شاهين مكاريوس
باسم مهندس الكون الأعظم
إدريس بك راغب
مقدمة
الباب الأول: إنشاء مدارس البنائين التي نشأت الماسونية منها
1 - في الأعمال البنائية
2 - بعض الأقوال في أصل الماسونية وتعاليمها وغايتها ومستقبلها
3 - الماسونية في بريطانيا
4 - الماسونية في غاليا
5 - الماسونية في جرمانيا
6 - في الشرائع والقوانين الماسونية الأساسية
7 - وصايا ماسونية
8 - في أهم المنشورات وتاريخ صدورها
9 - في المجامع الكبرى التي أقامتها الماسونية منذ مجمع يورك سنة 926ب.م حتى مجمع سنة 1787
الباب الثاني: أعمال الماسونية العملية قبل التاريخ المسيحي
تمهيد
1 - ملخص أعمال الماسونية من سنة 715 قبل المسيح إلى سنة 30ق.م
2 - الماسونية العملية من السنة الأولى المسيحية إلى الألف بعد المسيح
3 - الماسونية العملية من سنة 1001 إلى سنة 1717 بعد المسيح
4 - في طريقة فرسان مار يوحنا أو الستريكت أوبسرفانس1
5 - الاستعداد لتحويل الماسونية العملية إلى رمزية
إيضاحات
شاهين مكاريوس
باسم مهندس الكون الأعظم
إدريس بك راغب
مقدمة
الباب الأول: إنشاء مدارس البنائين التي نشأت الماسونية منها
1 - في الأعمال البنائية
2 - بعض الأقوال في أصل الماسونية وتعاليمها وغايتها ومستقبلها
3 - الماسونية في بريطانيا
4 - الماسونية في غاليا
5 - الماسونية في جرمانيا
6 - في الشرائع والقوانين الماسونية الأساسية
7 - وصايا ماسونية
8 - في أهم المنشورات وتاريخ صدورها
9 - في المجامع الكبرى التي أقامتها الماسونية منذ مجمع يورك سنة 926ب.م حتى مجمع سنة 1787
الباب الثاني: أعمال الماسونية العملية قبل التاريخ المسيحي
تمهيد
1 - ملخص أعمال الماسونية من سنة 715 قبل المسيح إلى سنة 30ق.م
2 - الماسونية العملية من السنة الأولى المسيحية إلى الألف بعد المسيح
3 - الماسونية العملية من سنة 1001 إلى سنة 1717 بعد المسيح
4 - في طريقة فرسان مار يوحنا أو الستريكت أوبسرفانس1
5 - الاستعداد لتحويل الماسونية العملية إلى رمزية
إيضاحات
الحقائق الأصلية في تاريخ الماسونية العملية
الحقائق الأصلية في تاريخ الماسونية العملية
تأليف
شاهين مكاريوس
شاهين مكاريوس
رئيس أعظم شرف مقام العقد الملوكي بالينويس في الولايات المتحدة الأميركية، وعضو شرف في جمعية أبطال الماسونية القدماء، وعضو شرف في كل من محفل اللولو بأميركا، ومحفل سليمان الملوكي بالقدس، ومحفل الثبات بمصر، ومحفل سورية بدمشق، ومحفل الملك سليمان الأميركي، ومحفل إدريس بمصر، ومحفل النيل الإيطالي بمصر، ومحفلي لبنان وفلسطين في بيروت، ومحفل أسكلة سليمان بيافا، ومقام كوكب الشرق الملوكي، ومجمع الكرنك الفرنسوي لدرجة 18، وعضو المحفل الأكبر المصري، والمقام الأكبر المصري، ورئيس ومؤسس محفل اللطائف ومقام اللطائف، ومحفل فينيقية، وحائز لدرجة النخل والصدف ودرجة 32 وغيرها.
سعادة الفاضل إدريس بك راغب
رسم ماسوني.
باسم مهندس الكون الأعظم
أما بعد، فهذا كتاب عن تاريخ الماسونية العملية منذ عرفت حتى الآن جمعته من كتب وفيرة المادة يعول عليها في صدق الرواية، وقد أفرغت في تأليفه واقتطافه جهدي، فجاء جامعا مستوفيا، ولما تم طبعه قدمته هدية سنية إلى سعادة الرياضي القانوني العالم الفاضل والجهبذ الكامل: «إدريس بك راغب»، الرئيس الأعظم للمحفل الأكبر الوطني المصري؛ إقرارا بفضله وغيرته على الماسونية وأهلها، واعترافا بما لسعادته من المآثر المأثورة في إحياء معالمها في القطر المصري وسائر البلاد العربية، وقد زينته برسمه الكريم؛ لعلمي أن كل ماسوني في القطر المصري وسائر البلدان يود حفظه؛ تذكارا لجميله العميم ومعروفه الذي لا يفتقر إلى تعريف.
وقد نشرت ترجمة سعادته فيما يلي نقلا عن أصدق المصادر، وأفاضل العارفين بسيرته المحمودة، علاوة على ما خبرته وعرفته بنفسي، والله أسأل أن يديم عزه، ويعمم فضله، ويوطد به دعائم المساواة والحرية والإخاء.
مؤلف الكتاب
شاهين مكاريوس
إدريس بك راغب
الرئيس الأعظم للمحفل الأكبر الوطني المصري، ورئيس أعظم محافل أفريقية الشمالية لدرجة
الأساتذة المعلمين
«إدريس بك راغب»، وقبل الكلام عن ترجمته نتكلم عن والده. هو المرحوم «إسماعيل باشا راغب»، وكان قد هاجر مع والده من موره إلى مصر في حروب اليونان مع الدولة، وترك في بلده «بتراس» أموالا وافرة وأملاكا واسعة؛ لأنه كان من ذوي البيوتات فيها وأهل الشأن بين أهلها، ولما وصل إلى مصر تحت أعباء الهجرة والغربة رآه رجل من أهل الفراسة ومعه ابنه «إسماعيل راغب» صبيا تلوح عليه مخايل النجابة، فأشار عليه أن يدخله في المدرسة الأميرية بأبي زعبل ففعل، فما لبث أن فاق أقرانه ودخل في معية «محمد علي باشا» كاتبا، فقربه «محمد علي» لما رآه فيه من الذكاء والأمانة، وقد دخل عليه يوما ليختم منه أوراقا، فدخل على عقبه المرحوم «سامي باشا» رئيس الديوان الخديوي في ذلك الوقت، ووقف فسأله «محمد علي» عما عنده فمجمج في كلامه كأنه ينتظر خروج ذلك الكاتب ليعرض ما لديه، فقال له «محمد علي»:
أويكتم عن هذا سر؟ اعرض ما عندك، فهذا كابني.
نقل هذه الحكاية المرحوم «راغب باشا» في وصف حكمة «محمد علي» في تربية حاشيته، ومما يذكر له من الشجاعة وقوة القلب أنه كان كاتبا لمجلس رئيسه «إبراهيم باشا» ذاك الأسد الأغلب، فتقدمت في المجلس دعوى أقر المجلس فيها على قتل رجل، فعارض المرحوم «راغب باشا» فيها معارضة أغضبت المرحوم «إبراهيم باشا»، فقال له: أوافقك على نظر الدعوى مرة ثانية، فإن كانت معارضتك على غير حق قتلتك مع الرجل، فقال: يا أفندينا إن الأعضاء رأوا رأيك فهم لا يتحولون عنه، وإنما أرجو من أفندينا أن ينظرها وحده وله الحكم بعد ذلك. ولما قرأ «إبراهيم باشا» أوراق الدعوى ظهر له صحة ما قال «راغب باشا»، فاعترف بخطأ ما رآه المجلس، وصواب ما رآه «راغب باشا»، وهذا مقام لا تتقدم فيه قدم في ذلك الزمان، والموت بين الشفة والسيف. ولما تولى «عباس باشا» الأول غضب على المورلية جميعا فانزوى «راغب باشا» في أبعاديته مدة حكومة المشار إليه. وقد قصده مرارا بالسوء وأحاطه بالجواسيس، ولكن الله سلمه. وفي ولاية المرحوم «سعيد باشا» كان هو القائم بإدارة الأمور فصار ناظرا على الجهادية والخارجية، وناظرا على الخزينة التي هي المالية، وكان لا يعيش له أولاد، ولما رزق بإدريس بك نصح الأطباء لوالده أن يخففوا من الإفراط في التحرز والوقاية التي كانت سببا لمرض الماضين، وكان المرحوم «سعيد باشا» يبعث بالتلغراف إلى مصر وهو في الإسكندرية يسأل كل يوم عن صحة المولود ويبشر بنفسه وزيره بصحة ولده.
ولما تولى «إسماعيل باشا» الخديوي الأسبق قلده وظيفة باشمعاون، وكانت تلك الوظيفة بمكان رئاسة الوزارة، فكان بيده الحل والعقد في جميع الأمور، وقد زاره الخديوي مرارا في بيته ولم يسبق هذا لغيره. ومن مآثره أنه لما كان ناظرا على المالية أحسن عليه الخديوي «إسماعيل» بثلاثين ألف جنيه فاعتذر عن أخذها لحالة المالية، ويقول الخبيرون إنه لو كان «إسماعيل باشا» تبع نصائحه لم يحصل ما حصل من ارتكاب الديون وغيرها.
وقد أصيب بالشلل في شقه؛ وسبب ذلك أن رجلا فرنسويا من أقارب «موسيو دلونكل» الشهير جاء إلى مصر وعرض عليه قرضا، فأخذ يخابره في شروط القرض و«إسماعيل» باشا يحذره أن لا يعتمد على كلام الرجل وهو يعارضه في ذلك، وفي آخر الأمر لما تبين المرحوم «راغب باشا» صدق فراسة «إسماعيل باشا» الخديوي في الرجل المذكور وغلطه في الاعتماد عليه لم يقدر أن يتحمل ذلك على مهارته فأصيب بالشلل فتداركه الأطباء، وقد بقي في جسمه أثر المرض ظاهرا إلى أن توفي، ولم يمنعه هذا من مباشرة الوظائف المهمة في الحكومة.
وقد صار رئيس الوزارة في مدة «عرابي» في عهد الخديوي «توفيق» أيضا، وكان له عناية عظيمة في تربية ابنه ووحيده «إدريس بك» فكان يدخله في أشغال الحكومة وهو في العاشرة من عمره ويشاوره مشاورة امتحان وتدريب في كثير من المعضلات، وما زال معه على ذلك حتى توفي، وقد صرف جميع ما في طاقته في تعليمه وتهذيبه وتثقيفه، وكان له بمنزلة المعلم في أوقات فراغه من الدرس، وإنك لتجد ذلك ظاهرا في أخلاق «إدريس بك»، فإنه جمع من محاسن الأخلاق ومكارم الشيم ما يدلك على أنه تخرج على فيلسوف حكيم، وقد جاء له بأفاضل المعلمين والأساتذة فهو يعرف اللغة الفرنسوية والإنكليزية والتركية والعربية والعلوم الرياضية، وله فيها تآليف ومقالات شتى كما سنذكره فيما يلي.
ومع أنه تربى في مهد النعيم، ونشأ في الحلية، فهو قوي الحجة، مبين البرهان، متخوشن في نفسه وسط تلك النعم. ومع أنه مالك لهذه الثروة الواسعة فهو محتقر للغنى، لا يمكن لمن ينتقد أحواله وأطواره أن يجد في طياته شائبة افتخار بما لديه من وافر المال، ومع أنه واسع المعارف، طويل الباع في العلوم الرياضية ، فلا يجد خليطه أدنى دعوى للعلم . أما الأخلاق ومحاسنها فهو من الأفراد المعدودين في التاريخ في باب الحلم، ولا يغلط واصفه إن قال إنه لم ير غضبانا أو قائلا هجرا، أو شاتما خادما، وله في الحزم في أشغاله والكرم في عطاياه آيات للسائلين.
ولد «إدريس بك» يوم الأربعاء في 21 أغسطس سنة 1862م فتربى في مهد العز كما تقدم، ورأى أساتذته منه تلميذا نجيبا يميل طبعا إلى العلوم، ولا تكاد تخفى عليه من دروسه خفية؛ فارتفعت منزلته عندهم ولم تطل المدة حتى ظهرت ثمار اجتهاده يانعة، فأحرز ثقة أساتذته به، ونال درجة عالية في العلوم الرياضية، وكان على صغر سنه سمير الكتب، وجليس التآليف، ولم يخل منزله يوما من العلماء الأعلام الذين كانوا يفدون عليه.
وكان يراسل جريدة المقتطف في أثناء طبعها في مدينة بيروت، وله بها الرسائل الرياضية والمقالات العلمية التي تدل على طول باعه وتضلعه من العلوم، وقد اختاره المجمع العلمي الشرقي عضو شرف فيه.
وفي شهر ذي القعدة سنة 1297ه الموافق شهر أكتوبر سنة 1879م اقترن بذات العصمة والعفاف السيدة «نظله» كريمة خاله المرحوم «عبد الله باشا عزت الأرنئوطي».
وفي شهر رمضان سنة 1302ه/يونيو سنة 1884م توفي إلى رحمته تعالى «إسماعيل راغب باشا» والد صاحب هذه الترجمة، ففقدت البلاد المصرية بوفاته ركنا من أعظم أركانها، وحزنت عليه حزنا شديدا، وفي ذلك الوقت أظهر «إدريس بك» من الحزم والعزم ما أطلق ألسنة الخلق عموما بالثناء عليه وعلى آدابه. وقد أنعم عليه المغفور له توفيق باشا خديوي مصر بالرتبة الثانية في 23 يوليو سنة 1885م/20 شوال سنة 1302ه؛ إظهارا لالتفاته السامي إليه وتشجيعا له على اقتفاء خطوات أبيه في خدمة الحكومة والوطن بالصدق والأمانة فسر هذا الإنعام كل من عرف حسن شمائل المنعم عليه وأملوا له زيادة الارتقاء في مدارج العلاء.
وفي هذه السنة (1885م) رزقه الله ولدا سماه «أحمد نصرت»، فأقام لأجله ليالي الذكر ووزع مع حضرة حرمه الفاضلة الإحسان على المستحقين، وشكروا الله على هذه البركة.
وسنة 1886م رزق ابنة سماها «فطنت» هانم، وعمل لها العقيقة كما عمل لأخيها قبلها.
وإذ كانت العشيرة الماسونية هي الجمعية المثلى التي جمعت نخبة أفاضل البلاد وعيون أعيانها، وكان يتقاطر إلى الانتظام في سلكها كل ذي نفس أبية وسجية زكية، ولما رأى صاحب الترجمة ما لهذه الجمعية الشريفة من الأعمال الحميدة قدم طلبه إلى محفل كوكب الشرق نمرة 1355 التابع لمحفل إنكلترا الأكبر، فقبل في الدرجة الأولى في 23 ديسمبر سنة 1887م، وكان رئيس ذلك المحفل وأعضاؤه يثقون به لما رأوه فيه من دماثة الأخلاق وكريم السجايا، فرقوه إلى الدرجة الثانية في 10 فبراير سنة 1888م فزاد حبه للماسونية وزاد حبهم له.
وترقى لدرجة الأستاذ في 29 مارس سنة 1888م، فكان قدوة حسنة لإخوانه، ورزق في هذه السنة ولدا سماه «محمد عزت».
وسنة 1889م انتخب بإجماع الآراء منبها أول لمحفل كوكب الشرق.
وفي 14 يناير سنة 1889م أرسل عطوفة ناظر الحقانية إفادة إلى سعادته يكلفه قبول منصب نائب قاض في المحكمة الأهلية فلبى الدعوة لخدمة وطنه العزيز، ولم تطل مدة قيامه في هذه الوظيفة حتى صدرت إرادة سمو الأمير بتعيينه قاضيا في محكمة مصر الأهلية، وكان من جملة آثاره فيها أنه كشف مخبآت قضية «مصطفى باشا الخازندار» الشهيرة، وأظهر بواطنها.
وفي 26 يناير سنة 1889م أحرز درجة أستاذ معلم في محفل مصر نمرة 311، وهو محفل إنكليزي تابع للشرق الإنكليزي، وفي 6 مارس سنة 1889م أسس محفل الهلال نمرة 30، وفي 8 مايو سنة 1889م ترقى إلى درجة العقد الملوكي في مقام البلور نمرة 1068، وفي أواخر سنة 1889م أجمعت الآراء على انتخابه رئيسا لمحفل كوكب الشرق، وفي 26 ديسمبر سنة 1889م عين منبها أول أعظم للمحفل الأكبر المصري.
وفي 10 يناير سنة 1890م تولى رئاسة محفل كوكب الشرق الموقر، وقد زرت المحفل في أثناء رئاسته فألفيته زاهرا زاهيا به، ورزق في هذه السنة ولدا سماه «إسماعيل راغب».
ويوم الجمعة مساء في 12 ديسمبر سنة 1890م اجتمع المحفل الأكبر المصري وقرر اجتماعه الماسوني في 9 يناير سنة 1891م لانتخاب موظفيه، وكان المغفور له «توفيق باشا» خديوي مصري رئيسا أعظم للمحفل الأكبر المصري، ولما كثرت أشغال المحافل وزاد عدد طالبي الانضمام إليها رغب سموه إلى الإخوان العاملين أن يعفوه من الرئاسة العملية، وأن ينتخبوا غيره من الأفاضل أصحاب الوجاهة والعلم، وفي 9 يناير سنة 1891م اجتمع المحفل الأكبر المصري في الدار الماسونية بحضور جمهور من الإخوان، وبعد إجراء الرسوم المعتادة انتخبوا «إدريس بك» رئيسا أعظم فسر كل الإخوان في القطر المصري من هذا الانتخاب.
ويوم الجمعة 23 يناير سنة 1891م أرسل سمو «توفيق باشا» نائبه في الرئاسة العظمى سعادة «حسين فخري باشا» ناظر الحقانية المصرية في تلك السنة، فعقد اجتماعا في المحفل الأكبر المصري وثبت الموظفين وأجلس «إدريس بك» على كرسي الرئاسة العظمى، فاستلم الأشغال بين تهليل الإخوان وسرورهم، وحينئذ انتخب سمو الخديوي «توفيق باشا» رئيس شرف مؤبدا للمحفل الأكبر المصري، و«فخري باشا» رئيس شرف أيضا، وبلغ سموه ما تم، فسر وأهدى إلى المحفل الأكبر مبلغ مائة جنيه تنشيطا له على أعماله الخيرية، وأعلنت المحافل الوطنية والمتحابة والمشارق السامية والمجالس العليا الماسونية في سائر أنحاء المسكونة بهذا الانتخاب فسر الجميع بذلك وأرسلوا رسائل التهاني تترى.
وفي 23 مارس سنة 1891م نال الدرجة الثامنة عشرة من شرق إيطاليا الأعظم.
وفي 29 أبريل سنة 1891م اجتمع المحفل الأكبر المصري برئاسته وبحضور جماعة من الإخوان العظام، وكان المحفل الأكبر مديونا بستة عشر ألف جنيه فاتفقوا على تسويته وأقنعوا أصحاب الدين بقبول ألف وأربعمائة جنيه تدفع نقدا ويتخلص المحفل من كل ديونه، ورأى أعضاء المحفل الأكبر تعسر الواسطة لوفاء ذلك الدين فلجئوا إلى أستاذهم الأعظم «إدريس بك»، فكان من باكورة أعماله أنه دفع المبلغ من ماله الخاص، فأصبح المحفل الأكبر المصري حرا في أعماله وماليته.
وفي 1 مايو سنة 1891 ألحق بمحفل نور الشرق التابع لشرق إيطاليا الأعظم، فمنحه في 5 مايو سنة 1891م الدرجة الثلاثين، ثم دخل في المجلس المصري الأعلى وأخذ فيه درجتي 31 و32.
وفي 3 يوليو سنة 1891م أحرز الدرجة السادسة والتسعين في الطريقة المنفيسية مكافأة على ما أتاه من الخدم الجليلة للهيئة الاجتماعية عموما والماسونية خصوصا، ولما كان المجلس الأعلى لدرجة 33 لا يعترف بهذه الطريقة تنازل عن هذه الدرجة.
وفي 29 سبتمبر سنة 1891م ترقى إلى الدرجة الثالثة والثلاثين، وهي أرفع الدرجات الماسونية في الطريقة الاسكوتلندية للبنائين الأحرار القدماء المقبولين.
ويوم الخميس 8 أكتوبر سنة 1891م مساء احتفل المحفل الأكبر بعيد تأسيسه وتثبيت الرئاسة العظمى لسعادة «إدريس بك»، فكان هذا الاحتفال جامعا كل أسباب المسرات. وقد توارد إليه الإخوان أعضاء جميع المحافل، وازدان صدر الحفلة بحضور كثير من الرؤساء ومندوبي المشارق العظمى المتحابة والمحافل الكبرى والمجالس السامية التي لها علائق ودادية وصلات حبية بالمحفل الأكبر، فكان هذا الاحتفال باهرا زاهرا لم يسبق له نظير في الهيئة الماسونية المصرية؛ لأنه جمع دواعي الأنس ومجالي الابتهاج، وكان الإخوان على سرر الصفاء متقابلين تعلو أسارير وجوههم أمارات البشر وإشارات الابتهاج؛ لأنهم علموا أن هذا اليوم تذكار عظيم لظهور شأنهم في عالم البناية الحرة وبزوغ كوكب سعدهم في أفق الماسونية.
وفي 17 نوفمبر سنة 1891م أسس مقام كوكب الشرق نمرة 1355.
وفي 3 يناير سنة 1892م أسس محفل الإخلاص للأساتذة المعلمين نمرة 440، وقد نال النياشين الرئيسة من كل المحافل التي قام عليها رئيسا، وهي: الهلال، وكوكب الشرق، ومقام كوكب الشرق، ومقام البلور، ومحفل الإخلاص.
وفي يوم الخميس الساعة السابعة وربع مساء في 7 يناير سنة 1892م توفي إلى رحمة الله «توفيق باشا» خديوي مصر في مدينة حلوان، فحزنت عليه الأمة المصرية عموما، والماسون خصوصا حزنا شديدا، ومشى الماسون جميعا في مشهده. وعلى إثر وفاته كتب سعادة «إدريس بك» رسالة تعزية لحضرة صاحبة الدولة والعصمة حرم المغفور له بالنيابة عن الجمعية الماسونية وتوجه بها إلى سراي القبة وقدمها إلى دولتها فقبلتها أكرم قبول من هذه الجمعية الشريفة، وسألت «إدريس بك» إبلاغ سلامها وشكرها الجزيل إلى أعضاء المحفل الأكبر الموقر وسائر إخوان العشيرة الماسونية في القطر المصري.
وعمل له صاحب الترجمة تذكارا ليوم الأربعين من وفاته لم يسبق له نظير في البلاد المصرية اجتمع فيه أكثر من ألف أخ ماسوني بملابسهم الرسمية برئاسة «إدريس بك»، فتليت فيه الخطب والمراثي.
وفي 12 يناير سنة 1893م أسس المقام الأكبر المصري لدرجة العقد الملوكي، وعين رئيسا أول أعظم له، وانتخب كاتب هذه الترجمة سكرتيرا أعظم له، وفي 3 فبراير سنة 1893م أسس محفل السفينة الملوكية نمرة 440 (المارك).
ورزق في هذه السنة ابنة سماها «عطيت هانم».
وفي هذه السنة (1893م) طبع القانون الماسوني للمحفل الأكبر بعدما نقح وأضيف إليه تكملات مهمة، وابتدأ بطبع كتب الدرجات الرمزية الثلاث ثم طبع شروحها كل درجة بكتاب على حدة، وكذلك درجة المارك والعقد الملوكي ومحفل الأساتذة المعلمين، وكتب التعليم وغيرها، ولم يقتصر على هذا، بل جعل جلسات المحفل الأكبر غاية في الانتظام ووطد اتحاده مع المشارق السامية ونظم اجتماع لجنته المستديمة.
وفي شهر أكتوبر سنة 1894م/ربيع أول سنة 1312ه أنعم عليه جلالة شاه إيران بنيشان شيرخورشيد (الشمس والأسد) من الدرجة الثانية على إحسانه إلى الحجاج الإيرانيين وغيرهم.
ورزق في هذه السنة ابنة سماها «أمينة هانم».
وفي هذه السنة (1894م) طبع كتابه المسمى «طيب النفس لمعرفة الأوقات الخمس»، وقدمه لأعتاب سمو «عباس باشا حلمي» خديوي مصر، ورفع منه كتابا إلى عظمة السلطان «عبد الحميد خان» وآخر لجلالة شاه إيران، وقد قرظه حضرة المشير الهمام ذي الدولة والفخار الغازي «أحمد باشا مختار» بالتركية فقال:
بسم الله الرحمن الرحيم
مؤلف عزتلو إدريس بك أفندي شو كتاب فوائد نصابك محتو ياتيله اشتغال ايتمكي نه أبي بولمش على الخصوص عمومه عوامي، وخصوصه حسابي برطرزده مختصر ومفيد تفسير مسائله كير شمكله برابر تطبيقاتنه دها زياده اهميت ويره رك بر طاقم دستور لري حل ومتعدد جد وللري املايه قدر صرف همت ايلمش حقاكه پك كوزل ياپمشدر كنديسنه تشكر له برابر دها بونك كبي نيجه اثار مفيده نشرينه موفق اولمسني الطاف سبحانيه دون تمنى ايلرم.
غازي
أحمد مختار
في 15 جمادى الثاني سنة 1312ه
وقرظه حضرة العالم المحقق سعادتلو «إسماعيل باشا الفلكي» ناظر مدرسة المهندسخانة والرصدخانة سابقا، فقال:
إن أبهى ما تزدان به الطروس، وترتاح إليه النفوس، حمد من اطلع في سماء العلوم هلالا يفيض نوره على العالمين، ويهدي بضوئه المسترشدين، والصلاة والسلام على قطب دائرة الوفاء، وصحابته الذين أظهروا أسرار العلم من زوايا الخفاء. وبعد؛ فقد سرحت الفكر في رياض هذا المؤلف العزيز المثال، وأمعنت النظر في غرره التي لم ينسج لها على منوال، فوجدت أن مؤلفه الفاضل قد جمع فيه من الفوائد ما لا يدخل تحت عد حاسب، ولا يقوم بحصره قلم كاتب. أظهر مكنونات كانت مودعة في زوايا النسيان، فأزال حجابها حتى تراءت للعيان، ومثل علم المواقيت أحسن تمثيل، بما لم يعهد له مثيل، فسهل على كل معرفة الميقات، فلا غرابة أن عددناه له من أعظم الحسنات، فكم ترك الأول للآخر، من عظيم المحاسن وشريف المآثر، نعم فهو نتيجة فكر رشيد، وعقل سديد، ورياضي له ذكر بين مشاهير الرجال، وله في أفئدة معاصريه جزيل الآمال، فنفع الله به وطنه، وأدام عليه من مدرار علومه ما يجعل أهل العصر الحاضر يرفعون له ألوية الشكر، ويقدمون إليه عظيم الثناء، وأكثر الله من أمثاله بين ظهرانينا لتقدم المعارف والعلوم.
وقرظه حضرة العالم الفاضل عزتلو أحمد بك ذهني ناظر مدرسة المهندسخانة الخديوية فقال:
ما أبدعته أفكار الحكماء الأوائل، وجالت في ميادين اختراعه جياد أقلام الأفاضل، ورصدت كواكب إدراكه نفس «إقليدوس»، ودارت على محور الإمعان دائرة أنظار «بطليموس»، بأعظم مما أنتجته أفكار من قسم على صحيح تصوره جمع المعارف والآداب، واطرحت دون بلوغ شأوه أقوال النبلاء في زوايا الانقلاب، همام لم تدون قاعدة في فن إلا وله بها الإلمام الشافي، والرأي السديد الوافي، ولا سيما علم الرياضة الذي غدا به كالرياض اليانعة، وغدت شموس أفكاره في بروج مطالعه ساطعة، كيف لا وهو المولى الذي يشار إليه بالبنان، ويشهد له بإحراز قصبات السبق في مضمار الرهان، ويقصر عنه في حلبته كل عالم وكاتب، السري اللوذعي «إدريس بك راغب»، فقد طالما بذل النفس والنفيس لنفع بلاده وأبناء وطنه، وغمرهم من بحار علومه بما تركهم مشمولين بمننه.
ومما صار عنوانا على تالد فضله وطريفه، وشاهدا عدلا على رائق معناه ولطيفه ، كتابه الذي بزغت في سماء الانتفاع أنوار أهلته، وجل عن الحساب تعداد منفعته، حيث كان هداية للناسك إلى سواء السبيل، وحسما للنزاع وإبطالا للقال والقيل، فلا غرو أن تسابقت نفوس الأدباء طرا إلى اقتنائه، فهو الحري بأن يبذل العاقل روحه ومدخر ماله في الحصول عليه وشرائه، ولقد سرحت ذهني في رياض سطور طروسه، وأجلت الأفكار في استجلاء مطالع شموسه، فإذا به كتاب غدا قطبا لدائرة أفكار الفضلاء، وشمس أفهام الألباء، كتاب قد أجزل الأنام منافعه، وهل تنكر الشمس في الرابعة، ولا يفوتك أن اسمه وافق مسماه، ونفح مسك طيبه وشذاه، فلا جرم أن كان راحة النفس في معرفة الأوقات الخمس، ولمثل هذا فليعمل العاملون، وبجزيل فوائد فرائده فليتنافس المتنافسون.
وقرظه جناب العلامة الفاضل الدكتور «فارس نمر» منشئ المقتطف والمقطم فقال:
تصفحت كتاب «طيب النفس بمعرفة الأوقات الخمس»، فإذا هو مثل سائر ما نفثه يراع العالم الرياضي الكاتب سعادة «إدريس بك راغب» كتاب كلامه قل ودل، وبحثه عميق، ومعناه دقيق، ومنهجه منهج أرباب العلم والتحقيق، ولقد طال بحث الأئمة المتقدمين في توقيت الصلوات وكثرت كتب العلماء المحدثين في تعيين جميع الأوقات، ولكني لم أعثر بكتاب استوفى تحقيق المتقدمين واستقصى تدقيق المتأخرين قبل هذا الكتاب المستطاب الذي راعى في تعيين أوقات الصلوات الخمس فرق انكسار شعاع الشمس في الهواء محسوبا على اختلاف ضغط الجلد، وتفاوت درجة حرارته وانخفاض أفق الناظر، فجاء كتابا يعين به المصلي أوقات صلواته ويستعين به العالم على حساب أوقاته، لا زال مؤلفه الفاضل ينفع الشرق بعمله ومعارفه وينفح أهله بفضله وعوارفه.
فارس نمر
مصر في 1 يناير سنة 1895م
وفي سنة 1895م نال درجة النخل والصدف، وتعين عضو شرف في جمعية أبطال الماسونية القدماء في مدينة شيكاغو بالولايات المتحدة الأميركية.
وفي شهر مايو سنة 1895م عينته الحكومة المصرية مديرا للقليوبية، فأصلح شئونها ورتب أمورها، وساوى بين القوي والضعيف، وفي غضون إقامته في بنها قاعدة مديرية القليوبية أنشئ محفل ماسوني باسم بنها، وأنشئ مقام عقد ملوكي أيضا تابع له، وذلك بعنايته واهتمامه.
وفي 12 يناير سنة 1896م/27 رجب سنة 1313ه أنعم عليه بالرتبة الثانية المتمايزة. وفي هذه السنة 1896م رزق ولدا سماه «عبد الله»، وكان يوزع الخيرات على المحتاجين، ويقيم الأذكار والمبرات عند ولادة كل ولد من أولاده كما تقدم.
وظل في مديرية القليوبية إلى سنة 1897م فاستعفي من وظيفته لخلاف حصل بينه وبين بعض أولي الأمر، وقد أجمعت الجرائد المصرية على اختلاف مشاربها على مدح همته وشهامته. وفي أول فبراير سنة 1897م أنعم عليه بالنيشان العثماني الثالث، في 27 شعبان سنة 1314ه.
وفي سبتمبر 1897م (هذه السنة) عينه سمو البرنس «أوف ويلس» ولي عهد مملكة بريطانيا العظمى ورئيس المحافل الإنكليزية رئيسا أعظم على محافل أفريقية الشمالية لدرجة الأساتذة المعلمين.
وفي جلسة 30 سبتمبر سنة 1897م للمحفل الأكبر المصري أعيد انتخابه بإجماع الآراء رئيسا أعظم لسنة 1898م بناء على فضله وأهليته وتثبت في 8 أكتوبر سنة 1897م، وقد أينعت الماسونية أيام رئاسته العظمى ونجحت نجاحا يذكر حتى صار عدد المحافل المصرية أربعة وخمسين محفلا منها محفلان تأسسا على اسم سعادته وهما: محفل إدريس نمرة 43، ومحفل راغب نمرة 51، ولا تزال الماسونية في تقدم مستمر.
وقد أجمعت القلوب على حبه وإعلاء منزلته، وبعد صيته في الآفاق فتواردت عليه مدائح الشعراء من كل صوب حتى لو طبعت كلها لملأت مجلدات من الكتب، ولا أبالغ إذا قلت: إنه لا يتم مشروع خيري في مصر أو أمر مفيد يعود عليها بنفع عميم إلا كان له فيه يد بيضاء. وكم من مرة رأيناه مرأى العين يجود على المحتاجين ولا يرد سائلا قصده لسبب الفاقة والفقر! هذه الجمعيات الخيرية على اختلاف نزعاتها تؤيد كلامنا، وهذه الأفراد والبيوت التي أخنى عليها الدهر من أي طائفة كانت قد خصص لها مرتبات شهرية أو أسبوعية تتقاضاها من إحسانه حتى أصبح الجميع يترنمون بحمده والثناء عليه وكل يخبر بما ناله داعيا من صميم الفؤاد وسائلا مهندس الكون الأعظم أن يبقيه للإنسانية ذخرا وللشرق والشرقيين فخرا.
هذا ملخص ترجمة أول أستاذ أعظم عامل في الماسونية الشرقية الرمزية العربية، قرن العلم بالعمل، وأضاف إلى الفضيلة المعرفة، وإلي المعرفة الاتضاع، وإلي الاتضاع الإخاء وإلى الإخاء المحبة وإلي الكل الاستقامة، فظهرت لكل ذي ذوق سليم صفاته الغراء ومزاياه، حفظه الله ذخرا للقطر وأهله وأبقاه.
مقدمة
نشأ الإنسان وحوله من عجائب الدنيا العجيبة ما أثار دهشه، فحار في أمره وبدأ ينقب ليستطلع كنه أمرها، وجد في كشف القناع عما حجب عن عينيه من العظائم فلم يفلح سعيا.
ولما رأى نفسه حائرا في معرفة العوامل الموجبة لهذه المدهشات وتحقق إخفاق سعيه تركها وشأنها وجعل دأبه استقصاء النتائج الناشئة عن تلك العوامل فدرس أحوال الطبيعة ونقب عن صفاتها ليتمسك بالمفيد ويجتنب المضر.
وكان تعاقب الليل والنهار والحر والبرد والفصول الأربعة من حر الصيف القادح وبرد الشتاء القارس وظهور الأرض نضرة زاهية زاهرة ستة أشهر ويابسة قاحلة ستة أشهر أخرى لا نبات فيها ولا أزهار، وما يعقب ذلك من العوامل الطبيعية، كل ذلك قضى عليه بأشد الدهشة والحيرة فاشتد عجبه وشمر عن ساعد الجد ليستطلع طلع الأسباب التي أوجبت هذه التغييرات ولشدة ما تفحص بدأ يدرك النتائج وعرف منها الأسباب، وأحاط علما ببعض أحوال الطبيعة ومكنوناتها.
ورأى الشمس والقمر والكواكب السيارة فخالها أزلية غير مخلوقة، وظنها ثابتة لا تتحرك، إذ بينما كان كل شيء أمامه يزهو بأيامه ودولته، ويذبل ويبيد عندما تنقضي تلك الأيام، فلا يبقى منه أثر مذكور كان يرى الأجرام السماوية ثابتة في مراكزها لا تتغير ولا يعروها أقل عارض يوجب في حركاتها اختلافا، فنجم عن هذه الدهشات أمور لا تعلم ولا يستقصى خبرها؛ إذ شعر من أول وهلة بعواطف شكر نحو الجرم العظيم الذي ينيره ويخرج له نبات الأرض وحاصلاتها فيعيش بها. وزاد شكره حتى صار امتنانا وترقى الامتنان فصار عبادة، ومنها تفرعت عبادة المرء للأجرام السماوية التي عمت أربعة أقطار المعمور.
فيعبد الهنود براهما وهو الشمس، ويعدونه خالق روح الصلاح، ويعبدون سيفا ويعدونه مبدع روح الشر، وعد الفرس أوروماز الإله المبدع وأهريمان عدوه وهو الشر والضلال. واعتقد المصريون الاعتقاد نفسه فأوزيريس إلههم الصالح، ونيفون الطالح، وجرى غيرهم أيضا مجراهم فعدوا بعض الأشياء آلهة قادرة فعبدوها وأكرموها فوق كل شيء كآلهة قادرين.
ونرى الإنسان عند جميع الشعوب ساجدا أمام الطبيعة غير مميز في عبادته بين العامل والمعمول، وبين العلة والمعلول، معتقدا بقدرة موجد عظيم أبدع الكائنات وأشرك معه من رأى عبادته واجبة فتعددت الآلهة، ولكن بقيت النتيجة واحدة.
ولم تنسخ هذه العبادة تماما، بل اعتقدها قليل من القوم المختارين، وتناقلت منهم للخلف عن السلف حتى أصبحت قاعدة للشرائع التي كان يعلمها الكهنة المصريون في هياكل منفيس.
ورأى هؤلاء القوم العقلاء الاكتشافات الأولية التي حصلوها في العوامل الطبيعية، وما آل إليه بحثهم وتنقيبهم من الثمار الصالحة فجدوا ليجدوا واسطة تحفظها من الدثار وتخلد لها أثرا مأثورا فلجئوا إلى الإشارات والرموز؛ ليبقى لهم بذلك أثر وتذكار مجيد جزاء حق على جدهم واجتهادهم ومنها نجمت معرفة الإشارات والرموز التي اعتاد استعمالها الكهنة الأقدمون.
وأصبح هؤلاء بحسن إدراكهم وقوة حججهم ذوي نفوذ عظيم على الشعب الذي كان في جهالة تامة وعدوا أنفسهم بمثابة وسطاء بين الشعب والآلهة، فرأوا وجوب تكشير الطالبين في جمعياتهم ليشتد بهم أزرهم ويصبح أمر الحل والربط بيدهم من غير منازع ولا معارض، وسعوا في انتقاء الطالبين من نخبة القوم الذين يكتمون السر ولا يجبنون عند اقتحام خطر موهوم، فصاروا يمتحنون الطالب بتجارب شتى حتى إذا رأوا من أحدهم إقداما وبسالة أقسم يمينا معظمة أن لا يخون ولا يبوح بما علمه من الأسرار فأدخلوه جمعيتهم مسرورين.
ومن هؤلاء العلماء الأعلام نشأ استعمال التجارب والامتحانات في الجمعيات السرية القديمة، فكأن الكهنة وهم أعاظم الرجال الذين اشتهر فضلهم وعرف نبلهم تيقنوا أنه لا يمكن إظهار الحقيقة لأقوام غلاظ العقول لا يدركون إدراك أسرارها السامية؛ فخشية من أن يعبثوا بها أو تذهب عظمتها ضحية تلاعب الجهلة بها ستروا الحقيقة تحت رموز خفية أظهروها للجمهور، فحسب هؤلاء أن هذه هي عين الديانة التي يجب اتباعها فسلكوا مسلكها وهم في جهالتهم عامهون، فتفرع من ذلك قسمان في الديانة عظيمان: قسم للعامة وهو رموز وإشارات لا يدركون مغزاها ولا يفهمون معناها، وقسم للعلماء وهم الكهنة الذين علموا وتيقنوا حق اليقين أن وراء هذه الإشارات حقائق أدبية مانعة كل جاهل سافل عن إدراكها.
وكانت هذه الأسرار كلها متشابهة متفقة من حيث المبدأ والتعاليم، ولكنها مختلفة عن بعضها اختلافا طفيفا لا يعتد به حسب اقتضاء الحال، فكان المصريون والكلدانيون والحبشيون يلقنون هذه التعاليم سرا، وقد جعلوا الهندسة وعلم البناء أسا لعلومهم. وأنشأ الكهنة المصريون مدارس جمة تعلم علوما عظيمة، وجعلوا لكل مدرسة فرعا من هذه العلوم يدرسها الطلاب، ويلقن هؤلاء العلوم الدينية حتى إذا برعوا فيها سمح لهم قامة العبادة بصورة منظمة وهم يعدون بمثابة تلامذة الكهنة العظام، وكانوا يتألبون زرافات وكل ذي حرفة مع من شاكله لا يختلط أحدهم بالآخر، وكلهم يقيمون فروضهم ويتممون واجباتهم حسب ما رسمه لهم الكهنة، وكان ينشأ من هذا القسم الملوك وكبار الدولة وكل ذي نفس أبية.
ولم يحرز الكهنة المصريون محبة الشعب هذه وثقته العظمى بهم عن عبث، بل كان ذلك لحكمتهم وأصالة رأيهم وحسن تدبيرهم وشدة حرصهم على أسرارهم وتعمقهم في علومهم الأدبية، أما مرجع الفضل الأعظم في ذلك فعلى دراستهم وتمعنهم في كتابات من سلفهم من حكماء الفرس والكلدان الذين أبدعوا فيما كتبوه وأتوا بالسحر الحلال.
ولما تحقق أعاظم رجال اليونان كتاليس وسولون وفيثاغوروس وديموكوتيوس وأورفه وأفلاطون وأيدوكس وأوبيكيوس وهيرودوتس وليكورغوس ومن ماثلهم من العظماء الأقدمين ما هم عليه الكهنة المصريون من الفضل والتقدم في العلوم العالية شدوا الرحال إليهم وساروا يقطعون الفيافي والقفار ليصلوا إلى الهياكل المصرية ويسمعوا ما لم يسمعوه قبلا من الحكمة ويتعمقوا في تعاليم إيزيس وأوزيريس.
وانتقلت هذه الأسرار إلى اليونان على يد أورفه فإنه أتى بها ووضعها على طريقة يمكن اليونان فهمها وبنى عليها طريقة دعاها تعاليم سوماتراس، وحذا حذوه تريبتولم وسن تعاليم أخرى دعاها أوليزيس، وجاء بعدهم حكماء اليونان بما عرف عنهم من الذكاء والنشاط في الأعمال ودرسوا هذه الأسرار وتعمقوا فيها وبنوا عليها أساطيرهم المشهورة.
الباب الأول
إنشاء مدارس البنائين التي نشأت الماسونية منها
الفصل الأول
في الأعمال البنائية
قيل إن «موسى» أول من نقل الأسرار المصرية إلى شعبه اليهود، ثم انتقلت إلى اليونان بواسطة أورفه وهمة تريبتولم، ثم من هؤلاء إلى الرومان الذين أزهرت في أيامهم وأصبحت تضرب بقوتها الأمثال.
وكان نوما بومبيليوس
1
إذ ذاك ملكا على الرومان، وهو الذي اشتهر بحكمته وعدله في رعيته، فأقام بينهم مدارس كثيرة لعلوم متنوعة أخصها علم البناء وأدخل في مدارسه تلك الأسرار، وذلك سنة 715 قبل المسيح.
وكانت هذه المدارس صناعية دينية تعلم تلامذتها الأسرار التي انتقلت إليها من المصريين حتى إذا أتقنوها حق لهم مباشرة الأعمال الدينية أحرارا من غير منازع ولا معارض، وكانت صناعية من حيث إنها لا تتداخل في المسائل السياسية، وكان دأبها عمل ما يعود نفعه على العباد والبلاد، وكانت قوانينها مربوطة بشرائع عظيمة وقوانين جسيمة لا يمكن أن تتعداها أو تخالف منها شيئا.
أما دياناتها، فكانت مؤلفة من أسرار عميقة لا يطلع عليها إلا المترشحون لقبول الدرجات، فيدخل الطالب لها بناء بادئ بدء، ثم يترقى رويدا رويدا إلى أن يطلع على تلك الأسرار التي نراها في كتب من سلفهم من الآشوريين والمصريين والبراهمة والكلدان، وهذه آثارهم تدلنا صريحا على ما كانوا عليه من التقدم والنجاح في معارج القوة والفلاح.
وكان لهم في عهد الرومانيين امتيازات لما ينلها غيرهم، فكانوا معفين من الضرائب المفروضة على الشعب، وكانوا يجتمعون كل ليلة في محفلهم؛ وهو بناية من خشب يقيمونها قرب المنزل المراد إنشاؤه، وهناك يوزعون شغل الغد على الإخوة بأكثرية الأصوات، ويقبلون الطالبين الدخول بينهم ويطلعونهم على أعمالهم وأسرارهم بعد أن يقسموا يمينا مغلظة أن لا يبوحوا بالسر لأحد، وكانوا ينقسمون إلى ثلاثة أقسام: طالبين وإخوة ورؤساء، وكانوا ينتخبون الرئيس لخمس سنوات ويدعونه أستاذا.
وكانت أشغالهم في محافلهم تبدأ دائما بإقامة صلوات واحتفالات دينية، ولكنهم إذ كانوا من أمم شتى، وكان كل منهم يدين بغير دين الآخر وصعب عليهم إقامة الاحتفالات الدينية سوية؛ دعوا الإله الخالق الذي كان كل منهم يعتقد بواجب وجوده مهندس الكون الأعظم لاعتبارهم العالم بناية جسيمة وهيكلا عظيما أبدعه هذا المهندس العظيم.
