

أمام هذه العقبات لم تنفذ الفكرة، ولكنها ظلت تشغل تفكير رفاعة، فلما قدم كتابه الثاني «قلائد المفاخر في غريب عوائد الأوائل والأواخر» إلى المطبعة في السنة التالية (1249) بدأ يحتال على تنفيذ الفكرة، ورأى أن يضع للكتاب في أوله قاموسا صغيرا لشرح ما ورد به من ألفاظ غريبة، ودعا غيره من المترجمين أن ينهجوا نهجه، فيلحق كل منهم بكل كتاب يترجمه قاموسا شبيها بقاموسه، حتى إذا مضى بعض الوقت كان لمصر من جهودهم قاموس علمي كبير «مشتمل على سائر غريب الألفاظ المستحدثة التي ليس لها مرادف أو مقابل في لغة العرب أو الترك»، وهذا نص تقدمته للقاموس وشرحه للفكرة، قال: «شرح الكلمات الغريبة التي توجد في كتاب قلائد المفاخر، مرتبة على حروف المعجم، مضبوطة حسب الإمكان، ومفسرة على الوجه الأتم، سواء كانت أسماء بلدان أو أشخاص، أو أشياء، ولما كانت هذه الألفاظ في الأغلب أعجمية، فلم ترتب إلى الآن في كتب اللغة العربية، وكان يتوقف فهم هذا الكتاب عليها عربناها بأسهل ما يمكن التلفظ به فيها على وجه التقريب، حتى إنه يمكن أن تصير على مر الأيام دخيلة في لغتنا، كغيرها من الألفاظ المعربة عن الفارسية واليونانية، ولو صنع المترجمون نظير ذلك في كل كتاب ترجم في دولة أفندينا ولي النعم الأكرم، لانتهى الأمر بالتقاط سائر الألفاظ المرتبة على حروف الهجا، ونظمها في قاموس مشتمل على سائر الألفاظ المستحدثة التي ليس لها مرادف أو مقابل في لغة العرب أو الترك؛ فإن هذا مما يفيد التسهيل على الطلاب، وبه تحصل الإعانة على فهم كل علم أو كتاب.»

12

وقد كانت طريقة رفاعة في هذا القاموس أن يكتب اللفظ بحروف عربية مراعيا طريقة نطقه باللغة الفرنسية، ثم ينص على كيفية نطق هذا اللفظ بالطريقة الأزهرية القديمة، ثم يشرح معنى اللفظ بجملة أو جمل تكثر أو تقل حسب الظروف. وفيما يلي أمثلة من هذا القاموس: (1) «أبريزيلة = بسكون الموحدة، وكسر الراء بعدها مثناة تحتية، فزاي مكسورة، فلام، فتاء تأنيث، ويقال أيضا «أبرزيلة» و«أبرزيل» بفتح الراء = اسم لسلطنة كبيرة في القطر الشرقي من أمريكة الجنوبية، محكومة بعيلة (كذا) من بلاد «البرتوغال»، وحاكمها يلقب «إمبراطور» يعني سلطانا، أو قيصرا، وأهلها المتأصلون بها غير الإفرنج أكثرهم قبائل أرباب شرور وجبر وتوحش عظيم، حتى إن منهم من يأكل لحم الآدميين، خصوصا لحم العدو الذي يقبضون عليه في الحرب».

ناپیژندل شوی مخ