94

فادخلها، ثم رأيته مرة أخرى، فقلت له: أخبرني عن أعجب ما رأيت في الدنيا، فقال: إن أعجب ما رأيته كتبته بورقة، وهي بالكيس الأزرق أولها:

«كتبت»، فقلت: لا أعلم ما أوله «كتبت»؟ فقال: اتني بدواة وورقة، ثم املاني ثلاثة أبيات، ثم تيقظت وفتشت الكيس الأزرق فوجدت الورقة بعينها، وإذا هي قصيدة من نظمه وهي هذه الأبيات:

كتبت بطرس راحتي وبناني

خطا يسهل مقلة الوسناني

فإذا وقفت عليه كن متدبرا

معنى المقال بفهم ذي عرفاني

اعلم بأني من سراة أولي الحجى

قرشي حقيقا من بني عثمان

من عبد شمس أهل كل كريمة

شم الأنوف ومعدن الضيفاني

أرقى المنابر خاطبا ومذكرا

بفصاحة خلقت بطي لساني

قد كان غصن شيبتي متأنفا

اختال عجبا مثل غصن الباني

وإذا مررت على الحسان تشوقت

عند بدير لواحظ الغزلاني

وتميط كل خريدة لخمارها

حتى تبين قلائد العقياني

وإذا سمعت بأنني في مربع

أمنية يهززن قضيب الباني

فمضى الشباب وشاب عارض لمتي

وابيض فودي وانقضت أزماني

فإذا رأتني الحور في خطراتها

سترت محاسنها لحي يراني

فقطعت أيام الشباب بغفلة

في روض لهو راتعا بأماني

ودنا المشيب مبينا عن رحلتي

فنظرت من وجلي إلى ديواني

فوجدته كالليل مما قد حوى

من معظم الزلات للحرماني

فجهدت على أن أنال مثوبة

ألقى بها ربي الذي انشاني

هيهات فات زمان تحصيل العلا

ماذا أحصل والمشيب دهاني

واخجلتى مما جنيت لشقوتي

كيف المقال لعالم الكتماني

فبكيت حزنا إذ مضى زمن الصبا

في غفلة وغياه الخسراني

وتنغصت نفسي الحياة فلم تطب

والموت أصبح نازل بعناني

مخ ۲۰۶