وكانت الامتحانات في بدء نشأتها قاصرة في الدرجة الأولى والثانية على قليل من الاحتفالات الدينية وتفسير بعض رسوم للطالبين وتدريبهم في الأعمال وتلقينهم إشارات التعارف، وتحليفهم الأقسام العظيمة أنهم لن يخونوا الجمعية التي انتظموا في سلكها، وأنهم يخلصون لها ما زالوا في قيد الحياة عاملين.
وإذا ترقى الطالب وأصبح بجده واجتهاده وحسن سيرته أهلا لدرجة الأستاذ الرفيعة كان عليه أن يقدم الامتحانات الكثيرة والتجارب العديدة التي أخذها الرومان عن المصريين الأقدمين.
وكانت مدارس البنائين تقي طلابها من كل غائلة، وتكفل لهم شرفا أثيلا بالامتيازات التي حصلتها، والتي اشتد أزرها بها فنشأ فيهم لعظم همتهم وسمو مداركهم وشدة محبتهم بعضهم لبعض أفكار واعتقادات في ديانتهم لم يحرزها غيرهم من الشعوب، فكانوا يشحذون قريحتهم ويجهدون قواهم ليجدوا واسطة تكسبهم حسن السمعة بين الملأ، وكانت لهم كما كان لغيرهم من الأمم الغابرة التي هي من الجمعيات السرية قواعد وقوانين لا يطلع عليها غيرهم وإشارات يتعارفون بها.
ومن الرومان تفرعت مدارس البناء فامتدت أولا إلى غاليا سيزالبين؛ وهي البندقية ولومبارديه، وغاليا ترانسالبين؛ وهي فرنسا وبلجكا وسويسرا وبريطانيا العظمى الآن، ثم إلى الشرق وبلاد العرب، ومنهم جاءت إلى إسبانيا، حيث زهت وأزهرت كما تدلنا على ذلك الآثار الهائلة القائمة حتى الآن تشهد بفضل بانيها وعظم قوتهم.
وبقيت مدارس البنائين في رومية عاملة ناجحة حتى سقطت الإمبراطورية وخلف الأباطرة غيرهم من الحكام الذين كان دأبهم التخنث وحب الذات، فلم يكونوا كأولئك يبذلون النفس والنفيس لإعلاء شأن البلاد وإسعاد العباد، فذبلت نضارة الماسونية وعادت ضعيفة بعد قوتها ولبثت تسير القهقرى، حتى دان حكام رومية بالديانة المسيحية، فصارت الماسونية تتقدم رويدا رويدا وتسترجع نضارتها، وعادت إليها عظمتها الأولى.
الفصل الثاني
بعض الأقوال في أصل الماسونية وتعاليمها وغايتها ومستقبلها
لم يتفق المؤرخون على أصل الماسونية وكيفية نشأتها، فقد تضاربت الآراء واختلفت الأقاويل فيها، فمن ناسب أصلها إلى أقدم الأزمان، ومن قائل: إنها لا تتجاوز الجيل السابع عشر، وبالإجمال فإن دون معرفة الحقيقة أستارا مسدولة تمنع النور عن خرق الحجاب وتحقق شيء من ذلك؛ لأنه من أي مكان جئناها ومن أية وجهة طلبناها لنقف عند الحقيقة ونكون من أمرها على بينة صدق نرى أمامنا عقبات جمة تعرقل سعينا وترجعنا حيارى في أمر نشأتها ومعرفة أول مؤسس لها؛ وذلك لتوالي الأيام وكرور السنين والأعوام.
ولكنه لكثرة ما نقب العلماء والمؤرخون الماسونيون وجدوا سعيا في استقصاء الحقيقة بلغوا غاية طالما صبوا إليها وأدركوا أمنية كثيرا ما تاقوا إلى معرفة كنهها، فقد كشفوا القناع عن كثير من الحقائق والغوامض التي كانت تحول دون ذلك وتقف سدا منيعا بأوجهنا لا يخرقه الاستقصاء ولا يدفعه التنقيب.
وحدث عن هذه الجهالة في معرفة الحقيقة الراهنة أن اختلفت المذاهب في الماسونية، فمن مؤمن مسلم بحقيقة أمرها وشرف مبادئها عالم متيقن أنها أسست لتكون للعالم كنز الراحة ومجلبة السعادة والهناء، ومن مرجف مكابر يهرف بما لا يعرف، أبى إلا الكذب والنميمة مطية يعلوها، فسار وصوافن البغي والعناد تقله وتلقيه في مهامه الجهالة عامها لا يدري في أي واد يهيم فنسب إلى الجمعية الماسونية كل بذيئة واتهمها بما هي براء منه، وعاث في الأرض فسادا، وأبى الله أن يفلح المفسدون.
وقام بعد ذلك المؤرخون المدققون وشمروا عن ساعد الاجتهاد بهمة شماء ووقفوا أنفسهم وأوقاتهم لإدراك هذه الغاية العظيمة، وفضلوا الموت على الحياة، أو يعيشوا أشرافا مستنيرين. وبعد أن طال بحثهم واستقراؤهم في استطلاع طلع الحقيقة نسبوا الجمعية الماسونية إلى أصل قديم جدا، وقالوا: إنها اقتبست قواعدها من مدارس الأقدمين الفلسفية، وقالوا: إن الهنود والمصريين أول من نادوا بهذه الجمعية العظيمة؛ وذلك لما رأوه من موافقة الرموز والإشارات الماسونية الحديثة لتلك، وذهب بعضهم مذاهب أخرى يطول شرحها.
وقام المعارضون وقالوا: إنها شيدت يوم بنى «سليمان» هيكله المشهور، واحتجوا بما في الشرائع الماسونية من الكلمات العبرانية، وقالوا: إن «سليمان» شيدها يوم أسس هيكله سنة 1012 قبل المسيح، فكرسه بعد تسع سنوات من بنائه لعبادة إله قادر أبدع السموات والأرض، وأن هذا الهيكل كان أول بناء تأسس لعبادة إله واحد. فلو سلمنا بهذا الاعتقاد، ونسبنا إلى الماسونية هذا التقادم في العهد لرأينا أن الهيكل السليماني إشارة حقيقية إلى الجمعية الماسونية، وأن هذا البناء العظيم راموز الهندسة وعلم البناء فتتشبه به المحافل الماسونية؛ لأن كل أخ يضع فيه حجره وتشاد عليه هذه الجمعية العظيمة الشأن.
ولكن الماسونية حافظت على التقاليد القديمة التي وصلت إليها ولم تزل كذلك، وكل منها يشير إلى حقيقة هذا الهيكل ويشبهه في الرموز، ومن هذه التقاليد والرموز نتج الخطأ الفاحش الذي ارتكبه المؤرخون إذ حسبوا المجاز حقيقة فبنوا أقوالهم عليها.
وتمادى كثيرون في بحثهم واستقصائهم حتى ظنوا أنهم أصابوا محجة الصدق وفصل الخطاب، وأنهم علموا ما لم يعلمه غيرهم من الباحثين المدققين فنسبوا أصل نشأتها إلى الديانة المسيحية، إذ رأوا بادئ ظهورها أسرارا ورموزا كثيرة محجبة بحجب الخفاء كي لا يطلع عليها أحد من غير الذين أصبحوا باستقامتهم أهلا للانتظام فيها. وقال بعضهم: إنها لم تتجاوز القرون المتوسطة، وأن فرسان «ماري يوحنا» هم الذين أسسوها بعد أن أخذوا تقاليدها من الصليبيين، والصليبيون أخذوها من البراهمة والهنود، وأن أول محفل ماسوني تأسس في مالطة. وقال آخرون: إنها لا تتجاوز القرن السابع عشر، وبنوا أقوالهم هذه على حجج دامغة مبرهنين أنها أخذت إشاراتها ورموزها من الأقدمين، ولكنها لم تتجاوز قط هذا العهد، وبينوا أنها كانت قبلا عملية، وأصبحت بعد هذا التاريخ رمزية محضة لا تعلق لها بالأولى.
وهناك سبب آخر أوجب هذا التضارب في الآراء والتباين في الأفكار عن أصل هذه الجمعية وأول واضع لها، وهذا السبب هو اختلاف الامتحانات في القبول بالدرجات، ففي الأولى تشبه كثيرا ما كان يجريه المصريون، أما في الثانية والثالثة فهي عين ما يعلمه العبرانيون وما يجرونه. وهاك تفصيلا كافيا يدفع الشك والارتياب:
عندما أمر نوما بومبيليوس (وهو أول واضع لمدارس علم البناء في رومية) بتشييدها وإعلاء هذا الفن ومساعدة تلك الصناعة، وعرض حمايته العظمى عليها، وسن لها قوانين وشرائع عظيمة لا يمكن أحدا أن يتعداها، كان كثير من المترشحين إلى قبولها من اليونان الذين تلقنوا أسرارهم وتعاليمهم عن المصريين، وأتوا بها إلى بلادهم فأدخلوا هذه التعاليم إلى تلك المدارس، وجعلوا أسرار بلادهم عين تلك الأسرار التي أخذها من ثم عنهم الرومان. ولكن عندما اتسعت المملكة الرومانية وكثرت فتوحاتها وأصبحت وهي المالكة على العالم المعروف بأسره القابضة على زمام أموره، بدأ الناس يهاجرون زرافات إلى تلك البلاد لما رأوا فيها من عظم المكاسب وفرط المغانم وجاءوا البلاد الرومانية، فرأوا فيها الجمعيات الماسونية وهي شبيهة بالجمعيات التي عندهم من حيث إخفاؤهم الأعمال وعدم كشف الأسرار فانخرطوا في سلكها، وأدخلوا عليها كثيرا من تعاليمهم وأسرارهم السامية، وهذه الأسرار هي ما كان يعلمه اليهود زمن بناء الهيكل.
ولو أن الامتحانات والتجارب المستعملة الآن في قبول الطلاب تختلف كثيرا عما كان يجريه الأقدمون لما رأوا وجوب تغيير أشياء كثيرة منها حسب اختلاف الزمان والمكان وأهلية الأساتذة الذين كانوا يرأسونها، ولكنا نرى كثيرا منها حفظ بتمام النظام ولم يطرأ عليه تغيير البتة مع توالي الأيام وكرور السنين والأعوام، فالامتحانات التي أدخلت إلى محافل لوندرة سنة 1650م، والتي حورت أيضا سنة 1717م هي عين التعاليم والامتحانات التي كان يجريها قدماء الأنكلوساكسون. وفي تلك الأزمان تركت الجمعية مبدأها الأصلي التي بنيت لأجله واتبعت مبدأ آخر أعظم منه وهو إسعاد العالم والنظر في شئونه وأعماله والإتيان بكل مبرة يمكن إجراؤها وأدخلوا إلى الامتحانات التي يجرونها للأستاذ الأعظم نفس الطريقة الإسرائيلية التي أخذت عنها.
ومع هذه المشابهة كلها في الامتحانات بين الماسونية العملية والرمزية نرى اختلافا عظيما بينهما فلا يمكننا أن نخلط بين هذه وتلك، ولا أن نعد الامتحانات التي يجريها الماسون، إلا ما كان يجريه الأقدمون، إذ إنهم يتشبهون بهم ليس إلا.
وتشبهوا إن لم تكونوا مثلهم
إن التشبه بالكرام فلاح
فكانت الماسونية الرمزية تكتفي بعد هذه الامتحانات بتثقيف الطلاب في العلوم البنائية والرياضية والهندسية والفلسفية، وتبث فيهم روح التكافؤ على العمل ومحبة القريب ودرس الحوادث الطبيعية وما جرى مجراها، في حين أن الماسونية العملية تهذب العقول وتدمث الأخلاق وترفع المرء إلى مراكز سامية جدا من حيث الشهامة؛ فتلقنه علم الفلسفة الحقيقي والحكمة البشرية مقترنة بالإلهية مجتهدة لتجعل صفات الماسون لا عيب فيها ولا شيء يشينها فتقرب الخالق من المخلوق وتفهم كل ما له وما عليه من حيث العالم المدني، فهي الحكمة وأصالة الرأي التي يضطر لمعرفتها أي إنسان من أي مكان وأي مذهب كان فلا تقبل شرائع عليها، بل هي تعطي وتلقن الشرائع العظيمة؛ لأن مبدأها واحد وهو شريف إلى الغاية لا تشوبه شائبة وهو في أمن حريز من طوارق الحدثان وعوامل الأيام.
والماسونية منتشرة انتشارا يحسدها عليه أعظم الأديان المولودة التي امتدت في أربعة أقطار المعمور؛ لأن تلك تفرق في العالم بين الشعوب فمن عابد صنم، وكافر وجاحد ومبدع ومخالف، بينما نرى الماسونية فاتحة ذراعيها لقبول أولادها داعية إياهم إخوة فيدخلون هيكلها حزانى ويخرجون فرحين، يدخلونه وهم جهلاء لا يفقهون من دنياهم وأحوالهم شيئا، ويخرجون وكلهم عالم فاهم، فهي الممهدة السبل الوعرة المروضة الأخلاق الآمرة بالخير الناهية عن الشر وهي التي أعتقت الإنسان من شوائب المكر والضلال وصيرته عالما نحريرا.
فالماسونية تصلح ما فسد من عقائد الأديان بتعليمها المحبة والتواثق على السراء والضراء؛ لأنها تنفر من الضلال والشرور حليمة رءوفة حتى مع مضطهديها. وغايتها محصورة في هذه التعاليم، وهي: إبطال الغايات والتحزب في الأديان والأشكال والحرف والمراكز والآراء والوطنية، وملاشاة الأحقاد فتبيد معها شرور الحروب، والوصول بواسطة السلم إلى غاية شريفة سامية، وهي أن تجعل العالم كله عائلة واحدة لا فرق بين أعضائها ولا انفصال، يربطهم رابط الشهامة وتجمعهم جامعة الإخاء.
ورأى العالم فضل هذه الجمعية وغايتها السامية فبدأ العقلاء ينتظمون في سلكها متقاطرين، ولكنهم لم يدركوا حتى الآن الغاية التي طالما جنحوا إليها والأمنية التي تعللوا بها، إذ لا يتم هذا الأمر إلا حين يدرك الجميع القصد من وجودها ويعلمون أن الماسونية عضد الأديان التي تأمر بالخير وتنهى عن الشر فيدخلون في عدادها وتصبح هي الجمعية الوحيدة السائدة على العالم، ويظهر إذ ذاك كوكب الحق ساطعا في سماء العلم والعمل.
نعم، إن وقتا يرى العالم نفسه فيه متخلصا من ربقة الأسر والاستعباد لوقت سعيد. ولكن لما كانت الماسونية مؤسسة على مباني الحق قائمة على دعائم الصدق بلا شائبة تشوبها فسيأتي ولا شك يوم يظهر للعالم هذا الأمر ويصبح الجميع وكلهم أبناء أم واحدة وأب واحد لا تفرق بينهم عوامل الحقد والضغينة ولا عوامل التشيع والتحزب، وما ذلك إلا لانتظامهم في الماسونية التي هي عقد الاجتماع ورابطة الأخوة.
الفصل الثالث
الماسونية في بريطانيا
في السنة الثالثة والأربعين بعد المسيح أرسل الإمبراطور كلوديوس قيصر عددا غفيرا من البنائين إلى بريطانيا العظمى ليقيموا الأسوار، ويحصنوا التحصينات اللازمة، ويجعلوا بريطانيا وهي من الولايات الرومانية حينئذ حصينة تدفع بقوتها هجمات أعدائها الاسكوتيين الشماليين.
وكانت تلك البلاد قبل مجيء هؤلاء العاملين النشيطين خاوية خالية لا مدينة فيها ولا قرى ولا سبب آخر من أسباب الحضارة الرومانية العظيمة، فجاءها البناءون العاملون ونشطوا عقال اجتهادهم وبدءوا بإنشاء المدن والقرى وإقامة الأسوار والحصون اللازمة، فأنشئوا في المدن التي أقاموها الحمامات الجميلة والهياكل العظيمة الجسيمة بما جعلها بعد مدة وجيزة من إنشائها تضاهي رومية نفسها.
وكان البناءون يجعلون كل مدينة أقاموها زاهية زاهرة فجعلوا يؤسسون المدن ويشيدون فيها الأبنية الأنيقة، وأول بلدة أنشئوها مدينة يورك التي كانت تدعى قديما أيبوكاريوم، وهي شهيرة جدا في تاريخ الماسونية، فتأنقوا في بنائها جدا وجعلوها حصينة للغاية فاكتسبت شهرة عظيمة في زمن قصير، وأصبحت على قرب عهدها تنازع رومية الرئاسة.
ورأى الأهلون ما كان عليه الرومان من الحذق والمهارة في البناء والهندسة فسروا لعملهم وحفظوا لهم امتنانا جزيلا، وزاد امتنانهم رغبتهم في تعلمهم تلك الصناعة التي كانوا مقصرين فيها فانتظموا في سلك البنائين.
وكان الأغنياء ينظرون إلى هذه الأعمال الفخيمة بعين الرضا فصاروا يبذلون وسعهم في إعلاء القصور الأنيقة وجعل مبانيهم شائقة وجعلوا يتباهون ويتنافسون في عظمتها، وكانت البلاد تزهو وتتقدم يوما بعد يوم بهمة البنائين الرومانيين.
وكانت البلاد البريطانية عرضة لغارات سكان الشمال وهم الاسكوتسيون، فاضطر الأهالي إلى بناء القلاع والحصون في جهات مختلفة، ولم يكن عدد البنائين يكفي لهذه الأعمال الجسيمة فصار البريتيون الذين انتظموا في سلكهم وتلقنوا أسرارهم وأحرزوا كل الامتيازات التي يحرزها كل ماسوني حر عرف إخلاصه للجمعية يساعدونهم كثيرا في أعمالهم.
فنشأ عن مخالطة هذين القومين بعضهما لبعض وارتباطهما بعهود المحبة الأخوية قوة عظيمة لطائفة البنائين، فكان علمهم وعملهم واحدا وأسرارهم واحدة وتعاليمهم مشتركة فسموا مجتمع الأخوة والرؤساء العاملين من الرئيس الأكبر حتى العامل الأصغر محفلا، وكانوا يقيمون احتفالاتهم الدينية ومآدبهم الرسمية في خيام مضروبة قرب المكان المنوي إنشاؤه.
فلهذه الأسباب ولشدة عرى المحبة الوثيقة بين الأخوة وعظم تألبهم لإدراك غايات طالما صبوا إليها وكثرة اجتهادهم ليجعلوا علم البناء والهندسة رفيعا فلا يناله المتطفلون؛ أحرزوا شهرة قصر عن إدراك شأوها غيرهم من البنائين في الممالك الرومانية، وكانت تضرب الأمثال بعظمتهم إلى الجيل الثالث فيقال: أنشط من بناء بريطاني.
وجاءت بعد ذلك الديانة المسيحية بسمو تعاليمها وامتدت في بريطانيا امتدادا سريعا، وهي التي خولت المحافل الماسونية ما لها من عجائب العظمة التي أحرزتها، خلافا لغيرها من الجمعيات السرية، وصارت تلك المباني الهائلة التي كان يفتخر بها الحكم الروماني ويرسل إليها الأسرى مغللين مكبلين بالقيود يذوقون فيها مر العذاب ملجأ أمينا للمضطهدين ومحلات غبطة للعموم، وذلك من فضل الحرية التي دعا إليها المسيح وتلامذته الممتلئون من الحكمة والذين هزتهم محبة هذه الديانة العظيمة الشأن، فكانوا يذهبون من الشرق إلى الغرب يكرزون الأمم ويبشرون الشعوب بالحياة الأبدية.
وكان الذين يدينون بها عرضة للاضطهادات الشديدة التي كان يثيرها عليهم عبدة الأوثان، ولكنهم مع ذلك سمحوا لهم أن يقيموا مع جماعة البنائين، ويذهبوا إلى أربعة أقطار العالم الروماني ليشيدوا مبانيه ويجددوا حصونه.
ولحسن حظ مسيحيي بريطانيا كان حكام تلك الأقاليم أقل شراسة من غيرهم؛ فكان الاضطهاد على أولئك المنكوبين المنكودي الحظ الذين لا ذنب لهم سوى أنهم عرفوا الحق فاتبعوه أخف درجة في بريطانيا مما هو في غيرها من الممالك.
وصار الشعب يتألب معهم ويشاركهم في تعاستهم أسوة بالحكام والأشراف الذين لم يجردوا على المسيحيين سيوف رجزهم وغضبهم، ويرثي لهم في تلك الرزايا والنكبات.
فصار المضطهدون في الممالك الأخرى يهاجرون إلى بريطانيا لما رأوا فيها من رغد العيش بالنسبة إلى غيرها من البلدان وصارت منازل الأشراف وخصوصا المحافل الماسونية حرزا لهم حريزا.
ولما كان الحكام يستبدلون بآخرين ويرى هؤلاء أن لا مناص لهم من تنفيذ الأوامر الملكية القاضية عليهم باضطهاد المسيحيين اضطهادا شديدا أو يغيرون ديانتهم ويشركون بعبادتهم الأوثان، ويقربون لها الضحايا؛ كان النشيطون منهم على عمل الخير يحذرونهم بقرب الخطر ليكونوا من أمرهم على بينة فلا يتظاهروا بما هم عليه، بل يجهدون أنفسهم ليجدوا وسائط فعالة لصيانة قوم مظلومين.
وكان بعضهم يسافر إلى أيرلندا أو إلى اسكوتسيا ريثما يهدأ ثائر الاضطهاد الشديد وقد ذاق المسيحيون في اسكوتسيا حلاوة العيش وعرفوا غبطة الحياة فأرادوا مكافأتهم على إحسانهم الجميل وما أتوه نحوهم من الشفقة والحنان فأدخلوا معهم إلى تلك البلاد النصرانية علم البناء.
ومن ذلك العهد يبدأ تاريخ البناء في اسكوتسيا الذي أنشأه المسيحيون لعظماء تلك البلاد، فإن أبنيتها مشيدة على نمط البنائين الرومانيين القائمة على مر الزمان لا تؤثر فيها أيدي الأيام تدلنا صريحا على ما لمنشئها من الذكاء والمهارة الفائقة.
وفي سنة 287 خرج كاروزيوس عن طاعة مولاه وعصي على الأحكام الرومانية داعيا نفسه إمبراطورا، ولكنه خشي نكبات الزمان، وأن يحشد القيصر «مكسيمليانوس» شريك الإمبراطور «ديوكليتيانوس» جيشا جرارا فيبيده ومملكته الجديدة، فأراد أن يتخذ لنفسه حصنا حصينا من الرجال الذين اشتهرت شجاعتهم وعرف إقدامهم يقي به نفسه وبلاده من الهلاك فلجأ إلى جماعة البنائين الذين كان عددهم غفيرا، وكانوا ذوي سطوة لا تنازع.
وكان البناءون مؤلفين من يونان ورومان ومعظمهم من الأهالي الذين عرفوا فضل هذه الجمعية وما لها من الأيادي البيضاء فهرعوا إليها متداعين، فأصدر أمرا في عاصمته سانت ألبان التي كانت تدعى قديما فيرولام إلى أحد قواده المدعو «ألبانوس» خول الماسون فيه كل الحقوق والامتيازات التي كانوا قد أحرزوها في عهد «نوما بومبيليوس»، وزاد على ذلك أن منحهم لقب أحرار، فصاروا منذ ذلك العهد يدعون فري ماسون
Free masons ؛ أي البنائين الأحرار ليمتازوا عن الآخرين الذين لا علاقة لهم ولا ارتباط بهذه الجمعية الشريفة.
ولما رأى «كاروزيوس» نفسه مستقلا والسعد خادمه، وأنه لم يبق عليه خوف ولا خطر على سلطنته من الحكام الرومانيين فتح خزائن الأموال وبذل النفس والنفيس ليجعل بلاده عظيمة ورعاياه سعداء فشيد المباني، وأقام المعالم وحصن القلاع ومهد البلاد حتى جعلها في مدة وجيزة تضاهي أعظم الممالك إن لم نقل أنها تفوقها، ولكن أعوان كاروزيوس قاموا عليه وقتلوه عندما اقترب الأسطول الروماني إلى بريطانيا يقل قسطنطين كلوديوس الذي انتخبه الإمبراطور «مكسيمليانوس» نائبا عنه في غاليا وبريطانيا، وذلك سنة 295 بعد المسيح، فاتخذ مدينة أيبوكاريوم - وهي الآن يورك - مقرا لحكمه، وكانت هذه المدينة أشهر المدن البريطانية في حسن بنائها وزخارفها وكثرة محافلها القديمة والحديثة، فأصبحت هذه المدينة مهدا للمحافل الماسونية منذ ذلك العهد.
وبعد وفاة «كلوديوس» سنة 306ب.م في مدينة يورك خلفه ابنه قسطنطين بأمر قيصري وأبطل الاضطهادات التي كان يثيرها الأباطرة ظلما على المسيحيين، وأعلن نفسه حامي ذمارهم واعتنق ديانتهم، وأمر بأن تكون الديانة العامة في بلاده.
وزادت قوات المحافل والجمعيات منعة وامتدت النصرانية في عهد قسطنطين هذا فأنشئت الكنائس بهمة لا مزيد عليها، وكان الإخوة البناءون يشتغلون ليل نهار بهمة لا تعرف الملل ولا يعروها الكلل. وقطن قسطنطين يورك في أول حكمه أسوة بأبيه فتعرف فيها برؤساء المحافل ونخبة أعضائها، ولما جاء الشرق سافر معه كثيرون منهم إليه.
وكانت هجمات البرابرة على الأملاك الرومانية تزداد يوما بعد يوم فلم يعودوا يكتفون بما كانوا يأتونه من المظالم يوم كانوا ينهبون البلاد ويعيثون فيها فسادا ثم يخلونها وشأنها في بؤس وشقاء، بل صاروا إذا افتتحوا بلدة يأتون فيها أنواع المنكرات ويحتلونها غير مبالين بالعواقب؛ إذ لا شريعة تردعهم ولا مانع يمنعهم عن مثل هذه الفظائع. وهكذا أخذت بريطانيا تنسلخ عن حكم القياصرة يوما فيوما.
وكان الرومانيون يحاربون قبائل اسكوتسيا المتوحشة من ابتداء الجيل الثالث حربا يشيب لهولها الولدان، ولكنهم لما رأوا بلاءهم وشيكا، وأن الخطر يتهددهم من كل الجهات عزموا على غزو الغوطيين في بلادهم نفسها، فكان يلزمهم لذلك قوات عظيمة؛ لأن جيشهم كان منقسما فرقا في كل الممالك، فعزموا على ترك بريطانيا وشأنها وبدءوا يسترجعون عسكرهم منها شيئا فشيئا حتى تخلوا عنها تماما سنة 446 مسيحية. فدعا البريتيون مجاوريهم من القبائل لنصرتهم وتزلفوا إلى الساكسون والإنكلوس، فسارع هؤلاء إلى نجدتهم وشنوا الغارة على أهالي اسكوتسيا فانتصروا عليهم تمام الانتصار. ولكن انتصارهم كان وبالا عليهم، وكانوا كالمستجير من الرمضاء بالنار؛ لأن هؤلاء الأنصار لم يسارعوا إلى تلبيتهم إلا ليقضوا لباناتهم من بلاد طالما صبوا إليها فاحتلوا بريطانيا وصاروا سبعة ممالك دعيت أنكلوساكسون.
وكان هؤلاء البرابرة بما يأتونه من المظالم وأنواع العداء سببا لشقاء تام حل على الأهالي المنكوبين؛ فدمروا البلاد وخربوا المباني الكبيرة والحصون، فعادت البلاد البريطانية تذبل كزهرة قصمت يانعة، وصارت تسير القهقرى دون أمل بالترقي والنجاح.
وعندما رأى المسيحيون وسائر أهاليها المتمدنين هذه الأعمال الوحشية، وعرفوا أن بقاءهم في البلاد شر ووبال عليهم أخذوا يهاجرون زرافات إلى بلاد الغال التي لم يفتتحها الساكسون. وهناك ثابروا على عبادتهم وأعمالهم في البناء كما تعلموه من أسلافهم وبدأت ريح الاضطهاد والشرور تهدأ رويدا رويدا وحلت خيرات الزراعة والفلاحة محل شرور الحروب، ورأى ذلك بعض المهاجرين فآبوا إلى بلادهم وشرعوا يبثون في الشعب روح التعاليم المسيحية، فتنصر من هؤلاء جم غفير وزاد نشاطهم وإقدامهم لما رأوا من تداعي الطالبين للانتظام في سلك جمعياتهم الشريفة فشمروا عن ساعد الجد والاجتهاد وجعلوا يكرزون الأهالي ويبشرونهم بالديانة المسيحية فتكلل عملهم بنجاح مجيد، ولكنهم أحبطوا سعيا عندما حسبوا ذواتهم قادرين على استجلاب الأشراف والملوك إلى كنف الكنيسة لا عامة الشعب فقط.
وفي أواخر القرن السادس أرسل البابا «غريغوريوس» الأول رجالا عرفوا بالفضل واشتهروا بالنبل وبحسن صفاتهم الأدبية والمادية (وهم رهبان ماري مبارك)؛ ليبشروا القبائل الساكسونية، ويدعونهم إلى الاهتداء، وكان يرأس هؤلاء الرهبان أوستينوس الشهير بصناعة الحفر. ولم يطل زمن بعثتهم حتى قرن عملهم بنجاح عجيب وتنصر ملوك الساكسونيين السبعة مع شعوبهم ورعاياهم العديدة. ولكنهم حاولوا إقناع هؤلاء المتنصرين جديدا بسلطة الحبر الروماني وبعصمته عن الزلل فأحبطوا سعيا ولم يلقوا آذانا صاغية، ولبث هؤلاء على اعتقادهم الأول من حيث السلطة الباباوية.
ولكي يطيلوا زمن سلطتهم ونفوذهم باشروا درس البناء وصناعة الحفر ودرسوا على أشهر أساتذتها حتى نبغوا فيها وساروا يبثونها في أربعة أركان المعمور، وكان الأب أوستينوس (الذي صار فيما بعد أسقف كانتربري) هو الذي حرك في قلوب رعيته حب هذه الجمعية وأعاد لها نوعا من عظمتها الأولى بعد أن أمسى عدد طلابها قليلا لا يعتد به.
وارتبطت المحافل والأديرة في إنكلترا وفي غيرها من البلدان برابطة الحب العظيمة. وكان يشتد نفوذ البعض حسب الأحوال، فإن كان الرئيس كاهنا فالرئاسة للأديرة وإلا فللمحافل، ولكنهم في الحالين يعترفون برئاسة الرئيس المنتخب بأغلبية الأصوات ويدعونه عند الاقتضاء الأب المحترم أو الأخ المحترم، ومنهم نشأ هذا اللقب المحفوظ إلى الآن في المحافل الماسونية.
وفي أواخر القرن السابع ذهب كثير من الأساقفة والكهنة البريطانيين إلى رومية، بدعوى أن يجلبوا منها التماثيل البديعة الصنع والصور الجميلة التي صنعتها أيدي المصورين البارعين، ولكن القصد الحقيقي من زيارتهم كان ليحثوا البنائين الحاذقين في صناعتهم أن يأتوا ويقطنوا إنكلترا، فسار معهم كثير من المهرة الذين أقر بفضلهم العالم فأنشئوا في إنكلترا آثارا جميلة للغاية وشيدوا القصور للأغنياء والأشراف وأقاموا الكنائس والأديرة للرهبان والحصون والقلاع للحكومة، وكان إكرامهم عظيما وشهرتهم كبيرة.
وتزلف إليهم عظماء البلاد وأعيانها ليتحدوا يدا واحدة ويتألبوا معا على جمع شتات الآثار الثمينة التي لعبت بها أيدي سبا، ولكن علم البناء لا يزال على رونقه القديم في بلاد اسكوتسيا وبلاد الغال أكثر مما هو في أماكن أخرى.
ولهذه الأسباب تقدمت المحافل الماسونية في معارج الحضارة وتغير أسلوبها الأول، فلم يعد أعضاؤها كذي قبل بنائين خاملي الذكر قليلي العدد، بل زاد مركزهم منعة وانتظم الأشراف والسراة في سلكهم وسموا أنفسهم بنائين أحرارا مقبولين.
وعاد محفل يورك إلى عظمته الأولى وأحرز الرئاسة على سائر المحافل البريطانية كالأولى، ولم تكن المحافل تقبل في عدادها غير الأحرار فسموا فري ماسون
Free Masons ، أي: البنائين الأحرار بالحق، وأصبحوا ذوي سطوة وعظمة، فلم يعد ينازعهم أحد في رئاسة أو يقدر أن يمنع اجتماعاتهم فتمتعوا طويلا بالامتيازات التي نالوها بلا معارض ولا منازع.
وكان على الطالب الرئاسة أن يسافر ثلاثا إلى بلاد بعيدة وبعد إيابه من كل سفر كان عليه أن يبرهن للجمعية وأعضائها أنه أحرز تقدما بينا في صناعة النقش التي بلغت في الجيل الثامن أعلى درجات الكمال في بريطانيا، فتقدمت المحافل تقدما بينا لهذه الشروط التي لم يكن أحد يتعداها وأحرزت شهرة عظيمة حتى دانت لها بقية الجمعيات. فبينما كان الإخوة يجتمعون ويتذاكرون في أحوال النقش عموما وترقيته في البلاد الاسكوتسية وتأخره في بلادهم كانت المحافل عموما تعقد جلسات خصوصية وترسل من قبلها مندوبين إلى البلاد الاسكوتسية لدرس تلك الرسوم والآثار وتقليدها إذا أمكن.
وكان الإخوة كثيرا ما يضطرون إلى تعيين محلات يجتمعون فيها ليتذاكروا في أعمالهم ويبدوا آراءهم فيما ارتأوه من الأعمال العائد نفعها على البلاد والعباد فاختاروا لهذا الأمر وادي كلانبسي
Glenbcy
في شمال اسكوتسيا الشرقي المقابل لجزيرة سكاي
Skey ، وكان هناك قصران قديمان يخال الرائي لأول وهلة أنهما بنيا ليقيا سكان تلك الضواحي من هجمات الأعداء، ويكونا لهم حصنا حصينا فاتخذهما البناءون مكانا لاجتماعهم وصار الرؤساء منذ ذلك العهد يدعون أساتذة الوادي أو الأساتذة الاسكوتسيين.
وذاقت البلاد كل أنواع الظلم في حصار الدانيين لبريطانيا الذي استمر من سنة 835 إلى سنة 870؛ فنهبت الكنائس وهدمت الأديرة ودمر كثير من المحافل الماسونية وأحرقت أوراقها وتقاليدها التي أخذها الماسون عن أسلافهم الأقدمين، وتقهقرت الماسونية تقهقرا عظيما.
ولم يطل زمن هذا التأخر الذي طرأ عليها، ففي سنة 925 قام الملك «أولستون» حفيد ألفرد الأكبر ورقى ولده الثاني «أدون»، وكان نقاشا ماهرا، وطلب منه أن يجمع في مدينة يورك كل المحافل الماسونية التي تبددت من جراء الحصار زمن الاضطهاد وأمرهم أن ينهضوا يدا واحدة لمساعدة البلاد ويعيدوا زمن عظمتهم الأول، ومنحهم كل الامتيازات التي أحرزوها في الجمهورية الرومانية.
وكانت المعابد والمساجد تشاد ولكل منها قديس وضعت تحت حمايته، واتخذ الماسون هذه الطريقة أيضا فيعيد الماسون عيد ماري يوحنا المعمدان الواقع في 24 يونيو (حزيران) كل سنة باحتفال عظيم وزينة باهرة؛ لأنه شفيعهم، واختارت الماسونية هذا العيد الواقع في 24 يونيو (حزيران)؛ لأن الشمس تكون إذ ذاك في معظم ارتفاعها والأرض تعطي أحسن ثمارها، وذلك رمز إلى ما هم عليه من الكمالات الأدبية.
ولكي تبقى لهم سلطتهم من غير معارض ولا منازع، وليسلموا من الاضطهادات الدينية التي بدأ يثيرها عليهم الكهنة دعوا أنفسهم منذ ذلك الحين إخوة ماري يوحنا ومحافل ماري يوحنا، وهكذا سمح لهم بالعمل.
الفصل الرابع
الماسونية في غاليا
بينما كانت الماسونية تتقدم في بريطانيا تقدما عظيما كما ذكرناه كانت تزهو وتزهر في غاليا ترانسالبين فتشاد المحافل وتتقاطر الشعوب أفواجا للانتظام في سلك هذه الجمعية الشريفة، ولبثت منقطعة متفرقة في البلاد ولا مقر لها حتى انتهى حكم الرومان الذين ضغطوا عليها أخيرا فذاقت من استبدادهم مر العذاب فالتأمت ولمت شعثها وجعلت فرنسا مركز دائرتها.
وكانت تدعى هناك الجمعيات السرية الحرة، وكان إخوتها يسمون البنائين الأحرار وغيرت سنة 486ب.م قليلا من الرموز والإشارات التي رأت وجوب تحويرها. ولكنه بقي في لومبارديا محافل حفظت قواعدها الأساسية الأصلية التي بنيت عليها ولم تقبل أقل تحوير أو تغيير، وتكاثر عددها جدا وأصبح طلابها من الألف فما فوق، فضاقت عليهم الأعمال وأمسى كثيرون منهم بلا عمل.
ثم نالت الماسونية من الحكم الباباوي الذي بيده الحل والربط في المسائل الدينية امتيازات ببناء الكنائس وتشييد المعابد، وتفرق إخوتها في العالم المسيحي يبثون فيه روح النشاط، وما زالت الامتيازات والإنعامات تتوالى عليهم من زمن رئاسة البابا نيقولاوس الثالث سنة 1277 حتى خلافة البابا بنديكتوس الثاني عشر سنة 1334 وأعفوا من الضرائب الأميرية التي وضعتها الحكومة على الشعب.
وكانت تلك الامتيازات تخولهم أن يقيموا محلات لسكنى الباباوات، وأن يعينوا مقدار أجرتهم عن البناء بلا مراجعة في الطلب، وأن يلتئموا في محافلهم ويروا أعمالهم ويقيموا احتفالاتهم بلا منازع ولا معارض، ومنع الطلبة عن العمل ما لم يكونوا قد انتظموا في سلك الجمعية الماسونية التي لها وحدها حق البناء ومن خالف حرم عن الاشتراك في الديانة المسيحية وأسرارها جزاء ما كسبت يداه.
وزهت الماسونية في جميع الأجيال الغابرة خصوصا في الأعصر المتوسطة وتقدمت تقدما عظيما، وأقامت في جميع أنحاء أوروبا كإنكلترا وجرمانيا وغاليا وإيطاليا وإسبانيا والبروتغال تلك المباني العظيمة التي يدهش منها العالم الأدبي حتى الآن.
وكان الماسون يقيمون لهم محافل عظيمة لاجتماعاتهم في أي مكان احتلوه متخذين لهم رؤساء من أعاظم الرجال ونابغيهم لعلمهم الأكيد أن الجمعية لا تتوثق عراها ما لم تجمعهم جامعة الحب وتربطهم رابطة الوئام، وكانوا يقبلون في عدادهم طلبة كثيرين، وبعد أن يقسم هؤلاء اليمين المعظمة أنهم لن يخونوا الجمعية الماسونية ولا يبوحوا بأسرارها لأي كان ما لم يكن أخا معروفا عندهم ولا يتخذوا معرفتهم للرموز والإشارات طريقة لهداية الجهال، ولا يتلفظون بشيء من ذلك لا كتابة ولا شفاها، وبعد أن يجربوهم تجارب عديدة ويتحققوا إقدامهم ويتأكدوا بسالتهم يقبلونهم بينهم ويطلعونهم على أسرارهم.
وقام بعد ذلك قوم من العظماء والأشراف وانخرطوا فيها مسرورين ولأعمالها شاكرين. ولكنهم إذ كانوا ذوي مدارك سامية يقصر عن تبيانها كل كاتب بليغ تركوا غايتها العملية وشأنها لعلمهم الأكيد أن وراء ذلك غاية فلسفية لم يدركها الجهال فبدءوا ينقبون ويجدون سعيا في نيل هذه الغاية الشريفة علهم يفلحون.
وقام أعداء العمران يثيرون عليهم حربا عوانا واضطهدوهم شديد الاضطهاد فاضطر هؤلاء إلى التستر شديدا، وكانت تعاليمهم ممتدة في كثير من الأنحاء. ورأى الكهنة افتخار الماسون الأحرار بأعمالهم وتعظمهم في تعاليمهم فثار فيهم ثائر الحسد واتهموهم بإدخال أمور جديدة هي الهرطقة إلى تعاليم الكنيسة، فشجبوهم غير متروين في أمرهم ونشأ عن هذا الشجب اضطهاد عظيم احتمله الماسون ولم يجنوا ذنبا سوى حبهم للتقدم والنجاح وعدم فهم أعدائهم لمداركهم السامية.
الفصل الخامس
الماسونية في جرمانيا
لم تزهر الماسونية في بريطانيا وغاليا فقط، بل في ألمانيا أيضا، حيث أخرجت ثمارا يانعة جدا، فكان هناك محافل كثيرة العدد مؤلفة من نخبة الرجال وسراة القوم، وكانوا يسلمون برئاسة البعض عليهم، ويدعونهم هوبتهوت
Haupthutte ، وكان عددها خمسة متفرقة في خمسة بلاد، وهي: كولونيا وستراسبورغ وفينا وزوريخ ومكدبورغ.
وكان محفل كولونيا الأعظم أهم المحافل الجرمانية وأعظمها، وكان باني كتدرائية كولونيا معدودا أستاذا أعظم لعموم بنائي ألمانيا السفلى كباني كتدرائية ستراسبورغ لألمانيا العليا. وتقلبت الأحوال وتوالت الأيام ولبثت بنايات ستراسبورغ قائمة تفخر بقوتها وشأنها فنازعت كولونيا الرئاسة العظمى طويلا إلى أن أحرزتها.
وكان بين المحافل التابعة لمحفل ستراسبورغ الأعظم بعض محافل في فرنسا وسرابيا وهيسيا وتورنغيا وفرانكونيا وبافاريا، وكانت بقية المحافل التي في فرنسا وفي بلجيكا تابعة لمحفل كولونيا الأعظم ومحافل النمسا وهنكاريا وستيريا لمحفل فينا الأعظم. وعدت محافل سويسرا محفل برن محفلها الأعظم حتى إذا انتهت بناية كتدرائيتها نقلت مركزها إلى زوريخ سنة 1502ب.م، واعترفت محافل الساكس برئاسة محفل ستراسبورغ الأعظم، ولكنها تبعت أخيرا محفل مادبورغ.
وكان لهذه الجمعية امتيازات وحقوق سامية جدا فكانوا يحكمون في القضايا التي ترفع إليهم حكما باتا بلا مراجعة ولا معارضة حسب أحكام الشرائع الماسونية، وقد جمع رؤساء المحافل العظيمة في جلسة عقدت في مدينة راتسبون تلك الأحكام وطبعوها سنة 1464 للمرة الأولى تحت عنوان شرائع ناقشي الحجارة في ستراسبورغ وقوانينهم.
ومنح الإمبراطور مكسيمليانوس امتيازات كثيرة للجمعية الماسونية سنة 1498، وجاء بعده شارلكن سنة 1520 وصادق على البراءات التي أصدرها سلفه الإمبراطور «مكسيمليانوس» فيما يختص بالماسونية، وقام الإمبراطور «فرديناندوس» وحذا حذو أسلافه فأكرم الجمعية ووثق بها. وهكذا صار الخلف يتناقل هذه المحبة عن السلف حتى عظم شأنها كثيرا.
وفي أواخر القرن الخامس عشر قام الكهنة والباباوات وأثاروا على الجمعية الماسونية اضطهادا شديدا فعجز الإخوة عن إتمام بناء الكنائس والقصور التي كانوا قد بدءوا بتشييدها وحدث في كثير من الممالك، وخصوصا في فرنسا اضطرابات واضطهادات تقشعر لذكرها الأبدان فانحلت عرى كثير من المحافل لكثرة ما ذاق أعضاؤها من مر العذاب .
وجاء بعد ذلك إصلاح «لوثيروس» الذي كثيرا ما هدد السلطة الباباوية بالاضمحلال، ولوفرة المنتظمين في سلك تعاليمه قل إنشاء الكنائس والمعابد إلى درجة عظيمة. وأصبحت الجمعية الماسونية تئن من جراح الاضطهاد المميتة؛ فانحلت محافل كثيرة من المحافل الألمانية لما رأت من عظم المظالم وفرط الاضطهاد. وكانت محافل سويسرا قد انحلت قبلها سنة 1522 بموجب أمر عال من الجمهورية السويسرية، وأصبحت المحافل الأربعة العظيمة في حالة يسر لها العدو وأمست بلا عمل تعمله ولا بناء تبنيه وتغيرت أحوالها وتبدلت أمورها، وطرأ عليها حوادث كثيرة حولت تقدمها إلى تأخر.
وفي 16 مارس سنة 1707 صدر أمر الحكومة الألمانية في مدينة راتسبون بمنع جمعية البنائين عن العمل، وبأن تبقى خاضعة فيما بعد لأحكام المجالس المدنية.
وفي زمن الاضطهاد الذي قاسته الماسونية بإنكلترا في أواسط الجيل السابع عشر؛ أي بعد أن قتل الملك «تشارلس الأول» ظلما وعدوانا سنة 1646 قام ماسون إنكلترا واسكوتسيا يدا واحدة وشمروا عن ساعد جدهم واجتهادهم بهمة لا تعرف الكلل ولا يعروها الملل ليعيدوا الملك إلى «تشارلس الثاني»، ويخلعوا «كرومول» المغتصب، فأنشئوا لهذه الغاية درجات كثيرة سامية أدخلوها في جمعيتهم وألبسوها منذ ذلك العهد لباس الجد والسياسة.
