تاریخ ماسونیه
الحقائق الأصلية في تاريخ الماسونية العملية
ژانرونه
وكان البناءون مؤلفين من يونان ورومان ومعظمهم من الأهالي الذين عرفوا فضل هذه الجمعية وما لها من الأيادي البيضاء فهرعوا إليها متداعين، فأصدر أمرا في عاصمته سانت ألبان التي كانت تدعى قديما فيرولام إلى أحد قواده المدعو «ألبانوس» خول الماسون فيه كل الحقوق والامتيازات التي كانوا قد أحرزوها في عهد «نوما بومبيليوس»، وزاد على ذلك أن منحهم لقب أحرار، فصاروا منذ ذلك العهد يدعون فري ماسون
Free masons ؛ أي البنائين الأحرار ليمتازوا عن الآخرين الذين لا علاقة لهم ولا ارتباط بهذه الجمعية الشريفة.
ولما رأى «كاروزيوس» نفسه مستقلا والسعد خادمه، وأنه لم يبق عليه خوف ولا خطر على سلطنته من الحكام الرومانيين فتح خزائن الأموال وبذل النفس والنفيس ليجعل بلاده عظيمة ورعاياه سعداء فشيد المباني، وأقام المعالم وحصن القلاع ومهد البلاد حتى جعلها في مدة وجيزة تضاهي أعظم الممالك إن لم نقل أنها تفوقها، ولكن أعوان كاروزيوس قاموا عليه وقتلوه عندما اقترب الأسطول الروماني إلى بريطانيا يقل قسطنطين كلوديوس الذي انتخبه الإمبراطور «مكسيمليانوس» نائبا عنه في غاليا وبريطانيا، وذلك سنة 295 بعد المسيح، فاتخذ مدينة أيبوكاريوم - وهي الآن يورك - مقرا لحكمه، وكانت هذه المدينة أشهر المدن البريطانية في حسن بنائها وزخارفها وكثرة محافلها القديمة والحديثة، فأصبحت هذه المدينة مهدا للمحافل الماسونية منذ ذلك العهد.
وبعد وفاة «كلوديوس» سنة 306ب.م في مدينة يورك خلفه ابنه قسطنطين بأمر قيصري وأبطل الاضطهادات التي كان يثيرها الأباطرة ظلما على المسيحيين، وأعلن نفسه حامي ذمارهم واعتنق ديانتهم، وأمر بأن تكون الديانة العامة في بلاده.
وزادت قوات المحافل والجمعيات منعة وامتدت النصرانية في عهد قسطنطين هذا فأنشئت الكنائس بهمة لا مزيد عليها، وكان الإخوة البناءون يشتغلون ليل نهار بهمة لا تعرف الملل ولا يعروها الكلل. وقطن قسطنطين يورك في أول حكمه أسوة بأبيه فتعرف فيها برؤساء المحافل ونخبة أعضائها، ولما جاء الشرق سافر معه كثيرون منهم إليه.
وكانت هجمات البرابرة على الأملاك الرومانية تزداد يوما بعد يوم فلم يعودوا يكتفون بما كانوا يأتونه من المظالم يوم كانوا ينهبون البلاد ويعيثون فيها فسادا ثم يخلونها وشأنها في بؤس وشقاء، بل صاروا إذا افتتحوا بلدة يأتون فيها أنواع المنكرات ويحتلونها غير مبالين بالعواقب؛ إذ لا شريعة تردعهم ولا مانع يمنعهم عن مثل هذه الفظائع. وهكذا أخذت بريطانيا تنسلخ عن حكم القياصرة يوما فيوما.
وكان الرومانيون يحاربون قبائل اسكوتسيا المتوحشة من ابتداء الجيل الثالث حربا يشيب لهولها الولدان، ولكنهم لما رأوا بلاءهم وشيكا، وأن الخطر يتهددهم من كل الجهات عزموا على غزو الغوطيين في بلادهم نفسها، فكان يلزمهم لذلك قوات عظيمة؛ لأن جيشهم كان منقسما فرقا في كل الممالك، فعزموا على ترك بريطانيا وشأنها وبدءوا يسترجعون عسكرهم منها شيئا فشيئا حتى تخلوا عنها تماما سنة 446 مسيحية. فدعا البريتيون مجاوريهم من القبائل لنصرتهم وتزلفوا إلى الساكسون والإنكلوس، فسارع هؤلاء إلى نجدتهم وشنوا الغارة على أهالي اسكوتسيا فانتصروا عليهم تمام الانتصار. ولكن انتصارهم كان وبالا عليهم، وكانوا كالمستجير من الرمضاء بالنار؛ لأن هؤلاء الأنصار لم يسارعوا إلى تلبيتهم إلا ليقضوا لباناتهم من بلاد طالما صبوا إليها فاحتلوا بريطانيا وصاروا سبعة ممالك دعيت أنكلوساكسون.
وكان هؤلاء البرابرة بما يأتونه من المظالم وأنواع العداء سببا لشقاء تام حل على الأهالي المنكوبين؛ فدمروا البلاد وخربوا المباني الكبيرة والحصون، فعادت البلاد البريطانية تذبل كزهرة قصمت يانعة، وصارت تسير القهقرى دون أمل بالترقي والنجاح.
وعندما رأى المسيحيون وسائر أهاليها المتمدنين هذه الأعمال الوحشية، وعرفوا أن بقاءهم في البلاد شر ووبال عليهم أخذوا يهاجرون زرافات إلى بلاد الغال التي لم يفتتحها الساكسون. وهناك ثابروا على عبادتهم وأعمالهم في البناء كما تعلموه من أسلافهم وبدأت ريح الاضطهاد والشرور تهدأ رويدا رويدا وحلت خيرات الزراعة والفلاحة محل شرور الحروب، ورأى ذلك بعض المهاجرين فآبوا إلى بلادهم وشرعوا يبثون في الشعب روح التعاليم المسيحية، فتنصر من هؤلاء جم غفير وزاد نشاطهم وإقدامهم لما رأوا من تداعي الطالبين للانتظام في سلك جمعياتهم الشريفة فشمروا عن ساعد الجد والاجتهاد وجعلوا يكرزون الأهالي ويبشرونهم بالديانة المسيحية فتكلل عملهم بنجاح مجيد، ولكنهم أحبطوا سعيا عندما حسبوا ذواتهم قادرين على استجلاب الأشراف والملوك إلى كنف الكنيسة لا عامة الشعب فقط.
وفي أواخر القرن السادس أرسل البابا «غريغوريوس» الأول رجالا عرفوا بالفضل واشتهروا بالنبل وبحسن صفاتهم الأدبية والمادية (وهم رهبان ماري مبارك)؛ ليبشروا القبائل الساكسونية، ويدعونهم إلى الاهتداء، وكان يرأس هؤلاء الرهبان أوستينوس الشهير بصناعة الحفر. ولم يطل زمن بعثتهم حتى قرن عملهم بنجاح عجيب وتنصر ملوك الساكسونيين السبعة مع شعوبهم ورعاياهم العديدة. ولكنهم حاولوا إقناع هؤلاء المتنصرين جديدا بسلطة الحبر الروماني وبعصمته عن الزلل فأحبطوا سعيا ولم يلقوا آذانا صاغية، ولبث هؤلاء على اعتقادهم الأول من حيث السلطة الباباوية.
ناپیژندل شوی مخ