ذكر مخامرة العربان بأفريقية وعصيانه
كان بأرض أفريقية من العربان خلق كثير ، وكان لهم مقدم يعرف بسبع بن حيى ، وفخذه يقال لهم بنوكعب ، وهم اشد العربان بافريقية ، فعصوا عليه وخلعوا ربقة الطاعة ، ولم يدخلوا فيما دخل فيه الجماعة ، فلم يظهر لهم تغيرا ، ولا بدأ منه تنكر ، بل رسله تتردد إليهم1 بالملاطفة ، إلى أن حضروا إليه ، فضرب رقابهم عن بكرة أبيهم . فبلغ ذلك قوما من العربان يقال لهم الخلوط ، والدبابيين والعوفيين ، وفخذ من المعقل ، يكون مجموعهم ستين ألف راكب ، لم يعطوا طاعة لأحد فزاد فارهم بذلك وعصيانهم . فجمع الموحدين وضرب مشورة ، وقال : "كيف المعمول في تزويل هؤلاء من البلاد ، وإلا فما يصفو لنا عيش ؟" . فأجمع الموحدون على أن خرج العسكر بأسره ويلقاهم في البر ، ويكسرهم ، ولو اعتمد هذا لتم. لكن عمل حساب الخزائن ، وأنها تذهب وما يظفر بالجميع ، ويستمر السالمين ، ويقطعون الطريق ويخيفون السبيل ، ويتلاشى معهم الأمر إلى صعوبة . فقال للموحدين : " إن هذا لرأي لولا ما فيه مما ذكرناه ، لكن أنا أخذتهم بالرفق والملاطفة دون العدواة والمكاشفة من غير عسكر" .
ذكر ما اعتمده في حق العربان من المكايدا
أول ما اعتمد معهم أن أعطاهم خمس بلاد كانت للمخامرين ، إقطاعات يستغلونها من غير عادة تقدمت هم ، وهي اطرابلس ، وجربا ، وزوارا ، وزواغا وقرقنا - وقرقنا فهي الإسم الصحيح ، وإنما كان إذا كتبها كتبها " قرقهم" ، فإنها كلمة معناها قبيح - ثم إنه ضرب سيوفا جددا وزغايات جددا وهي الرماح ، وأحضر الخياطين وفصل جبابا منوعة الألوان ، ودراريع بيضا ، ومعارق للنساء ، وحملت على البغال . وخرجت هدية للعربان صحبة رجل يعرف بابي يحيى بن صالح من كبراء دولته معروف بالصدق عند العربان ، بعد أن حلف لأمير المؤمنين أنه لا يخرج عن طاعته ، فقال له : "تحلف لهم أن جميع ما عيناه لهم لا يغير عليهم ، وإن أرادوا أن يحضروا الينا ، وإن اختاروا المقام ببلادهم لا نكلفهم ما لا يختارونه" . فسار الرجل ، فلما قدم عليهم فرحوا به . وكان هذا أبو يحيى عارفا بشيء من السيمياء فسير المك وراءه علجا يقول له : " أظهرهم شيئا من علمك تستميلهم به ، وأنا أعطيك جاية" . ثم إن العربان قدموا له الخيل والنياق ، وأحضروا المغاني ، وعفروا قدامه . وبفي عندهم ثلاثة شهور يركب في جمهور القوم ، وهو عندهم في غاية الإكرام .
مخ ۱۹۳