وكان من هذه الاضطرابات والقلاقل أن انقسمت الماسونية إلى قسمين: قسم بقي متقلدا شرائعه الأولى متمسكا بها؛ وهي علم البناء والهندسة، وقسم آخر دعي الماسون المنتخبين. وكان هذا القسم من عيون أعيان البلاد، ونخبة سراتها أصحاب المراكز العالية، وكانت مراكزهم تؤهلهم لنيل مبتغاهم بلا تكلف عناء، وبواسطتهم ارتقى الملك «تشارلس الثاني» إلى عرش الملك الذي ورثه عن أبيه وأجداده سنة 1660؛ فأزهرت الجمعية في أيام هذا الملك العظيم الشأن وتقدمت تقدما عظيما، فدعاها جمعية مهد العلم الملكي؛ لأنها هي التي ساعدته على الملك ولولاها لبقي حقيرا منفيا.
وكانت الماسونية مؤلفة في ذلك العهد من الأعضاء المنتخبين ولم يكن فيها من العمال سوى نفر قليل لا يعتد به، فتركوا الغاية التي شيدت هذه الجمعية لأجلها والأسباب التي عولت عليها منذ نشأتها وأخذت الماسونية العملية تتقهقر تقهقرا عظيما والماسونية الرمزية تتقدم تقدما مبينا.
الفصل السادس
في الشرائع والقوانين الماسونية الأساسية
لما اجتمع المجمع الماسوني العام سنة 926 مسيحية في مدينة يورك بإنكلترا حضره جميع رؤساء المحافل المعروفة في ذلك الوقت بالنيابة عن محافلهم تحت رئاسة البرنس «أدون» ابن الملك «أدلستون» حفيد «ألفرد الأكبر» أشهر ملوك سكسونيا، ونظروا في بقايا الأوراق والشرائع الماسونية القديمة التي حفظت عندهم واستخلصوا منها المواد الآتية وجعلوها أساسا لجميع المحافل، وهي بنصها منقولة عن أصلها الإفرنجي: (1)
المادة الأولى: يجب عليك أيها الماسوني أن تكرم الله وتعبده بإخلاص متبعا شرائع نوح؛ لأنها شرائع إلهية يجب على كل امرئ الرضوخ لها والإذعان لما تأمرنا به، فلهذا يجب عليك أن لا تتبع شرائع فاسدة وتعاليم كاذبة فلا تأثم نحو الله. (2)
المادة الثانية: يجب عليك أن تكون أمينا نحو ملكك فلا تخونه مهما توالت عليك الرزايا مطيعا السلطة المالكة أين وجدت، فلتبق الخيانة بعيدة عن قلبك فلا تؤثر فيك عواملها الفاسدة، ويجب عليك متى علمت بوجودها من أي كان أن تخبر الملك بها. (3)
يجب عليك أن تخدم الجميع وتتحد معهم بمحبة عظيمة صارفا نظرك عن دينهم ونحلهم. (4)
يجب على الإخوة الماسونيين أن يلبثوا أمناء بعضهم لبعض وليعلم العارفون الجاهلين، فلا تكن النميمة بينهم ولتقلع بزور الشقاق وتطرح خارجا، وليفعل كل أخ ما يريد أن يفعله به الناس، وإن أخطأ أحد الإخوة إلى آخر يجب على الجميع معاونته ومؤازرته لإصلاح خطئه؛ ليتعلم ما يجب فعله ويرى وجهة الشر فيجتنبها. (5)
يجب على كل الإخوة أن يجتمعوا باجتهاد كلما عرض أمر، وأن ينظروا في أشغال الإخوة في كل محفل مع المحافظة الشديدة على الرموز والإشارات فلا يطلع عليها من ليس من عدادها. (6)
يجب الاحتراز التام من الخيانة؛ لأن الجمعية لا تقوم قائمتها ولا يشتد أزرها ما لم يكن عامل الإخلاص سائدا عليها، فالصيت الحسن خير من المال المجموع. ويجب على كل أخ أن يرضخ لأوامر الأستاذ المحترم ويطيعه في كل ما يأمره به ويتمم أعماله وأشغاله بغاية النشاط. (7)
يجب على كل أخ أن يدفع ما عليه من الدين، ويجتنب كثيرا ما يشين هذه الجمعية الشريفة. (8)
يجب على كل أستاذ أن لا يتعاطى شغلا أو يباشر عملا ما لم يكن موقنا في نفسه الكفاءة لإدارته وإلا جر عارا عظيما على الصناعة وعلم البناء. وعلى هؤلاء أن لا يطلبوا أجرة باهظة، بل يكفيهم أن يأخذوا ما يمكنهم به دفع أجور العاملين عندهم. (9)
لا يجوز لأحد أن يزاحم أي أخ كان، بل عليه أن يعينه في علمه ويؤازره، هذا إن لم يكن العامل جاهلا فيخلفه هذا. (10)
لا يقبل الأستاذ الطالب بناء إلا بعد سبع سنوات تجربة، فإن انقضت هذه المدة ولم يظهر من الطالب سوى الهمة والنشاط فيقبل إذ ذاك في عداد البنائين بعد اجتماع كل الإخوة في جلسة هناك، فإن قبلوا به بناء ينظم في عداد هذه الجمعية الشريفة. (11)
لا يجوز للأستاذ ولا للرفيق قبول مكافأة لأجل إدخال أحد في الماسونية، وخصوصا إذا كان الطالب غير حر الولادة، ويجب أن تكون أعضاؤه سليمة وصيته حسن. (12)
لا يجوز لأخ أن يشكو أخا آخر، إن لم يتحقق أنه يقدر أن يأتي بأحسن منه. (13)
متى دعا الأستاذ الأعظم أحد الأساتذة أو الأستاذ أحد الإخوة فيجب على المدعو قبول نصائحه بشكر والنظر بدقة فيما يصلحه له من الأعمال. (14)
يجب على كل الإخوة الماسونيين أن يطيعوا رؤساءهم ويتمموا ما أمروهم به. (15)
يجب على كل الإخوة الماسونيين أن يقبلوا الإخوة الغرباء الذين يظهرون إشارات التعارف في عدادهم ويخدموهم في كل وسعهم كما تعلمهم بذلك شرائعنا الشريفة، وأن يبادروا لإغاثة من خانه الدهر حين يعلمون حاجته وينجدوا هذا الأخ المنكود حتى إلى بعد نصف فرسخ (نحو نصف ساعة). (16)
لا يجوز للأستاذ أو الرفيق أن يقبل في محفله من ليس ماسونيا ويروم النظر في قطع الحجارة أو زخرفتها أو ليرى عمل ما طلب إنشاؤه، ويجب عليهم أن يحترزوا كثيرا من أن يتقلد لهم الرسوم المبينة هذه الصناعة الشريفة، ومن خالف في أقل شيء يفصل من الجمعية.
هذه هي الواجبات التي يجب على كل أخ ماسوني إجراؤها والعمل بموجبها.
وإذا وجد في المستقبل شيء صالح عائد نفعه على خير الجمعية يجب أن يدون كتابة، وبعد القرار عليه يجب أن يعلم به كل الإخوة فيسيروا على موجبه طائعين.
إضافة مهمة
في سنة 1350 مسيحية اجتمع الإخوة الماسون برئاسة «إدوارد الثالث» ملك إنكلترا وحوروا المواد السابقة وأضافوا إليها ما يأتي: (1)
عند قبول أخ حديث يجب أن تتلى عليه القوانين واللوائح الماسونية. (2)
أن الأساتذة الماسونيين أو أساتذة العمل لا بد من امتحانهم ليعلم إذا كانوا أهلا لخدمة المعتبرين رفيعهم ووضيعهم محافظة على شرف هذا الفن وعلى صوالح الذين يعهدون إليهم إنجاز أشغالهم. (3)
متى اجتمع الرئيس والمنبهان في محفل فعلى حاكم المدينة، أو والي الولاية، أو شيخ البلد التي يجتمع فيها المحفل أن يكون قريبا من الرئيس ليساعده في كبح جماح العصاة ونوال العشيرة الماسونية حقوقها إذا لزم ذلك. (4)
إن طالبي مؤاخاة الماسون لا يقبلون إلا بعد أن يتحقق عنهم أنهم أمناء وغير حامين للصوص. ويجب بعد قبولهم أن يشتغلوا بأمانة يستوجبون من أجلها نوال أجورهم، وأن يحبوا رفقاءهم كأنفسهم، وأن يكونوا مخلصين للملك وللأخوية الماسونية وللمحفل. (5)
على المحافل أن تبحث في اجتماعاتها عن أعمال الأساتذة أو الرفقاء، فإذا رأوا منهم إخلالا بشيء من البنود المتفق عليها يحاكمونهم، فإذا طلب أحد المتهمين للمرافعة وأبى الحضور فعلى المحفل أن يقرر تجريده من الحقوق الماسونية، وأن يحظر عليه معاطاة صناعة البناء، وإذا خالف فعلى الحاكم أن يحجز عليه ويسلم كل ممتلكاته إلى الملك وللملك الخيار في أن يعطيه من محصولاتها ما يحتاج إليه لسد عوزه أو أن يمنعه من الانتفاع بها. وعلى ما تقدم ينال كل ذي حق حقه لتسير الأعمال بالأمانة وعلى السواء في صنعة البنائين في كل المملكة الإنكليزية بين الشرفاء والصعاليك. انتهى.
وقد تحورت كل المواد السابقة، وسن لكل شرق من المشارق السامية قانون خاص في هذه الأيام ونظمت الماسونية تنظيما تاما فاستكملت هيئتها من كل جهة، وسنأتي على زيادة تفصيل في الفصول الآتية.
الفصل السابع
وصايا ماسونية
الوصايا الماسونية القديمة (1)
إن الله هو الحكمة الأزلية القادرة على كل شيء التي لا يمكن لعقول البشر إدراكها. (2)
تكرم الله بالتحلي بالفضائل واجتناب الرذائل، ويجب أن تعمل الخير لا كفريضة فلا يبقى لك ثواب، بل بسرور أقدم على ذلك. (3)
من صادق الحكيم صار حكيما. (4)
نفسك أبدية أزلية فلا تفعل شيئا يشينها. (5)
حارب الرذيلة ما دام فيك عرق ينبض. (6)
لا تفعل بالغير ما لا تريد أن يفعل بك. (7)
اقبل نصيبك بشكر فيبقى لك نور الحكمة. (8)
أكرم والديك وأقاربك. (9)
أكرم الشيوخ؛ لأن الشيب إكليل على رءوسهم ناصع البياض فيجب توقيره واحترامه. (10)
أنر الجهال والأحداث. (11)
احم الأطفال من الريبة والشك. (12)
حب امرأتك وبنيك كحبك لنفسك. (13)
حب وطنك فوق كل شيء بعد الله وارضخ لما تأمرك به شرائعه. (14)
ليكن صديقك كنفسك مكرما منك. (15)
لا تحتقر المنكوبين، بل عاملهم بالرأفة والحنان. (16)
أكرم ذكر صديقك ميتا كان أو حيا. (17)
اجتنب المرائين. (18)
اهرب من المبالغة في أي شيء كان. (19)
اجتنب كل ما يشين ذكرك. (20)
لا تجعل نفسك عبدا لشهواتك. (21)
كن حليما عند الخطأ. (22)
اسمع كثيرا وتكلم قليلا فتكسب الخير والصلاح. (23)
تناس خطيئة أخيك. (24)
جاز الشر بالخير. (25)
لا تستعمل قوتك ورئاستك لهضم حقوق الضعفاء. (26)
ابدأ بمعرفة نفسك فتعرف الآخرين. (27)
اطلب الحقيقة ولا تمل من طلبها. (28)
كن عادلا في عملك واجتنب البطالة؛ لأنها أم الرذائل.
الوصايا الماسونية الحديثة (1)
كن عادلا في عملك مقسطا في حكمك؛ لأن العدالة والحق هما أساس العالم فلا يقوم إلا بهما. (2)
كن كريما ورحيما؛ لأن الرحمة تستأسر القلوب. (3)
كن حليما؛ لأن بحلمك يمكنك المعيشة مع قوم ضعفاء نظيرك، وإن تكبرت اضطررت إلى الاعتزال. (4)
كن لطيفا في معشرك؛ لأن اللطف يستجلب المحبة. (5)
قابل كل معروف يصنع معك بشكر جميل؛ لأن الشكر يغذي ويقوي محبة عمل الخير. (6)
كن متواضعا؛ لأن المتكبر ينفر من نفسه. (7)
سامح الإهانة؛ لأن الحقد يستوجب الانتقام والانتقام يجلب ضررا عظيما على العالم. (8)
اصنع الخير مع من أهانك؛ لأنك إذا عملت معه خيرا تظهر شرفك وعظمة نفسك فتكتسب صداقته. (9)
كن قنوعا واردع جماح شهواتك وكن عفيفا؛ لأن العفة وعدم الغلو والقناعة تكسبك شرفا أثيلا وبغير هذه الصفات الشريفة تصبح محتقرا مهما كنت كريما. (10)
كن مخلصا لوطنك وافده بحياتك؛ لأنك بإعزاز وطنك تكسب الراحة والسرور وتسكب عليك الخيرات. (11)
أطع السلطة الآمرة وارضخ لأحكامها. (12)
دافع عن بلادك؛ لأن وطنك هو الذي يجعلك سعيدا فتكسب الرغد في معيشتك. وحماية وطنك ضربة لازبة عليك؛ لأنه جمع كل من كان عزيزا عليك، ولكن بدفاعك عنه لا تنس الإنسانية وواجباتها. (13)
لا تصبر عن الإجحاف بحقوق هذه الأم الشفوقة؛ أي الوطن التي غذتك بألبانها وجعلتك شريفا، ولو أن الوطن طردك ولم يقبل ما عرضته عليه من الخدمات فاصبر على المضض وابتعد عنه دون شكوى ولا تذمر، واقبل مصيبتك بشكر؛ لأنك بشكواك من وطنك وتذمرك عليه تخسر كثيرا من قدرك الذي يجب عليك إعزازه.
الدستور الماسوني
هذا هو الدستور الماسوني الذي يسير الماسون بموجبه في هذه الأيام، وقد نشر في الصفحة العاشرة من كتابنا في الآداب الماسونية: (1)
قدم العبادة والإكرام لله مدبر الكائنات ومبدع الموجودات. (2)
حب قريبك. (3)
لا تفعل شرا. (4)
اعمل الخير. (5)
لا تكترث لكلام الناس في الواجب عليك. (6)
اتبع قواعد ديانتك واحترم ديانة الآخرين، فإنهم متساوون أمام الله، وطاعة الله الحقيقية تقوم بممارسة الإنسان الأخلاق الجيدة. (7)
افعل الخير لمجرد حبك للخير نفسه. (8)
اسهر دائما على نقاوة سريرتك فتكون أهلا للمثول أمام الله تعالى مدبر الكائنات. (9)
حب الأبرار والصالحين واشفق على الضعفاء وابتعد عن الأشرار، ولا تبغض أحدا. (10)
ليكن كلامك قليلا مع ذوي المراتب العالية ذا حكمة مع أقرانك وإخلاص مع أصدقائك وكثير العذوبة مع من هم دونك ورقيقا مع المساكين. (11)
لا تتملق أخاك، فإن تملقه خيانة. (12)
إن سمعت مديحا من أخيك فاحذر لئلا يفسد أخلاقك. (13)
اتبع دائما صوت ضميرك. (14)
كن كأب للفقراء والمحتاجين وكل تأوه يتأوهونه من قساوة قلبك يحدر اللعنات على رأسك. (15)
أكرم الغريب، وكن له عونا، وليكن شخصه مقدسا عندك. (16)
تجنب المشاجرات وأغض عن الشتائم واجنح دائما للحق. (17)
لتكن النساء مكرمات عندك ولا تسئ معاملتهن وفضل الموت على ارتكاب المنكر . (18)
إذا رزقك الله ولدا، فقدم له الشكر على ذلك واعتبر قيمة الوديعة التي أودعك إياها. (19)
واعتن بهذا الولد كما يعتني الله بمخلوقاته. (20)
واجعله أن يخافك إلى أن يبلغ العشر من سنه ويحبك إلى أن يبلغ العشرين، ويقدم لك الإكرام والوقار حتى الممات. (21)
أي: كن له بمنزلة المعلم إلى السنة العاشرة وبمنزلة الأب إلى السنة العشرين وبمنزلة الصديق إلى الوفاة. (22)
اجتهد أن تكسبه مبادئ صحيحة أكثر من أن تزيده خفة وحركات جميلة. (23)
ليكن ولدك مدينا لك بأنك ربيته على الاستقامة وأكسبته النور والمعرفة ولم تربه على الخفة والخلاعة. (24)
اجعله رجلا صالحا قبل أن تجعله رجلا مفلحا. (25)
إن خجلت من الحالة التي أنت فيها فأنت متكبر. (26)
اعلم أن المنصب ليس هو الذي يزيد الإنسان شرفا أو يلحق به عارا، بل الأفعال التي تبدو منه في ذلك المنصب. (27)
اقرأ واستفد، انظر وتمثل، افتكر واعمل. (28)
لتكن أعمالك عائدا نفعها على إخوتك، ولتكن كما لو كنت تفعلها لنفسك. (29)
كن راضيا في كل مكان وفي كل حال. (30)
لتكن الأفعال العادلة باعثة لسرورك، والأعمال غير العادلة داعية لغيظك. (31)
احتمل النوازل بدون تذمر. (32)
لا تحكم بخفة على أفعال الناس. (33)
لا تذم أحدا ولا تكثر من المديح لأحد؛ لأن الله مهندس الكون العظيم الفاحص القلوب هو وحده قادر أن يعلم قيمة أفعال خليقته. (34)
احترم سلطان البلاد التي أنت عائش فيها؛ لأنه أذن لك في الإقامة بأرضه. (35)
احترم الحكومة واخضع للشرائع ولا تدخل في مؤامرة، بل إذا مست الحاجة قدم للحكومة الحاكمة المساعدة والعضد. (36)
تجنب المجادلات في أمر الدين والسياسة لكي تحفظ العلائق المرتبط بها النوع الإنساني. (37)
ساعد أخاك بالتي هي أحسن وفضله على سواه في أخذك وعطائك ما دام سالكا طريق الاستقامة والصدق والأمانة نحوك ونحو الآخرين. (38)
كن طاهر القلب تجاه عيال إخوتك. (39)
اكتم سر أخيك كتمانك لسرك. (40)
كن فاضلا فتصير قدوة للناس بأفعالك الحسنة.
الفصل الثامن
في أهم المنشورات وتاريخ صدورها
المنشور الروماني سنة 715ق.م:
دونت فيه القوانين المتعلقة بمدارس البنائين التي أنشأها «نوما بومبيليوس»، وهي في الجدول الروماني الثاني الموضوع سنة 451ق.م.
منشور سانت ألبان سنة 290ب.م:
مؤسس على تعاليم المدارس الرومانية القديمة جمعها ألبانوس وهو نقاش مشهور وأمر الإمبراطور كاروزيوس بنشرها وإذاعتها، وكانت كل الأوراق والمستندات التي تتعلق بالماسونية في أحد الأديرة فأحرقت كلها حين غزا الدانيون تلك البلاد، وعاثوا فيها فسادا.
منشور يورك سنة 926ب.م:
أسست فيه الشرائع والقوانين الماسونية الأساسية، وذاق هذا المحفل ما ذاقه غيره من الاضطهاد والاضطرابات وأحرقت أوراقه زمن الحروب التي أثارها الأعداء على بريطانيا. وكانت يورك في ذلك العهد محلا للثورات وسفك الدماء؛ لأنها كانت العظيمة بين البلدان التي أحرزت الشهرة الماسونية العظمى فكانوا يتغالون في اضطهادها، ولم يصلنا شيء منها ولم نكد ندري بها لولا المنشور الذي أذاعه «إدوارد الثالث» الذي بني عليه منشور يورك، وقد ذكرت فيه كل المواد التي ذكرت في ذلك والمتعلقة بحقوق الأساتذة العظام وواجباتهم نحو الأمة والبلاد. وقد وجدت نسخة من هذا المنشور سنة 1717 ونسبت إلى الملك «إدوارد الثالث»، وأنها خطت بيده، وهذه النسخة مع كثير غيرها من الأوراق الكثيرة الأهمية ذهبت طعما للنار التي أضرمها بعض الإخوة من محفل سان بول سنة 1720.
منشور «إدوارد الثالث» سنة 1350:
كان هذا المنشور مبنيا على منشور محفل يورك، ولكن زيد عليه بعض أشياء رأوا وجوب زيادتها فأدخلوها وحوروا قليلا من قوانينه ونصوصه المتعلقة بالأساتذة العظام وبيان الواجبات التي يجب عليهم إجراؤها.
منشور اسكوتسيا سنة 1439:
أو هو بالحري براءة أعطيت «لوليم سانكلر بارون دي روسلين» سنة 1830 منحه إياها الملك «جاك الثاني» مخولة حقوق الرئاسة العظمى له ولذريته من بعده مكافأة له على الخدمات الصادقة التي أظهرها نحو الأمة، ويوجد نسخة من هذه البراءة في مكتبة المحامين في أيدنبرج مؤرخة سنة 1700 مسيحية.
منشورات ستراسبورج سنة 1459 وسنة 1563:
وكانت تحت عنوان الإصلاح والقوانين الموضوعة للإخوة ناقشي الحجارة.
منشور كولونيا سنة 1535:
وهو قوانين الماسونية الفلسفية وشرائعها أو تحوير القوانين التي وضعها الإخوة الملتئمون في كولونيا.
ويوجد حتى الآن نسخة من هذا المنشور في محفل هولاندا الأعظم في لاهاس كتبت على رق بأحرف ماسونية، وقد وجدت هذه النسخة في محفل هيت فريدندال
Het Vredendal ، أو وادي السلام الذي كان في أمستردام سنة 1519، وأوقف أعماله سنة 1621، ثم عاود العمل سنة 1637، وقد وضعت هذه النسخة للفحص العميق وتأكد الجميع صحتها، فلم يبق ثم ريب فيها.
منشور اسكوتسيا سنة 1630:
ليس في هذا المنشور سوى تأكيد الامتيازات والحقوق التي منحت لوليم سانكلر بارون دي روسلين سنة 1439 من محافل اسكوتسيا، وقد أعطيت هذه الامتيازات ثانية في هذا المنشور لورثة البارون دي روسلين؛ لأن المنشور الأول ذهب طعما للنار حين شبت في قصر روسلين فطلبوا تجديدها وأعطيت لهم، وهذا المنشور باق حتى الآن في مكتبة المحامين في أيدنبرج.
منشور لوندرة سنة 1717:
في هذا المنشور تم القرار على استبدال الماسونية العملية بالماسونية الفلسفية الرمزية.
الفصل التاسع
في المجامع الكبرى التي أقامتها الماسونية منذ مجمع يورك سنة 926ب.م حتى مجمع
سنة 1787
مجمع يورك سنة 926ب.م:
أقامه أدوين ابن الملك أتلستان ليعيد الاجتماعات الماسونية التي كانت قد ألغيت زمنا بأوامر الحكومة، وأعاد اجتماعاتهم ثانية بقوانين وشرائع مبنية على الشرائع القديمة.
مجمع ستراسبورج سنة 1275ب.م:
التأم بناء على طلب أروين دي ستينباخ لإتمام بناء كاتدرائية ستراسبورج، وحضر هذا المجمع كثير من بنائي ألمانيا وإنكلترة ولومبارديا، وهناك اتخذوا لأنفسهم لقب «البنائين الأحرار» وحلف كل منهم اليمين المعظمة أن يبقى ما دام حيا أمينا للشرائع الماسونية القديمة.
مجمع راتسبون سنة 1459ب.م:
دعا إلى هذا الاجتماع جوبس دوتزنجر
Jobs Dotzinger
رئيس العمل في بناء كاتدرائية ستراسبورج للنظر في جملة غايات؛ أولا: إجمال في الأشغال المتعلقة بالصناعة والبناء والجمعية، ثانيا: للنظر في الشرائع والقوانين الجديدة التي وضعت للماسونية في محفل ستراسبورج سنة 1452 وتحويرها.
مجمع راتسبون سنة 1464ب.م:
اجتمع بناء على طلب محفل ستراسبورج الأعظم للنظر في جملة مسائل عرضت عليه، وهي؛ أولا: إجمال عمومي، وتقديم تقارير عن البنايات التي شيدت وتشيد، وبيان العقبات التي تطرأ على الماسونيين وتمنعهم عن إنجازها والنظر في ما يزيل تلك العقبات. ثانيا: تجديد حقوق المحافل الأربعة الكبرى ، وهي محفل كولونيا وستراسبورج وفينا وبرن، ووضع حد لكل منها فلا تتعداه. ثالثا: في متفرقات شتى. رابعا: تعيين كونراد كوين
Conrad Kuyn
رئيس العمل في بناية كاتدرائية ستراسبورج أستاذا أعظم لمحفل كولونيا الأعظم.
مجمع سبير
Spire
سنة 1469ب.م:
التأم بناء على طلب محفل ستراسبورج لمقاصد شتى، أولا: تقديم تقارير عن كل البنايات الدينية التي تم بناؤها والتي أوقف عملها. ثانيا: بيان مركز الجمعية الماسونية وماهيتها في إنكلترة وغاليا ولومبارديا وألمانيا وتفصيله تفصيلا مدققا. ثالثا: يقدم تقرير عن المحافل جميعها وماهية ارتباطها بعضها ببعض وبيان العلاقات الودية التي بينها.
مجمع كولونيا سنة 1535ب.م:
بناء على دعوة هرمان أسقف كولونيا للنظر في الاضطهاد الذي يهدد الماسونية إجمالا والاحتياطات التي يجب اتخاذها بإزاء الشكاوى، والنمائم التي أصبحت الماسونية من جرائها في خطر دائم، وكانت نتيجة هذا المجمع إصدار المنشور الكولوني الذي تكلمنا عنه في بيان المنشورات، والذي يثبت لنا أقدمية وجوده محررا بخط الأسقف عينه فلا مجال ثم للريب.
مجمع بال سنة 1563ب.م:
التأم هذا المجمع بناء على طلب محفل ستراسبورج الأعظم للنظر في جملة مسائل أهمها؛ أولا: تقويم عام في البناية وما وصلت إليه من التقدم من ذلك العهد. ثانيا: للمذاكرة وحسم الخلاف حبيا بين اثنين وعشرين محفلا تابعة لمحفل ستراسبورج فانقسمت بعضها على بعض لأسباب طفيفة، فأحب محفل ستراسبورج إعادة الصلات وتقرير الوئام بينها كما تقضي بذلك الشرائع والقوانين الماسونية.
مجمع ستراسبورج سنة 1564ب.م:
دعا هذا المجمع محفل ستراسبورج الأعظم بصورة خارقة للعادة لجملة أشياء؛ أولا: تمهيد العقبات الحائلة دون نجاح الماسونية وإتمام عملها المجيد، وتقرر في هذا المجمع أن كل الاختلافات التي تحدث بين المحافل ناجمة عن أغراض أو مفاسد وما شاكل هذه كلها تعرض على محفل ستراسبورج الأعظم ليحكم فيها ويرى رأيه، وحكمه هذا لا يقبل اعتراضا ولا يستأنف إلى مرجع أعلى. ثانيا: المثابرة على تقديم التقارير التي اعتادت المحافل الأخرى إجراءها، فهذه كلها أيضا تقدم للمحفل الأعظم ليرى أعمال الجمعية ويتحقق تقدمها ونجاحها. ثالثا: تذاكروا في أشياء مختلفة.
محفل لوندرة سنة 1717:
دعا هذا المجمع الأربعة المحافل الوحيدة التي كانت في ذلك العصر في لوندرة، وكان المتقدم على هذه المحافل محفل سان بول (القديس بولس) الأعظم ليقرر ما كان قد عرضه سابقا؛ أي في سنة 1703 من أن المترشحين للدخول في الماسونية يقبلون من كل النحل والملل بصرف النظر عن أجناسهم على شرط أن يكونوا حقيقة مستعدين للانتظام في عقدها الثمين.
ونجم عن هذا المجمع أن تألف محفل إنكلترة الأعظم الذي يحوي ماسونا أحرارا من كل الطوائف والملل فحلفوا كلهم اليمين بأمانتهم لهذه الجمعية، وأنهم لا يخونون أسرارها ولا يفشون أعمالها لأي كان. ومن هذا المجمع نجم أيضا استعمال الدرجات الثلاث الأولية التي قيل فيها: إنها رمزية، وهي المستعملة في الماسونية حتى الآن.
مجمع دوبلين سنة 1729:
تشكل هذا المجمع بقرار كل المحافل الأيرلندية الذين أرادوا أن ينالوا الحقوق الماسونية التي أحرزها غيرهم، ويجعلوا قوانين محفلهم واحدة فنظموها على مثال قواعد محفل إنكلترا الأعظم وأنشئوا محفلا أعظم دعوه محفل أيرلندا الأعظم وانتخبوا اللورد فيكونت كنستون أستاذا أعظم له.
مجمع أيدنبرج سنة 1736ب.م:
طلب التئام هذا المجمع البارون سنكلر دي روسلين أستاذ الماسونيين الاسكوتسيين الأعظم الذين كان محفلهم الأعظم في كليفنين ليتنازل عن حقوقه في الرئاسة العظمى فلا تكون فيما بعد إرثية محصورة بينه وبين بنيه من بعده، ويتنازل أيضا عن كل الامتيازات التي أحرزها سنة 1430 من الملك جاك الثاني الذي منحها لعائلة روسلين، ولم يكن القصد من الاجتماع هذه الغاية فقط، بل ليشكلوا الماسونية على قوانين جديدة. وكان أعضاء اثنين وثلاثين محفلا حاضرين هذا المجمع، فوافقوا كلهم على ما عرض عليهم وألفوا محفلا جديدا دعوه محفل اسكوتسيا الأعظم، وانتخبوا البارون دي روسلين أستاذا أعظم له سنة 1737.
مجمع لاهاي سنة 1756ب.م:
تشكل هذا المجمع بناء على طلب محفل الاجتماع الملوكي الأعظم في لاهاي بقصد تأسيس محفل وطني أعظم للولايات المتحدة، ويكون هذا المحفل تحت رعاية محفل إنكلترا الأعظم وقرروا تأسيسه بمصادقة مندوبي ثلاثة عشر محفلا كانوا حاضرين هذا المجمع فسروا - لما عرض عليهم - سرورا عظيما؛ إذ تتحد الماسونية يدا واحدة وتعمل برأي واحد ولو تباعدت الأماكن التي تجمعها وانتخبوا البارون أبرسين بايرين أستاذا أعظم لهذا المحفل.
مجامع إيينا
Iéna
والتانبرج سنة 1764، وسنة 1765ب.م:
طلب اجتماعها جونسون الذي ادعى أنه مندوب من قبل رؤساء معلومين، ومطلق التصرف منهم بفعل ما يراه مناسبا مخولا هذا الحق من الذين أعطوا السلطة التامة الذين مركزهم في اسكوتسيا فدعا كل الماسونيين إلى إيينا في 25 أكتوبر سنة 1764، وطلب حضور مندوبين من قبل كل المحافل الاسكوتسية التابعة لطريقة الستريكت أوبسرفانس ليعترفوا بسلطته ورئاسته العظمى، وطلب تشكيل محفل ثان في إيينا ليعترف الكل بطريقته ويسيروا عليها، وكان من جملة المدعوين إلى هذا المجمع البارون دي هند، وكل المحافل التي أنشأها، فصدق البارون دي هند أولا دعوته، ولكن ظهر له أخيرا خداعه وتحقق مكره، فأظهره لباقي الإخوة. وفي السنة التالية التأم مجمع في التانبرج القريبة من إيينا، وهناك تقرر انتخاب البارون دي هند أستاذا أعظم لكل المحافل التابعة لطريقته وهي طريقة الستريكت أوبسرفانس.
مجمع كوهلر
Kohlo
سنة 1772ب.م:
طلب التئام هذا المجمع المحافل التابعة طريقة الستريكت أوبسرفانس ليروا طريقة تمكن بين الإخوة وسائل الحب والوئام وتجعلهم باتحادهم قادرين على دفع المصائب ومقابلة الشدائد والنوائب وليعارضوا الطريقة الجديدة التي وضعها زينندورف التي بقيت دون جدوى ولم تأت بثمرة قط، وفي هذا المجمع انتخب البارون فرديناند دي برونسفيك أستاذا أعظم.
مجمع برونسفيك سنة 1775:
تشكل هذا المجمع بناء على طلب البارون فرديناند دي برونسفيك الأستاذ الأعظم؛ ليروا واسطة تمكن عقد الاجتماع وتسوية الخلاف العظيم الذي نشأ بين المحافل، إذ كان كل منهم يدعي بنفسه معرفة الشرائع الماسونية الحقيقية وقوانينها، وكان قد حضر في هذا المجمع البارون دي هند وثلاثة وعشرون محفلا تابعون الطريقة التي شكلها في مجمع التانبرج، وظل هذا المجمع منعقدا من 22 إلى 6 يوليو ولم يأت بفائدة ما.
مجمع ليون سنة 1778ب.م:
التأم هذا المجمع إجابة لطلب محفل الشيفاليه المحسنين في ليون؛ بدعوى إصلاح الماسونية وتحوير ما يجب تحويره .
مجمع ولفنبوتل
Wolfnbottel
سنة 1778ب.م:
تألف هذا المجمع بناء على طلب البارون دي برونسفيك الأستاذ الأعظم للغاية نفسها التي التأم لأجلها مجمع برونسفيك سنة 1775، وظل من 15 يوليو إلى 22 أغسطس، ورأى هذا المجمع أن لا سبيل له ليخرج من هذا الظلمات التي سقطت فيها الماسونية فعزم على تشكيل مجمع عام في ويلهلمسباد يدعو إليه كل المحافل الماسونية ليستنير بأنوارهم علهم يهتدون إلى سبيل يمهدون به كل تلك العقبات القائمة سدا منيعا دون إصلاح الماسونية وترقيها.
مجمع ويلهلمسباد سنة 1782ب.م:
تعين الالتئام في هذا المجمع 15 أكتوبر سنة 1781، ثم إلى فصح 1782، أخيرا تقرر نهائيا انعقاده في 16 يوليو من السنة نفسها.
وانعقد هذا المجمع بناء على طلب فرديناند دي برونسفيك الأستاذ الأعظم لجملة غايات؛ أولا: إصلاح عام على الماسونية. ثانيا: ليتذاكروا ويظهروا أنوار شرائعها وتعاليمها، وخاصة لحل هذه المسائل: هل الماسونية جمعية حديثة العهد أو بعكس ذلك ترقت من جمعية أخرى قديمة الزمان؟ وما هي تلك الجمعية التي احتلت محلها؟ وهل للماسونية أساتذة ورؤساء عظام غير الذين يعرفهم العموم؟ ومن هم وأين مركزهم؟ وما هي واجباتهم؟ وهل أقيموا ليعلموا أو ليحكموا؟
وبقيت هذه المسائل التي طرحت على الأعضاء في ثلاثين جلسة عقدت لهذه الغاية بلا حل، ولم يحصل منها نتيجة ما ولكن لم يذهب تعب هذا المجمع عبثا، فإن لم يكن قد أتم الغاية التي عقد لأجلها فقد قام بأشياء غيرها يقصر عن إدراك شأوها فطاحل الرجال؛ فتغير كثير من العوائد الرمزية وتحورت طريقة الستريكت أوبسرفانس واستبدلت بطريقة أخرى؛ وهي الطريقة الكهربائية.
مجمع باريس سنة 1785ب.م:
وهو المجمع الأول، دعا هذا المجمع أعضاء محفل الأصدقاء المجتمعين الباريسيين ليزيلوا القتام المنعقد على محيا الماسونية ويقشعوا الغيوم المتلبدة في سمائها التي أحدثتها الفرق المتعددة والشيع المختلفة، والتي كان كل منها يخدم مصلحته الخاصة وليتذاكروا ويجلوا المبهم عن النقط المهمة في التعاليم الماسونية ومعرفة أصل هذه الجمعية، ومن كان واضعها الأول، وهل هي حديثة العهد أو قديمة؟ وهل واضعها أنشأها على ما كانت عليه حتى الآن أم نشأت وترقت حتى أحرزت هذه الدرجة الرفيعة من المنعة والاقتدار؟ والكشف عن الأسرار الماسونية الحالية المضروب على معرفتها أستار كثيفة. وظل هذا المجمع منعقدا من 15 فبراير حتى 26 مايو ولم يأت بفائدة.
مجمع باريس سنة 1787ب.م:
وهو المجمع الثاني الذي التأم بناء على طلب الإخوة الذين طلبوا التئام المجمع الأول، وكانت غايته كشف القناع عن المبهمات التي عرضت على محفل ويلهلمسباد ومجمع باريس الأول، وهذا المجمع لم يأت بفائدة أيضا.
ولم نذكر هنا المجامع التي حدثت في هذا الجيل، بل أجلنا الكلام عنها إلى غير هذا المكان.
الباب الثاني
أعمال الماسونية العملية قبل التاريخ المسيحي
تمهيد
شرحنا فيما تقدم كيف نشأت الماسونية وبعض أقوال المشهورين فيها، ونشرنا ملخص آدابها وتعاليمها القديمة والحديثة، ونلخص الآن تاريخها العملي منذ نشأتها إلى أن تغيرت سنة بعد سنة، وتحولت إلى جمعية رمزية، وسنراعي الإيجاز في ما ننقله متتبعين الحوادث آخذا بعضها برقاب بعض إلى سنة 1717 مسيحية؛ ليسهل على المطالع المراجعة وتتم الفائدة المقصودة من هذا الكتاب، وبالله التوفيق.
الفصل الأول
ملخص أعمال الماسونية من سنة 715 قبل المسيح إلى سنة 30ق.م
مدارس الرومانيين
سنة 710 إلى سنة 715 قبل المسيح:
بنى الرومانيون مدارس البناء وأدخلوا إليها العلوم الرياضية والفلسفة وسنت لها شرائع مخصوصة وأقيم عليها قضاة مخصوصون، وكانت شرائعها قائمة على المذهب الديونيسي المنتشر تعليمه إذ ذاك في الشرق، فقام نوما بومبيليوس الذي ارتقى إلى سدة الملك بحسن سيرته وتقواه وأمر بإنشاء هذه المدارس وجعلها مستقلة بذاتها ووضع لها قواعد وقوانين كثيرة، فكانت مدنية ودينية في آن واحد وخولها حق بناء الهياكل الجميلة والمحلات العمومية والقصور الأنيقة وفصل أحكامها عن المحاكم العمومية، فكانت تفعل ما تشاء فتأمر وتنهى وتجزي وتعاقب من غير منازع ولا معارض، وكان لها أساتذة ومنبهون ومعاونون وكتبة وأمناء خزينة ومساعدون وحفظة أختام وغيرها من الوظائف الكثيرة التي نراها حتى الآن منتشرة في الماسونية الرمزية، وكان أطباؤهم مستقلين لمعالجتهم، وكان فيها كثير من الإخوة العلماء الذين أقر بفضلهم رجال الأعصر الغابرة ، وكانوا يتبرعون بمبالغ تصرفها عليهم الجمعية شهريا لإعانة إخوتهم المنكوبين، وكان عدد الطالبين في كل مدرسة معدودا، فلا يمكن تجاوزه، وكان معظم الإخوة مؤلفين من اليونان الذين هاجروا بلادهم وأتوا رومية ليذوقوا فيها حلاوة العيش بعد مرارته وأدخلوا معهم أسرار جمعياتهم السرية، وأضافوا إليها أشياء عديدة، حتى إنه منذ بنيت رومية حتى حكم قسطنطين الكبير سنة 330ب.م، لم ينشأ هيكل ولم يشد معبد إلا ومرجع الفضل فيه للماسونية، وهذه آثار بعض من تلك البنايات باقية حتى لا تفعل به عوامل الأيام الماضية تشهد لهم بالفضل وتدلنا صريحا على أفعالهم المجيدة.
الماسونية في أيام الرومانيين
سنة 710ق.م:
في هذه السنة قام «نوما بومبيليوس» المصلح العظيم ومشيد المدارس الماسونية، وأمرهم بتعظيم «الكابيتول» (وهو حصن رومية المنيع)، وأن يتمموا بناء الهياكل المخصصة لعبادة الشمس والقمر ورهيا وساتورن ومارس وغيرها من الآلهة الرومانية التي كان قد بدأ بإنشائها روملوس باني رومية وملك السابنين، وبعدما أنهوا هذه الأعمال أمرهم نوما بإنشاء هياكل تكرس لعبادة إله الإيمان وإلهة الصداقة ومعبد لروملوس، وآخر لجونوس إله السلام الذي كان نوما يحبه كثيرا. وأحاط المدينة بأسوار عظيمة وحصنها تحصينا منيعا لتكون في مأمن من الهلاك، وفي حرز حريز من هجمات الأعداء، وبعد ذلك أتم بناء الهيكل الذي كان قد بدأ به روملوس لعبادة المشتري وهو إله الآلهة عند الرومانيين تذكارا للأعجوبة التي صنعها معه وهي أنه بعد ما كاد الجيش ينهزم إثر موقعة جرت لهم مع أعدائهم السابنين تضرع «روملوس» إلى المشتري ليلهم أجناده قوة وثباتا، ونذر بأنه إذا ظفر بنى له هيكلا في ذلك المكان عينه، وهكذا كان وبدأ بإنشائه، ولكنهم زعموا أنه خطف إلى السماء لينتظم في صف الآلهة.
سنة 650ق.م:
وازداد سكان رومية في زمن تسلط إنكوس مارسيوس زيادة عظيمة فحصن البلاد وأنشأ الحصون والقلاع وعمل مستودعا عظيما للمياه دعاه باسمه وأمر بإنشاء مرفأ لشاطئ أوستيا ليسهل التجارة وتمر داخله السفن.
سنة 610ق.م:
تسلط على رومية تاركينوس الكبيرة فأقام معابد جديدة في الكابيتول للمشتري إله الآلهة ومينرفا إلهة الحكمة وجونون، وأقام سورا عظيما طوله 614 مترا، وهو أول من أمر بإنشاء المراسح، وأقيمت في أيامه بنايات كثيرة.
سنة 580ق.م:
ازدادت رومية اتساعا عما كانت عليه في زمن «أنكوس مارسيوس»؛ إذ أضاف إليها ملك رومية «توليوس سرفيوس» مقاطعة فيرينال التي أحاطها بالأسوار المنيعة، وأقام معابد للسعادة ولديانة إلهة القنص.
سنة 530ق.م:
أنجز «تاركينوس» المهيب أعمال أسلافه، وجعل قناة ماء تحت الأرض تسير فيها المراكب ودعاها كلواكا ماكسيما. وفي ذلك العهد تم بناء هيكل المشتري في الكابيتول والمرسح الذي كان قد بدأ به سلفه، وأقام مرسحا ثانيا خصصه لمصارعة الشبان الرومانيين.
سنة 500ق.م:
تسلط «جونيوس دروسوس» وأمر ببناء هياكل جديدة أنيقة للغاية، وأنشأ معابد للإله بلاس ومينرفا.
سنة 490ق.م:
قام القنصلان «سمبرونيوس» و«مينوسيوس» وأمرا مدارس البنائين بإنشاء هيكلين للإلهة عطارد والمريخ.
سنة 480ق.م:
تم بناء هياكل لعبادة كاستور وبلوكس في زمن تسلط بوستيميوس الذي أمر أيضا ببناء هيكلين آخرين لسيريس آلهة الخطر، وباخوس إله الخمر تذكارا لنصرته على اللاتين، وكان معبد السعادة الذي بناه في ذلك العهد أجمل الهياكل وأعظمها.
سنة 396ق.م:
أنشأ فوريوس كاميلوس معابد كثيرة وبنايات عديدة منها: هيكل لجونون الملكة، أقامه بعد انتصاره في معركة كادت تفشل فيها عساكره، وأنشئ معبد للمشتري في زمن قنصليته أيضا.
سنة 390ق.م:
افتتح الغاليون رومية، وعاثوا فيها وهدموا كثيرا من عماراتها ومعابدها الأنيقة وحرقوا بعضها.
سنة 385ق.م:
جدد كوينتوس ما حرق من البنايات الجميلة في رومية، وأنشأ معابد كثيرة منها واحد لمارس إله الحرب، وآخر لسالوس إله الصحة، وثالث لإله الوفاء.
سنة 312ق.م:
أقام القنصل أبيوس كلوديوس حاجزا للمياه عظيما؛ إذ كان التيبر كثيرا ما يفيض فيتلف ما جاوره.
سنة 290ق.م:
أنشأ القنصل سبير كارفيليوس معبدا عظيما لكورينيوس، وأدخل إليه الساعة الشمسية، وحارب هذا القنصل الأتركيين فانتصر عليهم وغنم منهم مغانم كثيرة عمر بها هيكلا أنيقا للسعادة وآخر لاسكولاب الشبيه بالآلهة وهو إله الطب والجراحة .
