135

تاریخ الملک الظاهر

تاريخ الملك الظاهر

ژانرونه

ذكر عود أبي يحيى وأولاد أمراء العربان صحبته

ثم إن الملك محمد صاحب تونس كتب إلى الشيخ ابي يحيى بن صالح يستدعيه إليه ، وقال له : من اختار من امراء العربان أن يصحبك فاستصحبه معك" . فصحبه من العربان تسعة نفر من كل فخذ ثلاثة ، وهم أولاد الأمراء المذكورين . فدخل إلى تونس ، وكان يوم دخوله يوما مشهودا ، خرج الملك بنفسه من غير عادة تقدمت له لذلك لأحد ، ففزع أبو يحيى من هذا التجاوز في الاحترام الحد ، فأقام ثلاثة أيام يسأل العفو من هذا الذي عامله به ، فقال له : "لا عليك إنها داهية في حق العربان !". ثم أنزل التسعة المذكورين ومن معهم ، وصاروا كل ليلة يحضرون مجلس صاحب تونس ، ويشربون وينصرفون بالخلع والمال . ثم إن الملك أحضر يهوديا نقاشأ وقال له : " افتح لي سكة يضرب عليها دينار ماية مثقال" . فقال له : "السمع والطاعة، غير أنها إذا أفرغت يتصدق الملك علي وعلى عاثلتي بما علينا من الجالية !" . فقال : ا نعم !" . فذهب وفتح السكة ونقشها ، فضرب عليها عشرة آلاف دينارا . ثم دخل دار الحرير ، وهي دار الطراز ، فأبطل ما كان بها من أشغاله ، وأمر أن يعمل بها ثياب برسم بنات العربان الذين خطبهم ، وأن يعمل شوار كل بنت رنك أبيها . وأخرج الذهب ، وجعل في الصناديق مقسوما سوية ، وأخرج ستة من العدول صحبة الذهب ، وسير الجميع إلى العربان ، ليكون كتبة الكتاب عندهم ، وقيل لهم فيما قيل : "من شاء منكم أن يحضر ، ومن شاء يقيم مكانه" . فلما رأت أمراء العربان أن أولادهم عادوا سالمين ، ورأوا ما معهم من الأموال ، ورأوا أيضأ تلك الأموال والقماش وقد فرش في البرية ، فذهلت عقولهم ، واشتدت أطماعهم ، ولم يبق هم حديث إلا فيه ، ولا لهم فكر ينصرف عنه . فلما كتب الكتاب عادت العدول إلى تونس ، وتنوسي ذلك الأمر قليلا . ثم كتب كتبأ تتضمن أنه قد طرأ أمر نحتاج فيه إلى المشورة ، فمن أراد منكم أن يحضر المشورة فليحضر ، فأول من سارع إلى ذلك التسعة المقدم ذكرهم ، ثم وصل معهم نحو السبعين رجلا من كبارهم . فأركب الملكا ولده للقائهم ، وأنزل كل عشرة منهم في دار ، وأوسع عليهم في النفقات والمأكول والمشروب، وصاروا معه حيث كان فأقاموا على ذلك عشرة آيام . ثم قال لهم : " إنالأمر الذي أحضرناكم فيه قد قضي من غير احتياج إلى مشورة فيه وذلك ببركاتكم فارجعوا إلى بلادكم" . فخرجوا رافعي الرايات داعين للملك شاكرين . فأخذ رجل منهم في الطريق عشرة أرؤس بقرا ، فقطعوه بالسيوف ، وسيروا رأسه إلى تونس . فشق ذلك على الملك وقال : "البقر بقري ، ولعل قد كانت له حاجة بها فلم فعلتم به ما فعلتم " . ثم أمر أن تعمل له جنازة ويدفن . فأمنت العرب بذلك غاية الأمن لواطمأنوا غاية الطمأنينة ، وأقاموا على هذه الحال سنة كاملة ، فحصل لصاحب تونس ، بسبب أمن البلاد ، أضعاف ما أنفق من في العربان من المال .

مخ ۱۹۵