93

وكان الخلق كلهم عنه راضون، ومات شابا دون الثلاثين، رآه والدي بعد وفاته بالمنام، فذكر أنه في خير وافر الأقسام، فقال: ألا تحضره لديك لتطمئن برؤيتهما؟ فقال: كل يوم أراهما عند مجيئها لقرائتهما.

وولده هو والدي الشيخ شرف الدين عبد الرحمن من السادات الأكابر، والصالحين الأماثل، سلك في صغره طريق جده الكمال، واقتدى به في شريف الخلال، من الصلاة الحسنة، والصوم المحفوظ، والذكر الكثير، والصمت في محله، وكثرة تلاوة القرآن، ودوام التهجد والبكاء، والتضرع في ظلمات الليل، ولين الجانب، وحسن الخلق، وتربية الأيتام، وكفالة الأرامل، وعيادة المرضى وتشييع الجنائز، وكثرة الإنفاق والبذل حتى لا يقتني شيئا أبدا بل ينفق كل ما جاء، ولم أر أحيا وجها منه، ما كان يثبت وجهه في وجه أحد، لزمته وأخذت عنه نحو عشر سنين، فلم أره ليلة ينام كما تنام الناس، ولقد رأيته ليلة قام فصلى، ثم بكى وسجد باكيا، ومكث يبكي ويمرغ وجهه، وطال سجوده، وانقطع حسه حتى ظننت أنه فارق الدنيا فهممت بالقيام إليه فسمعته يقول شابت لمتي، وضعفت قوتي، وكبرت جرمتي، وقلت حيلتي، فعلمت أنه حي، وكان عالما عاملا، حفظ القرآن العظيم، والتنبيه في الفقه، والجمل في النحو، والخطب النباتية، وكان له معرفة جيدة في أصول الدين، والعربية، فإنه أخذ أولا عن عمه الشيخ نجم الدين، وأخذ الفقه عن الشيخ برهان الدين بن الفركاح، والشيخ شرف الدين الفزاري بدمشق، واجتمع بجماعة من الأكابر في العلم والزهد، وله معرفة في علم الشروط، وله فيه وفي غيره مصنفات، وله نظم لطيف، ومقامات، ومات في سنة إحدى وأربعين وسبعمائة وعمره ثمان وخمسون سنة، رأيته بعد وفاته، فقلت:

أخبرني عما لقيت؟ فقال: وقفت بين يدي الله عز وجل، فقلت: فما قال لك؟ قال لي: من أنا؟ قلت: فما قلت له؟ قال: قلت أنت الله الذي لا إله إلا أنت رب الأرباب، قلت: فما قال لك؟ قال: قال لي: هذه الجنة

مخ ۲۰۵