سنة 285ق.م:
قامت جماعة البنائين كما كانوا يدعون في ذلك العهد واستوطنوا قسما من غاليا سيزالبين (وهي البندقية ولومبارديا الحالية) إثر ما افتتحها الرومانيون، وكانت تقسم هذه الجماعة إلى أقسام عديدة، فمنها ما كان يلازم الجيش الروماني لا يفارقه في الحل والترحال فيدربون أعماله ويمهدون طرق فتوحاته ويرسمون له ما احتاج إليه من بناء قلاع وحصون وحواجز ومتاريس وما أشبه من البنايات الحربية، فكانوا له معينا عظيما وسندا قويا لفتوحاته وانتصاراته، وكان الجيش والعمال يشتغلون بالبناء. أما البنادقة الأصليون فينقطعون إلى اختراع الآلات المسهلة للعمل، وكانوا ينقادون لطاعة الرؤساء وقواد الجيش في المسائل الحربية المحضة، أما فيما خرج عنها فكانوا مستقلين يأتون ما أرادوه من غير منازع ولا معارض، وكان بينهم علماء أعلام يجوبون البلاد الرومانية ويبثون بين المنصورين والمفشولين روح العلم ومعرفة الحقيقة وعمل الخير والاجتناب عن الشر وإطاعة الشرائع المدنية.
سنة 280ق.م:
قام القنصل دويليوس وأنشأ معبدا عظيما كرسه لعبادة الإلهة جانيوس؛ تذكارا لنصرته في البحر على القرطجنيين وبنى أكتيليوس في السنة نفسها هيكلا للرجاء.
سنة 275ق.م:
افتتح الرومان كل غاليا سيزالبين بواسطة القنصل دويليوس، وأقام بها قسما من جماعة البنائين الذين قاموا بأعمالهم بهمة لا تعرف الملل، فأعادوا البنايات العظيمة إلى رونقها الأول وجددوا ما كان قد هدم من البنايات العظيمة.
سنة 250ق.م:
احتلت الجنود الرومانية غاليا وضواحيها، وكان يصحبهم البناءون الذين كانوا يشيدون الأبراج والحصون وينشئون القصور والمعالم، فصارت غاليا بعد زمن قصير زاهرة زاهية. وكان قسم آخر من الجيش الروماني يسير قاطعا جبال الألب نحو غاليا ترانساليين وإسبانيا، فكان للبنائين الذين مهدوا الشعاب وخططوا الطرق لمسير الجيش الروماني في وعور جبال الألب المنيعة الفضل الأكبر ولولاهم ما أمكن الجيش المسير.
سنة 225ق.م:
وكان البناءون الذين صحبوا الجيش نحو غاليا ترانسالبين قد أتموا أكثر من المطلوب منهم فأنشئوا كوردو في إسبانيا وأمبودوروم في إسبانيا، وكان رفقاؤهم الذين في رومية لا يقلون عنهم نشاطا، فبنوا هناك المحافل العظيمة وشيدوا مرسح فلامينيان الذي دعي باسم القنصل فلامينيوس.
سنة 220ق.م:
هاجم أنيبال رئيس العساكر القرطجنية رومية، وكاد لولا قليل يظفر بها، فأقام البناءون هيكلا لإله سخري جعلوه بأقبح ملامح الشناعة، وعملوا طريقا سريا تحت الأرض يوصل إلى خارج رومية، وأنشئوا مرسحا آخر بأمر القنصل فلامينيوس.
سنة 210ق.م:
كانت المدارس البنائية في زمن الحرب الثانية القرطجنية بلا عمل تجريه، فاتجهت أنظارها نحو الولايات والأقاليم العديدة التي افتتحها الجيش الروماني فساروا يبثون فيها روح النشاط على العمل وأعادوها بمدة وجيزة إلى رونقها الأول.
سنة 200ق.م:
وكان الشعب الروماني قد عزم سنة 202ق.م أن يقيم هيكلا لمارس إله الحرب وآخر لمؤسسي رومية؛ رموس وروملوس، وفي تلك السنة تم بناء هذين الهيكلين.
سنة 148ق.م:
قام الجنرال ميتيللوس وأمر بإنشاء هيكل للإله المشتري إله الآلهة يكون من رخام ناصع البياض، وذلك بعد انتصاره العظيم على ملك مقدونية، وأقام هيكلا آخر للإلهة جونون على نفقته.
سنة 125ق.م:
افتتحت العساكر الرومانية مقاطعة هيلفاتيا، وأقاموا بها بلدانا عديدة منها أوغوستا بازيتيا وأوفاتيكوم (وهي أفانس الآن) التي أصبحت ذات شأن خطير.
سنة 121ق.م:
ترأس مارسيوس على مستعمرة رومانية وأنشأ بلدة ناربو مارسيوس (وهي ناربون الآن) التي أصبحت محط رحال القوات الرومانية واكتسبت شهرة عظيمة حتى زمن أوغسطس قيصر، فأخذت في التقهقر شيئا فشيئا.
سنة 101ق.م:
انتصر الجنرال ماريوس على القوات السيمبرية
Cimbres ، والطوطون
Teutons
انتصارا مجيدا، فأقام في رومية هيكلا عظيما لآلهة هونور وفبرتوس
Honor et Virtus
تحت رئاسة موزيوس النقاش البارع.
وكان علم النقش حتى ذلك العهد في غاية البساطة، وكان الرومانيون يكتفون بتنميق هياكلهم وزخرفتها باستجلاب الآثار القديمة التي كانوا يحرزونها من الذين ينتصرون عليهم من الشعوب خصوصا من الآثارات اليونانية، فأخذوا من ذلك العهد يجدون ويجتهدون في درس ما يرونه من بدائع الصنع حتى صارت محبة الحفر عندهم شديدة للغاية، وأبدعوا فيه غاية الإبداع.
سنة 79ق.م:
طغى البركان فيزوف، وهو أشهر البراكين الإيتالية وأعظمها فدمر مدينة أركولانيوم
Herculaneum ، وهي شهيرة بما فيها من بدائع الآثار التي تفنن البناءون فيها.
وفي ذلك الوقت طغى بركان فيزوف على مدينة بومباي
، وكانت وهي لا تقل شهرة عن أركولانيوم بالآثار البديعة والهياكل الأنيقة فذهبت ضحية للبركان فيزوف، وبقيت آثارها طويلا مخبأة تحت الرماد والمواد البركانية إلى أن اكتشفت مؤخرا وظهرت شاهد عدل لما كان عليه البناءون من التقدم والنجاح.
سنة 75ق.م:
أنشئ عدد عظيم من البلدان في غاليا ناربونيزيه، وكان هناك جيش كثير من الرومان ليدفعوا هجمات الأعداء المقيمين في ضواحي ماستيليا (مارسيليا) التي بناها الغوسيون سنة 599ق.م، وأرنيات وهي (أرل الآن) التي بنيت سنة 2000ق.م، وأقام البناءون مدن أكوا سكستيا (إكس) ونيموسوس (نيم) التي صارت مدنا في غاية الأهمية، وأنشئوا فيها هياكل عظيمة فصارت تضارع البلاد الرومانية عظمة وجمالا.
سنة 60ق.م:
افتتح يوليوس قيصر كل غاليا ترانسالبين وهي (فرنسا وبلجيكا وسويسرا الحالية) بعد حرب عشر سنوات، وقد قال عن هذه الحرب بلوتارخوس المؤرخ الشهير: إن أكثر من ثمانمائة مدينة ذهبت ضحيتها، وعدد عديد من الهياكل والمباني ذهب طمع المنتصرين، فأرسل يوليوس قيصر جماعات البنائين إلى غاليا يرممون ما هدمه الظالمون؛ فانتشر البناءون في أربعة أقطار غاليا، وقاموا بهمة شماء لا تعرف الملل ولا يعروها الكلل يشيدون المباني الفخيمة والهياكل الجميلة والمدن العظيمة فأنشئوا مدن تريفيري (تريف
Trèves )، وريمي (ريم
Reims )، وروتوماكوس (روان
Rouen )، وبورديكاتا (بوردو
Bordeaux )، ولوكدونم (ليون
Lyon )، وتولوزا (تولوز
Toulouse )، ولوتيتيا أو باريزي، وهي (باريس
الآن)، وكثير غير هذه من البلدان التي أصبحت ذات شأن خطير للغاية.
سنة 55ق.م:
افتتح الرومان بريطانيا تحت قيادة يوليوس قيصر الذي أرسل إليها جماعة البنائين ليحصنوها ويجعلوها منيعة ترد هجمات الأعداء الاسكوتسيين فسار البناءون إليها، وأقاموا فيها كعادتهم البنايات الجميلة والهياكل الأنيقة العظيمة، وأنشئوا مدينة أيبوراكوم (وهي يورك
York
الآن)، الشهيرة بتاريخ الماسونية.
سنة 50ق.م:
بينما كان يوليوس قيصر سائرا بفتوحاته يسود على العالم كان بومبه
في رومية يشيد البنايات الكثيرة، وهو الذي أمر ببناء المرسح العظيم الذي يسع ثلاثين ألف نفس، وهو من الرخام الناصع البياض، وأمر أيضا ببناء الطريق الموصل من إيتاليا إلى غاليا. ورجع في ذلك العهد يوليوس قيصر إلى رومية، وأمر ببناء هياكل عظيمة للآلهة واستدعى كل البنائين الذي كانوا في غاليا سيزالبين وهي إيتاليا الحالية وأرسلهم إلى أفريقيا ليجددوا بناء قرطجنة الشهيرة، وقورنت.
سنة 37ق.م:
ولما ملك الرومانيون شواطئ نهر الرين وخافوا من هجمات أعدائهم الجرمانيين أقاموا مستعمرات عظيمة وشيدوا مدنا كثيرة منها: كولونيا أكريبينا (كولونيا
Cologne ) التي أصبحت شهيرة جدا، وأحرزت كل الحقوق الرومانية في عهد كلوديوس قيصر.
سنة 32ق.م:
احتل الرومانيون مدينة لوتيتيا وهي باريس الحالية، وأقاموا فيها الهياكل العظيمة لعبادة الإلهة إيزيس وميترا.
أوغسطس قيصر
سنة 30ق.م:
ملك أوغسطس قيصر على الرومان، واشتهر بحبه للعظمة والمجد، فشمر عن ساعد الجد ليجعل ملكه سعيدا ورعاياه مغبوطين، وازدادت جماعة البنائين في أيامه ازديادا عظيما، وقام قسم منهم وأنشئوا مدارس خاصة لهم لا تقبل إلا الراغبين في تعليم الحفر، وكان هؤلاء من القوم الذين اشتهر فضلهم وعرف حزمهم وسارت بنشاطهم الأمثال، فأصبحوا مكرمين من الجميع، وصار الرومان يدخلون في عدادهم زرافات وكلهم متيقن أنه بانتظامه في هذه الجمعية الفضلى ينال الشرف العظيم لما رأوا من تقدمها السريع، فأمرهم أوغسطس قيصر بتشييد الهياكل العظيمة إكراما للآلهة التي منحته ما لم تمنح غيره من القياصرة من سعة الملك ورغد العيش ومحبة الرعية، فقام البناءون وبدءوا عملهم ناشطين من عقال الخمول، وشيدوا المعالم والقصور بما جعل رومية في مدة قصيرة جنة الدنيا، فازدادت بهجتها بهجة وجمالها جمالا، ورأى ذلك أصدقاء أوغسطس قيصر، فأرادوا مجاراته على عمله العائد نفعه على الجميع ليكسبوا بذلك رضاه، فقام ستاتيليوس توروس وأنشأ مرسحا عظيما، وماركوس فيليبوس هيكلا أنيقا لعبادة الإله هرقل ميزاجات ولوسيوس كارنيفوسيوس معبدا للإله ديانا، وهلم جرا.
الفصل الثاني
الماسونية العملية من السنة الأولى المسيحية إلى الألف بعد المسيح
سنة1 بعد المسيح:
أنشأ أوغسطس قيصر هيكلا في نيم تذكارا لصديقيه كايوس ولوسيوس، ولا تزال آثار هذا الهيكل إلى الآن معروفة باسم بيت المربع.
سنة 5ب.م:
انتظم المهندسون الإسرائيليون الذين كانوا قد أتوا إلى رومية وخولهم يوليوس قيصر في ذلك العهد حق العمل في سلك البنائين، وأدخلوا إلى هذه الجمعية تعاليمهم وأسرارهم التي تلقوها قديما عن المصريين.
سنة 10ب.م:
قام النقاش الشهير فيتروفيوس بوليو
Vitruvius Pollio
ووضع كتابه الشهير في النقش وبين حالة الصناعة في تلك الأيام وما وصلت إليه بهمة البنائين الذين جعلوه صناعة شريفة حتى انتظم في سلكها السراة والأعاظم.
سنة 14ب.م:
قام البناءون في عهد طيباريوس قيصر وشيدوا قصرا عظيما للقياصرة، وفي تلك السنة أمر طيباريوس بعمل أقواس نصر لأخيه كلوديوس دروسوس ولأوغسطس.
وامتدت الصناعة في تلك الأيام امتدادا عظيما، وعمت أربعة أقطار العالم الروماني، فأرسلت مدن برغاما
، ونيكوميديا
Nicomidie ، وميلاسا
Mylasse ، والقيصرية
Césarée ، وبوزول
، وبولا
مندوبين من قبلها إلى رومية ليستجلبوا منها قسما من البنائين ليشيدوا في تلك الأماكن هياكل إكراما لأوغسطس قيصر.
سنة 25ب.م:
أنجز البناءون عمل الجسر الذي بدءوا بإنشائه على نهر ريمبني في زمن أغسطس قيصر، وذلك في عهد طيباريوس، وأمر بتشييد هياكل لعبادة الإلهة بروزربينا وجونون وإله الاتحاد.
سنة 41ب.م:
قام كلوديوس قيصر وأمر ببناء حاجز للمياه، وبذل في إنشائه الأموال الطائلة بما جعله أنيقا للغاية ودعاه باسمه.
سنة 50ب.م:
في هذه السنة وصلت صناعة البناء في رومية إلى أسمى معارج الكمال، ولكنها كانت مضطهدة من القياصرة الذين كانوا يهضمون حقوقها ويحرمونها من امتيازاتها شيئا فشيئا حتى ذبلت نضارتها عما كانت عليه سابقا، وأصبحت تسير القهقرى رغما عن النشاط العظيم الذي أبداه محبوها ليرجعوا لها عظمتها الأولى، ونضارتها السابقة، ومع ذلك لم يفلحوا سعيا فيما حاولوا إدراكه، وبقيت تلك البنايات التي أنشأها هؤلاء الجهابذة في ذلك العهد تدلنا صريحا أن قد تلاعبت بجمعيتهم أيدي الأيام حتى لم تعد كما كانت عليه في الأزمنة الغابرة من ضخامة البناء ومتانته وزخرفته التي أبدعته عقول قوم فضلاء تنزهوا عن الشين، وجعلوا الحقيقة هدفا يتداعون إلى إصابته.
وظهرت عوامل هذا التقهقر في جماعة البنائين اليونانيين أيضا الذين أخذ الرومان عنهم آثارا كثيرة واقتفوهم طويلا في صناعتهم.
والذي دعا إلى هذا التأخر العظيم هو أن يوليوس قيصر وأوغسطس أرسلا إلى البلدان التي افتتحوها كل الذين اشتهروا بالبناء، والذين أحرزوا به شهرة عظيمة ليقيموا في تلك البلدان آثارا عظيمة ومباني ضخمة جسيمة ليجعلا عند هؤلاء القوم المغلوبين أثرا حميدا من تقدم الرومان وإبداعهم، فكان البناءون لشهرتهم وفضلهم يفعلون ما لم يفعله سيف المنتصرين الصقيل، ولا رمحهم الذابل الطويل. وكان بين هؤلاء قسم خصص نفسه للكتابة فيظهر بتآليفه للعالم أجمع فضل هذه الجمعية وغايتها الشريفة، فيتقاطرون إلى الانتظام بسلكها متداعين.
نيرون الظالم
سنة 54ب.م:
ذاقت رومية مرارة العيش وعرفت نكد الطالع لتسلط نيرون الظالم عليها بعد أن أحرق عاصمته (رومية) فاحترق معها كثير من البنايات النفيسة والهياكل الأنيقة، ثم أمر بإنشاء قصر عظيم لسكناه ودعاه القصر الذهبي، وكان الأستاذان سيفيروس
Severus
وسيلر
Celler
يديران الأعمال ويدربان العمال على البناء، بما جعل هذا القصر اسما على مسمى.
سنة 70ب.م:
أمر فلافيانوس قيصر ببناء هيكل السلام العظيم وإنشاء مرسح يسع مائة وعشرة آلاف نفس، واشتغل بهذا البناء اثنا عشر ألف يهودي جيء بهم أسرى عند افتتاح أورشليم، ولم ينته هذا المرسح إلا في عهد تيطس سنة 80ب.م.
سنة 80ب.م:
أمر تيطس قيصر ببناء الهياكل وتشييد المباني العمومية وترميم الأماكن التي احترقت في السنة السابقة.
سنة 85ب.م:
تسلط دوميتيانوس قيصر على رومية فعظمها كثيرا وأنشأ فيها المحلات الأنيقة والمباني الجسيمة، وشيد فيها الهياكل العظيمة كما في غاليا.
سنة 90ب.م:
أقام جماعة البنائين حصونا وقلاعا عظيمة في بريطانيا، كما أمرهم به الجنرال أغريقولا
Agricola
وتحصينات كثيرة في خليجي فورت
Forth
وكليد
Clyde
ليردوا هجمات أعدائهم الاسكوتسيين، واحتل الجنرال أغريقولا تلك الضواحي ليضبط البلاد ويسود الأمان.
سنة 98ب.م:
أنشأ الإمبراطور تراجيانوس قيصر هياكل لعبادة الآلهة فانوس وديانا. وكان هيكل كيرينوس عظيما للغاية مؤلفا من طبقات عديدة قائما على ستة وسبعين عمودا، وكذلك في الولايات الرومانية أنشئت معابد كثيرة وهياكل عظيمة إكراما للقياصرة، وفي تلك السنة بنى تراجيانوس مرسحا في رومية بغاية الاتساع أنيقا مزخرفا بأنواع الزينة يسع مائتين وستين ألف نفس.
سنة 120ب.م:
قام أدريانوس قيصر وأنشأ هياكل عظيمة لعبادة الزهرة، وأقام تمثالا آخر لنفسه دعاه تمثال أدريانوس، أو قصر الملاك الصالح، وفي ذلك العهد طرد من مملكته أبولودوروس
Apollodore
الحفار الشهير لكونه قال له حقيقة كان يود إخفاءها، وكان لهذا القيصر همة لا تعرف الكلل، ولا يعروها الملل، فكان دأبه إنشاء المعالم والقصور والبنايات الأنيقة والهياكل الضخمة الفخيمة، فكان يزور ولاياته والممالك الرومانية ويأمر بتشييد الأماكن العمومية التي تعود بالنفع على العباد والبلاد، فأقام في بريطانيا سورا منيعا يمتد من تينا
Tyne
حتى خليج سلواي
Solway
ليقي البلاد شر هجمات أعدائهم الاسكوتسيين الذين كانوا دائما في حرب مستمرة، وكثيرا ما كانوا يشنون الغارة ويعيثون في الأرض فسادا، وتمم في إسبانيا بناء الهياكل العظيمة التي بدأها أوغسطوس قيصر، وأنشأ في أفريقيا هياكل كثيرة في البقعة القائمة عليها الآن تونس والجزائر، وحفظت آسيا له ذكرا جميلا لكثرة المباني الأنيقة التي أقامها فيها. ووجه اهتمامه إلى اليونان خصوصا، وجعلها بمدة وجيزة زاهية زاهرة، ومن جملة الهياكل التي شيدها هناك هيكل المشتري، وفيه مائة واثنان وعشرون عمودا.
سنة 130ب.م:
وبعد سقوط الجمهورية الرومانية بدأت كل الجمعيات التي أقامها نوما بومبيليوس تتأخر شيئا فشيئا إلى أن تبيد وتضمحل؛ وذلك لظلم الحكام وضغطهم عليها. وكانت طائفة البنائين قد أخذت تتقهقر كغيرها من الجمعيات فكأن القياصرة تراجيانوس وأدريانوس وغيرهما لجموها بشكيمة الظلم والاستبداد وأخروا أعمالها كثيرا، ولكن حب المجد والفخفخة غلب عليهم وأجبرهم أن يتركوا هذه الطائفة وشأنها تفعل ما تريد لعلمهم الأكيد أن لا قوام لهم وللمملكة إن لم يكن فيها مثل هذه الجمعية العظيمة الشأن.
سنة 140ب.م:
قام البناءون في عهد أنطونيوس قيصر ببناء هيكل لمارس إله الحرب وأمرهم هذا القيصر بإنشاء حصن آخر في بريطانيا، إذ رأى الأول غير كاف لأن يمنع عن تلك البلاد هجمات أعدائها الثائرين، وكان بناء هذا السور المنيع الذي وصل فورت
Forth
بكليد
Clyde
يستوجب مشاركة الأهلين في بنائه أيضا، إذ لم يكن عدد البنائين ليكفي هذا العمل العظيم فانتظم كثيرون من الأهالي في سلك هذه الجمعية وأخذوا أسرارها وتلقنوا تعاليمها. وامتاز ملك أنطونيوس قيصر عن غيره بإنشاء البنايات العظيمة أهمها في هليوبوليس، وهي بعلبك التي لا تزال آثارها بسورية حتى الآن تدلنا صريحا على ما كان عليه البناءون من العظمة والصولة، وقد خصص هذان الهيكلان بعبادة الشمس، والذي يدخل القلعة الآن يرى هيكلها أشبه بالمحافل الماسونية الرمزية.
انتشار المسيحيين واضطهادهم
سنة 166ب.م:
وفي ذلك العهد كثر عدد البنائين كثيرا وانتظم في سلك الجمعية المشار إليها عدد من السراة والأشراف، واعتنق معظم هذه الجماعات الديانة المسيحية التي امتدت امتدادا عظيما، فحقد القيصر ماركوس أورالوس حقدا شديدا، وعزم على إبادة هذه الديانة الحديثة العهد بأي واسطة كانت فلم يأل جهدا في استنباط أسباب العذاب والاضطهاد الشديد الذي يجعل المسيحيين يجتنبونه وتفزع قلوبهم منه فيتركون هذه الديانة الحديثة ويرجعون إلى عبادة الأصنام ويعودون في أوهامهم يعمهون، ولكن هؤلاء الأقوام كانوا من الذين فعلت فيهم النعمة فعلها الحسن ففضل بعضهم الموت على الحياة أو يعيش شريفا عزيزا، فهذا مات شهيدا وغيرهم جبن عن اقتحام الموت، ولم يرد أن يبيع دينه بدنياه فضحى لذلك راحته وهجر بلاده ولجأ إلى بريطانيا، حيث لقي أمنا حريزا.
فكان البناءون الذين بقوا في رومية يجتمعون فرقا ويدخلون الأسراب والمغاير والكهوف، حيث يختبئون من عذاب محتوم وموت مقرر يتممون واجبات ديانتهم في تلك الأماكن المظلمة الحقيرة ويبثون بعضهم لبعض روح المحبة والصبر على الشدائد.
ولبث حكم ماركوس أورالوس عشر سنوات ذاق المسيحيون في خلالها الموت الزؤام فكانوا يقادون أسرابا إلى محل النطع والهلاك، وبعد أن يتكبدوا مر العذاب كانوا يعدمون بلا شفقة ولا حنان.
سنة 180ب.م:
قام الإمبراطور تيطس قيصرا على الرومانيين، فأمر بإنشاء بعض هياكل ومعالم، وأقام عمودا وسط رومية إكراما لأسلافه ماركوس أورالوس وأنطونينوس (ويدعى هذا العمود عمود أنطونينوس).
وجدد هذا القيصر العذاب والاضطهاد الذي كان أثاره ماركوس أورالوس على المسيحيين فهرب كثيرون من الذين بقوا في رومية ولجئوا إلى الشرق، ولم يكن في رومية إلا عدد قليل جدا من البنائين الذين لم يتركوا عبادة أصنامهم، وهكذا أخذت الماسونية تنحط شيئا فشيئا إلى أن وصلت إلى دركات الذل.
سنة 193ب.م:
تقلد إسكندر سيفير
Alexandre Sévère
زمام السلطنة الرومانية، وكان هذا القيصر من القوم الفضلاء الذين يفضلون مصلحة بلادهم على نفعهم الخاص، ولم يكن من الذين أعماهم الغرض، ورأى بعين الحكمة أن لا قوام لملكه إن لم يكن معززا بالبنائين، فأعطاهم حقوقا جمة ومنحهم امتيازات كثيرة، فعادت إلى رومية عظمتها الأولى، وتجدد بناء الهياكل بنشاط عظيم، ورام هذا القيصر إنشاء هيكل للمسيح الذي كان يعتقد بقدرته الإلهية، ولكنه أحجم عن هذا العمل لما لقي من العقبات التي أبداها له وزراؤه وعظماء مملكته، وقالوا: إن الهياكل الأخرى تمس فلا يعود أحد يدخلها بعد ذلك.
سنة 200ب.م:
سعى إسكندر سيفير فبنى سورا جديدا في شمالي السور القديم وقاية لأملاكه فيها، ولكن البنائين الرومانيين لم يكونوا كفؤا لإتمامه لقلة عددهم فاضطروا إلى التسليم بإنشاء أخوية بريطانية من أبناء تلك البلاد، وجعلوا لهم امتيازات وحقوقا كما كان لهم.
سنة 211ب.م:
زها ملك القيصر كاراكلا بإنشاء هياكل كثيرة أعظمها هيكل منيرفا إلهة الحكمة.
سنة 235ب.م:
تسلط مكسيميانوس قيصر على المملكة، فعزز الماسونية ومنحها حمايته الخاصة وأمر بإنشاء معابد وهياكل كثيرة ومحلات عمومية، فصارت رومية بعد زمن يسير غاية في الرونق والجمال، ولم يكن يألو جهدا في عمل ما يعود نفعه على العباد والبلاد.
سنة 250ب.م:
عادت الماسونية إلى الانحطاط لتجريد القياصرة ديسيوس وفاليريوس سيوف الاضطهاد على المسيحيين اضطهادا أجبرهم على المهاجرة ثانية فتفرقت مدارس البنائين وتشتت شمل إخوتها الذين قبلوا الديانة المسيحية الآمرة بالخير والمحبة الأخوية، والتجأ هؤلاء إلى أقطار عديدة، فمنهم من ذهب إلى غاليا، وآخرون إلى بريطانيا، حيث ذاقوا حلاوة العيش وصفاء الحياة، إذ كان فيها عدد عديد من البنائين النشيطين.
سنة 260ب.م:
أنشأ البناءون جمعيات دعوها جمعيات الصنائع والفنون، وهي فرع من جمعيتهم الأصلية.
سنة 270ب.م:
اعتنق معظم الإخوة البنائين الذين في غاليا وبريطانيا الديانة المسيحية، واهتموا بتشييد الكنائس والمعابد التي أنشأها الواعظون والرسل الذين جاءوا من رومية سنة 257، فأقاموا في إميان وبوفي وسواسون وريمس وباريس كأساقفة مرسلين ليبشروا العالم بهذه الديانة الشريفة.
بناء تدمر
سنة 175ب.م:
اشتهرت الماسونية في ذلك العهد ببناء هياكل عظيمة في مدينة بالمير بسورية (وهي تدمر الحالية) ففاقت بعظمتها وفخامتها هياكل بعلبك، وكان أعظمها ذا أربعمائة وأربعة وستين عمودا أكثرها من قطعة واحدة هائلة، وكان عدد هذه العواميد التي قام عليها الهيكلان ألفا وأربعمائة وخمسين عمودا. وانتهز القيصر أورليانوس زمن السلم ليعزز البنائين بقوته ويمنحهم امتيازاتهم القديمة، وكان يعين على أعمالهم المهندسين كليودوماس
Cléodomas ، وأتيناكوس
Athénacus ، وهما تلميذان تدربا في مدارس بيزنطية العظيمة.
سنة 280ب.م:
أرسل القيصر ديوكليتيانوس واستدعى البنائين الذين في بريطانيا ليشيدوا المباني الفخيمة التي عزم على إنشائها في غاليا.
أول دعوة البنائين أحرارا
سنة 287ب.م:
قام كاروسيوس وهو قائد الأسطول الروماني وشق عصا الطاعة وسار نحو بريطانيا، ودعا نفسه إمبراطورا عليها، ولكي يكتسب رضا الشعب ويحرز ثقته تزلف إلى الفئة الغالبة، وهي طائفة البنائين ومنحهم في مدينة فيرولام (سان ألبان) مقر حكومته كل الامتيازات التي كان منحهم إياها نوما بومبيليوس الواضع الأول لمدارس البنائين سنة 715ق.م. ومن ذلك العهد؛ أي من سنة 290ب.م صاروا يدعون البنائين أحرارا
Free Masons
ليفرقوهم عن الفئة الأخرى.
أول شهيد ماسوني
سنة 293ب.م:
كان «ألبانوس
Albanus » كاهنا ومهندسا ونقاشا رومانيا، وصار مفتشا للبنائين سنة 292، ثم صار أستاذا أعظم للماسونية البريطانية وسفيرها أمام كاروسيوس، واعتنق الديانة المسيحية حين منحت للبنائين امتيازاتهم القديمة، فقام مبشرا يدعو الأمم للدخول في هذه الديانة الشريفة وهزته حميته ورغبته ومحبته في الدين أن يذهب ويبشر الإمبراطور نفسه الذي ثار عليه حنقا، وأمر بإعدامه قتلا بالسيف فقتل، وكان هذا الأستاذ الأعظم للماسونية أول شهيد قضى في بريطانيا ظلما محبة في الدين.
سنة 269ب.م:
اقترب الأسطول الروماني من بريطانيا مقلا قسطنطين نائب الإمبراطور فثار أشياع كاروسيوس عليه وقتلوه ونصبوا قسطنطين إمبراطورا عليهم فاختار هذا مدينة أيبوراكوم (يورك) عاصمة له ومقرا لحكومته.
سنة 300ب.م:
في تلك السنة زهت صناعة البناء في رومية وأزهرت حتى عد فيها خمسمائة هيكل وسبعة وثلاثون بابا لها وستة جسور وسبعة عشر مرسحا وأربعة عشر حاجزا وخمسة تمثالات أقيمت تذكارا لمن اشتهر من رجال الرومان العظماء وقياصرتها، وكل هذه البنايات أقيمت بهمة طائفة البنائين ونشاطها، واشتهر في هذه السنة كليودوماس النقاش البيزنطي في رومية بأعماله وإتقانه.
اضطهاد المسيحيين
سنة 303ب.م:
تسلط القيصر ديوكليتيانوس على رومية وازدادت في أيامه البنايات واتسع نطاق البناء فيها، ولكنه اشتهر بظلمه واضطهاده للمسيحيين اضطهادا شديدا اضطرهم للمهاجرة إلى الأقطار البعيدة ليخلصوا من ظلم هذا الحاكم المستبد، ولكن أحكامه كانت صارمة جدا حتى اضطر حاكم بريطانيا رغما عن حلمه ومحبته للمسيحيين أن يثير عليهم عواصف الاضطهاد، فاضطروا للمهاجرة إلى اسكوتسيا وهي قريبة منهم، وأدخلوا إلى تلك البلاد النصرانية وعلم البناء. وهم الذين أقاموا فيها تلك البنايات الهائلة الضخمة القائمة حتى الآن تسخر بعواصف الأرياح، فلا ينالها نائلة، وهي بمعزل عن طوارق الأيام وتوالي الحدثان؛ بنايات تدلنا صريحا على ما كان عليه هؤلاء الجهابذة من التقدم والفلاح في معارج الفضل والنجاح، وبقي من البنائين في رومية عدد قليل جدا من الذين لبثوا في جهالتهم ولم يعتنقوا الديانة المسيحية فأخذ البناء في رومية يسير القهقرى، ولم ينشأ في ذلك العهد شيء يستحق الذكر.
سنة 301ب.م:
اشتهر أتانيوس النقاش البيزنطي في رومية بجليل أعماله.
قسطنطين الكبير والمسيحيون
سنة 313ب.م:
هدأ الاضطهاد على المسيحيين وعادت إليهم أمنيتهم وراحتهم بأوامر قسطنطين الكبير الذي أصدر أمرا بجعل الديانة المسيحية ديانة المملكة العمومية، ومن لم يقبلها تنزع عنه الحقوق الرومانية، ويعد كأجنبي في البلاد.
سنة 323ب.م:
أنشئوا أول كنيسة في لاتران.
سنة 325ب.م:
صادق مجمع نيقية المنعقد هذه السنة على جعل الديانة المسيحية ديانة المملكة، كما أمر قسطنطين فبدأت الماسونية تزداد رفعة يوما عن يوم والشعوب تتقاطر إلى الانتظام في عقدها الثمين.
وإذ رأى مسيحيو رومية ذواتهم آمنين، ولم يعد ثم شيء يروعهم أو يثير قلقهم؛ لأن الملك نفسه كان معتنقا ديانتهم مجاهرا بنفسه حاميا لهم بعد الله عظيما نشطوا من عقال خمولهم وشمروا عن ساعد جدهم واجتهادهم بهمة شماء لا تعرف الملل ولا يعروها الكلل لبناء الكنائس، وفي مدة وجيزة حولوا كل الهياكل الوثنية إلى كنائس أنيقة، وأقام الملك قسطنطين الكبير كنيسة في الفاتيكان خصصها باسم القديس بولس تذكارا لنصره المجيد على مكسانتيوس والأعجوبة الفائقة التي ظهرت له، وفي تلك السنة أقام الشعب تمثالا لإكرام هذا الملك العظيم الشأن.
سنة 330ب.م:
جعل هذا الملك الذي اعتاد المسيحيون على تلقيبه بالكبير والعظيم البيزنطية مركزا لملكه ودعاها القسطنطينية باسمه فتألبت الماسونية في أيامه شديدا لإنجاز الأعمال العظيمة التي عزم على إنشائها، وكانت كنيسة أجيا صوفيا التي أمر بإنشائها سنة 326 أول كنيسة بنيت في القسطنطينية وأنشئت مدرسة أخرى لطائفة البنائين وامتزج الخط الروماني واليوناني بالخط العربي، ونشأ عن هذا الامتزاج الخط البيزنطي الذي لم يظهر بكل أبهة وعظمة قبل الجيل الثامن.
وكان هذا الملك الذي اعتنق النصرانية قد أمر أن يتخذ علامة الصليب شعارا للكنيسة وعلامة فارقة للألوية التي تتقدم جيشه، ولكي يزين عاصمته الجديدة أرسل فاستجلب من رومية وأثينا ورودس وصاقس وقبرس وسيسيليا وإيطاليا كل ما فيها من الآثارات الجميلة والزخارف البديعة الصنع، وهذه كلها أدخلها إلى مملكته لتبقى فيها بعد ذلك لا ينازعها منازع ولا يعارضها معارض.
وكان البناءون المسيحيون الذين هربوا من الاضطهاد ولجئوا إلى سوريا والبلاد العربية يشيدون الكنائس إتماما للأوامر المعطاة لهم من قسطنطين الملك. وفي زمن وجيز أصبحت أورشليم وبعلبك وبيت لحم وأنطاكية أماكن تضرب بعظمتها الأمثال لكثرة ما شيد فيها من البيع والكنائس وشيدت كنيسة القبر المقدس في أورشليم بذلك الوقت.
سنة 340ب.م:
ازدادت الماسونية رفعة وإعزازا في البيزنطية (القسطنطينية) التي أصبحت مهدا لها ومحطا لرحالها، ولم تمض على هذه المدينة عشر سنوات وهي عاصمة البلاد حتى شيد داخل أسوارها ثلاثة وعشرون كنيسة عظيمة عدا الكنائس الصغيرة .
تشتت الماسون
سنة 355ب.م:
حكم الإمبراطور جوليانوس على غاليا فأمر بتشييد هيكل عظيم في باريزي التي جعلها عاصمة بلاد غاليا ودعاها باريس، وذلك بعد انتصاره على الفرنك وأمر بتشييد كنائس عديدة مكان الهياكل الوثنية.
سنة 380ب.م:
كانت البلاد عرضة لهجمات الأعداء الجرمانيين الذين كانوا يهددونها من كل جهة ومكان، فتفرقت الماسونية وطرأ عليها عامل التشتيت فلجأت إلى الأديرة لتنجو من الهلاك المحيق الذي كان يهددها، وهناك أخذ عنها الرهبان أسرارها وحفظوها عندهم طويلا.
سنة 410ب.م:
ظل الاسكوتسيون يهددون الرومانيين في أملاكهم البريطانية ويشنون الغارة عليهم من يوم إلى آخر فيهدمون المعاقل والحصون والبناءون يشيدونها، ولكن عددهم لم يكن كافيا ليردع هجمات الأعداء العديدين فارتأى الرومانيون أن يتخلوا تماما عن تلك البلاد ويخلونها وشأنها وهكذا فعلوا.
وإذ رأى البناءون أنفسهم وحيدين لا دولة لهم تحميهم ويتمتعون بامتيازاتهم هاجروا إلى بلاد الغال واسكوتسيا وأدخلوا إليها الديانة المسيحية وعلم البناء محافظين تمام المحافظة على التقاليد القديمة التي تلقنوها، والتي عليها تأسست محافلهم.
مساعدة الباباوات للماسون
سنة 430ب.م:
فرغما عن المساعدات العديدة التي أحرزتها الماسونية وعضد الباباوات لها لم تعد تظهر كالأول في مظاهر عظمتها؛ إذ إن هجمات البرابرة، والذين عاثوا في إيطاليا فسادا أبدلوا عظمة رومية وحسن رونقها بالهوان.
ولكن لكثرة ما اجتهد الباباوات في هذا الأمر واهتموا بهذا الشأن أخذت تسير إلى الأمام شيئا فشيئا، وهدمت الهياكل الوثنية الأنيقة وأخذت منها زخارفها، وشيدت بها كنائس لعبادة المسيحيين.
البرابرة ورومية والماسون
سنة 455ب.م:
هاجم البرابرة رومية ثانية تحت قيادة جانسيريك
Genséric
وهدموا كل ما فيها من المباني العمومية الجميلة، وهذا العمل أضر بالماسونية كثيرا، ولم تنشأ بناية جديدة في تلك البلاد مدة مديدة.
سنة 476ب.م:
هاجم البرابرة رومية للمرة السادسة في قرن واحد، وكانت مهاجمتهم الأولى تحت قيادة الإريك سنة 410 وجنسيريك سنة 455، وهذه السادسة بقيادة أدواكر
Odoacre ، وكانت هذه أشد الضربات وأثقلها على البلاد الرومانية، فهدمت الهياكل ودمرت البلدان، وتشتت جماعات البنائين، ورزئت البلاد رزءا عظيما.
ورأى البناءون هذا البلاء فاجتنبوه كي لا تدرس صناعتهم الشريفة فهاجروا إلى أربعة أقطار العالم فساروا إلى اليونان ومصر وسوريا، حيث شادوا الأماكن العظيمة والهياكل الأنيقة.
سنة 500ب.م:
ولبثت الماسونية في رومية خاملة حتى هذا العهد فظهر بعض شتات من تلك الجمعيات العظيمة فشمروا عن ساعد جدهم واجتهادهم وتألبوا يدا واحدة واعتصبوا فكرا واحد ليعيدوا للماسونية شرفها الأول وعظمتها الأولى، فشيدوا الهياكل وبنوا بعض كنائس عظيمة.
همم الماسونيين
سنة 525ب.م:
اقتدت غاليا برومية وقام البناءون فيها بهمة شماء وهدموا الهياكل الوثنية التي لبثت قائمة، رغما عن هجمات الأعداء، وشيدوا مكانها كنائس عظيمة جدا. وفي زمن تسلط شيلديريك من سنة 460 إلى سنة 481 وكلوفيس من سنة 481 إلى سنة 511، وكلوتير من سنة 511 إلى سنة 561 ظهرت الماسونية بأبهى حلل جلالها وجمالها، وأعيدت لها كل الامتيازات والحقوق الرومانية التي كان نوما بومبيليوس قد منحها إياها.
الماسون في الشرق
سنة 530ب.م:
تقدمت الماسونية في سوريا تقدما عظيما، فأقيمت المدن والهياكل والمباني العمومية الكثيرة، واستدعت الدولة الساسانية التي كانت مالكة إذ ذاك على الفرس هؤلاء الجهابذة إلى بلادها ليشيدوا معالمها ويقيموا حصونها وقلاعها ويبنوا هياكلها ومعابدها، وامتزج هناك الخط اللاتيني والبيزنطي بالخط الفارسي وأصبحت الماسونية على درجة من العظمة لا تنازع.
اشتهر المهندس النقاش أنتيموزيوس والنقاش أيزيدور دي ميللي في هندسة ونقش كنيسة أجيا صوفيا في القسطنطينية وهي الكنيسة العظيمة التي كان قد بناها قسطنطين سنة 326 كما تقدم.
بعد احتراق كنيسة أجيا صوفيا التي كان أنشأها قسطنطين الكبير قام القيصر بوستينيانوس الأول وأمر البنائين بتشييدها ثانية، وكان عدد الذين اشتغلوا بهذا البناء العظيم مائة أستاذ، ولكل أستاذ مائة تلميذ، وكان خمسة آلاف عامل يشتغلون في الجهة اليمنى وخمسة آلاف في الجهة اليسرى، وانتهت بعد ستة عشر عاما من بدء العمل بها، وحين نجز بناؤها ضحى الملك ألف ثور وعشرة آلاف كبش وستمائة غزال وألف خنزير وعشرين ألف دجاجة وثلاثين ألف كيل حنطة وزعت هذه كلها على الفقراء. وإذ كان قد صرف على بنائها مبالغ طائلة التزم أن يجعل ضرائب على الشعب ليخفف أثقال المحن التي ألمت به لهذا السبب، وكان كما قيل قد صرف 452 قنطارا ذهبا، ولم تعل هذه البناية الجسيمة سوى بضعة أمتار فقط.
وعندما افتتح محمد الثاني القسطنطينية حول هذه الكنيسة إلى جامع، وهو أشهر الجوامع في البلاد الإسلامية من حيث العظمة والاتساع.
سنة 557ب.م:
ذهب أوستين
Austin
وهو راهب من رهبان ماري مبارك إلى بريطانيا ليبشر الأنكلوساكسون ويدعوهم إلى الديانة المسيحية، وإذ كان بارعا في النقش رأس جماعة البنائين وحرك فيهم عامل النشاط ونشل الماسونية من وهدة الخمول التي ألقتها فيها الحروب الأخيرة.
سنة 580ب.م:
كانت الجمعيات الماسونية في بريطانيا قليلة العدد لا تفي بالمطلوب منها من إنشاء المباني العظيمة، فكان الكهنة يذهبون من يوم إلى آخر قاصدين رومية بدعوى استجلاب الآثارات الثمينة منها، ولكنهم كانوا يقصدونها ليأتوا بالبنائين ليجعلوا بريطانيا زاهية زاهرة، وكان البعض الآخر الذين يرأسهم الأسقف ويرموث
Wermuth ، فذهبوا إلى غاليا واستصحبوا معهم عددا غفيرا أحلوهم بريطانيا.
سنة 600ب.م:
أنشئت كاتدرائية كنتربري وبعدها بسنتين؛ أي سنة 602، أقيمت كاتدرائية روشستر المشهورتان في إنكلترا.
سنة 604ب.م:
شيدت كاتدرائية ماري بولس سنة 604 في لوندرة وكاتدرائية سان جان دي ونشستر سنة 605.
الماسونية والرهبان
سنة 610ب.م:
توفي أوستين الأستاذ الماسوني الشهير الذي سمي بعد قديسا باسم أوغسطينوس.
سنة 611ب.م:
اشتهر ببنت كاهن ويرال مفتش البنائين العام.
سنة 620ب.م:
تحورت الماسونية عما كانت عليه قبلا، ولكنها لبثت محافظة على قواعدها وشرائعها الأصلية، فكانوا يدعونهم في إيطاليا مدارس البنائين أو النقاشين، وفي غاليا إخوة بنائين، وفي بريطانيا بنائين أحرارا؛ نظرا للامتيازات التي أحرزوها، وكانت كل هذه الجمعيات مرءوسة من أستاذ أعظم ورؤساء، وكانوا يدعون الرئيس المحترم، وكان هذا تارة كاهنا فيدعى إذ ذاك الأب الرئيس المحترم، وأخرى غيره فيدعى الرئيس المحترم.
سنة 660ب.م:
فكانت الماسونية كل مرة ترى ذاتها مهددة من الاضطهادات أو الحروب الوطنية تلجأ إلى الأديرة، حيث تحتمي وترى ملجأ أمينا وحرزا حريزا، وكأن الرهبان رأوا فضل هذه الجمعية وعظم تعاليمها فانتظموا بأجمعهم في سلكها، وأقبلوا على درسها والتمعن بها حتى إنهم بمدة وجيزة نبغوا فيها وصاروا آية في التفنن الذي يبهر العقول. وقد نشأ من هؤلاء رجال عظام كالقديس إلوا
Eloi
أسقف نوايون سنة 659ب.م والقديس فيرول النقاش أسقف ليموج
Férol Limoges ، والقديس دالماك النقاش أسقف رودس واغر يقولا النقاش أسقف شالون من سنة 680 إلى سنة 700ب.م، وغيرهم من الجهابذة العظام الذين شادوا البنايات الضخمة في غاليا وبريطانيا.
سنة 680ب.م:
أمست الماسونية في بريطانيا بعد وفاة أوستين بلا رئيس لها، وكان كنرد ملك موريسيا حامي البنائين في بريطانيا ينشطها كثيرا لتقوى وتصبح على درجة عظيمة من الفخر والصولة، فعين الأب بنت أسقف ويرال مفتشا عاما للماسونية ومديرا لأعمالها، ولكنها مع ذلك لبثت في تأخر نحو جيل.
سنة 685ب.م:
أحرز البناءون الذين هاجروا رومية وأتوا إلى الشرق واستوطنوا القسطنطينية شهرة عظيمة، فكانوا يستدعونهم إلى كل الجهات من الفرس وبلاد العرب وسوريا، حتى إن الخليفة الوليد بن عبد الملك استدعى قسما منهم ليبنوا له جوامع في المدينة ودمشق وأورشليم.
نجاح الماسونية في بريطانيا
سنة 700ب.م:
وصلت الماسونية في بريطانيا إلى درجة من الكمال رفيعة، فكانوا يشيدون الكنائس على نمط اسكوتسيا المنيع وفضل قسم منها تخصيص نفسه لدرس البناء الاسكوتسي وتحسينه ورأوا وجوب الاجتماع في محل خاص بهم ليمارسوا هذه المهمة فاختاروا لذلك وادي غلانبيك في شرق اسكوتسيا الشمالي المقابل لجزيرة سكاي، وهناك كانوا يلتئمون ويقررون ما يجب إجراؤه.
سنة 720ب.م:
أوقفت هجمات العرب طويلا الماسونية عن التقدم في غاليا، وبقيت هكذا لا تأتي بشيء يذكر حتى أواسط هذا القرن.
سنة 740ب.م:
طلب ملوك الساكسون من شارل مارتل ملك غاليا إرسال بنائين إلى بريطانيا لينظروا في تقدم هذه الصناعة هناك.
الماسونية في البلاد العربية
سنة 750ب.م:
أزهرت الماسونية في بغداد كثيرا أيام تسلط الخلفاء العباسيين، فكانت بلاد العرب مظهر التمدن ومهد العلوم ومحط الصنائع والفنون، وبعد سقوط القياصرة من الغرب انتقل البناءون إلى سوريا وبلاد العرب، وساعدوا كثيرا بصناعتهم وعلومهم على تقدم الماسونية في بلاد العرب.
سنة 775ب.م:
دخلت البناية العربية إلى إسبانيا في عهد الخلفاء الأمويين، فكانت البنايات تشيد تحت مراقبة الجمعيات الماسونية واستدعى الخلفاء كثيرا من البنائين من بغداد وأحلوهم كوردو التي بناها الرومان سنة 252ق.م فأنشئوا بنايات عظيمة وبلدان كثيرة وجوامع أنيقة كلها على النمط البيزنطي، واشتهرت قرطبة في ذلك الزمان بصناعتها وعلومها وتقدم البناء فيها فقصدها البناءون من سائر أنحاء العالم.
وإذا كانت أعمال هذه الجمعية وأسرارها مجهولة التزمت أن تحور قليلا من قوانينها وشرائعها قبل أن تمتد في البلاد لتوافق طبائع الأهالي وآرائهم، وكان المسلمون في ذلك العهد ذوي سطوة عظيمة، وكان تقدمهم في التمدن والحضارة عظيما لا ينازع، وانضم كثيرون منهم إلى البنائين.
وفي زمن تسلط عبد الرحمن الأول الذي اشتهر بغناه المفرط ومحبته للعلوم والصنائع كانت إسبانيا التي دعيت منذ ذلك العهد أندلسا زاهية زاهرة بعلماء أعلام، وأصبحت كوردو محط رحال علم البناية، فكان يتقاطر إليها الطلبة من أربعة أقطار العالم ليقتبسوا من سناها ويتدربوا على النمط الأندلسي الذي أنشئ في ذلك العهد.
الماسونية في فرنسا وبريطانيا
سنة 780ب.م:
عادت الماسونية فأزهرت في فرنسا أيام تملك عليها شارلمان الذي عرفت محبته للعلوم وتنشيطه للصنائع والفنون واستدعى من لومبارديا كثيرا من البنائين الذين دعوا ناحتي الحجارة.
ألفرد الكبير
سنة 875ب.م:
تملك على بريطانيا أشهر ملوك السكسونيين، وهو ألفرد الكبير أو الأعظم فامتدت الماسونية في أيامه امتدادا عظيما، وأنشئت الكنائس والقصور والمعالم والحصون، ورممت المباني القديمة التي كان حرقها الدانوان
Danois
في حربهم مع السكسونيين، ودعي ألفرد الكبير حامي الماسونية في بريطانيا.
ولد ألفرد الأعظم سنة 849 مسيحية، وجلس على كرسي الملك سنة 871، ولم يكن هو الوارث الحقيقي للملك، بل ابن أخيه أثلولد الذي كان لا يزال حيا يرزق، وقد اختاره أعيان مملكته لاحتياجهم إليه في ذلك الزمان، فحارب الدنيمارك برا وبحرا وانتصر عليهم مرارا.
وكان ماسونيا عاملا فأحيا الصناعة وحصن بلاده فبنى فيها القلاع المنيعة واهتم بالبنائين اهتماما خصوصيا واعتنى بالمعارف فوضع للمدارس قوانين ونظامات وألف كتبا متنوعة للتعليم وجعل بيته كمدرسة للاستفادة وفرض على أشراف وطنه وجوب تعليم أولادهم، وأسس مدرسة أكسفورد الشهيرة.
وكان يقسم يومه ثلاثة أقسام؛ الأول للصلاة والمطالعة، والثاني للنظر في شئون مملكته، والثالث للنوم والراحة والطعام، وكان ينير الشمع فيحسب احتراق كل قيراط من الشمعة بعشرين دقيقة ويجري في عمله على هذا القياس، ووضع قانونا لبلاده بغاية الصرامة والعدل، ولم يسبقه إلى مثله أحد في ضبط الأراضي الإنكليزية وحافظ على السلام حتى اشتهرت أيامه بالأمن. ولقب بالكبير لعظمة أعماله، وتوفي في فارندون بولاية يوركشير ودفن في ونشستر (انظر ترجمته في كتابنا «الجوهر المصون في مشاهير الماسون»).
وتولى بعد «ألفرد الكبير» ابنه «إدوارد» الملقب بالأكبر، وذلك سنة 901، وهو أول من دعي ملك إنكلترا، وكان يدعو نفسه أحد ملوك سكسونيا الغربية، وقد أسس مدرسة كمبردج الجامعة وخلف أولادا كثيرين. وبعد وفاته سنة 925 تولى ابنه «أثلستان» الملك، وكان من مشاهير الماسون، وقد ترجم الكتاب المقدس في أيامه وانتشرت الماسونية انتشارا مهما. انظر ترجمته في كتابنا «الجوهر المصون في مشاهير الماسون».
سنة 876ب.م:
اشتهر القديس سوينين الذي كان كاهنا ونقاشا في بريطانيا ... إلخ.
سنة 900ب.م:
سمي إثلورد
Ethelward ، وصهره إثرد
Ethred
اللذان نبغا في صناعة النقش مراقبين لطائفة البنائين.
انتشار الماسونية من بريطانيا في العالم
سنة 925ب.م:
أخذت المدن البريطانية تنشئ كل واحدة محفلا خاصا لها، ولكن وجد رغما من قوانينها وشرائعها القاضية عليها بالوفاق التام والاتحاد المكين والمحبة العظمى تراخ في هذه الأمور، ولم تعد العلائق كالأول متينة، وكان المسبب لهذا الانقسام الحروب الداخلية التي دامت خمسة أجيال، وقسمت المملكة البريطانية بسببها إلى أقسام جعل عليها ملوك مستقلون مما لا دخل لتفصيله في هذا الكتاب، وما أشرنا إليه إلا لسبب الخسائر الماسونية واحتراق أوراقها التي كانت محفوظة إلى ذلك العهد، وفي مدة ملك ألفرد الكبير الذي ذكرناه سابقا، وابنه إدوارد الأكبر الذي عين أخاه إثلورد وزوج أخته إثرد مراقبين للبنائين زهت الماسونية وتقدمت لأن إثلورد كان عالما بارعا ونقاشا ماهرا، وهو الذي بمعرفته بنيت كلية كمبردج وغيرها من المباني الفخيمة.
سنة 924ب.م:
ولما توفي إدوارد سنة 924 وتولى الملك بعده ابنه أثلستان سنة 925 مسيحية كانت الماسونية قد انتشرت في سائر الأنحاء، فحافظ أثلستان على مبادئها وجعل مركزها العمومي في مدينة يورك، وكان هذا الملك محبوبا من جميع رعاياه وموقرا من كبيرهم وصغيرهم حتى كان للجميع على اختلاف طبقاتهم كأخ وصديق فجاءه أمراء المملكة ونواب الأمة والأمراء الموالون له من أوروبا كلها بالهدايا الثمينة والتحف النفيسة علامة حبهم واحترامهم له فكانوا يفاخرون به وبآدابه وعدله وبره في رعيته والتاريخ الإنكليزي الماسوني يمدحه ويطنب في مديحه كل الإطناب، وفي تلك الأثناء أدخل أخاه أدون في الماسونية.
أثلستان وأخوه البرنس أدون
1
الأستاذ الأعظم
ولما كان أثلستان ملكا، وكانت حقوق الملك تستدعيه إلى القيام بواجباته ووقته لا يسمح له بالاجتماع مع الماسون كثيرا عين أخاه البرنس أدون رئيسا على الماسون ورسم له الخطة التي ينبغي أن يسير بموجبها وأمره أن يعقد كل سنة اجتماعا حافلا في مدينة يورك، ودعا المحفل الماسوني هناك المحفل الأعظم الذي يحمي بقية المحافل الماسونية التابعة له.
سنة 929ب.م:
في هذه السنة انتخب البناءون البرنس أدون رئيسا للمحفل الأعظم نظرا لأهليته ولياقته وما نظروا فيه من حسن الشمائل وحميد الخصال، فبذل غاية جهده لإنجاح الماسونية وشغل كثيرين ببناء الكنائس والمعابد وترميم المباني التي خربت أثناء الحروب مع الدانيين وغيرهم من الأمم المتوحشة ووالى الاجتماع مع الماسون، فأزهرت الجمعية في أيامه.
واستدعى أدون سائر رؤساء المحافل المعروفة في ذلك الزمان إلى مدينة يورك وعقد مجمعا ناب فيه كل رئيس عن محفله وقدم له أوراق كثيرة وبقايا عن الماسونية باللاتينية واليونانية ولغات أخرى مختلفة، وبحث الإخوان الموجودون في ذلك المجمع عن الماسونية وماهيتها وتاريخها، وتناقشوا في توحيدها وقرءوا الأوراق التي لديهم كلها فاستخلصوا منها شرائع وقوانين ماسونية أساسية سموها «لائحة يورك»، كما ترى في [الباب الأول، الفصل السادس] من هذا الكتاب، وتعهدوا بعضهم لبعض بحفظها والسير بموجبها (اقرأ ترجمة أثلستان وأدون في كتابنا «الجوهر المصون في مشاهير الماسون»).
سنة 930ب.م:
بعد تنازل كونراد ملك جرمانيا عن الملك لخصمه هنري الأول الذي كان أميرا لساكسونيا وصار ملكا على جرمانيا طلب هنري جماعة البنائين من بريطانيا ليبنوا له الكنائس والأسوار والقلاع ونحوها، فساروا إلى هناك جماعة بعد أخرى على توالي الأيام والسنين وشيدوا كاتدرائية مكديورغ وميسين ومرسبورغ وغيرها.
قصر الحمراء بالأندلس
سنة 936ب.م:
بدأ البناءون من العرب بإنشاء قصر الحمراء في الأندلس زمن تسلط الأمير عبد الرحمن، وكان هذا القصر أنيقا عظيما مشيدا على أربعة آلاف وثلاثمائة عمود من الرخام الثمين الناصع البياض، وقد استحضر عبد الرحمن أمهر البنائين من بغداد والقسطنطينية وباتحادهم مع بنائي بلاده أتموا بناء ذلك القصر الملكي الدال على مهارة البنائين وكرم الأمير.
سنة 938ب.م:
في هذه السنة توفي البرنس أدون الأستاذ الأعظم للماسون المذكور آنفا، واختلف المؤرخون بسبب وفاته، فذكروا أمورا كثيرة الإضراب عنها أولى من ذكرها؛ لأنها غير مثبتة ولا تصدق عن الشهم الفاضل الملك أثلستان الذي اتهم بقتله لسماعه أنه تآمر على خلعه من الملك، ولا يعقل أن أخا فاضلا عالما يأمر أتباعه أن يأخذوا أخاه بمركب ويجوعوه حتى من عزة نفسه يلقي ذاته في البحر فيموت غرقا. والروايات الكثيرة التي ذكرت عن موت هذا الفاضل وسيرة أثلستان المبرورة تنفي هذه التهمة ، وقد تبرأ صاحب التاريخ الماسوني الإنكليزي من تصديق هذا الخبر، ولام الذين دونوه ونفاه، وقال: إنه ليس لدينا خبر أكيد ولا التواريخ بينت كيف مات أدون، ولكننا نعلم أنه بعد وفاته عاد أثلستان فتولى الرئاسة العظمى على الماسون مكان أخيه، وقد كان الحزن عاما على أدون اللطيف الهمام.
سنة 940ب.م:
وفي أيام الملكة برتا
Berthe
ملكة برغونيا
Bourgogne
التي قصدت إحياء معالم بلادها وبناياتها بعد الحروب التي حدثت فيها استدعت من إنكلترا معلمين وصناع من الماسون، وبأمرها برئاسة ماكنتري رئيس الشغل الاسكوتلندي الماهر بنوا كنائس وأديرة ومحلات من أعظم بنايات ذلك الزمان، وأكثر هذه الأعمال العظيمة كانت بإدارة الأب ماجولس دي كلوني
Majolus de Cluny
فشيد دار أسقفية وكنيسة البنيدكتن في بايرن
، وفي هذا العهد انتشرت الماسونية من إنكلترا إلى بقية العالم، وكانوا يسمون أنفسهم إخوة ماري يوحنا.
سنة 941ب.م:
في 25 أكتوبر (ت1) من هذه السنة توفي الملك أثلستان في غلوسستر فحزنت الأمة عليه عموما والبناءون خصوصا، وفي ترجمة حياته بكتابنا «الجوهر المصون» الكفاية عنه. وبعد وفات أثلستان تشتت الماسون واضطربت أحوالهم ولم يشتهر أحد سوى ماكنبري البناء الاسكوتسي والنقاش الماهر، وبقيت الماسونية متأخرة، وتولى الملك بعد أثلستان إدمند بن إدورد الأكبر سنة 941، وهذا حارب الدنيماركيون، وانتصر عليهم وقتل سنة 946 وهو يتعشى، فتولى الملك أخوه إدورد، وتوفي في ونشستر سنة 955، وتولى مكانه أدوي بن إدمند حفيد أثلستان فثار أهل مرسيا ونوثمبريا عليه (أدوي) لسوء أدبه فأنزلوه عن الملك، وأقاموا مكانه أخاه إدغر سنة 958، ومات أدوي حزنا سنة 959.
سنة 959ب.م:
اشتهر دونستان (القديس دونستان) رئيس أساقفة كنتربري الذي كان رئيسا أعظم للماسون، ومن بعد موت أثلستان إلى هذا التاريخ كانت الماسونية منحطة؛ لأنها لم تلق عضدا، ومع أن دونستان لم شعثهم وشغلهم في بناء بعض المعابد لم ينجحوا (انظر ترجمة دونستان ب «الجوهر المصون»).
سنة 960ب.م:
هاجر كثيرون من الماسون إلى ألمانيا وغيرها ودعوا أنفسهم إخوة ماري يوحنا، وظلوا بهذا الاسم في ألمانيا.
سنة 975ب.م:
وتوفي إدغر سنة 975 وبقيت الماسونية منحطة إلى أوائل الجيل العاشر.
الفصل الثالث
الماسونية العملية من سنة 1001 إلى سنة 1717 بعد المسيح
عصر الظلمات
سنة 1001ب.م:
زعم الناس في هذا العصر أن الألف سنة المذكورة في الكتاب المقدس مضت، وأنه سيأتي المسيح الدجال، ويملك سنتين ونصف، فلا يسلم العالم من شروره فتهلك الدنيا بما فيها وينبعث الموتى من قبورهم ليحضروا يوم المشهد العظيم، فاضطربت الأحوال وتأخرت الأعمال واعترى العالم الغربي خمول عظيم، فتفرقت الجمعيات وترك الناس الصنائع والفنون، ولم يعد أحد يهتم في بناية ليشيدها، وكانت البنايات تتلاشى، وما من آسف عليها يجدد بناءها، وتقهقرت أوروبا كلها وبقي البناءون بلا عمل فوقعوا في الرزايا والضيقات.
وظلت بعض المدارس في لومبارديا وبافيا وكوم، كما كانت في السابق ولم تقفر من الطلاب، وكان العلماء الذين فيها يدرسون الفلك والطبيعيات حتى نبغوا فيها، ولم يشاركوا الشعب في أفكارهم وتخميناتهم، وكانوا يعلمون أسرارهم وتعاليمهم لطالبي الانتظام في سلكهم.
سنة 1003ب.م:
هدأ الاضطراب في هذه السنة، وابتدأ دور التمدن والحضارة في الغرب، وصار الناس يقبلون أفواجا للانضمام إلى جماعة البنائين، وزال ما ألم بالمسيحيين من الخوف والرعشة، فعادوا إلى أعمالهم ساخرين بجبانتهم السابقة، وشمروا عن ساعد الجد والاجتهاد لتعويض ما خسروه أثناء السنين الماضية. وسنة 1005 جدد البناءون بناء كل الكنائس والمعابد التي كانت من خشب فهدموها وشيدوا مكانها غيرها ذات متانة وفخامة.
الماسونية في لومبارديا
سنة 1010ب.م:
وفي السنة الألف والعشرة بعد المسيح كانت المدارس التي في لومبارديا لا تزال زاهرة، وكانت لومبارديا في ذلك العهد مهد التمدن ومركز الحضارة، ولبثت على ما كانت عليه رغما عن الحروب الداخلية والاضطرابات والقلاقل، ودامت مدارس البنائين محافظة على تعاليمها وقوانينها واعتقاداتها واتخذت لها اسم الجمعية الحرة، فأتاها عدد عديد من الإكليروس ليدرسوا علم البناء ويتضلعوا فيه.
وكانت مدرسة كوم أشهر هذه المدارس وأعظمها، وكان يأتيها البناءون من سائر أنحاء العالم، وخصوصا من إسبانيا واليونان لاكتساب أشياء جديدة منها مما كان أساتذتها يتفننون به وما استنبطوه من النوع الجديد الذي كان في غاية من الجمال، وقد سموه رومان
Roman .
سنة 1040ب.م:
في هذه السنة امتدت الماسونية امتدادا عظيما، وفي مدة وجيزة ازدانت إيطاليا كلها ولومبارديا، خصوصا بالكنائس والمعابد وغصت البلاد بجماعة البنائين حتى ضاقت عليهم بما رحبت فتألبوا يدا واحدة ليروا إلى أمرهم مصيرا فقر رأيهم أن يتفرقوا جماعات إلى بلاد أخرى غريبة يبثون فيها روح التعاليم الماسونية، واجتمع جماعة كبرى منهم، وألفوا جمعية عظيمة ليذهبوا ويجوبوا العالم المسيحي فيشيدوا الكنائس والأديرة ومحلات العبادة، وطلبوا من البابا أن يمنحهم امتيازاتهم القديمة ويساعدهم على إتمام هذا العمل المجيد، فخولهم ما طلبوا وزاد عليه أن خصصهم وحدهم ببناء الكنائس والأديرة وأعفاهم من الضرائب التي كانت موضوعة على الشعب وحفظت لهم هذه الامتيازات مرعية الجانب من جميع الشعوب وسائر الملوك.
الملك إدورد المعترف
Edward the Confessor
سنة 1042ب.م:
ولد هذا الملك سنة 1004ب.م في أسلب كونتية أكسفورد، وجلس على تخت الملك سنة 1042، وتوفي في 5 يناير سنة 1066، وله ترجمة في كتابنا «الجوهر المصون في مشاهير الماسون». وقد رأس الماسونية في أول ملكه فنبذ كثيرا مما لم ير له لزوما في الجمعية، وأعاد لها رونقها فرمم كنيسة وستمنستر الشهيرة التي يتوج ملوك إنكلترا فيها الآن، وساعده لفريك أرل أف كوفنتري
Leofrieq of Coventry
في أعماله الماسونية فأقامه إدورد رئيسا أعظم على الماسون فأتم هذا الأرل بنايات عديدة، وكان إدورد حاميا للماسونية كل تلك المدة.
سنة 1060ب.م:
في هذه السنة تفرق البناءون من لومبارديا فذهبوا إلى ألمانيا وفرنسا وبريطانيا وغيرها من البلدان والممالك، وباشروا أعمالهم فيها بالهمة والنشاط.
وليم الظافر
William the Conqueror
سنة 1066ب.م:
في سنة 1027 ولد وليم الظافر، وهو أول ملوك الدولة النورمندية، وحكم سنة 1066، ومات سنة 1107، وبعدما جلس على عرش الملك تتوج يوم عيد الميلاد في كنيسة وستمنستر وعين غوندولف
Gondulph
النقاش الشهير أسقفا على روشستر، وجعل روجر مونغميري أرل أوف شروبسري أستاذا أعظم للماسون فتقدمت في أيامهما الأعمال المدنية والحربية، واشتغل البناءون في قلعة لندن التي تم بناؤها في أيام وليم روفس الذي جدد جسر لندن بالخشب، وأقام قصر ودار وستمنستر سنة 1087.
وأمر وليم أن يهدموا الكنائس والمعابد القديمة ويشيدوا مكانها أخرى تكون أنيقة تفوق ما تقدمها وما عاصرها من البنايات في بريطانيا، وظهرت البلاد المسيحية في ذلك العهد بمظاهر واحدة من حب التقدم والعمران.
سنة 1080ب.م:
واشتهر في هذه السنة بيشيت نقاش كاتدرائية بيز، وفي هذه السنة دخلت طائفة من البنائين بلاد البلجيك واستوطنوها وأقاموا بها معابد وكنائس كثيرة. وأراد لفيك أسقف دونرشت أن يبني في بلاده كاتدرائية عظيمة فطلب من النقاش البارع بلبل
الهولندي، وهو أحد المشاهير في تلك الأيام، أن يرسم له خطة البناء فامتثل ما أمره ورسم ما طلب منه، ولكن الأسقف لم يكفه ما فعل، بل أراد أن ينتحل لنفسه فخر التشييد والبناء، بغير أن يترشح لدرجات الجمعية، ولكثرة ما وعد وتوعد ابن بلبل المذكور آنفا أطلعه جهلا منه على أسرار الصناعة ومكنوناتها ودربه في كيف يضع الأساس ويشيد البناء، وكانت أسرار بناية الكنائس والمعابد محفوظة بغاية الضبط تحت طي السر العميق، فلا يجسر على الإباحة بها أحد.
ورأى بلبل كيف أن الأسقف خدع ولده وسرق منه الأسرار التي لا ينالها المرء إلا بكل صعوبة، فحنق أشد الحنق وعزم أن يحفظ هذا السر فقتل الأسقف.
واشتهر في تلك السنة ريمي دي فيكان الذي كان كاهنا ونقاشا.
هنري الأول ملك إنكلترا
سنة 1100ب.م:
سنة 1100 كان هنري الأول ملك إنكلترا حاميا للماسونية، وهو ثالث أولاد وليم الفاتح ولد سنة 1068 وتوفي سنة 1135، وفي مدة ملكه نال الماسون تمام الحرية، وكانت الاجتماعات الماسونية في عز نموها وحسن رونقها (انظر ترجمته في كتابنا «الجوهر المصون»).
سنة 1125ب.م:
في هذه السنة هاجر كثيرون من البنائين إلى ألمانيا، وكانوا يلقبون أنفسهم إخوة ماري يوحنا، ويدعون محافلهم محافل ماري يوحنا، وهذا اللقب قديم بين الماسون؛ لأنهم كانوا يدعون إخوة ماري يوحنا في بريطانيا في الجيل الرابع، وسببه أن الماسون قبل ظهور الديانة المسيحية كانوا يعيدون كل سنة في الانتقال الشمسي باحتفال عظيم، ولما انتشرت النصرانية بينهم ألغوا ذلك العيد واختاروا بدله عيد ماري يوحنا الموافق لعيد جانوس الإله الروماني الواقع في الاعتدال الشمسي في 24 يناير، ولم يحوروا سوى ما لا يوافق روح الديانة المسيحية، ومن هؤلاء نشأ جماعات ماري يوحنا الذين امتدوا إلى ألمانيا وعموا بريطانيا. واشتهر في تلك السنة «هنري دي بلوا» الذي كان كاهنا ونقاشا لكنيسة الصليب المقدس قرب ونشستر.
سنة 1135ب.م:
وسنة 1135 خلف «هنري الأول» ستيفن، وأشغل البنائين ببناء معبد في وستمنستر وغيرها فتم بناء ذلك في أيام غلبرت دي كلير
Gilbert de Clare
مركيز بمبروك سنة 1136 الذي كان في ذلك الوقت رئيسا أعظم للمحافل الماسونية الإنكليزية.
سنة 1150ب.م:
جاء البناءون من لومبارديا وأقاموا الكنائس والمعابد في إنكلترا وبنوا دير كلوينن (انظر [الباب الثاني، الماسونية العلمية، روبرت بروس الأول ملك اسكوتلندا]) الذي صار فيما بعد محلا لاجتماعهم.
سنة 1152ب.م:
اشتهر دجوتي سالفي نقاش كنيسة بيز.
هنري الثاني ملك إنكلترا
سنة 1152ب.م:
ولد هنري الثاني في مان سنة 1133 وحكم سنة 1154، وتوفي في شنيون سنة 1189، كما ترى في ترجمته ب «الجوهر المصون» مفصلا، وتولى حماية الماسون بنفسه، وكان أستاذا أعظم للبنائين ورئيسا أعظم للفرسان الهيكليين، ومن أخباره أنه اهتم بالهيكليين فأمرهم ببناء هيكلهم في فيلتستريت، وزهت الماسونية في مدة حكمه شأنها في أيام كل ملك حر يحب خير الإنسانية، وفي أيامه جعلت لندن عاصمة مملكة الإنكليز ولا تزال إلى الآن.
سنة 1175ب.م:
جاء فرنسا جماعة من البنائين وخصصوا أنفسهم لبناء الجسور (الكباري) وهم الذين بنوا جسر أفينيون سنة 1180، ثم بنوا كل جسور البروفنس واللورين. واشتهر في هذه السنة غيليوم دي سانس النقاش الإفرنسي الذي بنى كاتدرائية كنتربري.
رتشرد (ريكاردوس) قلب الأسد
سنة 1182ب.م:
ولد رتشرد الأول الملقب بقلب الأسد في أكسفورد في 13 سبتمبر سنة 1157، وحكم سنة 1189 بعد وفاة والده هنري الثاني السابق ذكره، وتوفي سنة 1199، وهو ثاني ملك لإنكلترا من عائلة بلانتاجنيت. ولما تولى الملك انتخبه جماعة الهيكليين الذين يدعون فرسان ماري يوحنا رئيسا عليهم وانتخبه الماسون أستاذا أعظم أيضا للمحافل البريطانية، وظل يسوس الجمعيتين كل حياته. وفي أيامه جاءت طائفة من البنائين السوريين إلى أوروبا لرواج الأشغال فيها واتساع نطاق الأعمال وساعدوا في بناء كنيسة في فيلتستريت. وظهر من هيئة البناء أن هذه الجمعية حافظت على كل التعاليم والتقاليد الرومانية التي تعلموها بغير تغيير، وكان رتشرد عاضدا لهذه الجمعية بكل إمكانه وفي ترجمته بكتابنا «الجوهر المصون» ذكر أخباره وحروبه الصليبية مع السلطان صلاح الدين الأيوبي وغيره.
سنة 1199ب.م:
ولما توفي رتشرد أوصى بالملك لأخيه يوحنا دوق مورتاني المولود سنة 1166 فتوج في وستمنستر سنة 1199 ملكا على إنكلترا. وفي ذلك العهد عين بطرس كولتشرش أستاذا أعظم للماسون فجدد بناء جسر لندن بالحجر، وتم بناؤه في أيام وليم الكمين النقاش الإنكليزي الشهير، وذلك سنة 1209.
سنة 1209ب.م:
وخلف بطرس كولتشرش بطرس ريوبيبس في الرئاسة على الماسون ونائبه في الرئاسة جيوفري فيتس بيبر الذي كان موكلا على أشغال الملك. وتحت عناية هذين الشهمين زهت الماسونية. وبقيت زاهية في حكم يوحنا سنستر الذي توفي سنة 1216، وهنري الثالث الذي ولد سنة 1207 وحكم سنة 1216، وتوفي سنة 1272.
سنة 1225ب.م:
ظلت لومبارديا مهدا لصناعة البناء ومحطا لرحال الطالبين الذين كانوا يتقاطرون من أربعة أقطار العالم ليقتبسوا من الماسونية تلك الأنوار التي أشرقت وأنارت العالم بأسره، وجاء البناءون البيزنطيون والذين تخرجوا من مدرسة كوردو ورأوا أعمال البنائين اللومبارديين وما يأتون من عجائب الصناعة، فعدلوا عن طريقتهم التي تكثر فيها الزخرفة والتنميق، ورأى اللومبارديون أن أعمالهم عطلة عن كل زخرفة وزينة، فأدخلوا إليها قليلا من أعمال أولئك فنشأ عن هذا الامتزاج طريقة جديدة دعوها الكوتيك
gothique ، وهي غاية في الرقة والجمال، وقبل هذا النمط فيما بعد في جميع بنايات الكنائس والأماكن المسيحية إلى القرن الخامس عشر.
سنة 1228ب.م:
اشتهر النقاشان روبرت لوزارخس ونوماس كورمون سنة 1220 إلى سنة 1228.
سنة 1234ب.م:
اشتهر جفتروي فتز بتر الأستاذ الأعظم.
سنة 1241ب.م:
اشتهر روبرت دي كوت نقاش كاتدرائية ريم التي بدئ بإنشائها سنة 1214، وانتهت سنة 1241.
سنة 1248ب.م:
اشتهر جيرار نقاش كاتدرائية ريم التي حرقت سنة 1248، وأعيد بنائها سنة 1248.
سنة 1250ب.م:
اشتهر إدي دي مونتريل النقاش الإفرنسي بإنشائه ستة مدارس.
سنة 1251ب.م:
دعا لويس التاسع ملك فرنسا (وهو القديس لويس) النقاش إدي دي مونتريل
Eudes de Montreuil
ليحصن ميناء يافا في سورية، وقد رافقه في سفرته هذه كثير من الإخوة البنائين.
إدورد الأول ملك إنكلترا
سنة 1272ب.م:
تبوأ إدورد الأول ملك إنكلترا أريكة الملك، وانتخب ولترجفرد أسقف يورك أستاذا أعظم للماسون، وغلبرت دي كلير أرل أوف كلوسستر نائبا له، ورالف لورد أوف مونت هرمر جد عائلة مونتاغيو وكيلا للأستاذ الأعظم. وهؤلاء النقاشون أتموا بناء كنيسة وستمنستر التي ابتدئ ببنائها سنة 1220، والكنيسة المدرسية التي في وستمنستر على اسم القديس استفانوس، وكان قد ابتدأ الملك إدورد بترميمها ثانية، وبقي الماسون يعملون فيها نحو سنتين، وليس لنا خبر حقيقي عن تمام بنائها، ولكننا نعرف أنه أثناء الحريق الذي حدث في وستمنستر حرقت هي أيضا، وليس ثمت خبر أن بناءها أعيد في عهد إدورد الأول؛ لأنه كان مشغولا بالحروب فلا وقت عنده ولا مال لبنائها.
سنة 1275ب.م:
اجتمع الماسون من أربعة أقطار المعمور في ستراسبورج بناء على طلب الأخ أروين دي ستينباخ
Erwin de Stinbach
ليتذاكروا في أمر إتمام كاتدرائية ستراسبورج، فإنهم كانوا قد انقطعوا عن البناء فيها طويلا وقرروا أن تكون بنايتها أعظم من التي وضعت أولا؛ أي سنة 1015، فحضر الأساتذة إلى ستراسبورج، وهناك بنوا لهم محفلا وحلفوا اليمين المعظم أن يبقوا أبدا محافظين على القوانين والشرائع الماسونية، وأن لا يبوحوا لأحد بسر ما يأتونه من الأعمال المجيدة، وبنوا قرب الكاتدرائية المنوي إنشاؤها محفلا من خشب يجتمعون فيه ويقررون أعمالهم وانتخبوا أروين دي ستينباخ أستاذا لهم لأجل أتعابه ومكافأة عليها وخصصوا له نقل السيف بيده اليمنى، وأن يجلس على منبر عال عن الآخرين، وكان هذا الأخ مهندسا ونقاشا لكاتدرائية ستراسبورج التي بدئ بإنشائها سنة 1275. وشكلوا في ذلك الزمان إشارات يتعارفون بها، ويميزون بعضهم بعضا، وكان معظم هذه الإشارات والكلمات مأخوذ عن الطريقة البريطانية، فكان الأساتذة والمعلمون والتلامذة يتدرجون في المراتب كل منهم بحسب استحقاقه وأهليته، وكان لكل درجة من هذه الدرجات احتفالات وأعمال تمثل أعظم الأسرار الماسونية (انظر [الباب الأول، الفصل التاسع]).
سنة 1288ب.م:
اشتهر رينو دي كرمون نقاش كاتدرائية أميانس التي نجز بناؤها في هذه السنة .
سنة 1290ب.م:
اشتهر جان دي شيل النقاش الإفرنسي الذي بنى جزءا من كاتدرائية باريس.
سنة 1300ب.م:
توفي أرنولف دي لابو نقاش كاتدرائية فلورنسا.
سنة 1307ب.م:
وفي حكم إدورد الثاني
1
اشتغل الماسون في بناء كلية إكستر
Exeter
وكلية أوريل وكلية أكسفورد وكلية هول وكلية كمبردج وبنايات أخرى كثيرة تحت عناية ولتر ستابلتون أسقف إكستر الذي عين أستاذا أعظم سنة 1307.
سنة 1310ب .م:
نجز بناء كاتدرائية كولونيا العظيمة التي بدأ البناءون بإنشائها سنة 1248 وأهلت بعظمتها محفلا بناها إلى أعلى درجات العز وأسمى معارج الفخر، فصارت كولونيا مقرا للعلوم البنائية إليها كان يتقاطر البناءون أفواجا ليروا هذا العمل المجيد ويتفحصوه ورأى ماسون ألمانيا قصورهم وعجزهم عن الإتيان بمثله فأقروا برئاسته ودعوه المحفل الأعظم الكولوني هبتهوت
Haupthutte ، وأحرز رئيسه الرئاسة على كل الماسون الألمانيين ودعي أستاذا أعظم.
سنة 1312ب.م:
أثار فيلبس ملك فرنسا الاضطهاد على فرسان ماري يوحنا، وكان اضطهادا شديدا أوصلهم إلى دركات الهوان، وكان يعينه على عمله البابا كليمانت الخامس فهرب هؤلاء ولجئوا إلى المحافل الماسونية بعد وفاة أستاذهم الأعظم جاك دي مولاي
Jacques de Molay
سنة 1314 فرأوا فيها حرزا من الاضطهاد حريزا.
روبرت بروس الأول ملك اسكوتلندا
سنة 1314ب.م:
اشتهر روبرت بروس الأول ملك اسكوتلندا الذي كان من سلالة ملوكية تولى الملك سنة 1306، وتوج في سكوني، وكان في أول عمره في بلاط إدورد الأول الملقب بذي الساقين فعندما هاجم إدورد الثاني ابن إدورد الأول الاسكوتلنديين بمائة ألف مقاتل من الإنكليز كان روبرت بروس رئيسا لقومه الاسكوتلنديين فقابل إدورد بثلاثين ألف مقاتل وفتك بجيش خصومه الكثير العدد، وغنم غنائم كثيرة منهم، فقفل إدورد بالخيبة والفشل، وكان ذلك في 24 يونيو سنة 1314، وقيل: إنه قتل ثلاثون ألف نفس من الإنكليز في تلك الموقعة التي لم يسمع بخسارة الإنكليز مثلها، وساعد الماسون روبرت بروس بإخلاص في تلك الحرب وفي الغاية التي كان ينازع عليها لنيل تاج الملك بعد وفاة حفيدته مرغريت، ولما رأى ما أتوه نحوه من المبرات، وكيف أنهم أنجدوه في حربه حتى فاز على أضداده أراد مكافأتهم على أعمالهم كي لا يعد كنودا فصير محفل كلوينن
Kilwinning
الذي تشيد عند بناية الكاتدرائية عينها محفلا أعظم ودعاه مجمع هيرودوم الملوكي الأعظم
Grande Loge royale de Hérodom
وحفظ لنفسه حق الرئاسة على الماسونية بشروط فقبلها الإخوة، ومن هذه الشروط؛ أولا: أن تبقى الرئاسة العظمى إرثية منه لبنيه. ثانيا: أن يكون نائبه رئيسا على المحافل التي يوجد فيها، وشرط أن ينتخب نائبه من الإكليروس أو الأشراف، وحفظ لنفسه حق قبوله أو رفضه. وتوفي روبرت بروس سنة 1329، وكانت الماسونية زاهية مدة ملكه.
سنة 1318ب.م:
توفي الفاضل أروين دي ستينباخ المشهور الذي التأم مجمع ستراسبورج إجابة لطلبه فحزن عليه عموم الماسون في ذلك الوقت، وتولى بعده جان دي ستينباخ فأنجز بناء كاتدرائية ستراسبورج سنة 1338.
سنة 1320ب.م:
توفي جان دي بيز نقاش كامبو سانتو.
سنة 1328ب.م:
توفي جيوتو نقاش بيز الذي بنى جزءا من كاتدرائية فلورنسا بعد أرنولف دي لابو المار ذكره.
سنة 1338ب.م:
اشتهر إنكيران نقاش كاتدرائية بوفي التي بدأ بإنشائها هذه السنة.
داود الثاني ملك اسكوتلندا
سنة 1341ب.م:
ولد داود بروس المعروف بداود الثاني سنة 1324، وتوج في سكون سنة 1331، وفي السنة التالية من ملكه خلعه إدورد باليول فالتجأ إلى فرنسا. وسنة 1341 طرد باليول من اسكوتلندا، فعاد داود إليها وحمى الماسونية في بلاده. وسنة 1346 شن داود الغارة على إنكلترا لغياب ملكها إدورد الثالث بفرنسا، فهزم في دورهام وأسر وبقي مسجونا في برج لندن إلى سنة 1357، ثم أطلق سبيله بشرط أن يدفع مائة ألف ماركة في عشرين قسطا. وتوفي داود في إدنبرو سنة 1370، ولم ينجح في مدة ملكه ولا ترك أثرا يذكر فيشكر.
سنة 1350ب.م:
كان جان دي سبولي أستاذا أعظم للماسون.
إدورد الثالث ملك إنكلترا
سنة 1350ب.م:
هو أكبر أولاد إدورد الثاني وابن إيزابلا الفرنسوية ولد في وندسور في 13 نوفمبر سنة 1312، ونودي باسمه ملكا لإنكلترا في 25 يناير سنة 1327، وتوفي في شين التي اسمها الآن رتشمند في 21 يونيو سنة 1377 (انظر ترجمته في كتابنا «الجوهر المصون في مشاهير الماسون»).
دخل الماسونية في الحادية والعشرين من عمره سنة 1333 وتولى رئاستها فزهت في أيامه وأينعت المعارف لتشجيعه إياها وتنشيطه المدارس ومساعدتها.
وقد ترتبت الماسونية وتنظمت مدة ملكه وواظب على العمل بلا ملل محافظا على مبادئ الجمعية وخيرها فحور لائحة يورك القديمة التي وضعها أدون شقيق أثلستان سنة 929، وأضاف إليها المواد المدرجة [الباب الأول، الفصل السادس، إضافة مهمة] من هذا الكتاب. وقد أيد المحافل وعضدها وعين خمسة مفتشين لملاحظة أعمال البنائين المفتش الأول يوحنا دي سبولي الذي رمم كنيسة ماري جرجس في وندسر، وفي ذلك الوقت أنشئوا وسام الساق (أو رباط الساق) سنة 1350 بعد المسيح، والمفتش الثاني وليم يواكيم الذي صار بعد ذلك أسقف ونشستر وهو الذي رمم قلعة وندستر، وكان رئيسا في ذلك الوقت على أربع مائة ماسوني يشتغلون بها سنة 1357، والمفتش الثالث روبرت بارنهام الذي أتم كنيسة ماري جرجس، وكان يرأس 250 بناء وعمالا غيرهم في القلعة (سنة 1375)، والمفتش الرابع هنري بول المكتوب عنه في الماسونية القديمة أنه بناء الملك، وبنى أعظم البيوت والدواوين مثل تشارتر هوس وقصر الملك والقاعة الملوكية في كمبردج، وبنى قصرا للملكة ورمم كنيسة مار استفانوس
2
ووستمنستر وغيرها، والمفتش الخامس سمعان لانكهام راعي وستمنستر، وهو الذي رمم كاتدرائية وستمنستر، ولا تزال على ما كانت عليه إلى الآن، ثم ارتقى فصار أستاذا أعظم سنة 1387.
وتعددت المحافل مدة وجود هؤلاء المفتشين وزادت اجتماعات الإخوة، وزهت الماسونية تحت رعاية ذلك الملك.
انتشار الماسونية في أوروبا
سنة 1360ب.م:
في سنة 1360 وما بعدها لم يبق في ألمانيا بلدة إلا تأسس فيها محفل ماسوني، إذ إن البنايات والكنائس كانت تشيد بسرعة والبناءون يشتغلون بهمة شماء لا تعرف الملل ولا يعروها الكلل، وكانت المحافل الألمانية تزهو وتزيد مثل المحافل البريطانية وعدت مثل المحافل العظمى ولبث محفل كولونيا
Cologne
طويلا معدودا أعظم المحافل الماسونية وأشهرها وأستاذه الأعظم رئيسا عاما للماسون الألمانيين إلى أن قام محفل ستراسبورغ
Strasbourg ، ونازعه الرئاسة، فأصبح رئيسا لمحافل ألمانيا العليا، ومحفل كولونيا لألمانيا السفلى.
وكانت ألمانيا تحوي خمسة محافل عظيمة: محفل كولونيا وستراسبورغ وبرن
Berne
وفينا
Vienna
ومكدبورغ
Magdebourg ، وكانت محافل فرنسا وبلجيكا
Belgique
تابعة لمحفل كولونيا ومحافل هيس
Hess
وسواب
Suabe
وتورنج
Thuringe
وفرانكونيا
Franconie
وبافاريا
Bavière ، وقسم من محافل فرنسا معترفة برئاسة محفل ستراسبورغ ومحافل النمسا
Autriehe
وهنكاريا
Hnogrie
وستيريا
Styrie
خاضعة لمحفل فينا، ومحافل سويسرا لبثت تابعة لمحفل برن طالما كانت تبني كاتدرائيتها، أخيرا نقلت مركزها إلى زوريخ
Zurich
سنة 1502، وانفصلت محافل الساكس
Saxe
عن محفل ستراسبورغ لتتبع محفل مكدبورغ.
روبرت ستوارت الثاني ملك اسكوتلندا
سنة 1371ب.م:
ولد هذا الملك سنة 1316، وقبض على زمام الملك مدة أسر خاله داود بروس، ثم خلفه سنة 1370، وتولى رئاسة الماسون سنة 1371، وثبت أركان دولته رغما عن وليم دوغلاس، واتحد بفرنسا وحارب إنكلترا فانتصر في معركة أوتر برن سنة 1388، حيث عقد الصلح، وتوفي سنة 1390.
رتشرد الثاني ملك إنكلترا
سنة 1377ب.م:
خلف رتشرد الثاني جده إدورد الثالث ملك إنكلترا سنة 1388، وكان وليم يواكيم أسقف ونشستر لا يزال رئيسا على الماسون فرمم قاعة وستمنستر على الهيئة الباقية للآن، وشغل الماسون في بناء الكلية الجديدة في أكسفورد وكلية ونشستر، وهاتان الكليتان بنيتا على نفقة وليم يواكيم الخصوصية.
سنة 1380ب.م:
نجز بناء قصر الحمراء في غرناطة وهو الذي بدءوا بإنشائه سنة 1248 وأتموه هذه السنة، وكان هذا القصر بدعة من بدائع الزمان، وآية في الجمال والأبهة والجلال، لم يبن مثله من قبل، وقد اشترك في بنائه قوم من كل النحل والملل حتى ظهر أخيرا وعد من غرائب الزمان.
سنة 1380ب.م:
في هذه السنة انتخب هنري بكلي أستاذا أعظم للماسون في بريطانيا.
روبرت ستورت الثالث ملك اسكوتلندا
سنة 1390ب.م:
بعد وفاة روبرت الثاني سنة 1390 خلفه على أريكة الملك ولده ستورت الثالث المولود سنة 1316، فانتخب أستاذا أعظم للماسون في تلك السنة، وقد كان بينه وبين هنري الرابع ملك إنكلترا معارك واختلافات شتى ولم تنجح الماسونية في أيامه لانهماكه بأمور مختلفة، وهجر الملك ورحل إلى جزيرة بوت، ومات حزينا على ولديه سنة 1406.
هنري الرابع وهنري الخامس ملكا إنكلترا
سنة 1399ب.م:
اغتنم هنري دوق أوف لنكستر فرصة غياب رتشرد في أيرلندا، فعقد اجتماعا من محازبيه وخلعوا رتشرد عن الملك وقتل (رتشرد) بعد ذلك بقليل.
وجلس دوق أوف لنكستر على سرير الملك ، وسمي هنري الرابع،
3
فعين توماس فتز ألن أرل أوف سوري أستاذا أعظم للماسون سنة 1399، وبعد ظفره العظيم في الحرب على شروبري أقام الكنائس وبنى غلدهول في لندن، وتوفي سنة 1413 فخلفه في الملك ابنه البكر هنري الخامس
4
سنة 1413، وفي تلك السنة عين هنري تشيتشلي أسقف كنتربري أستاذا أعظم للماسون، وكان البناءون يجتمعون بنشاط تحت رئاسته وروح المحبة والاتحاد سائدان عليهم.
جمس الأول ملك اسكوتلندا
سنة 1424ب.م:
جمس الأول ابن روبرت الثالث هو ثالث ملك من عائلة ستورت، ولد في انفرملين سنة 1394، وقتل في برث في 21 فبراير سنة 1437.
تربى على أيادي أسقف ماراندراوس، وبينما هو ذاهب إلى فرنسا سنة 1405 قبضت بارجة إنكليزية على السفينة التي كان فيها، وأسر عند الإنكليز، وبقي 19 سنة في الأسر، فأحسن هنري الرابع وهنري الخامس ملكا إنكلترا معاملته وتربيته، وسنة 1424 أعيد من أسره إلى بلاده فجلس على عرش الملك، وكان حاميا للماسونية ومثالا لشعبه في الصبر والفضيلة، وقد أثرت في أخلاقه حسن المعاملة التي عامله بها ملكا الإنكليز مدة أسره واقتبس كثيرا من عوائدهم الحسنة، ورأى فضائل الماسونية في بلادهم فشجع قومه على اتباعها، وكان يحضر بنفسه الاجتماعات الماسونية واقتدى به رجال بلاطه الملوكي وأعيان البلاد، فضاهت اسكوتلندا إنكلترا في محافلها واجتماعاتها. وسن هذا الملك الفاضل للماسونية لوائح وقوانين وأحكاما زادتها كمالا، وفرض على من يطلب الانتظام في سلكها أن يدفع مبلغا من المال، وأن يجمع من كل أستاذ فيها مبلغا معينا سنويا يسلم للأستاذ الأعظم الذي ينتخبه المحفل الأكبر ويوافق على انتخابه أحد أعضاء العائلة المالكة، أو أحد كبار الإكليروس من الماسون.
وكان مركز هذا الملك يخوله أن يرتب بين الماسون ما كان خارجا عن شرائع بلاطه الملوكي من القوانين، فكان الأمراء والعظماء والبناءون من الماسون يأتون إليه فيفصل الاختلافات بينهم، وفي غيابه ينوب عنه بمثل هذه الأمور أحد كبار بلاطه أو ياوره الذي كان ساكنا بالقرب منه.
هذا وتجد ترجمة حياته مفصلة في كتابنا «الجوهر المصون».
هنري السادس ملك إنكلترا: والحوادث الماسونية في بلاده ومدة ملكه
سنة 1425ب.م:
ولد هنري السادس ابن هنري الخامس في 6 ديسمبر سنة 1421، وتوفي والده وهو ابن تسعة أشهر، فتولى عمه دوق بدفورد نيابة الملك، وذهب إلى فرنسا؛ لأنه كان في ذلك الوقت قسم كبير منها تابعا لإنكلترا، وعمه همفري دوق أوف كلوسستر الوصاية عليه،
5
وتدبير أمور الحكومة في إنكلترا، وتولى هنري بيوفورت أسقف ونشستر تربيته وهو عم دوقي كلوسستر وبدفورد، وكان مقتدرا في قواه العقلية، ومختبرا أحوال المملكة حق الاختبار، لكنه كان رديء الطبع، ذميم الخلق، خبيث الطوية، وصفه التاريخ الماسوني الإنكليزي بأقبح الصفحات، وذم غدره ومكره وخداعه والوسائل التي استحلها لقهر خصمه، وأحب هذا الأسقف المداخلة في شئون المملكة لما رأى الملك قاصرا فمنعه ابن أخيه دوق كلوسستر عن قصده فزادت النفرة بينهما حتى اضطر البرلمان للمداخلة في الأمر.
ويقول التاريخ الماسوني الإنكليزي: إن الكردينال هنري بيوفرت وجماعته الذين لم تقبلهم الماسونية لسوء خلقهم كانوا يقولون: إن لهم الحق في الاطلاع على كل ما يفعله الماسون، وأن الواجب عليهم أن يعترفوا لهم بما يفعلونه، ولكن الماسون كانوا ينفرون منهم ويحتقرونهم؛ ولذلك كانوا يشيعون أن وجودهم في المملكة خطر على الملك والشعب، فأثر هذا الكلام في البرلمان فعقد اجتماعا بوسائط هذا الكردينال
6
ومداخلته سنة 1425، وقرر منع الاجتماعات والاحتفالات الماسونية زعما منه أنها تلقي العراقيل بين العمال وتشوش نظام المملكة، وأصدروا أمرا بإلغاء الماسونية من المملكة بمصادقة الملك، وإذا عقد اجتماع أو احتفال يعاقب المجتمعون بالسجن والغرامة، وسنوا شرائع وقوانين بهذا الشأن فاحتج الماسون على هذا العمل المنافي للعدل والصدق، ولم يجد احتجاجهم نفعا، فداوموا اجتماعاتهم سرا غير مبالين بتلك الأوامر، وكانت المحافل تجتمع بنظام أكثر من العادة، وسادت المحبة بين الإخوان، واتحدوا برابطة الإخاء، وأنشئت محافل شتى في سائر أنحاء المملكة، فأنتجت المضادة خيرا لها ودامت الحال على هذا المنوال زمنا طويلا والمحافل الماسونية لا تزال تجتمع برئاسة هنري تشيتشلي أسقف كنتربري الذي قيل عنه في السجل اللاتيني لوليم ملر رئيس كنتربري: إنه الرجل الحر الصادق الأمين.
7
ولم تخف كل هذه الاجتماعات عن الحكومة وعن هنري بيوفورت، ولكنهم لم يستطيعوا أن يؤذوا أصحابها بشيء، وكان بيوفورت يظن أنه بواسطة قرار البرلمان وكلام الإكليروس يحقر الماسونية، فجاءت النتيجة بالعكس، وزادت الشحناء بينه وبين دوق كلوسستر وزينت له نفسه الخبيثة الاستيلاء على لندن ومضايقة الدوق المذكور وقهر الماسونية فدرى بأمره دوق كلوسستر فبعث رسولا بالسرعة إلى محافظ لندن، وكان يتغدى صباح عيد مار سمعان بعدما رجع من المحافظة في وستمنستر، وطلب منه أن يحضر إليه حالا فأتاه اللورد المحافظ على الفور فأخبره أن المدينة في خطر وأنه ينبغي ملاحظتها كل الليل المقبل؛ لأنه علم أن عمه هنري بيوفورت مزمع أن يدخلها ويمتلكها بالقوة، فبقي المحافظ كل الليل سهران، وثاني يوم الساعة التاسعة صباحا جاء الكردينال بيوفورت ومعه خدامه وأتباعه وحاولوا دخول المدينة من باب الجسر فردهم الأهالي بالقوة، فاغتاظ الكردينال العاتي، وعاد فجمع قوة أعظم وأتى برجالها مسلحين وهجم على باب الجسر، ولما علم الأهالي بعملهم أقفلوا محلات أشغالهم وتجمهروا على الجسر لصدهم، وكادت تحدث مذبحة هائلة لولا وصول محافظ لندن في تلك الدقيقة وتفريقه تلك الجماهير بالقوة. ووجد في ذلك الوقت الكردينال كنتربري وبطرس دوق أوف كويمبرا الابن الأكبر لملك البورتغال فتداخلوا في الأمر، وسكنوا الهياج وحجبوا سفك الدماء بعد الجهد الجهيد.
وعاد الكاردينال إلى بيته وقلبه ملآن حقدا ومكرا وفكر ماذا يفعل حتى يغيظ دوق أوف كلوسستر فكتب إلى دوق بدفورد نائب الملك بفرنسا يقول:
8
Right high and mighty prince, and my right noble, and after one leivest (earthly) lord
I recommend me unto your grace with all my heart. And as you desire the welfare of the king our sovereign lord, and of his realms of England and France, your own weal (health), with all yours haste you hither; For, by my troth, if you tarry long, we shall put this land in jeopardy (adventure) with a field; such a brother you have here; God make him a good man. For your wisdom well knoweth that the profit of France standeth in the welfare of England etc. The blessed Trinity keeps you. Written in a great haste at London, on Allhalloweneven.
the 3l
st
of October, 1425
By your servant, to my lives end
Henry Winchester
أيها الأمير السامي القدير ومولاي الشريف الأرضي
إني أسلم نفسي لسموكم بكل قلبي، وبما أنك تريد خبر ملكنا وملكتيه إنكلترا وفرنسا، فمصلحتك ومصلحة من لك تدفعانك إلى ذلك بسرعة وبالحق أقول لك: إنك إذا تأخرت كثيرا (عن الحضور إلينا) جعلنا هذه البلاد في خطر الحرب، وما هذا الأخ الذي لك أصلح الله حاله، وأنت تعلم أن خير فرنسا موافق لخير إنكلترا ... إلخ - ليحفظك الثالوث الأقدس.
كتب بسرعة في لندن في 31 أكتوبر سنة 1425
عبدك إلى الممات
هنري ونشستر
سنة 1426ب.م:
ولما وصل الكتاب إلى بدفورد أسرع وجاء إلى لندن في 10 يناير سنة 1426 وعقد عدة اجتماعات للتسوية بين عمه الكردينال وأخيه، وآخر مرة اجتمع البرلمان
9
للبحث في كتاب الكردينال الذي بعثه لبدفورد بفرنسا، وسبب قوله: «وبالحق أقول لك: إذا تأخرت كثيرا جعلنا هذه البلاد في خطر الحرب .»
وسألوا الكردينال بماذا يجيب عما كتب؟ فأجاب: إنه كان خائفا من الماسونية وأمثالها لئلا تسبب خراب المملكة لحنقها من قرار البرلمان السابق ذكره بإلغائها وتعطيل اجتماعاتها؛ ولذلك كتب ما كتب.
ولما كانت السلطة بيد أوف كلوسستر كان قادرا على تنفيذ قرار البرلمان بإلغاء الماسونية، ولكنه كان عالما ببراءتها وحسن نيتها وطويتها، وأن ما أصابها كان بدسائس الكردينال وانقياد البرلمان لآرائه السافلة فأخذ الجمعية بحمايته وبرأها مما اتهمها به أعداؤها، وألقى التهمة على الكردينال وأتباعه.
سنة 1437ب.م:
وعلم الكردينال أنه مخطئ لدى الشريعة فتداخل مع كثيرين حتى جعل البرلمان يستعطف الملك فعفا عن أعماله السيئة واعتداءاته المضادة لشريعة البلاد، وبعد خمس سنين نال من الملك عفوا عن كل ذنوبه من يوم خلق إلى 26 يوليو سنة 1437.
ومع كل الاحتياطات التي عملها الكردينال وجد «دوق كلوسستر» منه أمورا توجب العقاب فشكاه إلى الملك بنفسه والملك حول الشكاوى إلى محلات اختصاصها فعين مجلسا لمحاكمة الكردينال، وكان أكثر أعضائه من حزبه فبعد المحاولة والمطاولة حكموا ببراءة ساحته، فاتخذ الحكم ببراءته وسيلة للإضرار بدوق كلوسستر.
وصمم هذا الكردينال على الوقيعة برجل اشتهر علمه وفضله. وبدهائه وخراب ذمته استحضر جماعة من أمثاله يشهدون له بما يضر بدوق كلوسستر واتهمه بخيانة فاجتمع البرلمان في أدموندسبري سنة 1447، ولما حضر الدوق سجنوه، وثاني يوم وجدوه ميتا في السجن فأشاعوا أنه مات موتا طبيعيا لعدم وجود آثار في جسمه فحزن عليه الشعب حزنا عظيما واعتقدوا أنه مات ظلما وذهب فريسة غدر الكردينال الخائن، وبعد ذلك اتهموا خمسة من الخدم أنهم شركاؤه بالخيانة، فحكموا عليهم بالموت، وذلك بأن يقطعوا إربا وهم أحياء فعلقوهم وعروهم ورسموا على أجسامهم محلات التقطيع، ثم عفي عنهم فنجوا من الموت.
وسبب موت الدوق كلوسستر حزنا عاما في المملكة ورثاه الشعب زمنا طويلا ولقبوه بالرجل «الصالح»؛ لأنه كان محبا لبلاده حاميا للماسونية وللفضيلة مثالا للعلم منشطا للصناعة. أما الكردينال الخائن فمن كثرة توبيخ ضميره له ومراجعة سيرته الفاسدة توفي بعد شهرين من قتل دوق كلوسستر وسمعوه يقول قبل وفاته بدقائق: لماذا أموت أنا الرجل الواسع الثروة إذا كانت المملكة تنقذني من الموت أحفظها بسياستي وأشتريها بمالي؟! ألا يفدى الموت بالمال الذي يقولون إنه يفعل كل شيء؟ وقد وصف شكسبير الشاعر الإنكليزي الشهير موت هذا الكردينال وصفا مدققا.
واستمر الماسون على اجتماعهم بلا خوف ولا ممانعة ودخل الملك الماسونية سنة 1442 ودرس قوانينها وشرائعها القديمة والحديثة ووهبها هبات عظيمة ومنحها امتيازات خصوصية فتهذبت المدارس وزادت البنايات وارتقت الصناعة وثبت المحافل بأوامر عالية وشجع الأشراف للانتظام في سلكها فأقبلوا إليها أفواجا،
10
ثم إن الملك نفسه رأس المحافل وحماها وعين وليم وانفليت أسقف ونشستر أستاذا أعظم فبنى على نفقته الخصوصية المدرسة المجدلية الكلية في أكسفورد ومعابد كثيرة، وبنى وانفليت في مدة حكم هذا الملك كلية أتون بقرب وندسور وكلية الملك في كمبردج، وبنى هنري كلية المسيح في كمبردج، وبنت الملكة كلية الملكة في نفس المدرسة الجامعة. وبالإجمال إن الماسونية زهت في مدة هذا الملك، ولكن الحروب التي حدثت في المملكة والظروف المحيطة بالملك جعلت حكم إنكلترا على فرنسا يزول شيئا فشيئا من ذلك الوقت، وتوفي هنري السادس في 22 مايو سنة 1471.
سنة 1415ب.م:
احترقت مكتبة الزاوية والبركار في براك، وهي المكتبة الشهيرة التي وقفها المعلم المشهور في الماسونية «يوحنا هيس» لمحفل الزاوية والبركار.
سنة 1421ب.م:
اشتهر «ماتياس هنتز دي ستراسبورغ» نقاش كاتدرائية برن في تلك السنة.
سنة 1442ب.م:
اشتهر جان دي كولونيا وابنه نقاشا كاتدرائية برغوسه.
جمس الثاني ملك اسكوتلندا
سنة 1444ب.م:
إن «جمس الثاني» هو الولد الوحيد لجمس الأول ملك اسكوتلندا المذكور آنفا، ولد سنة 1420 وتولى الأحكام سنة 1444، وبينما كان سنة 1460 يتفقد البطاريات انفجر مدفع فأصابته قطعة منه ألقته قتيلا.
وكانت الماسونية الاسكوتلندية قد انتخبته رئيسا أعظم وحاميا لمحافلها في تلك الأيام، وذكر في التاريخ الماسوني الفرنسوي لعمانوئيل ريبولد المطبوع في باريس سنة 1851 صفحة 119،
11
أن الماسون اجتمعوا في كلوينن في أيام جمس الثاني، وقرروا أن كل أستاذ أعظم ينتخب حديثا يدفع للبلاد أربعة دنانير اسكوتلندية، وقرر الأستاذ الأعظم فرائض أخرى على بقية الماسون، وشكلت محاكم مخصوصة للبنائين الأحرار في معظم البلدان الكبرى باسكوتلندا، وعين الملك جمس وليم سانكلار بارون دي روسلين
Guillaum de Sinclair baron de Roslin
أستاذا أعظم ببراءة رسمية،
12
وجعل له هذه الرئاسة إرثية يتعاقبها الخلف عن السلف مع كامل حقوقها وامتيازاتها مكافأة له على خدماته الصادقة للمملكة والأمة، ويوجد نسخة من هذه البراءة في مكتبة المحامين في أيدنبرج مؤرخة سنة 1700.
أما بقية ترجمة جمس الثاني فمذكورة في كتابنا «الجوهر المصون في مشاهير الماسون».
سنة 1445ب.م:
توفي هذه السنة «نقولا دي بورن» النقاش الشهير الذي ابتدأ بنقش كاتدرائية كولونيا سنة 1437، وتولى بعده كونراد كوين.
سنة 1459ب.م:
التأم مجمع ماسوني في راتسبون بناء على دعوة الأخ جوبس دوتزنجر
Jobs Dotzinger
أستاذ محفل ستراسبورغ الأعظم، وهو الذي شيد كاتدرائيتها فدعا الإخوة الألمانيين لكونه أستاذا أعظم لهم وأوجب عليهم الانقياد لأمره والإذعان لما يطلبه، فاجتمع هؤلاء وقدم كل منهم تقريره عن حالة النقش والصناعة في تلك الأيام خصوصا إبانتهم عن المشاكل والعقبات التي تعرقل سعيهم وتؤخرهم عن إتمام البنايات التي كانوا قد بدءوا بإنشائها.
جمس الثالث ملك اسكوتلندا
سنة 1460ب.م: «جمس الثالث» هو ابن «جمس الثاني» ولد سنة 1453، وتوج في دير كلسو سنة 1460 وسنة 1469، تزوج مرغريتا الدنيماركية، وقد وصف بالضعف، ولكن سياسته وأحكامه تدل على آرائه السديدة وعقله النير، وكان من همه المحافظة على السلام ومحالفة إنكلترا، وكان جماعة من قومه يكرهونه لحبه السلام وولعه بالآداب والصناعة، وقد اشتهر هذا الملك بحمايته الماسون كما اشتهر غيره قبله وبعده من ملوك اسكوتلندا الذين زهت هذه الجمعية بمدة ملكهم، وفيما هو هارب إثر انكسار حزبه الملكي في معركة سوكيبرن قتل بيد رجل غير معروف، وذلك سنة 1488. «إدورد الرابع» ملك إنكلترا
سنة 1461ب.م:
ولد «إدورد الرابع» في روان في 29 أبريل سنة 1443، وحكم سنة 1461، وتوفي في 9 أبريل سنة 1483 (انظر ترجمته في كتابنا «الجوهر المصون»).
وقد ذكر في السجل الماسوني الإنكليزي القديم «أنه في أيام إدورد الرابع كان جماعة البنائين الملقبين بالأحرار في إبان زهوتهم، وكانوا يتسابقون في الفضائل وهم نظير إخوة يحبون بعضهم بعضا ويفعلون الخير.»
وجاء في التاريخ الماسوني الإنكليزي أن الماسونية تأخرت أثناء اضطراب السياسة والحروب التي جرت بين «بيت يورك» و«بيت لانكستر»، ولكنها عادت فنمت سنة 1471 برئاسة رتشرد بيوتشامب أسقف ساروم الذي عينه إدورد الرابع أستاذا أعظم وشرفه بأحسن الألقاب، فرمم هذا الأسقف قصر وندسور وكنيسته وعمل أعمالا أخرى تذكر فتشكر.
سنة 1464ب.م:
التأم المجمع الماسوني في راتسبون وثابر على جلساته متداولا بشأن البناء وما صارت إليه الصناعة في تلك الأيام، وقرر أخيرا أن يمنح للمحافل الخمسة الكبرى وهي محفل كولونيا وستراسبوغ وفينا وبرن ومكدبورغ حقوقا متساوية من حيث المركز والنفوذ والأمر والنهي، وفي هذا المجمع انتخب الأستاذ «كونراد كوين
Conrad Kuyn » نقاش كاتدرائية كولونيا أستاذا لمحفلها الأعظم (انظر [الباب الأول، الفصل التاسع]).
سنة 1469ب.م:
اجتمعت المحافل الماسونية في سببر فقدم محفل كولونيا الأعظم تقريرا عن أعماله وحساباته وأحوال الجمعيات الماسونية في جهات مختلفة وماهية الأماكن التي توقف عملها وما أشبه انظر [الباب الأول، الفصل التاسع]).
وتوفي هذه السنة كونراد كوين الأستاذ الأعظم بكولونيا الذي ابتدأ سنة 1445 بنقش كاتدرائية كولونيا وتولى مكانه على كاتدرائية كولونيا جاك دي فرانكبرج النقاش المشهور.
سنة 1480ب.م:
كان الشعب يتحمل نفقات جمة ويتجشم أخطارا كثيرة لينشئ الكنائس والمعابد، فبدأ يتذمر ويشكو من هذا الأمر وحدث أن الباباوات والكهنة تغيرت مقاصدهم من جهة الماسونية فبدءوا يجاهرون بعدائها وينسبون إليها كل بذيئة دنيئة، وهي كما علم الله وشهد الناس براء منه فتأخرت لهذا السبب الأعمال كثيرا. وليس المعنى أنه لم يعد يشيد محل جديد ولا كنيسة جديدة، بل إن الأماكن التي بدأ البناءون بإقامتها لم يتمموها لقلة ذات اليد والعسر العمومي الذي طرأ على البلاد.
ورغما عن الأمر الذي أصدره الإمبراطور «مكسيميليان» سنة 1489 الذي منح به الماسونية كل حقوقها وامتيازاتها القديمة كان عدد الإخوة يقل شيئا فشيئا، وأصبحت امتيازاتهم كأنها لم تكن فاضطروا أن يتداخلوا في البنايات العادية التي هم أرفع شأنا عنها. «جمس الرابع» ملك اسكوتلندا
سنة 1489ب.م:
كان ميلاد جمس الرابع سنة 1472 وتوج في سكون سنة 1488، وقتل في معركة فلورن سنة 1513، وقد أصلح كثيرا في مملكته، وكان رئيسا أعظم للماسون في اسكوتلندا (انظر ترجمته في كتابنا «الجوهر المصون»).
وفي مدة حكم إدورد الخامس ورتشرد الثالث أخذت الماسونية في إنكلترا بالانحطاط، وكانت تزهو في اسكوتلندا وألمانيا وغيرهما من الممالك الأوروبية، وما لبثت أن عادت فزهت ونهضت في إنكلترا بجلوس هنري السابع على سرير الملك.
هنري السابع ملك إنكلترا
سنة 1500ب.م:
ولد هذا الملك سنة 1458، وتوفي سنة 1509، وكان أول ملك من العائلة التيودرية، ويتصل نسبه بابن إدورد الثالث، وقبل أن يجلس على عرش الملك كان يدعى الكونت دي ريشمون، وبعد انكسار اللانكستريين في نيوكسبري سنة 1471 جاء إنكلترا بجيش عرمرم فحارب رتشرد الثالث وقهره سنة 1485، وقتل رتشرد في تلك المعركة فانتخب هنري ملكا على إنكلترا وتزوج إليصابات ابنة إدورد الرابع، وبذلك حقن الدماء بين عائلتي يورك ولانكستر بعدما كادتا تهلكان في حرب الوردتين الشهيرة بالتاريخ التي دامت أكثر من ثلاثين سنة، وهلك بسببها ألوف من العائلتين وأحزابهما. وبزواجه هذا أخذ حقوق العائلتين المتنازعتين، ونازعه كثيرون الملك فحاربهم هنري وانتصر عليهم. وكان يكره الحروب والفتن وهو الذي جعل لإنكلترا قاعدة سارت عليها من ذلك الحين، وهي أن لا تشهر الحرب عاجلا، بل يجب أن تستعمل الإناءة لأجل المداولات واتخاذ وسائل السلم أولا، ثم توسط الغير لإزالة الموانع قبل المبادرة إلى سفك الدماء، وربما اقتبس ذلك من المبادئ الماسونية الطاهرة. ولا يبعد أن تحالفه مع جمس الرابع ملك اسكوتلندا الرئيس الأعظم للمحافل الماسونية فيها وتزوجه بابنته مرغريت نجم عن اتفاق ماسوني أو فكرة سلمية لتوطيد الأمن. وكان هنري يحب تخفيف سطوة أشراف البلاد فأدخل أواسط الشعب بالخدامات الأميرية، ورقى كثيرين حتى أوصل مقاماتهم إلى مقامات أبناء الأشراف.
وكان يميل إلى حشد المال؛ ولهذا السبب قبل من «شارل الرابع» ملك فرنسا أربعمائة ألف ليرة وأخلى مقاطعة بريتانيا، وهي أملاك إنكلترا الوحيدة التي كانت باقية لها في فرنسا، وقيل إنه وجد في قصره بعد موته مبلغا يضاهي العشرة ملايين ليرة إنكليزية.
وكان لفرط ما وعاه من المال أغنى ملوك العالم في وقته وكانت ملذته أن يرى الذهب مكدسا أمامه يتلذذ بمرآه وله قصص مختلفة يطول شرحها ذكرتها التواريخ في محلاتها.
وكانت الماسونية في بداية عمره تجتمع تحت رعاية أستاذ مار يوحنا ويعضدهم تلامذته في أعمالهم، وكانت اجتماعاتهم في رودس (مالطة الجديدة).
وسنة 1500 انتخبوا «هنري» حاميا لهم، فقبل ذلك بسرور، فعادت الماسونية إلى عقد اجتماعاتها بنجاح مدة حمايته لها.
سنة 1502ب.م:
وفي 24 يونيو سنة 1502 اجتمع رؤساء المحافل الماسونية وكبار موظفيها في قصر الملك هنري، وكان هو نفسه رئيسا عليهم فعين «يوحنا أسلب» كاهن وستمنستر والسر رجينالد براي من فرسان رباط الساق حارسين لذلك الاجتماع وخرج باحتفال عظيم وحوله الجماهير إلى الجانب الشرقي من وستمنستر أبي ووضع حجر الزاوية للكنيسة المعروفة بكنيسة هنري السابع إلى اليوم، وقد أثر هذا الاحتفال التأثير اللازم في الشعب وجعل للماسونية اسما عظيما. وقد وصف التاريخ الماسوني هذه الكنيسة، فقال:
بنيت هذه الكنيسة على النسق الغوطي الجميل، وهي قائمة على أربع عشرة قائمة كلها منقوشة بأبهى النقوش وبارزة البناء على زوايا مختلفة، ويدخلها النور من صفين من الشبابيك يضيئان إلى الداخل فيبهران الناظر من هيبة المكان وعظمته، وقوائمها متصلة بالسقف وعليها قناطر غوطية لتمكين المكان، ويدخل إليها من الشرق بدرج من الرخام الأسود تحت قنطرة عظيمة موصلة إلى الكنيسة وأبوابها من النحاس ومقاعدها على الجانبين من خشب السنديان، وكذلك مقاعدها الداخلية وأرضها مبلطة بالرخام الأبيض والأسود، وبالإجمال إنها بدعة من بدائع الزمان.
وجاء في التاريخ الماسوني الإنكليزي المطبوع في لندن لوليم بريستون صفحة 152 أن هذه الكنيسة شيدت بعناية وليم بلتون الذي كان رئيس العمل بإرادة الملك هنري السابع ويلقبها ليلاند «أعجوبة العالم»، وقيل إنه لم يوجد نقش مثل نقشها ولا مهارة هندسة مثل هندستها في كل ما تقدمها من الأبنية.
وبعناية السر «ريجينالد براي» المذكور آنفا بني قصر رتشموند وبنايات أخرى.
وقد تم في حكم «هنري» أيضا بناء كلية بريزن نوز في أكسفورد وكلية المسيح وكلية مار يوحنا في كمبردج وغيرها من البنايات والأعمال الماسونية.
سنة 1502ب.م:
وفي سنة 1502 نقل محفل برن مركزه إلى زوريخ.
هنري الثامن ملك إنكلترا
سنة 1509ب.م:
وخلف «هنري الثامن» أباه سنة 1509 وعين الكردينال ولسي أستاذا أعظم على الماسون فبنى الكردينال همبتون كورت وهويت هول وكنيسة لكلية المسيح في أكسفورد وغيرها من البنايات سنة 1530. وخلف الكردينال ولسي ثوماس كرومويل أرل أوف إسكس فصار أستاذا أعظم وشغل الإخوة في بناء سراي مار يعقوب، واستبالية المسيح والقلعة الخضراء.
سنة 1510ب.م:
وسنة 1510 تشكلت محافل كثيرة في بلدان عديدة وانتظم في سلكها كثير من السراة والأشراف بهيئة أعضاء منتخبين فكانوا يقدمون آراءهم ويدرسون الصناعة ويتعمقون بها، ولكن في ذلك العصر عصر الجهالة والتوحش لم يكن أحد له حرية بفعل ما يشاء فثار عليهم الاضطهاد بعواصفه وزعازعه الشديدة فاضطر هؤلاء إلى التحفظ في أعمالهم والتستر العميق.
جمس الخامس ملك اسكوتلندا
هو ابن جمس الرابع، ولد سنة 1512، وتوفي سنة 1542، وألبس التاج في سكون، وجعلت أمه نائبة له لحداثة سنه، وكان يعتبر خدمة الدين الكاثوليك، واضطهد البروتستانت والقائمين بدعوتهم، وأحرق كثيرين منهم، واضطر آخرون إلى الهرب من أعماله، وكان البابا بولس الثالث يحبه واستماله إليه ولقبه ب «ناصر الإيمان». وسنة 1536 تزوج مادلين ابنة فرنسيس الأول، فماتت بعد قليل فتزوج بغيرها. وسنة 540 حارب الجزائر الغربية، ففاز فوزا عظيما ونشط الصناعة، ودعا كثيرين من مهرة الصناع الغرباء إلى بلاده، فأقبل كثيرون من الماسون إليها، وكان رئيسا أعظم للمحافل الماسونية، ومات بحالة اليأس لمخالفة الأشراف لرأيه بمحاربة الإنكليز. وجاء عنه أنه قال قبل وفاته عندما بشروه بولادة ابنته ماري: «جاء التاج مع فتى وسيذهب مع فتى.» والتاريخ لا يمدح اضطهاده لتابعي الإصلاح.
اضطراب الماسونية
سنة 1535ب.م:
وإذ رأى الكهنة حالة هذه الجمعيات السرية وأن أعمالها مستورة لا يظهر منها شيء لأحد أيا كان ما لم يكن منتظما في سلكها ثار غضبهم عليها وهددوها بالخراب المحيق، ولم يكتفوا بما أتوه من المظالم نحو هذه الفئة الشريفة حتى شكوها سرا وجهرا لعضدها مبادئ «لوثيروس» المدعي الإصلاح ونادوا بتظلمهم منها، وطلبوا ملاشاتها بأي وجه كان ولم يختشوا في ذلك عتابا ولم يرهبوا عقابا.
وكان من جملة الذين انصاعوا لتعاليم «لوثيروس» قوم من الإكليروس فاتهمهم الكهنة باشتراكهم في هذه الجمعيات وشكوهم بأنهم يدخلون إلى تعاليم الكنيسة ما لا يجوز إدخاله من التعاليم الخفية المضادة للأوامر الإلهية، ونسبوا إليهم بعض الرئاسة الزمنية والروحية مدعين أن هذه الجمعيات هي بقية جمعيات فرسان مار يوحنا، وقد أرادت الانتقام لرئيسها الأعظم المقتول ظلما بقتلهم الملوك سلالة أولئك الآمرين بقتله.
سنة 1535ب.م:
واجتمعت المحافل الماسونية في كولونيا برئاسة «هرمانوس الخامس» أسقف كولونيا (انظر [الباب الأول، الفصل التاسع]) يوم 24 يونيو سنة 1535 نفسها، وأذاعت منشورا أظهرت فيه شيئا من تعاليمها لتنافي قول المعتدين، ونشرته على الملأ حتى إذا جرى الاضطهاد عليهم في تلك البلاد شديدا تمكنوا من المهاجرة إلى حيث يريدون، وهناك يبثون تعاليمهم الشريفة في أربعة أقطار المعمور.
وفي هذه السنة ترك ملك إنكلترا والبرلمان طاعة البابا وسمى الملك نفسه رأس الكنيسة وحول 926 محلا للعبادة إلى أماكن للحكومة.
سنة 1539ب.م:
وسنة 1539 تلاشى كثير من المحافل الماسونية لقلة ذات يدهم وعسر معاشهم، فتعذرت عليهم أسباب الأشغال فعادوا يسيرون القهقرى بعد تقدمهم العظيم. وكانت هذه الجمعيات - وقد بقي منها أثر قليل لا يعتد به - قد قامت يدا واحدة لنصرة بعضها البعض علها تفوز بإرجاع عظمتها الأولى، وذهب بعض أعضائها ليكرزوا في أربعة أقطار فرنسا، ويحثوا الناس على التكافؤ والانتظام في سلك هذه الجمعية الشريفة، وكادوا يفوزون بمآربهم لولا أمر أصدره فرنسوا الأول منع به كل اجتماع سري خصوصا جماعة الماسون من أي نحلة كانوا.
سنة 1540ب.م:
وسنة 1540 قتل «توما كرومويل» الأستاذ الأعظم في إنكلترا وخلفه يوحنا توتشت لورد أودلي أستاذا أعظم على الماسون وشغل الماسون في بناء كلية المجدلية في كمبردج وبنايات أخرى.
سنة 1540ب.م:
وفي هذه السنة اشتهر إصلاح «لوثيروس» في ألمانيا وغيرها فزعزع أساس السلطة البابوية ورمى الماسونية بمقلاع المصائب والرزايا ورشقها بسهام الانشقاق المميتة، فتأخرت الأشغال والأعمال عما كانت عليه كثيرا وتوقف الشعب المسيحي عن بناء الكنائس والمعابد في ألمانيا؛ فأقفلت المحافل الواحد بعد الآخر حتى إنه بمدة وجيزة تناسى الجميع البناء العظيم وكيفيته وقام مقامه البناء البسيط، ولم يكن الحال كذلك في إنكلترا، بل كانت الماسونية زاهية فيها.
إدورد السادس ملك إنكلترا
سنة 1547ب.م:
وتبوأ الملك «إدورد السادس» سنة 1547، وكان قاصرا فعين وصيا له إدورد سيمور دوق أوف سومرست فأخذ على نفسه ترتيب الماسون، وبنى بيت سومرست في سترند. وقتل هذا الدوق سنة 1552؛ لأنه كان مخلصا لعائلة ستورت، وبعد قتله أخذت الحكومة بيته، ثم عين يوحنا بوينت أسقف ونشستر رئيسا على المحافل الماسونية إلى حين موت الملك سنة 1553.
سنة 1553ب.م:
ولما توفي إدورد السادس في 6 يوليو سنة 1553 جعلت «حنة غراي» حفيدة «هنري السابع» ملكة لإنكلترا، واستمر ملكها عشرة أيام فقط وتشتت حزبها، وجلست ماري بكر هنري الثامن مكانها، فقتلت دوق نورثمبرلند وحنة وزوجها، وماتت على إثر انتصار الفرنسويين في كالي في 17 نوفمبر سنة 1558 بعدما أحرقت كثيرين وظلمت ظلما فاحشا.
سنة 1558ب.م:
وبقي الماسون بلا أستاذ أعظم إلى أن جلست إليصابات على سرير الملك بعد وفاة ماري في 17 نوفمبر سنة 1558، فعين السر توما ساكفيل أستاذا أعظم، وكانت المحافل تجتمع في كل جهات إنكلترا بلا ممانعة ولا معارضة، وكان مركز المحفل الأكبر في يورك، حيث كان الإخوة أكثر عددا من بقية الجهات، وكانوا مشهورين بغيرتهم فاعتبروا كثيرا.
سنة 1561ب.م:
وسنة 1561 ثار المفسدون فأضرموا فؤاد الملكة «إليصابات» غيظا على الماسونية واتهموا البنائين الأحرار وجمعيتهم بالتشيع والأغراض، وأنها لم توجد إلا للخراب والدمار، وزادوا لها الوشاية عن الجمعية أنها تجتمع سرا لأمور لا توافق المملكة، وكانت إليصابات تخاف من الجمعيات السرية فأوجست منها شرا. ودرى الأستاذ الأعظم بوشايات المفسدين، فتدبر الأمر بحكمته وعقله، وأدخل ضباط العساكر وأصحاب المناصب العالية في المحافل الماسونية بعدما صادقهم وعاشرهم وامتزج معهم.
سنة 1561ب.م:
وفي 27 ديسمبر سنة 1561 أرسلت الملكة قوة مسلحة إلى يورك لقفل المحفل الماسوني ومنع الإخوان من الاجتماع، فأحاطت العساكر بالمحفل ومنعوا افتتاحه. ولكن الضباط الذين كانوا يقودونهم عادوا إلى الملكة ورفعوا لها التقارير الحسنة عن الجمعية فصدقتهم واقتنعت بحسن نية الجمعية، فأصدرت أمرا ثانيا يخالف أمرها الأول ومنحتهم كل امتيازاتهم وحقوقهم القديمة، ولم تعد إلى معارضتهم في كل مدة حكمها. وفي مدة حكم هذه الملكة حدثت مذبحة مار برثولماوس في فرنسا، حيث قتل جمهور غفير من البروتستانت وبينهم جماعة من الماسون، وكان هؤلاء يأتون من ألمانيا وهولندا وفرنسا وغيرها ويستجيرون بإنكلترا فتحميهم من الظلم، فأدخلوا معهم كثيرا من الصنائع والفنون إلى البلاد الإنكليزية. وأدخل الهولنديون الشاي إلى إنكلترا والجرمانيون الساعات، وأدخل أحد أمراء الإنكليز التبغ والبطاطا، وسنة 1580 عملت المركبات وسنة 1600 أسست شراكة الهند الشرقية التي دخلت بلاد الهند بسببها في طاعة بريطانيا.
سنة 1562ب.م:
وفي سنة 1562ب.م التأمت الجمعيات الماسونية المنقطعة لبناء الجسور وانتخبت جان دي ميديسيس أستاذا أعظم لها.
محفل ستراسبورج الألماني الأعظم
سنة 1563ب.م:
وسنة 1563 اجتمع محفل ستراسبورج الألماني الأعظم بعدما نازع محفل كولونيا الرئاسة طويلا، وطلب في تلك السنة اجتماع مجمع عام، فالتأم ماسون ألمانيا وسويسرا في بال وقرءوا التقارير والفصول المطولة عن حالة البناء والصناعة، وما وصلت إليه في تلك الأيام وبحثوا طويلا ليروا الوسائل الممهدة للعقبات الحائلة دون إتمام بنايات الكنائس والمعابد، إذ كان يضادهم الكهنة بذلك (انظر [الباب الأول، الفصل التاسع]).
سنة 1564ب.م:
وسنة 1564 اجتمع الماسون في ستراسبورج أيضا وقرروا أن المحافل الباقية ترفع قضاياها فيما بعد لمحفل ستراسبورج الأعظم وهو يرى بها ولا يتعرض فيما بعد لمجالس أخرى، فصار محفل ستراسبورج مركزا لأعمالهم بدلا من محفل كولونيا.
وبقي السر توما ساكفيل أستاذا أعظم للمحافل الإنكليزية إلى سنة 1567 فاستعفي وصار رئيسا مكانه فرنسيس روسل أرل أوف بدفورد والسر ثوماس جريشام أحد التجار المشهورين وتولى الأول رئاسة الماسون في الجهة الشمالية، والثاني الرئاسة في الجهة الجنوبية؛ لأن الماسون كانوا قد زادوا بسبب التقرير الحسن الذي تقدم للملكة إليصابات عنهم وارتياحها إليهم كما ذكرنا آنفا.
وبقي الاجتماع السنوي يعقد في يورك، حيث تحفظ كل التقارير والسجلات، وحيث تفصل كل المشاكل والأشغال المهمة.
وبنى السر ثوماس جريشام سوقا للبورصة غاية في الإتقان اشتغل فيها جماعة الماسون ووصفها التاريخ الماسوني الإنكليزي وصفا مدققا فلم نر حاجة لذكر فخامتها، وإنما نقول: إنها كانت تحتوي على مائة وعشرين دكانا
13
عدا البنايات الأخرى.
وزارت الملكة إليصابات السر ثوماس جريشام وتغدت عنده ثم زارت السوق وسرت من إتقانها وترتيب بضائعها، وأمرت أن تصدح الموسيقى العسكرية فيها وحينئذ ظهر السر ثوماس بملابسه الماسونية أمام جميع الناس، وأعلن أنه رئيس الماسونية فسرت الملكة، وتأكدت أن الجمعية مؤلفة من بنائين ماهرين ومن غير بنائين ممن لهم شغف وحب للبناء، وأن لا دخل للسياسة فيها، ورأى الشعب ذلك فنمت الجمعية وأنشئت المحافل في كل جهات المملكة وكثر عدد الماسون في لندن وضواحيها وأتموا أعمالا عظيمة بتنشيط السر ثوماس جريشام المشار إليه.
سنة 1538ب.م:
وخلف السر ثوماس في الرئاسة على الماسون بالجهة الجنوبية تشارلس هورد أرل أوف اثنهام، وبقي يرأس تلك المحافل إلى سنة 1588، فانتخبوا جورج هاستنس أرل أوف هانتدون، وبقي في هذا المنصب إلى وفاة الملكة إليصابات في 24 مارس سنة 1603، وقد دام حكمها 45 سنة في أثنائها قتلت ماري ستورت ملكة اسكوتلندا أم جمس السادس بعدما أبقتها أسيرة عندها 19 سنة، وعملت أعمالا عظيمة، وزاد مجد شعبها بمستعمراته التي أسست في جهات الأرض المختلفة، وانقرضت دولة تيودور بوفاتها بعدما ملكت نحو 118 سنة.
الملك جمس ستورت السادس لاسكوتلندا والأول لإنكلترا
سنة 1603ب.م:
ولد جمس ستورت الملك السادس لاسكوتلندا والأول لإنكلترا في 19 يونيو سنة 1566 في مدينة أيدنبرج باسكوتلندا وملك على اسكوتلندا في يوليو سنة 1567، وبعد وفاة إليصابات في 24 مارس سنة 1603 خلفها ملكا على إنكلترا وتوج في 25 يوليو سنة 1603 بكنيسة وستمنستر، وكانت إليصابات قبل موتها قد أقرت له بالخلافة من بعدها؛ لأنه كان ابن ابن ابنة هنري السابع ملك اسكوتلندا التي قطعت إليصابات رأسها ، ومن ذلك الوقت انضمت اسكوتلندا إلى بريطانيا وصارت مملكة واحدة وتوفي جمس في قصر ثيوبلدس سنة 1625 (انظر ترجمته في كتابنا «الجوهر المصون»).
وقد ابتدأ ملك جمس عندما خلعت أمه ماري ستورت ملكة اسكوتلندا وانتقلت السلطة إلى أيدي البروتستانت فجعل الوصي عليه أرل مار، وعين العالم جورج بوكانان أستاذا له، وسنة 1577 استلم جمس السلطة وسنة 1582 عقد محالفة بالنيابة عن البروتستانت مع إليصابات ملكة إنكلترا التي كانت الدول الكاثوليكية تتهددها، وسعى في نجاة أمه من الموت عندما صدر الحكم عليها بالقتل في إنكلترا فلم ينجح، واتحد مع إنكلترا عند خروج الأسطول منها.
سنة 1589ب.م:
وسنة 1589 سافر إلى الدنيمارك وتزوج بحنة ثانية بنات فردريك الثاني، وألف كتابه المعروف ب «باسيليكون دورن» لتعليم ابنه هنري، وقد طبع هذا الكتاب سنة 1599.
سنة 1603ب.م:
وحاول إرجاع الطريقة الأسقفية فخاب مسعاه. وفي 24 مارس سنة 1603 نادى المجلس الملكي باسمه ملكا لإنكلترا ضد وصية هنري الثامن، وكانت إليصابات قد اعترفت له بهذا الحق كما تقدم. وفي 5 أبريل سنة 1603 خرج من أيدنبرج قاصدا لندن، وكان جسمه ضخما وعوائده خشنة قبيحة وهيئته مكربة فلم تحبه رعيته الجديدة كما يجب، ولكن الماسونية التي كان منها عضدت أعماله الأدبية، ولا سيما عند المباشرة بترجمة الكتاب المقدس إلى اللغة الإنكليزية تحت نظره وتدبيره، وكان عالما عارفا حذقا أديبا بارعا في العلوم والمعارف يحب المطالعة والتأليف ويعرف اللغة العبرانية واليونانية واللاتينية مغرما بالتكلم بها حتى إن وزراءه كان يصعب عليهم أحيانا أن يفهموا كلامه، وكان يبغض الحروب ولذلك قضى معظم حياته بالسلم.
سنة 1607ب.م:
وسنة 1607 انتخب الملك «جمس» حاميا للماسونية في إنكلترا فزاد عدد المحافل في أيامه؛ ولذلك بعد إعلان حكمه على إنكلترا واسكوتلندا وأرلاندا نمت الماسونية كثيرا في إنكلترا واسكوتلندا، وكانت المحافل تجتمع تحت عنايته. وعاد كثيرون من الماسون الذين تفرقوا في جهات أخرى، وقد زادوا اختبارا ومعرفة فأحيوا ما كان قد اندرس من الماسونية الرومانية واليونانية القديمة وجلبوا معهم رسوما وكتبا وأشياء مختلفة لفن البناء، وجاء بينهم الماسوني الشهير أنيكوجونس ابن أنيكوجونس من أهالي لندن ، وهو الذي كان يتعلم صناعة النجارة. وبرع هذا الشاب في أعماله، وكان يميل ميلا خصوصيا لفن الرسم والتلوين، فبرع بهما وأتقنهما على يد المعلم وليم هربرت، ثم على يد الأرل أوف بمبروك، فلما رأى هذا براعته وأمياله الخصوصية إليهما أرسله على نفقته إلى إيطاليا، وهناك أتقن هذا الفن على أحد تلامذة أندريا بلاديو المشهور، وعاد إلى إنكلترا وتعاطى فن البناء والنقش، ففاق الأقران وزاحم مهرة الإيطاليين.
سنة 1607ب.م:
ولما كان الملك «جمس الأول» حاميا للماسونية ونموها يزيد في أيامه سمى «أنيكوجونس» المذكور مهندسا عموميا له وعينه أستاذا أعظم على المحافل الماسونية في إنكلترا فانضم إليها كثيرون من المتعلمين، وازدادت أهمية الجمعية وشهرتها، وأتى كثيرون من النقاشين والبنائين إلى إنكلترا من الخارج فقوبلوا بالترحاب ولقوا كل تشجيع.
وزادت العلاقات الماسونية بين الإنكليز والطليان، ونظمت المدارس على نسق مدارس إيطاليا وبنيت المباني الفخيمة بعناية الملك وأمر أنيكوجونس أن يبني للملك قصرا جديدا في هويتهول يليق بسكنى الملوك.
سنة 1607ب.م:
وفي هذه السنة جاء الملك «جمس» بحضور «جونس» الأستاذ الأعظم و«وليم هربرت» و«أرل أوف بمبروك» المنبهين والأستاذ نقولا ستون وكثيرين من الماسون، وكانوا جميعهم بملابسهم الماسونية الرسمية. وجاء كثيرون من غير الماسون بالدعوة أيضا لمشاهدة الاحتفال فتقدم الملك بعد تقديم الفروض الماسونية ووضع بيده حجر الزاوية لتلك البناية التي لم يقم أكبر من قاعتها من أيام أغسطس قيصر وجعلت لمقابلة السفراء، وقد نقشها السر بطرس بولس روبنسن (الذي كان سفيرا لإنكلترا في أيام تشارلس الأول)، وقد صارت الآن كنيسة للعبادة، وكان لهذا العمل تأثير عظيم في كل المملكة.
سنة 1618ب.م:
وبقي «أنيكو جونس» أستاذا أعظم للماسون إلى سنة 1618 وخلفه أرل أوف بمبروك، فانضم إلى الماسونية كثيرون من الموسرين وأشراف الأهالي بمدة الرئاسة.
سنة 1625ب.م:
وتوفي جمس سنة 1625 غير محمود في سياسة المملكة الداخلية والخارجية، وتبوأ تخت الملك بعده ابنه تشارلس الأول.
سنة 1630ب.م:
وبقى أرل أوف بمبروك أستاذا أعظم للماسون إلى سنة 1630، حيث استعفي وخلفه على الرئاسة العظمى في المحافل الإنكليزية أرل أوف دانبي هنري دانفرس.
سنة 1630ب.م:
وفي هذه السنة (1630) كانت الماسونية في اسكوتلندا لا تزال على حالها واجتمع الإخوة الماسون وقرروا إثبات وراثة الرئاسة العظمى لورثة وليم سانكلار بارون دي روسلين التي كان جمس الثاني ملك اسكوتلندا قد منحه إياها مكافأة له على أعماله المجيدة (انظر [الباب الثاني، الماسونية العلمية، جمس الثاني ملك اسكوتلندا)، وبقي هذا القرار معمولا به إلى سنة 1736.
سنة 1633ب.م:
وبقي أرل أوف دانبي هنري دانفرس أستاذا أعظم على المحافل الإنكليزية إلى سنة 1633 وخلفه ثوماس هورد أرل أوف أروندل، جد عائلة نورفوك وخلفه سنة 1635 فرنسيس روسل أرل أوف بدفورد، وكان أنكوجونس يعضد المحافل بتلك المدة فانتخب ثانية إلى الرئاسة العظمى في سنة 1646، وبقي رئيسا إلى يوم وفاته من تلك السنة فحزن الناس عليه حزنا شديدا ودفنوه بالإكرام اللائق بمقامه، وكانت أعماله العظيمة وبناياته الجميلة أعظم أثر له ولا يزال التاريخ يذكر بالثناء شارع الملكة العظيم والمستشفيات والبنايات التي بناها أنكوجونس في لندن وغيرها، ويطنب في مديح هذا المفضال.
إلياس أشمول
سنة 1646ب.م:
وبقيت المحافل الماسونية في اسكوتلندا وفرنسا وألمانيا وغيرهما من الممالك تجتمع حسب عادتها بنجاح مستمر فانتظم في سلكها السراة والأشراف والأغنياء والعلماء، ومن ذلك الوقت أخذ موضوع الجمعية يتغير عما كان عليه وصار أكثر عملها رمزيا لا عمليا، وقام إلياس أشمول العالم بالآثار، والذي أسس متحف أكسفورد ونقح قوانين جمعية الصليب الأحمر التي أنشئت في لندن وطبقها على تعاليم الجمعية الماسونية العملية، وغير وبدل في إشاراتها ورموزها حتى صارت تقرب من رموز البنائين وإشاراتهم، إلى غير ذلك مما يطول شرحه، فقبلت تلك الجمعية عمله بالشكر، وصارت تعقد جلساتها في محافل البنائين الأحرار. والتاريخ الماسوني الإنكليزي يمتدح اجتهاد هذا الأخ الفاضل، ويقول إنه خدم الماسونية بكل جهده وجمع كثيرا من بقاياها فعلم أنها تشبه ما هي عليه الآن من جهة أسرارها وإشاراتها وأقسامها وكل أعمالها، وتحقق قدميتها حسبما دوناه في هذا الكتاب، ويتضح من كتابات الدكتور نيب من كنيسة المسيح في أكسفورد أنهم وجدوا مجموعات ثمينة من تاريخ الماسونية نسقها ورتبها ونقحها إلياس أشمول وعليها عول المؤرخون وصدقوها لانطباقها على حالة الجمعية في كل زمان ومكان، والتاريخ الفرنسوي يمدح هذا الأخ، ويقول إنه لما رأى نجاحه في العمل خطر في باله أن يحور في الدرجات التي كان يقبل الطالب بها فنقح فيها كثيرا، ووافقت المحافل البريطانية على كل ما ارتآه حسنا وعولت عليه من ذلك الحين، وتوفي سنة 1646 فحزن عليه الماسون حزنا عظيما.
تشارلس الأول ملك إنكلترا
أما تشارلس الأول فولد في مدينة دنفرملين في 19 نوفمبر سنة 1600، وهو الولد الثاني لجمس ستورت، ولما توفي أبوه في 27 مارس سنة 1625 جلس تشارلس مكانه وكان محبوبا عند الأمة يدهش الناس بجماله وظرافته، وكان متوسط الجسم عذب المنطق، بارعا مهذبا يميل إلى ركوب الخيل، ويحب الاستبداد، وتزوج البرنسس هنريتا ابنة هنري الرابع ملك فرنسا فأتت معها بقسوس وخدم فرنسويين، فأغروا تشارلس بأمور لم يستحسنها الإنكليز. وكان بينه وبين البرلمان مقاومة وخصومة واستبد في سلوكه فنفر الناس منه. وسنة 1642 حدثت حرب أهلية بين حزب الملك وحزب المجلس، وانتصر «أوليفر كرومويل» على الملك فقبض عليه وأبقاه في قصره.
سنة 1649ب.م:
وفي 30 نوفمبر سنة 1649 أمر «كرومويل» فأتي بالملك للقتل والعسكر حوله بالسلاح فتقدم نحوهم بثبات وهدوء، وقال: لقد نزعوا عني تاجي الذي يفنى، ولكني ذاهب لأنال تاجا لن يفنى، ثم جثا على ركبتيه وصلى والتفت نحو الشعب وودعهم فأثر ذلك بهم أشد تأثير، ولا سيما بجماعة الماسون الذي كان منهم، وأمر كرومويل فوضع عنق الملك على خشبة ورفع الجلاد فأسه وقطع بها رأسه، فحقد الماسون من تلك الساعة على كرومويل، ولكنهم لم يجسروا على مقاومته، بل أخفوا ابن تشارلس عنه لئلا يودي به كأبيه. واستولى كرومويل على زمام المملكة وألقى مهابته في قلوب الناس وجعل إنكلترا جمهورية، وسنة 1654 نودي به حاكما وبقي أربع سنين ثم مات بالحمى سنة 1658 وعمره 59 سنة، وخلفه ابنه رتشرد في ذلك المنصب وبقي أربعة أشهر فقط.
منهاج جديد في الماسونية
سنة 1650ب.م:
وكانت الماسونية من سنة 1650، أي بعد مقتل «تشارلس الأول» قد نهجت منهجا جديدا بخلاف عادتها؛ لأنها لم تعد تحتمل الظلم - قال صاحب «التاريخ الماسوني الفرنسوي»: إن ماسون إنكلترا عموما وماسون اسكوتلندا خصوصا استاءوا من ظلم كرومويل المغتصب وابتدءوا يشتغلون سرا وجهرا ليلا ونهارا ليردوا إلى سرير الملك الوريث الشرعي لتشارلس الأول، ويخلعوا «كرومويل» فاستخدموا لذلك الإشارات والرموز المستعملة عند الماسون للتعارف ليتمكنوا من الاجتماع والمداولة فيما ينبغي عمله، ولما كان بينهم مبتدئون وأشخاص ضعفاء أدبيا لا يمكنهم أن يطلعوهم على هذا السر العظيم شكلوا درجات عالية لقبول من يروا فيه اللياقة للعمل وقبلوه في سلكهم فرحين، وفي خلال هذه المدة أدخلوا تشارلس الثاني ابن تشارلس الأول في محافلهم الماسونية وأطلعوه على ما ينوون.
سنة 1660ب.م:
وسنة 1660 كان الجنرال «جورج منك» الماسوني الشهير الذي كان صاحب سطوة وهيبة في العسكرية قد دعا بكر تشارلس الأول الذي كان مختفيا ليعود إلى لندن، ويستلم زمام الملك فأتاها، وفي 8 مايو سنة 1660 سمي ملكا على إنكلترا باسم تشارلس الثاني.
وخلع «كرومويل» وقتئذ فقدر «تشارلس» ذلك للماسون حق قدرهم واندفع من ذلك الوقت أشد الاندفاع لخدمة هذه الجمعية، وكان يسميها الصناعة الملوكية، ويجتمع مع الإخوان في المحافل فنمت وزهت في أيامه بعدما كانت قد تأخرت في أيام «كرومويل» المغتصب وترقى الجنرال منك وغيره وعوقب قتلة أبيه.
سنة 1663ب.م:
وفي 27 ديسمبر سنة 1663 اجتمعت الماسونية الإنكليزية اجتماعا عموميا في مدينة يورك برئاسة «تشارلس الثاني»، فانتخبوا «هنري جرمين أرل أوف سانت ألبانو» أستاذا أعظم وهو اختار «يوحنا دنهام» نائبا له والسر «خريستوفر ورن»
14
الذي منحه «تشارلس الثاني» رتبة الباث منبها أول، و«يوحنا وب» منبها ثانيا، وفي تلك الجلسة عم الاتحاد المحافل كلها وتقرر اتباع المواد الآتية في سائر المحافل، وهي: (1)
لا يقبل أحد في الماسونية مهما كان مقامه إلا في محفل قانوني مؤلف من رئيس سابق أو حالي ومنبهين وموظفين أصوليين. (2)
لا يقبل في الماسونية إلا أقوياء الجسم المعروف لهم والدان شرعيان (أبناء حسب ونسب)، وينبغي أن يكون صيتهم حسنا وسريرتهم طاهرة ويحافظون على شرائع المملكة. (3)
لا يقبل محفل ماسوني إلحاق أخ فيه من محفل آخر ما لم يكن معه شهادة من محفله الأصلي موضح فيه اسم المحفل وتاريخ القبول، وقبل قبوله يكتب الرئيس اسمه ويعرضه في كل اجتماع، ومتى قبل يكتب اسمه بين الأسماء الملحقة ويحفظ في سجل المحفل. (4)
على كل ماسوني يرغب زيارة أي محفل غير محفله أن يجلب معه شهادة من محفله لكي يقبل كأخ في المحافل التي يزورها. (5)
يتعين أستاذ أعظم للمحافل ويحكم عليها بنظام من الآن فصاعدا، وفي الاجتماع السنوي لكل محفل ينتخب له الموظفون للسنة كلها. (6)
لا يقبل أحد في الماسونية قبل بلوغه الحادية والعشرين من العمر.
سنة 1666ب.م:
وفي شهر يونيو سنة 1666 خلف أرل أوف سانت ألبانو ثوماس سافاج أرل أوف ريفرس، وانتخب السر خريستوفور ورن نائبا له أيضا، وأظهر خريستوفور ورن أهلية ولياقة في الماسونية دلت على أنه أهل لكل اعتبار، ونجحت المحافل التي كانت تجتمع في ذلك الوقت باهتمامه، خصوصا محفل مار بولس ومحفل أنتكوتي الذي رأسه أكثر من ثمانية عشر عاما، وبرهن في كل أعماله على ثقة الماسونية به، وظهر من مراجعة سجلات محفل أنتكوتي أنه كان يحضر كل اجتماعاته القانونية وأهدى إليه ثلاثة شمعدانات من خشب الماهوكونو لا تزال محفوظة تذكار شرف وكنزا ثمينا يردد الرحمة عليه لأجلها كل ماسوني يقرأ عنه في كتابات الأحرار.
تشارلس الثاني ملك إنكلترا
سنة 1666ب.م:
ولد تشارلس الثاني بكر تشارلس الأول في مدينة دنفرملين في 29 مايو سنة 1630 وعندما قتل أبوه في 30 نوفمبر سنة 1646 طلبه كرومويل ليلحقه بأبيه؛ لأنه خاف من هياج العساكر وبكاء الشعب عندما قطع رأس تشارلس الأول، وكان جماعة الماسون قد أبعدوه وحدثت حروب وفتن أثناء ذلك الوقت لا محل لذكرها في هذا الكتاب. وجاء تشارلس إلى اسكوتلندا فأدخلوه الماسونية وتوجوه ملكا عليها، وحارب إنكلترا سنة 1651 بالجيش الاسكوتلندي الذي كان عنده لعله يعود إلى ما كان عليه والده فغلب وهرب إلى فرنسا، ودوخ كرومويل اسكوتلندا، وبقي تشارلس في فرنسا وهولندا وغيرهما إلى أن تغيرت الأحوال وجاء الجنرال منك بسبعة آلاف فارس في 3 فبراير سنة 1660 من اسكوتلندا ودخل لندن، حيث حادث البرلمان بعودة الملك تشارلس الثاني وجلوسه على عرش الملك فقرر البرلمان ذلك.
وفي 8 مايو سنة 1660 أعلن تشارلس الثاني ملكا لإنكلترا واسكوتلندا فأحضره الجنرال منك من هولندا إلى إنكلترا في 29 مايو الذي هو يوم عيد ولادته فدخل لندن باحتفال عظيم وسط تهليل الأمة، وكان حسن الخصال حميد السلوك، ولكنه لم يحسن التصرف بالملك كما ينبغي وأمر فنبشوا قبر كرومويل وغيره من الذين قتلوا أبيه تشارلس الأول وصلبهم وعاقب الأحياء منهم.
وفي بداية ملكه على إنكلترا تأسست فيها الجمعية الملكية سنة 1660، فكانت سببا لتقدم العلوم والمعارف في تلك البلاد.
وتزوج كاترينا براغنزه ابنة ملك البورتغال سنة 1662 فجلبت صداقها خمسمائة ألف ليرة ومستعمرتي طنجة في أفريقيا وبمباي في الهند فترك تشارلس طنجة لعدم انتفاعه منها وأعطى بومباي للشركة الشرقية الهندية.
وسنة 1663 كان أول ضرب الجنيه الإنكليزي، وسميت «جنيه» بسبب جلب الذهب من غينيا بمعرفة أرباب الشركة التجارية الأفريقية. ونشط الجمعية الماسونية أي تنشيط، وكان رئيسا عليها مدة حياته.
وجرت حروب وقلاقل في مدة ملكه وأمور عظيمة جدا، وتوفي بداء السكتة في 6 فبراير سنة 1685 (انظر ترجمته في كتابنا «الجوهر المصون في تراجم مشاهير الماسون»).
حريق لندن
سنة 1666ب.م:
وفي سنة 1665 حدث وباء في لندن أهلك نحو مائة ألف نسمة، وفي 2 سبتمبر سنة 1666 حدث حريق هائل فيها أيضا ابتدأ في بيت خباز وامتد إلى البنايات الخشبية واندلع لسان اللهيب فالتهمت النار كل ذلك الشارع، وامتدت بسرعة إلى جهات لندن الأربع على مساحة متسعة فاحترق ثلاثة عشر ألف بيت و89 كنيسة من جملتها كنيسة مار بولس الشهيرة عدا عن بيوت العبادة الصغيرة، ولم ينج من الحريق سوى 11 حيا من أحياء المدينة.
وبعد هذا المصاب العظيم عزموا على بناء المدينة بحجر وقرميد عوضا عن الخشب، وعين الملك «تشارلس الثاني» الأستاذ الأعظم «ديبوتي ورن» ليخطط المدينة ويجعل شوارعها متسعة فاستعان ورن بروبرت هوك أستاذ الهندسة في كلية جريشام فخطط بيوت الأهالي، وورن خطط عموم المدينة والكنائس والمعابد وكل محلات الحكومة المهمة ورفع خريطة إلى الملك فلقي ورن أشد المعارضات من أصحاب الأملاك، ولم ينجح في إقناعهم بتوسيع الشوارع وفات لندن فرصة لو اغتنموها لكانت بهجة الدنيا، ولكنهم أصروا على عنادهم وأعادوا البناء على الأسكلة القديمة.
سنة 1667ب.م:
وفي 23 أكتوبر سنة 1667 وضع الملك بيده حجر الزاوية للرويال أكستشانج. وفي 28 سبتمبر سنة 1669 احتفل بها محافظ لندن بحضور أعيان المدينة، وكان في وسطها تمثال الملك الحالي من الرخام الأبيض صنع جيبونس المنبه الأول الأعظم للمحفل الأكبر وتماثيل بقية الملوك.
سنة 1668ب.م:
وسنة 1668 شرع في بناء كمرك لندن الذي احترق فيما بعد وأقيم مكانه بناء جميل، وشرعوا في بناء مرسح التمثيل في أكسفورد على نفقة جلبرت شلدون أسقف كنتربري في 9 يوليو سنة 1669، وفي ذلك الوقت بنيت الأنتكخانة على نفقة الشعب بجانب المرسح.
سنة 1671ب.م:
وسنة 1671 شرعوا في إقامة نصب تذكاري للحريق ولتجديد مدينة لندن، وانتهى بناؤه سنة 1677.
ثم تحول فكر الجمهور إلى بناء كنيسة القديس بولس فاشتغل أساتذة الماسون بعمل الرسوم المختلفة على أبدع الأساليب وأتقن الصناعة. وبعدما وافق الملك والأساقفة على أحسن رسم قدم لهم، باشروا العمل سنة 1673 وحفظ هذا الرسم إلى الآن في إحدى غرف الكنيسة.
وقد احتفل بوضع حجر الزاوية بحضور جمهور عظيم من اللوردية والأشراف والأعيان والإكليروس والمهندسين والنقاشين، وسلم الرئيس الأعظم ريفر المطرقة للملك تشارلس الثاني فوضع الملك حجر الزاوية بيده ودقه بالمطرقة (باسم مهندس الكون الأعظم)، وناول المطرقة إلى السر «خريستوفور ورن» الرئيس الأعظم السابق فحفظها ثم أهداها إلى محفل القديس بولس الذي يدعى الآن محفل الآثار (الأنتيكة)، ولا تزال محفوظة هناك إلى اليوم. وكان رئيس العمل الدكتور «ورن» الرئيس الأعظم السابق والمنبهون المستر «إدورد سترن» وابنه. وقد وصف هذه الكنيسة سعادة الأخ المحترم أمين باشا فكري ناظر الدائرة السنية في كتابه المطبوع في مصر في مطبعة المقتطف المسمى «إرشاد الألبا إلى محاسن أوروبا» صفحة 462 قال: «كنيسة القديس بولس الكاتدرائية» هي أفخم المباني التي تستوقف الأنظار وتحار عندها الأفكار، قائمة على مرتفع يشاهد من بعيد، وكان بمكانها في الأصل هيكل لعبادة بعض الآلهة في الأزمان الخالية، ففي سنة 603 بنى بعض الملوك فيه كنيسة استمرت إلى سنة 1666، فاحترقت بتمامها وبقي المحل خاليا تسع سنين حتى شرع في وضع أساس هذه الكنيسة الحالية يوم 21 يونيو سنة 1675، وانتهت في سنة 1710 بعد أن ضربت الدولة لأجل إتمامها ضريبة على معادن الفحم الحجري، وبلغت نفقاتها نحو 748 ألف جنيه.
وهي على هيئة صليب تشابه كنيسة القديس بطرس في رومه، وإن كانت أصغر منها، ويبلغ طول صحنها 152 مترا، وعرضه 36 مترا، وارتفاع قبتها من الداخل 68 مترا، ومن الخارج 111 مترا.
وهي أكبر الكنائس بعد كنيسة القديس بطرس برومه كما تقدم وبعد كنيسة ميلانو الكاتدرائية، والناظر إليها من قريب لا يتحقق جسامتها لإحاطة الأبنية بغالب أطرافها فلا يتحقق من ذلك إلا إذا كان بعيدا عنها.
ومنظر وجهتها من الخارج جميل جدا، عرضها 55 مترا وأمامها سفينة محمولة على اثني عشر عمودا من الرخام يصعد إليها بسلم له اثنان وعشرون درجة وبمقدمها بنية مثلثة بها صور كثير من القديسين ناتئة في الحجر من صنع أحسن الصناع وأشهرهم.
أما من الداخل فهي خالية من النقوش والزخرفة كعادة البروتستانت في كنائسهم وبها كثير من قبور مشاهير الإنجليز وقوادهم جريا على عادتهم في دفن المشاهير من موتاهم في الكنائس تعلو قبورهم فيها الصور والتماثيل، فمن ذلك قبر الأميرال رودني وبجوار قدميه تمثالا شخصين يحكي أحدهما للآخر حديث غزوات الأميرال المذكور على قصد أن الحاكي هو النصر والمحكي له هو التاريخ.
ولا يمنع إنسان من التفرج على ما بهذه الكنيسة من التحف والآثار في كل وقت غير أوقات الصلاة ويعمل بها في كل سنة احتفالان عظيمان في شهري مايو ويونيو أولهما لمساعدة أرامل القسس وأيتامهم، والثاني لمساعدة المدارس المجانية. انتهى.
والقسم الأسفل من هذه الكنيسة على الشكل الكورنثي ودشنت أول مرة في 2 ديسمبر سنة 1697، والحجر الأخير الذي عليه الفانوس وضعه حفيد ورن سنة 1710.
ولما كانت كنيسة مار بولس تبنى كان آخرون يبنون بنايات أخرى مثل مستشفى بيت لحم الذي وضع أول حجر منه سنة 1675 والمدرسة الكلية للأطباء وغير ذلك من البنايات العظيمة الكثيرة، وقد ذكر بعضها بريستون في تاريخه الماسوني.
وبينما كانت هذه المباني الفخيمة تشاد في لندن تحت مراقبة السر خريستوفور ورن أمر الملك تشارلس الثاني السر وليم بروس بارت الرئيس الأعظم في اسكوتلندا أن يرمم سراية هوليرود في أيدنبرج ويعمم الإصلاح في كل البلاد، فبنيت السراي المذكورة على الشكل الأغسطي.
وفي كل هذه المدة لم يهمل شغل الجمعية الخصوصي، بل كان الإخوة يجتمعون في محافل شتى وجددوا عدة محافل وازداد عددهم أيضا وحافظوا على الدرجتين اللتين أدخلتا على الماسونية بعد مقتل «تشارلس الأول».
سنة 1674ب.م:
وفي سنة 1674 استعفي «أرل أوف ريفرس» من الرئاسة العظمى في إنكلترا وخلفه «جورج فيلارس» دوق أوف بوكنهام، وهذا سلم الأشغال لنائب الرئيس الأعظم السر «خريستوفور ورن» والمنبه الأول الأعظم.
سنة 1679ب.م:
وسنة 1679 استعفي دوق أوف بوكنهام فسمي هنري بنت أرل أوف أرلينتون رئيسا أعظم مكانه. ومع أن أشغال هذا الأرل لم تسمح له بالحضور في الاجتماعات كثيرا كان الإخوة يواظبون على الاجتماع وازداد عددهم ودخل بينهم جمهور من الأشراف.
سنة 1685ب.م:
وتوفي سنة 1685 «أرل أوف أرلينتون» فاجتمع الماسون وانتخبوا مكانه السر «خريستوفور ورن».
وتوفي الملك «تشارلس الثاني» وخلفه على الملك «جمس السابع» لاسكوتلندا والثاني لإنكلترا.
جمس الثاني ملك إنكلترا والسابع لاسكوتلندا
سنة 1685ب.م:
هو ثاني أولاد «تشارلس الأول» من امرأته «هنريت دي فرانس»، ولد في 15 أكتوبر سنة 1633 في قصر سان جمس، وتوفي أبوه وهو صغير لا يتجاوز التاسعة من عمره وانتشبت إذ ذاك الحروب الأهلية فشهد معركة أوجهل، وكاد يخسر فيها حياته وشهد حصار بريستول سنة 1643 وأخذ أسيرا بعد افتتاح أكسفورد سنة 1646، وأرسل إلى جزيرة فيرفكس. وكان يقضي معظم أوقاته في قصر سان جمس مع أخيه «غلوسستر» وأخته «إليصابات» تحت وصاية «أرل نرثمبرلند»، وفي سنة 1648 نجا من سجنه وفر إلى نذرلندا، وذهب منها إلى باريس سنة 1649 فانتظم في جيشها وحارب أعداءها، وامتاز ببسالته تحت قيادة تورين القائد العام. وفي سنة 1655 تصالحت إنكلترا وفرنسا فاضطر جمس إلى ترك فرنسا فدخل في جيش الإسبانيوليين وحارب الإنكليز والإفرنسيين، وكان الإسبانيول يحترمونه كثيرا، وسبب لإنكلترا قلقا جسيما خصوصا لانضمامه إلى الكاثوليك. وفي سنة 1660 عاد مع عائلته إلى إنكلترا، وفي 3 سبتمبر من تلك السنة تزوج بحنة هيو بنت «أرل كلارندون» فتوفيت سنة 1671، وتزوج سنة 1673 ثانية بماريا بياتريس إليونورا، وهي برنسة من بيت إستي من مورية، وكانت أصغر منه بنحو 25 سنة، وكان جمس قد اعتنق في منفاه الديانة الكاثوليكية، ولكنه لم يعترف بها جهرا إلا بعد رجوع الحكومة الملكية ببضع سنين؛ أي في سنة 1671، وكان له في البلاط سطوة عظيمة، وعند وفاة أخيه تشارلس الثاني سنة 1685 خلفه في الملك. ودخل جمس في الماسونية وتولى حمايتها، قال صاحب التاريخ الماسوني الفرنسوي: إن الملك جمس كان الأستاذ الأعظم لمجمع هيرودوم الذي كان يدعى محفل كلوينن (وهو الذي عززه روبرت بروس ملك اسكوتلندا سنة 1314 وصيره محفلا أعظم. انظر [الباب الثاني، الماسونية العلمية، روبرت بروس الأول ملك اسكوتلندا])، وجدد جمس دخول درجة القديس أندراوس التي كانت قد أهملت في عهد الإصلاح وضبطت كل أموالها ومقتنياتها، وكان قصده أن يجعل هذه الدرجة علامة مميزة للذين يمتازون عن غيرهم من الماسونيين.
وامتاز جمس بمضاء عزمه وشدة عزيمته على تجديد الحروب الدموية واضطهاد المخالفين له في معتقده وقاوم الكنيسة الأسقفية وألغى امتيازات المدارس الكلية؛ فانقسمت إنكلترا إلى حزبين عظيمين فكان الماسون الاسكوتلنديون من حزب الملك جمس الثاني (أي من حزب الجزويت) والماسون الإنكليز، ومن غرضهم خلعه، وكان كل من الحزبين يؤيد مدعاه ففاز أخيرا الماسون الإنكليز واضطروا جمس إلى الفرار فهرب ومعه كثيرون من الأشراف والجزويت وجماعة الماسون المحازبين له.
15
وفي 30 يونيو سنة 1688 طلب الإنكليز إلى «وليم» الذي كان يدعى «برنس أورانج»، وهو ابن أخ الملك جمس أن يغير على إنكلترا قصد امتلاكها بدلا من عمه فسافر وليم بحرا من هولاندا بجيش مؤلف من 15 ألف رجل، ونزل المهاجمون من ترباي في 25 أكتوبر سنة 1688 فترك جمس الجميع حتى أخته حنة، وهرب من إنكلترا إلا أنه قبض عليه وأرسل إلى لندن، ولكنه تمكن من الهرب ثانية فلجأ إلى فرنسا فقابله «لويس الرابع عشر» بكل إكرام، وعين له مبلغا وافرا لنفقاته، وخصص قصر سان جرمين بإقامته. وابتدأ جمس الثاني يغري لويس الرابع عشر ويحركه ليحارب عدوه ويعيده إلى سرير الملك فأجابه. وبعد انتصارات قليلة أحرزها جمس الثاني عاد فانكسر انكسارا عظيما في المعركة الفاصلة التي جرت في برلين في 1 يوليو سنة 1690، فرجع إلى فرنسا حزينا وظل فيها إلى أن مات في 2 سبتمبر سنة 1701 بداء السكتة.
وكانت الماسونية في كل مدة حكم جمس الثاني متأخرة وانحطت كثيرا، وخصوصا في جنوبي إنكلترا، ولم يبق إلا سبعة محافل أعظمها محفل القديس بولس الذي كان رئيسه السر خريستوفور ورن، ومحفل مستشفى القديس توما ورئيسه السر روبرت كلايتون. وسنة 1689 جلس وليم الثالث وامرأته ماري على سرير الملك.
الفصل الرابع
في طريقة فرسان مار يوحنا أو الستريكت أوبسرفانس1
سنة 1688ب.م:
قال صاحب التاريخ الماسوني الفرنسوي إنه عندما هرب جمس الثاني تاركا سرير الملك تبعه كثير من اللوردات والأشراف والجزويت وشاطروه تعاسته مقتسمين معه المنفى، صابرين على بلواهم غير شاكين ولا متذمرين، ولجأ كثير منهم إلى رومية وفرنسا ليخلصوا من جور المغتصب، وكان أملهم شديدا أن يعيدوا لعائلة ستورت ملكا غصب منها.
وكان أملهم هذا يزداد يوما عن يوم حتى تأصل في قلوبهم وأصبحوا لا يرون بدا من إجراء عمل عظيم يقلبون به السلطة المالكة وتيقنوا أنهم لا يفوزون بمبتغاهم ولا يدركون أمنيتهم إن لم ينشئوا جمعية سرية تسير على شرائع وقوانين حكمية. وكان الجزويت وهم أشد الناس ذكاء في ذلك العصر وأكثرهم مكرا قد راموا أن يحققوا أمانيهم ويجعلوا سلطانهم عظيما في بلاد بروتستانية، فقاموا بأنفسهم في هذا العمل العظيم ونظموا في السر طريقة فرعية أخذوها عن الماسونية.
وأتى هؤلاء بأوراق ماسونية متفرقة وجدت في بعض أديرة إيطاليا، ولفقوا عليها بعض حكايات من الصليبيين وزادوا عليها ما زادوا من فضلات قريحتهم الشاحذة مدخلين أقوال الأغرار الذين وجدوا في الأعصر الوسطى مشركين هذه الخزعبلات بأسرار الماسونية، ولشد ما جدوا واجتهدوا أدركوا أخيرا غاية طالما صبوا إليها وشكلوا طريقة دعوها فرسان مار يوحنا.
وإذ كان الجزويت على حقيقة بينة من أفكار العالم، وأنهم لا يذعنون إلا لما يرونه مستغربا ارتأوا إدخال درجات واطئة ليموهوا على عقول السذج ويتحققوا أمانتهم وإخلاصهم، ويكونوا على بينة من طاعتهم العمياء، وكانت الطاعة وهي شرط أول يفرضونه على الطالب واعدين بزيادة إيضاح كلما ترقى درجة وأحرز رتبة ينالها بصدق وأمانة، وهكذا توصلوا إلى التلاعب في تعاليم الماسونية الطاهرة الشريفة وجعلوا الداخل يسلك طريقة باغية تقضي تعاسته على الانتظام في تلك المؤلفة من عشر درجات.
ولتبقى أمانة الطلاب على ازدياد ويبقى لهم رغبة في التعمق في الأسرار، وليبقوا هم آمنين على نفوذهم وسلطتهم فرضوا على الذين رمى بهم شقاؤهم وأصبحوا هدفا لتلاعب قوم ماكرين طاعة عمياء لرؤساء مجهولين يستخدمون الإخوة ليحققوا أمانيهم العظيمة، ويدركوا غاياتهم السامية، وهي أمنيات وغايات لا تعين إلا للطالب الذي أحرز الدرجة الأخيرة، ومع ذلك لا تعلن له جميعها إن لم يظهر من الإخلاص وسمو المدارك درجة فائقة.
ولما كانت هذه الطريقة التي وضعها الجزويت يشتم منها رائحة الدين والتعصب على أمد لم تكن لترضي العموم، ورأى الجزويت أن نفوذهم كادت تلعب به أيدي الزمان فشحذوا قريحتهم الوقادة وشمروا عن ساعد جدهم واجتهادهم ليروا طريقة تخلصهم من هذا البلاء الذي كان يتهددهم وابتدعوا طريقة جديدة نقفت في فرنسا وأفرخت، وتداعى كثير من العظماء للانتظام في سلكها، وظل تاريخ فرنسا الذي ما فتئ مهدا للتغيرات والعوامل حافظا أثرا لهذه الطريقة، وهي طريقة الستريكت أوبسرفانس التي نقلها إلى ألمانيا البارون «دي هند» وساعد على انتشارها كثيرا، وأما موضوع هذه الطريقة وآراؤها الأساسية فهي أن الماسونية ليست إلا تتمة أعمال فرسان مار يوحنا الجهابذة البواسل الذين هربوا إلى بريطانيا ولجئوا إلى اسكوتلندا ليخلصوا من ظلم الأشرار ويأمنوا على حياتهم.
ولكي يبقى للجزويت مركزهم الأول وسطوتهم الأولى قسموا الممالك إلى تسعة أقسام، وهي الممالك التي كانت دائنة لطريقة الستريكت أوبسرفانس ؛ أولا: ألمانيا السفلى وبولونيا وبروسيا. ثانيا: أوفرنيا
L’auvergne . ثالثا: أوكسيتانيا
L’accitanie ، وهي شرقي فرنسا. رابعا: إيطاليا واليونان. خامسا: برغونيا وسويسرا. سادسا: ألمانيا العليا. سابعا: النمسا ولومبارديا. ثامنا: روسيا. تاسعا: أسوج.
وكان محفل طريقة الستريكت أوبسرفانس الأعظم الإداري في برونسفيك، وكان يدير أعماله ويدبر شئونه الدوق فرديناند دي برونسفيك الأستاذ الأعظم وخلفه في هذا المنصب السامي البرنس شارل دي هيس، وكان لكل مقاطعة رئيس يدعى هرميستر
Hurmeister ، وهو بمثابة جنرال في فرنسا، ومحفل إقليمي وكثير من المحافل الصغرى، وبالإجمال كل ما كان لجمعية فرسان مار يوحنا القديمة.
وكانت طريقة الستريكت أوبسرفانس التي دعيت هكذا نظرا لصرامة الدقة السائدة عليه بعكس الطرائق الأخرى التي في إنكلترا، والتي كانت كثيرا ما تتساهل وتدعى لارج أوبسرفانس
Large observance ، وكانت تستر مقاصد رؤسائها الخفيين تحت مظاهر علم الكيمياء وغيرها من الخزعبلات، وتعلم أسرار طريقة الصليب الأحمر وغيرها من الجمعيات السرية.
ومع ذلك لم يطل زمن هذه الجمعية المدعوة ستريكت أوبسرفانس في ألمانيا زمنا طويلا، إذ لم يتجاوز الخمس سنوات؛ أي من سنة 1767 إلى سنة 1772، وبعد ذلك سقطت هذه الجمعية من أوج عظمتها إلى دركات الذل والهوان، ولم يبق من له رغبة فيها وكادت تضمحل. ولما بدأ العالم يحذر من رؤسائها المجهولين كالبارون دي هند وجونسون وغيرهما، وكشف القناع عن مكرهم وعرفت غاياتهم بأنها ليست إلا خدمة مصلحتهم الخاصة فصلوا عن الماسونية باحتقار وابتدءوا بسن شرائع وقوانين تقرب من الماسونية الحقيقية المتبع إجراؤها في المحافل الإنكليزية وانتخبوا الدوق «فرديناند دي برونسفيك» سنة 1772 أستاذا أعظم لكل المحافل التابعة لطريقة الستريكت أوبسرفانس في أقطار المعمور الأربعة.
وانتبهت الخواطر في فرنسا أيضا إلى هذه الجمعية وما تأتيه من الأعمال، فأرادوا درسها والاطلاع على أسرارها ليعلموا إن كانت تحوي حقيقة علوما خفية، أو كما هو الظاهر منها ومن نتائجها، أي المكر والضلال، وإن كان ثم أثر لما قيل عنها وعن تعاليمها الصنائع والتاريخ وسائر الفنون، فاجتمعت محافل فرسان مار يوحنا الفرنسوية في ليون سنة 1778 بمجمع خاص وتذاكروا في أعمال الجمعية ونتائجها وأقروا على تحوير قوانينها ونص شرائع أخرى وتأليف جمعية على طريقة جديدة تتبع الحق في أعمالها.
ورأى ماسون ألمانيا هذا العمل فثارت في فؤادهم عوامل الغيرة وهبوا من غفلتهم نشيطين ليروا أعمال هذه الجمعية الجديدة ويتحققوا فيما إذا كانت أعمالها موافقة للتعاليم الماسونية ويرجعوا إلى المبادئ الحقيقية البسيطة التي تعلمها محافل بريطانيا الماسونية.
واهتم الدوق دي برونسفيك بهذا الأمر كثيرا وشمر عن ساعد جده واجتهاده بهمة شماء لا تعرف الملل ولا يعروها الكلل، وعزم أن يتحقق أصل الماسونية ويدرك الغاية التي طالما صبا إليها أسلافه فأذعن لطلبات المحافل قاطبة وألف مجمعا عاما لكل الماسونيين في ويلهلمسباد، والتأم هذا المجمع للمرة الأولى في 16 يوليو سنة 1782، وكان حاضرا فيه مندوبون من كل الأقاليم والمحافل الذين سارعوا ليشتركوا في هذا العمل المجيد، وكان الدوق دي برونسفيك الأستاذ الأعظم يصحبه كثير من مندوبي محافل فرنسا جاءوا ليحضروا هذا الاجتماع (انظر [الباب الأول، الفصل التاسع]).
وبعد أن عقدت ثلاثون جلسة طرحت فيها مسائل عديدة وتذاكروا في خلالها في أمور جمة عائد نفعها على الماسونية قاطبة كمعرفة أصلها وتعاليمها وتاريخ ظهورها ومبدأ نشأتها وواضعها الأول، ولكن هذه المسائل كلها لبثت بلا جدوى ولم يجب أحد عليها بما يبرد غليلا أو يبرئ عليلا، وبعد محاورات طويلة ومذاكرات جمة التأم الماسون بناء على طلب مندوبي فرنسا التابعين لإقليم بورغونيا وقرروا ما يأتي لخير الجمعية الماسونية وواسطة امتدادها وإجلاء لغوامض أسرارها:
إن الماسونيين الحاليين هم وحدهم الذين أعطوا علم الحق وتلقنوا الأسرار العظيمة الموحاة إليهم ليعرفوا الحق وليسيروا على موجبه غير متحاملين على أحد ولا شاكين ضرا أو ناكرين مساعدة وليسوا من سلالة فرسان مار يوحنا الحقيقيين؛ إذ يستحيل أن يكونوا ماسونا أهلا ليقبلوا الثلاث درجات الرمزية، ولكن رغما عن هذا المبدأ الشريف قررت الجمعية أن تبقي درجة تاريخية لطريقة فرسان مار يوحنا تعلم في آخر درجاتها.
هذا هو أساس تعليم الجمعية الماسونية الاسكوتسية الجديدة الذي تحور بعد طول جدال ومناضلات وليس غايته سوى الرحمة والحنان.
وكان تحوير طريقة الستريكت أوبسرفانس الذي كانت غايته اتحاد الكلمة الماسونية ولم شعثها فلا يبقى فيها انقسام ولا أحزاب فتوافق النوايا يستوجب اتحاد العمل وباتحاد العمل تحصل القوة العظيمة القاضية على العالم بالعمران بعد خراب عظيم سببه أصحاب المفاسد والغايات.
ولم تظهر هذه الطريقة في بدء نشأتها ذات أهمية عظيمة ولم تمتد بسوى بورغونيا وبقيت منحصرة في محافلها مدة طويلة حتى تشعبت أخيرا ودخلت سويسرا، حيث امتدت امتدادا عظيما، ورأت تهافت الطلاب عليها تهافت الجياع على القصاع.
ولكن لم تحرز في ألمانيا ما أحرزته في غيرها من البلدان، فكثير من المحافل تركها وشأنها وأقبل على الطرق البريطانية القديمة التي تعاليمها بغاية البساطة، وكان المنفصلون عنها كثيرين كمحفلي فرانكفورت وويلزر اللذين أنشآ محفلا أعظم دعواه بالطريقة الكهربائية وهو ذو ثلاث درجات.
ولكن بقيت طريقة الستريكت أوبسرفانس أو طريقة فرسان مار يوحنا المحورة ثابتة في فرنسا وألمانيا، رغما عما طرأ عليها من العوامل والانفعالات، فكان كل محفل يدخل إليه درجات عديدة أو قليلة حسبما تقتضيه الأحوال والأزمان، فكانت الدرجات محصورة بين الدرجة الخامسة والدرجة الثالثة والثلاثين وهكذا، فالمحافل التي أسسها محفل إنكلترا الأعظم القاضية بعدم قبول درجات عالية هذه أيضا دخل عليها عامل التغيير وطرأ عليها فاعل الغيرة، فأخذت تدخل إليها الدرجات العديدة أسوة بغيرها.
وكانت الطريقة الاسكوتلندية الأصلية مؤلفة من سبع درجات منها اثنتان أدخلتا على الثلاث الدرجات الأصلية من سنة 1650 إلى سنة 1660، وقد أدخلها أشياع عائلة ستورت المالكة بعد مقتل تشارلس الأول، ومن سنة 1670 إلى سنة 1680 قام هؤلاء الأحزاب أنفسهم وأدخلوا درجتين أيضا وهما بمثابة سلم يرقى به الطالب إلى كل الدرجات الرمزية.
وامتدت هذه الطريقة كثيرا من سنة 1728 إلى سنة 1740 بواسطة الدكتور بارون دي رامازي وهو إنكليزي اسكوتلندي ومندوب سري من الجزويت.
أما اليوم فمعظم المحافل الماسونية في العالم تركت هذه الطرق القائلة بكثرة الدرجات التي دخلت على الجمعية الماسونية في أواخر القرن الماضي، ولم تعد تعتبر سوى الدرجات الثلاث الرمزية الأصلية الحاوية بنفسها كل التعاليم والشرائع الماسونية، والمحافل التي لا تزال فيها هذه الدرجات تعتبرها ثانوية بالنسبة إلى الثلاث درجات الرمزية التي عليها المعول في كل العالم.
وليم الثالث ملك إنكلترا
سنة 1688ب.م:
وليم الثالث كان يدعى برنس أورانج، وهو ابن أخي الملك جمس الثاني المتقدم ذكره وزوج ابنته، ولد في 14 نوفمبر سنة 1650، وتربى وترعرع إلى سنة 1669 لما قامت الأحزاب بعضها على بعض في إنكلترا وتحزب الكاثوليك والماسون الاسكوتلنديون لجمس السابع والبروتستانت والماسون الإنكليز ضده فتغلب الحزب الثاني على جمس، وكانوا قد أرسلوا خفية كتابات من قبل أرلات تشرسبوري وديفونشير ودامبي والأدميرال روسل وغيرهم من رؤساء حزب الأحرار إلى وليم الذي كان مقيما في هولندا يدعونه إلى إنكلترا بقوة مسلحة لتخليص المملكة من جمس والكاثوليك، فأتاها بأسطول مؤلف من 750 سفينة وفيه خمسة عشر ألف عسكري. وجمع جمس قوته وعساكره وخرج من لندرا، وكان الشقاق قد تفاقم بين حزبه وجاء كبارهم إلى وليم برنس أورانج في أول الليل، وفي الصباح تبعهم كبار ضباط العساكر حتى إن البرنس جورج زوج ابنة جمس ودوق أرموند وغيرهم انضموا إلى وليم. ولما عاد جمس إلى لندن، ورأى أن ابنته وزوجها والشعب كله يترحب بوليم هرب في 11 ديسمبر سنة 1688 بمركب صغيرة فاشتبه الصيادون فيه وفي الذين معه من جماعة الجزويت فحبسوه عندهم إلى أن أتى «لورد فيفرشام» وحافظ عليه، ثم أعيد إلى لندن وكاد يعود إليه ملكه لو سمع كلام المخلصين، ولكن لشدة ما رأى وسمع من الشعب أن «لا بابا ولا كاثوليك»، وأن اللوردات عينوا حكومة وقتية هرب ثانية إلى فرنسا، واعتصم بملكها لويس الرابع عشر فقابله بالترحيب، وتوفي بداء الفالج في فرنسا كما تقدم في ترجمته. وقرر البرلمان بما أن جمس هرب من المملكة وخالف قانونها فيعد هربه تنازلا عن تخت الملك، وبعد مداولات كثيرة تقرر أن لا يكون الملك من الآن فصاعدا في إنكلترا إلا من البروتستانت، وأن يتوج وليم وامرأته ماري فتوجا في 13 فبراير سنة 1689. وبعدما جلس وليم على تخت الملك انقطع دابر الثورة وهدأت الأحوال.
وفي تلك الأثناء اضطرت المملكة إلى استقراض دراهم لإصلاح أحوالها، فاستلفت المال من أغنياء بلادها، وكان هذا أول دين على الحكومة أقيم لأجله بنك إنكلترا سنة 1694.
سنة 1694ب.م:
وانكب وليم على إصلاح داخلية البلاد وأخمد الفتن، ونمت في أيامه الأقاليم البريطانية، وامتدت تجارة إنكلترا وزادت صنائعها. وألغى لويس الرابع عشر ملك فرنسا الامتيازات التي كان البروتستانت قد نالوها من جده هنري الرابع وضايقهم في أمور دينهم فهاجر نحو خمسين ألفا منهم إلى إنكلترا، وكان بينهم جمهور غفير من الماسون وأصحاب الصنائع والحرف المهمة، فكانوا من جملة وسائط تقدم إنكلترا.
وفي مدة حكم وليم نبغ الفيلسوف الشهير «إسحاق نيوتن» وأذاع على الملأ اكتشفاته التي لم يسبقه إليها أحد من البشر ومصنفاته التي لا تزال إلى الآن يستنير بها العالم بأسره، وكان مع ما وهبه الله من الحكمة والعلم تقيا ورعا مخلصا وله في المسائل الدينية عدة مؤلفات، وكان الملك وليم يعضد أعمال هذا الفيلسوف الذي لم يقم أعظم منه إلى أيامنا.
وشيدت المدارس ومكاتب للصدقة في لندن وضواحيها، وتقرر مبالغ معلومة للملك وعائلته ووجود جيش ثابت للمملكة، وأعطيت الحرية للأديان وغير ذلك من الإصلاحات، وحدث بعض أمور مهمة في المملكة تدبرت بالحكمة وتغلب وليم على خصومه.
سنة 1694ب.م:
وأصيبت الملكة «ماري» بداء الجدري فتوفيت في 28 ديسمبر سنة 1694.
سنة 1695ب.م:
وسنة 1695 دخل وليم سرا في المحافل الماسونية وعززها بهيبته الملوكية، فنمت وارتقت ووافق على اختيار السر «خريستوفور ورن» رئيسا أعظم وعزز المحافل بهذا الانتخاب، ولا سيما محفل همبتون كورت الذي رأسه الملك مرات عديدة، بينما كان القسم الجديد من ذلك المحفل يبنى. وفي مدة حكمه بني قصر كنسنتون ومستشفى كلسي وقصر كرينويج الذي صار مستشفى للبحرية تحت مراقبة خريستوفور ورن.
سنة 1696ب.م:
وقام جماعة سنة 1696 يرومون قتل وليم، فعرفت مكيدتهم وعوقب بعضهم.
سنة 1697ب.م:
وسنة 1697 احتفل الماسون احتفالا عظيما حضره جمهور غفير من الإخوة الأشراف وغيرهم، ومنهم «تشارلس دوق أرتشموند» و«لينوكس» الذي كان رئيسا أعظم لمحفل تشيشستر، وانتخب الدوق المشار إليه رئيسا أعظم للمحفل الأكبر الإنكليزي في تلك السنة فعين خريستوفور ورن نائبا عنه وإدورد سترن سنير، وإدورد سترن جنير منبهين، وبقي رئيسا سنة وخلفه خريستوفور ورن الذي بقي رئيسا أعظم إلى حين وفاة الملك وليم.
سنة 1701ب.م:
وسنة 1701 تفاوض البرلمان في خلف لوليم على المملكة؛ لأنه لم يكن له عقب، فتقرر أن تكون حنة ابنة جمس الثاني الملكة لإنكلترا بعده؛ لأنها كانت بروتستانية.
سنة 1702ب.م:
وضعف جسم وليم ونحل، وبينما هو راكب على حصانه كبا به فرماه فانكسر عظمه، وبعد خمسة عشر يوما توفي في 8 مارس سنة 1702 في الثانية والخمسين من عمره، فحزنت الأمة عليه.
الملكة حنة ابنة جمس الثاني
سنة 1702ب.م:
وتبوأ تخت الملك بعد وليم حنة ابنة جمس الثاني سنة 1702، فكان حكمها مجيدا، وفي أثنائه استولت إنكلترا على حصن جبل طارق في 23 يوليو سنة 1704، واشتهر عصرها بوجود العلماء والفلاسفة مثل إسحاق نيوتون وجان لوك الفيلسوف الإنكليزي الذي كان ماسونيا، وتوفي سنة 1704 وملتون وبنيان ودريدن، وألفوا كتبهم المفيدة في الفلك والهندسة والشعر والديانة وغير ذلك، وامتدت بهم العلوم والفنون في سائر أقطار العالم. وكانت اسكوتلندا تود أن يكون الملك منها وفيها، وعزمت على القيام ضد إنكلترا فتلافى عقلاء اسكوتلندا وإنكلترا المسألة، وعينوا مندوبين من برلمان إنكلترا واسكوتلندا فاتحدت المملكتان بمعاهدة أنهما تكونان مملكة واحدة باسم بريطانيا العظمى ومصلحتهما واحدة والمالك يكون بروتستانتيا، ومن ذلك الوقت دام الاتحاد إلى الآن. وتوفيت حنة سنة 1714 وعمرها 49 سنة، وهي آخر من ملك على إنكلترا من عائلة ستورت التي كانت بداية حكمها على إنكلترا سنة 1603.
الفصل الخامس
الاستعداد لتحويل الماسونية العملية إلى رمزية
وأهملت الاجتماعات الماسونية والاحتفالات السنوية وقل عدد الأعضاء في المحافل ولم يبق إلا محفل القديس بولس وبعض المحافل مواظبة على الاجتماع.
سنة 1703ب.م:
فاجتمع الإخوة الماسون الغيورون في سنة 1703 بمحفل مار بولس بلندن وتباحثوا في أمر الماسونية والأسلوب الذي ينبغي اتخاذه لنهضتها وتعزيز شأنها فأقروا على تغيير موضوع الجمعية من عملي إلى رمزي؛ لكي يتيسر لهم ضم غير البنائين العمليين إليهم، ولأن كثيرين من غير المتعاطين صناعة البناء كانوا قد دخلوا الجمعية أعضاء شرف واطلعوا على أسرارها، وبعد مباحثات طويلة أقروا على ما يأتي:
إن منافع الماسونية وامتيازاتها لا تقتصر من الآن فصاعدا على البنائين العاملين؛ بل تمتد إلى رجال الحرف الأخرى على شرط أن يصادق على دخولهم في الماسونية.
وهذا نص الجملة كما وردت بتاريخ بريستون صفحة 180:
THAT THE PRIVILEGES OF MASONRY SHOULD NO LONGER BE RESTRICTED TO OPERATIVE MASONS, BUT EXTEND TO MEN OF VARIOUS PROFESSIONS, PROVIDED THEY WERE REGULARLY APPROVED AND INITIATED INTO THE ORDER.
ولم يمكن تنفيذ هذا القرار بالسرعة؛ لأن الأفكار لم تكن مستعدة لقبوله والإخوة البنائين استغربوه وبعضهم قاومه وحصل انشقاق بسببه بين ماسون إنكلترا، وأما ماسون اسكوتلندا فبقوا زمنا على ما كانوا عليه، وكذلك ماسون بقية الممالك، ولكنهم بعد قليل اتبعوا طريقة ماسون إنكلترا فصاروا يقبلون بينهم أصحاب الحرف الأخرى كما سيجيء معنا في الكلام عن الماسونية الرمزية.
سنة 1707ب.م:
وسنة 1707 كانت المحافل الألمانية الثلاث متمتعة بحقوقها وامتيازاتها فتحكم وتنهي الخلاف بين العملة، ولكنها لم تكن ذات أهمية يعبأ بها، وكان الإخوة لا يزالون يشتغلون في كنيسة القديس بولس بلندن من 27 سنة مضت إلى سنة 1710، حيث انتهوا من العمل فبلغت نفقاتها نحو مليون ليرة.
سنة 1714ب.م:
وسنة 1714 توفيت الملكة حنة فجلس على عرش الملك جورج الأول الذي كان يدعى لويس.
جورج الأول ملك بريطانيا العظمى وأيرلندا
ولد في اسنابروك بألمانيا سنة 1660 وهو أمير من عائلة هانوفر الألمانية، وأول من ملك منها وأبوه «إرنست أوغسطس» زوج «صوفيا» حفيدة جمس الأول، وكان قد حارب الفرنسويين والأتراك حينما كان في الجيش سنة 1698، وسنة 1700 حارب الدنيمارك وأسوج، ورفع الحصار عن توننجن، وسنة 1707 إلى 1709 كان متقلدا قيادة جيوش المملكة، ولما توفيت أمه صوفيا سنة 1714 صار هو أكبر وارث شرعي لحنة ملكة إنكلترا التي عندما توفيت في شهر أوغسطس من تلك السنة جاء مع ابنه البكر فوصل إلى كرينويج في شهر سبتمبر فألبس التاج في شهر أكتوبر سنة 1714.
سنة 1714ب.م:
وفي هذه السنة ترأس على محفل كلوينن الأعظم، ولم تنجح الماسونية العملية مدة ملكه.
وعصاه بعض الأحزاب في اسكوتلندا وشمال إنكلترا فانتصر عليهم وقبض على العصاة وعاقبهم شديد العقاب. وكان لا يعرف اللغة الإنكليزية، ولم تحبه الرعية كما ينبغي وحدث في أيامه جملة حروب مع إسبانيا؛ لأنها قصدت منع اتصال التجارة الإنكليزية مع مستعمراتها الأميركية، ورغبت استخلاص جبل طارق فلم تنجح بشيء.
وكان قد رزق ولدا من زوجته صوفيا دعاه أوغسطس، وهو الذي خلفه في الملك باسم جورج الثاني، وابنة سماها صوفية دوروتس، تزوجت سنة 1706 بفردريك وليم الأول ملك بروسيا.
وسنة 1727 خرج قاصدا هانوفر، ويقال إنه جاع في أثناء الطريق فأخذ بيضتين من منزل المسافرين وأكلهما، ثم قدم صاحب المنزل حسابه، وإذا هو قد طلب ثمن البيضتين عشرين دينارا، فقال له الملك: علام هذا الغلاء الفاحش، هل البيض نادر عندكم؟ فقال صاحب المنزل: كلا يا مولاي، ولكن النادر مرور الملوك بنا، فسر الملك بجوابه وأمر له بما طلب.
وفي 10 يونيو أصيب بنوبة في مركبته وتوفي قبل أن يصل إلى اسنابروك، فدفن في هانوفر سنة 1727.
العمل العظيم
ذكرنا فيما تقدم عن حالة الماسونية والتقلبات التي طرأت عليها منذ عرفت إلى هذا التاريخ، وقلنا إن الجمعية كانت مؤلفة من بنائين عمليين صناعتهم البناء والنقش وما أشبه، وذكرنا الذين نبغوا منهم والسراة والعظماء الذين انضموا إليها أعضاء شرف، ولخصنا يسيرا من تاريخهم وتشجيعهم الجمعية والصناع حتى تمكنوا من إقامة البنايات الفخيمة في جهات متعددة من العالم، ولما انحطت صناعة البناء تأخر البناءون عن الاجتماعات وكادت الجمعية تتلاشى والمحافل الثلاثة التي بجرمانيا كانت منحطة ومثلها المحافل الأربعة التي في جهات لندن وفي اسكوتلندا وغيرها، وتوقف كثير من المحافل في بقية الممالك حتى غدت أثرا بعد عين، فارتأى محفل مار بولس بلندن الذي كان أكبر هذه المحافل وأعظمها، أن لا يحصر أعضاء هذه الجمعية بالبنائين فقط، بل يجيز لغيرهم من أصحاب الحرف أن يشترك فيها أيضا بشرط موافقة الإخوان على قبوله، كما مر بنا في القاعدة المدرجة [في الباب الثاني ، الفصل الخامس] من هذا الكتاب، وسن لائحة لندن التي أشرنا إليها في [الباب الأول، الفصل الثامن والفصل التاسع] من هذا الكتاب ومضمونها ما ذكر آنفا.
سنة 1716ب.م:
وزاد المرض على السر خريستوفور ورن، وتوالت عليه الأسقام فمنعته عن الاجتماع مع الإخوان، واستأثرت رحمة الله به في تلك السنة (1716) بعدما خدم الإنسانية والوطن في حياته أجل خدمة يسطرها له التاريخ بمداد الفخر والثناء مدى الدهر، وحزن عليه كل من عرف حسن سجاياه وأعماله المبرورة.
ولما حرم الماسون احتفالاتهم وأعيادهم التي اعتادوها كل سنة ورأوا أنفسهم بغاية التأخر حركت النخوة ماسون لندن وضواحيها فاجتمعوا مرارا متوالية اجتماعات غير رسمية، وتحادثوا مليا في وجوب انتخاب رئيس أعظم يحيي الاجتماعات السالفة، ويوطد بين الإخوان دعائم المحبة والإخاء.
وكان المنشور الذي بعثه محفل مار بولس سنة 1703 لا يزال مهملا، ولم يعمل به حسب الواجب إلى سنة 1717 لما اجتمع جمهور من عظماء الماسون برئاسة الأخ المحترم الفيلسوف الطبيعي الدكتور ثيوفيلوس ديزاغليه عضو الجمعية العملية الملكية الذي كان محبوبا عند الملك جورج الثالث ومقربا منه، واستعان هذا الأخ الفيلسوف بصديقيه وأخويه الماسونيين الشهيرين «جورج باين» العالم بالآثار القديمة، والدكتور «جمس أندرسون» اللذين كانا مساعدين له، فتداول الجميع في أمر إنشاء محفل أعظم باتحاد المحافل الأربع التي لم يبق سواها في جنوبي إنكلترا، وهي: (1)
محفل كوز وكريديرون
Goose and Grediron ، وكان يجتمع في فسحة كنيسة مار بولس. (2)
محفل كرون
Crown ، وكان يجتمع في باركرزلين بجانب دروري لين. (3)
محفل أبل تري تفرن
Apple-tree Tavern ، وكان يجتمع في تشارلس ستريت كفن كاردن. (4)
محفل رمر وكريبس تفرن
Rummer and Grapes Tavern ، كان يجتمع في كنل رو وستمنستر.
سنة 1717ب.م:
وفي شهر فبراير سنة 1717 اجتمعت هذه المحافل مع بعض الإخوة في محفل أبل تري تفرن وانتخبوا أكبر رئيس ماسوني كان حاضرا ليجلس على كرسي الرئاسة إلى حين انتخاب رئيس قانوني عليهم، ودعوا أنفسهم المحفل الأكبر المنتظم على هيئة جديدة، وقرروا في ذلك الاجتماع وجوب تجديد العلاقات الأخوية مع سائر البنائين الأحرار، وأنه ينبغي أن يحيوا الاحتفالات السنوية المعتادة في 24 يونيو في محفل كوز وكربديرون في دار كنيسة القديس بولس، وفي ذلك الاحتفال ينتخبون رئيسا أعظم.
وفي السنة الثالثة من حكم الملك جورج الأول يوم عيد مار يوحنا المعمدان في 24 يونيو سنة 1717 عقدت جلسة ماسونية حافلة جمعت كل الإخوان الغيورين في محفل مار بولس برئاسة أكبر رئيس في أقدم محفل ماسوني، وبعد تلاوة الفروض القانونية والصلاة المعتادة باسم مهندس الكون الأعظم تلي على الحاضرين خلاصة ما ارتآه الإخوان في مداولتهم السابقة بشأن تغيير موضوع الجمعية ووجوب انتخاب رئيس أعظم يدير شئونها حسب الواجب، وبعد تقديم أسماء كثيرين من الإخوان الأفاضل الذين يليقون لهذه الوظيفة السامية وقع الانتخاب على المستر «أنطوني ساير» فعين رئيسا أعظم وحينئذ ثبته الرئيس الذي كان جالسا على كرسي الرئاسة حسب الأصول وهنأه الإخوة الحاضرون وقدموا له الطاعة من تلك الساعة فباشر هو أيضا إتمام واجباته وانتخب مشبهين للمحفل الأكبر وأمر الإخوة أعضاء الأربعة المحافل المتقدم ذكرها أن يجتمعوا للمداولة معه ومع المنبهين لترتيب أوقات الاجتماعات والنظر في أشغال الجمعية عند كل فرصة مناسبة.
ومن الأمور التي تقررت في تلك الجلسة أن الاجتماعات الماسونية التي لم يكن لها حد في ذلك الوقت تمنح لمحافل قانونية وتجتمع في أماكن خصوصية، وكل محفل يجتمع من الآن فصاعدا ما عدا المحافل الأربعة المتقدم ذكرها يجب أن يكون معه براءة قانونية مصادق عليها من الرئيس الأعظم، وتعطى لشخص معلوم يكون قد قدم التماسا بفتح محفل جديد مع آخرين (كما هو الآن) ومتى صادق الرئيس الأعظم والمحفل الأكبر تعطى له البراءة التي بدونها لا يعتبر أي محفل قانونيا (فنتج عن هذا القرار تجديد عدة محافل قانونية في لندن وضواحيها نالت البراءة واشتغلت بنظام)، ومما تقرر في تلك الجلسة أيضا أنه يجب على الرؤساء والمنبهين في المحافل القانونية أن يحضروا جلسات المحفل الأكبر ويقدموا تقاريرهم السنوية عن أعمال محافلهم، وأن يرسلوا للمحفل الأكبر نسخا من قوانينهم الداخلية، وأن يبدوا ملاحظاتهم عن كل ما يرومون إضافته أو حذفه أو تحويره حسب أحوالهم، بشرط أن لا يخالفوا الأمور الجوهرية التي قررها المحافل الأربعة ووافقوا عليها في هذه الجلسة، وهي التي بنيت عليها هذه الجمعية من قديم الزمان ومتى صادق المحفل الأكبر على ما يعرض عليه يعتبر قاعدة للعمل يسير بموجبها إخوة ذلك المحفل.
واحتراما لأخوة المحافل الأربعة الذين منهم تأسس المحفل الأكبر تقرر أن يكون لهم كل الامتيازات والحقوق التي تمتعوا بها سابقا، وأن لا قانون ولا مادة من التي يسنها المحفل الأكبر تفقدهم شيئا من امتيازاتهم، أو تتعدى الحدود التي وضعت في تلك الجلسة كأحكام قاطعة.
ولما تقررت هذه الأمور واتحد أعضاء المحافل الأربعة القديمة وضع فيهم بقية الأعضاء الذين كانوا قديما عماد العمل تمام الثقة وعدوهم أركان الأخوية الماسونية الحديثة التي سيكون عليها المعول في المستقبل.
فاتفقت المحافل الأربعة أن تمد حمايتها على كل محفل يؤسس حديثا ويصادق عليه المحفل الأكبر حسب القانون الجديد.
وبينما كانت هذه المحافل تعمل بالموافقة مع القانون القديم كان مسموحا لرؤسائهم ومنبهيهم أن يتمتعوا بكل امتيازات المحفل الأكبر، ما عدا التقدم في الرتب الماسونية، وكان الإخوة يجتمعون في المحفل الأكبر بكل محبة وبينهم كثيرون من أعضاء المحافل الأربعة الذين لما رأوا أن الأمور جارية على أحسن ما يرام طبق ما يرغبون فيه وضعوا ثقتهم برؤسائهم وملاحظيهم لينوبوا عنهم ويفيدوهم بكل ما يحدث قبل أن يصادق عليه.
ورأى هؤلاء الإخوة أنه إذا كان يمنح أعضاء المحافل المستجدة الحرية للحضور في اجتماعات المحفل الأكبر ربما يزيد عددهم عليهم وبكثرة الأصوات يقررون ما ينافي المبادئ التي أسست عليها هذه الجمعية ويذهبون بالفائدة التي تنجم عنها، ولكي يتدرجوا إلى تغيير موضوع الجمعية القديم ويجعلوا الأسلوب الحديث قاعدة العمل والمحافل الأربعة المركزية الموجودة في إنكلترا وغيرها تابعة للنظام الحديث على توالي الأيام قرروا بالاتفاق سن قوانين جديدة للأحكام الماسونية لكي تسير عليها في المستقبل.
محفل يورك الأعظم
سنة 1717ب.م:
أما محفل يورك الأعظم والمحافل التابعة له فلم تغير شيئا من نظامها القديم سنة 1717، وظلت مواظبة على الاجتماعات محافظة على النسق القديم، وكذلك المحافل الماسونية في أيرلندا وألمانيا وغيرهما لم تكن اجتماعاتها منتظمة ولم تتقدم كثيرا، ولكن الإخوة حافظوا أشد المحافظة على نظاماتهم القديمة وطقوسهم الأصلية مع شعورهم بلزوم اتباع الخطة الجديدة التي قررها محفل مار بولس والمحافل التابعة له، وكان كثيرون من المحفل اليوركي الأعظم يظنون أن محفل مار بولس أتى شيئا فريا، وأنه لا يحق له أن يحور أو يغير ويبدل في نظاماته، علاوة على ما كان متبعا قديما، ولكي لا يدعوه ينجح اجتهدوا في إحياء اجتماعاتهم على النسق القديم وزادوا عددهم، وإنما التغيير المهم الذي حدث بمحفل مار بولس جعل كثيرين يقبلون على الانضمام تحت لواء الماسونية الحديثة (الرمزية) أكثر مما يقبلون على الماسونية العملية.
وكانت الرئاسة العظمى في محفل يورك لا تزال منحصرة في عائلة سانكلار روسلين الشهيرة، وبقي الماسون في يورك على ما تقدم يجتمعون اجتماعاتهم ويعيدون أعيادهم، ودخل بينهم جماعة من الذين لم تكن صناعتهم البناء، وبالاختصار إن الإخوة الذين خدموا بهذا المحفل كانوا مثالا للفضيلة وبرهانا على قدمية الماسونية وسمو مبادئها، ولم يتبعوا القرار الذي قرره محفل مار بولس كما تقدم لاعتقادهم أنه مناف لمبادئ الجمعية الأصلية، ولم يغيروا شيئا من مبادئهم القديمة، ولا خضعوا للمحفل الأعظم الإنكليزي السابق ذكره وظلوا مستقلين في أعمالهم تخضع لهم بضعة محافل إلى أن أبدلوا الماسونية القديمة بالحديثة بعد بضع سنين، كما سيأتي معنا في غير هذا المكان.
أما الماسونية العملية في جرمانيا فنكتفي بالإشارة إلى ما ذكرناه عنها في [الباب الأول، الفصل الخامس] من هذا الكتاب، ففيها غنى عن الإسهاب.
المحافل الأربعة الإنكليزية
سنة 1717ب.م:
أما المحافل الأربعة؛ أي محفل مار بولس، ومحفل كرون، ومحفل أبل تري تفرن، ومحفل كريبس تفرن، فهذا ما جرى لها: (1)
محفل مار بولس تغير اسمه ويدعى الآن محفل الآثار (الأنتيكة)، وكان يجتمع في دار كنيسة القديس بولس، ولا يزال إلى الوقت الحاضر يجتمع قانونيا يوم الأربعاء في رابع أسبوع من الأشهر الآتية، وهي: يناير وفبراير ومارس ومايو ويوليو وأكتوبر ونوفمبر، وهو في نمو عظيم ونجاح مستديم ولديه سجلات قديمة وآثار مختلفة غريبة ثمينة. (2)
محفل كرون الذي كان يجتمع في باركرزلين دامت اجتماعاته نحو خمسين عاما، وتوفي كل أعضائه القدماء فتلاشى. (3)
محفل تري تفرن الذي كان يجتمع في تشارلس ستريت كثمن كاردن يظهر من السجلات أنه في سنة 1722 حصل اختلاف بين أعضائه فنقل إلى نايف أكر واتبع الماسونية الحديثة وتسجل بنمرة 10. (4)
محفل رمر وكريبس تفرن الذي كان يجتمع في كنل رو وستمنستر نقل إلى هورن تفرن في نيو بالس، حيث داوم اجتماعاته. ولما رأى أن الماسونية القديمة العملية التي حافظ عليها تكاد تتلاشى وحل محلها الماسونية الحديثة التي أخذت جماعة من أعضائه نبراسا لها اتفق أعضاؤه أن ينضموا إلى محفل آخر حديث تحت رعاية المحفل الأكبر الإنكليزي، وكان محفل سمرست هوس من المحافل الزاهية فانضموا إليه.
وهذه المحافل الأربعة حافظة كل المحافظة على ترتيبها ونظامها مدة قيامها كلها، واستعملت كل حقوقها وامتيازاتها التي خولتها فكانت تقبل الماسون وتولي الرئاسة للرؤساء وتنتخب موظفين وغير ذلك من الأعمال التي كانت مستقلة عن المحفل الأكبر، وأما غيرها من المحافل فلم يكن لها هذا الحق. وامتدت الماسونية بعدما تقدم امتدادا عظيما لا يصدق وعمت أطراف المعمور الأربعة في خمس وعشرين سنة، وأصبحت هي وحدها القابضة على زمام الأحوال، وما لها في ذلك غاية سوى تنظيم الأعمال وتطبيقها على الشرائع الإلهية، فدخلت من إنكلترا إلى فرنسا أولا، ثم منها إلى بلجكا فهولاندا فألمانيا فأميركا فالبورتغال فإسبانيا فإيطاليا فسويسرا فاسوج فبولونيا. وفي سنة 1740 أنشئت المحافل العظيمة في الدنيمارك وروسيا وجزائر الأنتيل وأفريقيا والهند، ومن هناك تشعبت فعمت آسيا بما فيها من الجزائر والبلدان.
فإذا كانت الماسونية قد تركت البناء وشأنه ولم تعد تهتم به ولبثت محافظة على التقاليد والرموز الأولى التي أنزلت عليها، وكفت عن إنشاء الكنائس وتشييد المعابد التي ترفع قلوب الشعب نحو الله وتصيرهم أبناء صالحين، فإنها لم تكف قط عن عمل الخير وإنشاء ما هو خير من تشييد المنازل والقصور وزخرفة الحجارة وتزويقها؛ ألا وهو تهذيب الأخلاق، والأمر بعمل الخير والنهي عن إتيان الشر وارتكاب المنكر آمرة بمحبة أخوية تشمل كل أعضائها مهما تفرقت نزعاتهم واختلفت لغاتهم وتباينت غاياتهم، وهذا سر تقدمها السريع وانخراط الجميع في عددها من رفيع ووضيع شهادة حق عما لها من الأيادي البيضاء تحت القبة الزرقاء.
وسنأتي إن شاء الله في الجزء التالي من هذا الكتاب على تاريخ الماسونية الحديثة في كل مملكة من ممالك العالم، والله سبحانه ولي التوفيق.
وهذه المحافل الأربعة حافظة كل المحافظة على ترتيبها ونظامها مدة قيامها كلها، واستعملت كل حقوقها وامتيازاتها التي خولتها فكانت تقبل الماسون وتولي الرئاسة للرؤساء وتنتخب موظفين وغير ذلك من الأعمال التي كانت مستقلة عن المحفل الأكبر، وأما غيرها من المحافل فلم يكن لها هذا الحق.
وامتدت الماسونية بعدما تقدم امتدادا عظيما لا يصدق وعمت أطراف المعمور الأربعة في خمس وعشرين سنة، وأصبحت هي وحدها القابضة على زمام الأحوال، وما لها في ذلك غاية سوى تنظيم الأعمال وتطبيقها على الشرائع الإلهية، فدخلت من إنكلترا إلى فرنسا أولا، ثم منها إلى بلجكا فهولاندا فألمانيا فأميركا فالبورتغال فإسبانيا فإيطاليا فسويسرا فاسوج فبولونيا. وفي سنة 1740 أنشئت المحافل العظيمة في الدنيمارك وروسيا وجزائر الأنتيل وأفريقيا والهند، ومن هناك تشعبت فعمت آسيا بما فيها من الجزائر والبلدان.
فإذا كانت الماسونية قد تركت البناء وشأنه ولم تعد تهتم به ولبثت محافظة على التقاليد والرموز الأولى التي أنزلت عليها، وكفت عن إنشاء الكنائس وتشييد المعابد التي ترفع قلوب الشعب نحو الله وتصيرهم أبناء صالحين، فإنها لم تكف قط عن عمل الخير وإنشاء ما هو خير من تشييد المنازل والقصور وزخرفة الحجارة وتزويقها؛ ألا وهو تهذيب الأخلاق، والأمر بعمل الخير والنهي عن إتيان الشر وارتكاب المنكر آمرة بمحبة أخوية تشمل كل أعضائها مهما تفرقت نزعاتهم واختلفت لغاتهم وتباينت غاياتهم، وهذا سر تقدمها السريع وانخراط الجميع في عددها من رفيع ووضيع شهادة حق عما لها من الأيادي البيضاء تحت القبة الزرقاء.
وسنأتي إن شاء الله في الجزء التالي من هذا الكتاب على تاريخ الماسونية الحديثة في كل مملكة من ممالك العالم، والله سبحانه ولي التوفيق.
إيضاحات
انتهينا والحمد لله من طبع ملخص تاريخ الماسونية العملية، وقد اعتمدنا فيما نقلناه على تأليف بريستون وفندل الإنكليزيين وريبولد الفرنسوي وكتب أخرى من تاريخية وغيرها لا حاجة بنا إلى ذكرها وتوسعنا قليلا عند ذكر الملوك الذين حموا هذه الجمعية أو انضموا إليها، ولم نتوسع في الكلام عن محفل كولونيا وغيره من المحافل العملية؛ لأنه ليس لدينا تاريخ يوثق به لننقل إلى القراء صحة ما تضمنه، ولكن جل ما يروى عن مثل هذه المحافل مأخوذ من التقليدات الماسونية التي تداولها الخلف عن السلف.
وقد فاتنا أشياء كثيرة كان الواجب أن نضعها في أماكنها، ولكننا سنستدركها في الكلام عن الماسونية الرمزية فنسهب فيها عن كل مملكة من ممالك العالم التي دخلتها الماسونية ونشفع ذلك بالملاحظات الواجبة.
محفل كلوينن
ومما كان ينبغي أن نسهب الكلام عنه محفل كلوينن وكيفية نشأته، وفي أي بلاد هو وزيادة لإيضاح ما نشرنا عنه نقول:
إن كلوينن بلدة صغيرة على مقربة من مدينة إدنبرو في اسكوتلندا فيها دير شهير قديم آثاره باقية إلى الآن - وأول ما عرف عن تاريخها الماسوني أن أخا اسمه هيومورفيل جاءها وبنى فيها سنة 1140 محفلا سماه باسم القديس ونن، وكان ذلك في حكم الملك داود الأول من ملوك اسكوتلندا، وبنى المحفل بناءون أجانب جاءوا من مدينة كولون في ألمانيا. ونظرا لقدم هذا العهد يعتبر محفل كلوينن أساس الماسونية الاسكوتلندية، كما أن محفل يورك أساس الماسونية الإنكليزية، وقد عفت أكثر آثار هذا المحفل، ولكن المعروف عنه إلى الآن أنه لما أعيد تنظيم المحافل الاسكوتلندية سنة 1598 اعترف الماسون بهذا المحفل، وجعلوا له المقام الثاني بعد محفل أدنبرج فلم يوافق أعضاؤه على ذلك، ثم اتفق الفريقان وجعل محفل كلوينن ينشئ فروعا من عنده أشهرها محفل الهيكليين في مدينة دبلين الذي بني سنة 1744 أيام الماسونية الرمزية، وقد اشتهر هذا المحفل كثيرا بانضمام جماعة من المشاهير إليه، وسيأتي ذكره في المجلد الثاني عند الكلام على الماسونية الرمزية .
ومحفل يورك
إن محفل يورك كان يعد بمثابة المحفل العام لكل إنكلترا؛ وذلك لأن يورك كانت مركز اجتماع الماسون السنوي في القرن السابع عشر وما قبله وكل الكتب المحفوظة خطا إلى الآن تشير إلى قدمية هذا المحفل، وقد تفرع منه مدة وجوده محافل عديدة في الأنحاء المجاورة لمدينة يورك والمحفل الأعظم أيضا في مدينة لندن، وذلك سنة 1717 وبطلت جميع المحافل الفرعية العملية حين ألغي محفل يورك العام. ولم تنشأ لهذا المحفل فروع في غير إنكلترا، وكان مضادا في مبادئه للماسون المعروفين بلندن باسم أثول
ATHOL MASONS
ولا تزال جميع وقائع هذا المحفل القديم وأوراقه الرسمية محفوظة بالاعتناء التام، وأوجب هذا الاعتناء بحفظها ثناء الرئيس الأعظم اللورد زيتلند، وبقية أعضاء العشيرة. وقد استعمل هذا المحفل درجة العقد الملوكي قبل إلغائه بقليل، وظلت يورك مقر الماسون العام إلى سنة 1792.
ومحفل ستراسبرج (ستراسبرج عاصمة الألزاس واللورين الآن)
جاء في تاريخ الأب كرانيديه عن الماسون أنه في سنة 1275 ألف أروين شتينباخ جمعية من الإخوة الماسون العاملين التابعين لملل متفرقة، وذلك في مدينة ستراسبرج، وأنشأ لذلك ثلاثة فروع بثها في ألمانيا وفي بقية أنحاء أوروبا، حتى إذا جاءت سنة 1459 اعترف المحفل الأعلى في راتسبون أن رئيس محفل ستراسبرج يعتبر رئيسا أعظم مستديما وصادق الإمبراطور مكسيمليان على ذلك سنة 1498. والظاهر من تاريخ فندل أنه بقي معترف بسيادة المحفل الماسوني في ستراسبرج بين الماسون الألمان إلى سنة 1731. وبقية المحافل العملية ذكرت في أماكنها ولا حاجة بنا إلى زيادة تفصيلها في هذا المقام.
تنبيه
في هذا الكتاب بعض كلمات ينبغي توضيحها، ولا سيما في تهجئة الأسماء التي تلفظ بالفرنسوية غير ما هي في الإنكليزية مثل اسم جاك بالفرنسوية التي هي جمس بالإنكليزية، والأولى تسمية جمس كما يقوله الإنكليز، واسكوتسيا التي هي اسكوتلندا، وبعض أسماء تكررت باسمين مختلفين حسب اصطلاح الإنكليز والفرنسويين فاقتضى التنويه عنها.
وأما بعض الأغلاط فنتجت من اعتمادنا أولا على تاريخ أمانويل ريبولد الفرنسوي، وهي أغلاط طفيفة بجانب فوائد ذلك التاريخ، وقد أصلحنا أكثرها في الحواشي مثل تهجئة أثلستان بأدلستون ودعوته شقيقه أدون ابنه وغير ذلك مما لا فائدة في إعادته، وكان يجب علينا التدقيق في هذه الأمور قبل الطبع، ولكن هذا ليس بالأمر الجوهري الذي لأجله وضعنا هذا الكتاب، والعصمة لله وحده في كل حال.
استدراك
جاء في الانسكلوبيذيا الماسونية الإنكليزية أنه إذا رام المؤرخ المدقق أن يسهب في الكلام عن المحافل الألمانية أجبر أن يخط مجلدا ضخما فيه مئات من الصفحات، ولا سيما إذا خط ما يرويه الخلف عن السلف من التقليدات، أما الذي لخصناه في هذا الكتاب نقلا عن الثقات فيفي بالغرض المقصود منه، على أننا سنوجز في الجزء التالي كما ألمعنا إلى ذلك حالما نفيض في الكلام عن الماسونية الرمزية في كل مملكة دخلتها، وأملنا أن من يعثر على فائدة تاريخية لها علاقة بالماسونية وفاتنا نشرها يرسلها إلينا فنضيفها إلى الطبعة الثانية، أو نلحقها بالمجلد الثاني التابع لهذا.
مقابلة التواريخ الماسونية (نقلنا هذه النبذة عن كتاب شرح لوحة الدرجة الثالثة المطبوع حديثا بمصر)
البناءون الأحرار التابعون لطريقة يورك والطريقة الفرنسوية (أي بناة إنكلترا وسكوتلاندا وأيرلندا وفرنسا وألمانيا وأميركا) يعتبرون مبدأ التاريخ عندهم من تاريخ الخليقة ويعبرون عنه بالنور الحقيقي، ويكون ذلك بإضافة أربعة آلاف سنة على التاريخ الميلادي، فإذا أريد مثلا أن يعبر عن 1876 يعبر عنه 5876 للنور الحقيقي وفيه رمز لنور البناية.
وفي الطريقة الاسكوتلندية (المسماة بالطريقة الاسكوتلندية القديمة المقبولة) يعتبر ابتداء التاريخ من الخليقة أيضا، ولكن بناة هذه الطريقة يتبعون الطريقة العبرية ويعتبرون سنة 1876 سنة 5636، ويعتبرون أيضا الأشهر العبرية، وبناء على ما ذكر فالسنة تنتهي في يوم 16 سبتمبر، والسنة الجديدة تبتدئ في 17 منه الموافق لأول تشرين، وفي الطريقة القديمة الأصلية يعتبر التاريخ المصري ... و... و... للدلالة على مدة طويلة غير محدودة.
وفي طريقة يورك تبتدئ السنة في أول يناير، ولكن في الطريقة الفرنسوية تبتدئ السنة من أول مارس، ويكون بدل ذكر اسم الشهر ترتيبه مثلا أول يناير سنة 1876 يعبر عنه باليوم الأول من الشهر الحادي عشر من سنة 5876 للنور الحقيقي.
وبناة طريقة العقد الملوكي يؤرخون بالابتداء من بناء الهيكل الثاني؛ أي قبل التاريخ الميلادي 530 سنة، وبناء على ذلك، فسنة 1876 يوضع هكذا 2406 من الأنباء في البناية المقامية.
والفرنساويون الهيكليون يؤرخون من تاريخ تأسيس طريقتهم في سنة 1118، وبناء على ذلك فسنة 1876 تكون سنة 758 للطريقة
Anno Ordinis .
وهناك جملة تواريخ مختلفة في الغرابة لا داعي لذكرها.
فصل في الملوك الماسونيين المذكورين في هذا الكتاب وتاريخ ولادتهم وجلوسهم على تخت الملك ووفاتهم
ولد سنة
وحكم سنة
وتوفي سنة م
ألفرد الكبير ملك إنكلترا
849
871
901
إدورد الأكبر ملك إنكلترا ابن ألفرد
871
901
924
أثلستان ملك إنكلترا
895
925
941
إدورد المعترف ملك إنكلترا
1004
1042
1066
وليم الظافر ملك إنكلترا
1027
1066
1107
هنري الأول ملك إنكلترا
1068
1100
1135
هنري الثاني ملك إنكلترا
1133
1154
1189
رتشرد الأول قلب الأسد ملك إنكلترا
1157
1189
1199
هنري الثالث ملك إنكلترا
1207
1216
1272
إدورد الأول ملك إنكلترا
1239
1273
1307
روبرت بروس ملك اسكوتلندا
1274
1314
1329
داود الثاني ملك اسكوتلندا
1324
1331
1370
إدورد الثالث ملك إنكلترا
1312
1327
1377
روبرت ستورت الثاني ملك اسكوتلندا
1316
1370
1390
رتشرد الثاني ملك إنكلترا
1366
1388
1400
روبرت ستورت الثالث ملك اسكوتلندا
1316
1390
1406
هنري الرابع ملك إنكلترا
1367
1399
1437
هنري الخامس ملك إنكلترا
1388
1413
1422
جمس الأول ملك اسكوتلندا
1394
1424
1437
هنري السادس ملك إنكلترا
1421
1442
1471
جمس الثاني ملك اسكوتلندا
1420
1444
1460
جمس الثالث ملك اسكوتلندا
1453
1460
1488
إدورد الرابع ملك إنكلترا
1443
1461
1483
جمس الرابع ملك اسكوتلندا
1472
1488
1513
هنري السابع ملك إنكلترا
1458
1485
1509
هنري الثامن ملك إنكلترا
1491
1509
1547
جمس الخامس ملك اسكوتلندا
1512
1513
1542
إدورد السادس ملك إنكلترا
1537
1547
1553
جمس ستورت ملك إنكلترا أو اسكوتلندا
1566
1567
1625
تشارلس الأول ملك إنكلترا
1600
1625
1658
تشارلس الثاني ملك إنكلترا
1630
1660
1685
جمس الثاني ملك إنكلترا
1623
1685
1701
وليم الثالث ملك إنكلترا
1650
1689
1702
جورج الأول ملك إنكلترا
1660
1714
1727
أسماء الذين اشتهروا من البنائين
بعد التاريخ المسيحي.
سنة ب.م
10
فيتروفيوس بوليو النقاش الشهير
54
سيفيروس وسيلر
120
أبولودوروس الحفار الشهير
175
كليودوماس وأتيناكوس
293
ألبانوس (أول شهيد في الماسونية)
301
أتانيوس
530
أنتيموزيوس مهندس ونقاش كنيسة أجيا صوفيا
530
إيزيدور دي ميللي نقاش كنيسة أجيا صوفيا
557
القديس أوستين (أوغسطينوس)
611
بنت أسقف ويرال
659
القديس ألوا أسقف نوايون
660
القديس فيرول أسقف ليموج
660
القديس دالماك أسقف رودس
680
أغريقولا أسقف شالون
876
القديس سوثن
900
أثلورد وصهره آثرد
924
البرنس أدون ابن الملك إدورد الأكبر
926
الأمير عبد الرحمن
940
ماكنتري الاسكوتلندي
940
ماجولس دي كلوني
959
القديس دونستان
سنة الألف بعد المسيح .
سنة ب.م
1066
غوندولف أسقف روشستر
1066
روجر مونغميري أرل أوف شروسبري أستاذ أعظم
1080
بيشيت نقاش كاتدرائية بيز
1080
بلبل النقاش الهولندي
1080
ريمي دي فيكان
1125
هنري دي بلوا
1135
غلبرت دي كلير مركيز بمبروك
1152
دجوتي سالفي نقاش كنيسة بيز
1175
غيليوم دي سانس النقاش الفرنسوي
1199
بطرس كولتشرش
1209
بطرس ريوبيبس
1209
جيوفري فيتس بيبر
1228
روبرت لوزارخس وتوماس كورمون
1234
جفتروي فتز بتر
1241
روبرت دي كوت
1248
جيرار النقاش
1250
أدي دي مونتريل
1272
ولتر جفرد أسقف يورك
1272
غلبرت دي كلير أرل أوف كلوسستر
1272
رالف لورد أوف مونت هرمر
1275
أروين دي شتينباخ
1288
رينو دي كرمون
1290
جان دي شيل
1300
أرنولف دي لابو
1307
ولتر ستابلتون أسقف اكسستر
1312
جاك دي مولاي
1318
جان دي شتينباخ
1320
جان دي بيز
1328
جيوتو
1338
أنكيران
1350
جان دي سبولي
1350
وليم يواكيم أسقف ونشستر
1350
روبرت بارنهام
1350
هنري يول
1350
سمعان لانكهام
1380
هنري بكلي
1399
توماس فتز ألن أرل أوف سوري
1399
هنري تشيتشلي أسقف كنتربري
1442
وليم وانفليت أسقف ونشستر
1442
جان دي كولونيا
1444
وليم سانكلار بارون دي روسلين
1445
نقولا دي بورن
1445
كونراد كوين
1459
جوبس دوتزنجر
1471
رتشرد بيوتشامب أسقف ساروم
1480
جاك دي فرانكبرج
1502
يوحنا أسلب
1502
رجينالد براي
1509
الكردينال ولسي الأستاذ الأعظم
1509
ثوماس كرومويل
1535
هرمانوس الخامس أسقف كولونيا
1540
يوحنا توتشت لورد أودلي
1547
يوحنا بوينت أسقف ونشستر
1558
السر توما ساكفيل
1562
جان دي مديسيس
1567
فرنسيس روسل أرل أوف بدفورد
1567
السر ثوماس جريشام
1588
تشارلس هورد أرل أوف اثنهام
1588
جورج هاستنس أرل أوف هانتدون
1607
أنيكوجونس
1607
وليم هربرت
1607
أرل أوف بمبروك
1630
هنري دانفرس أرل أوف دانبي
1633
ثوماس هورد أرل أوف أروندل
1635
فرنسيس روسل أرل أوف بدفورد
1646
إلياس أشمول
1660
جورج منك
1663
هنري جرمين أرل أوف سانت ألبانو
1663
يوحنا دنهام
1663
السر خريستوفور ورن
1666
ثوماس سافاج أرل أوف ريفرس
1667
جيبونس
1673
أرل أوف ريفرس
1673
السر وليم بروس
1674
جورج فيلارس دوق أوف بوكنهام
1679
هنري بنت أرل أوف أرلينتون
1697
تشارلس دوق أرتشموند ولينوكس
1697
إدورد سترن
1697
جنير
1704
جان لوك الفيلسوف
1717
ثيوفيلس ديزاغليه
1717
جورج باين
1717
الدكتور جمس أندرسون
1717
أنطوني ساير
ناپیژندل شوی مخ