ذكر قتل مروحسيا المقيم بأرزنجان
قد قدمنا أن مرحسيا النصراني هذا كان أثيرا عند أبغا ، وكانت دالته وتمكنه منه تحمله على المسلمين كا يسيء بهم عنده ، ويذكر له من بواطنهم فيه ما يغريه بهم ويلفت وجهه عنهم ، ويرغبه في الايقاع بهم ، حتى ضاقوا به ذرعا ، لا سيما معين الدين البرواناة ، فلما قوي جأش معين الدين بالسلطان الملك الظاهر ، وتيقن أنه إن قتل محسيا لا يصل إليه تعنيف أبغا على قتله ، إلا وجيوش السلطان الملك الظاهر قد وافته وحمته منه ، فكتب إلى قطب الدين محمود أخي أتابك مجد الدين ختن البرواناة وكان نايبا عن أخيه بأوزهجان ، يأمره بقتل مرحسيا القسيس ، فقتله وولده جنس وسبعة انفر من أهله واثنين وثلاثين من حاشيته ، وذلك في الخامس والعشرين من شهر رمضان ، وكان مرحسيا هذا كثير العصبية ا على المسلمين ، عضدا لأهل ملته محرضا لملوك النصرانية المتاخمين لبلاد الروم والمجاورين ها على موافقة التتر من قصد بلاد المسلمين واجتماع الكلمة عليهم ، وجدد الله عليه ما لقي .
ذكر توجه مولانا السلطان إلى الروم بالعساكر المنصورة
فيها برز السلطان الملك الظاهر إلى بركة الجب ، ظاهر القاهرة ، يوم الخميس العشرين من شهر رمضان المعظم ، بعد أن رتب الأمير شمس الدين آق سنقر الفارقاني استاذ الدار نايبا عنه في خدمة ولده السلطان الملك السعيد - أعز الله أنصاره - وترك معه من العسكر بالقاهرة لحفظ البلاد خمسة آلاف فارس ، واستصحب في ركابه الصاحب زين الدين احمد بن الصاحب المرحوم فخر الدين محمد بن المولى الصاحب الوزير بهاء الدين علي بن محمد وزيرا للصحبة وجميع كتاب الإنشاء ، خلا طايفة يسيرة منهم ، وفوض يومئذ للقاضي الأجل عز الدين بن شكر النظر في ديوان االجيش ، وللقاضي شمس الدين الأرمنتي شاهدا في الديوان ، واستصحبهم معه ، ثم رحل على بركة الله ويمنه ، من البركة يوم السبت الثاني والعشرين من الشهر ، وسار إلى دمشق فدخلها يوم الأربعاء سابع عشر شوال ، وخرج منها متوجها الى حلب يوم السبت العشرين منه ، فلما اجتاز حمص وعبر على قلعتها من غربيها ، فرأى السفح متهدما ، فرسم بعمارته ، فشرع من عمارته ، وتمم في آيام ولده السلطان المك السعيد . ثم سار فدخل يوم الأربعاء مستهل ذي القعدة ، وخرج منها ، في يوم الخميس [ثاني ذي القعدة] إلى حيلان ، فترك فيها بعض الثقل ، وتقدم الى الأمير نور الدين علي بن مجلي ، النايب عنه بحلب ، آن يتوجه إلى الساجور ويقيم على الفرات بمن معه من عسكر حلب ، ليحفظ معابر الفرات ، لثلا يعبر منها أحد من التتر قاصدا الشام . ووصل إلى الأمير نور الدين علي بن مجلي الأمير شرف الدين عيسى بن مهنا ، فبلغ نواب التتر بالعراق نزولهم على الفرات ، فجهزوا إليهم جمانة من عرب خفاجة لكبسهم ، فحشدوا وتوجهوا نحوهم ، فاتصل بالأمير نور الدين الخبر فركب إليهم والتقى بهم ، فكسرهم ، وأخذ منهم ألفا ومايتي جملا ، ورحل مولانا السلطان من حيلان يوم الجمعة ثالث الشهر إلى عين تاب ، ثم إلى دلوك ثم إلى مرج الديباج ، ثم إلى كينوك ، وهي الحدث الحمراء المذكورة في شعر أبي الطيب المتنبي ، ثم رحل منها إلى كوكصو وهو النهر الأزرق الذي وصل إلي ه السلطان الملك [ الظاهر] ، وعاد عنه لما أراد قصد الروم ، ثم رحل عنه إلى اقجادربند ، فوصله يوم الثلاثاء سابع ذي القعدة ، فقطعه في نصف نهار . فلما خرج منه انتشرت عساكره فسدت الفضاء وملكت المفاوز ، ومن حينئذ قدم الأمير شمس الدين سنقر الأشقر على جماعة من العسكر ، وأمره بالمسير بين يديه ، فوقع اعلى كتيبة للتتر عدتها ثلاثة آلاف فارس ، مقدمهم كراي ، فهزمهم وأسر منهم طايفة وذلك يوم الخميس تاسع الشهر ، ثم وردت الأخبار على السلطان الملك الظاهر ، بأن عسكر المغل والروم ، مع تتاوون والبرواناة ، على مقربة من العسكر ، وأنهم نازلون على هر جيحان . فلما توقل العسكر المنصور الجبال ، أشرف على صحراء البلستين ، شاهد التتر قد رتبوا عسكرهم أحد عشر طلبا ، في كل طلب ألف فارس ، وعزلوا عسكر الروم عنهم ، خوفا أن يكون لهم مع السلطان الملك الظاهر باطن عليهم ، وجعلوا عسكر الكوج طلبا واحدا ، فلما تراءى الجمعان حملت ميسرة التتر حملة واحدة ، فصدموا سنجقية السلطان ، ودخلت منهم طايفة بينهم وشقوها ، وساقت إلى الميمنة . فلما رآهم السلطان ردفهم بنفسه ، ثم لاحت منه التفاقة ، فرأى الميسرة قد أنحت عليها ميمنة التتر ، فكادت أن تتفلل ، فأمر جماعة من حماة أصحابه وكماتهم بإردافها . ثم حمل فحملت العساكر برمتها حملة رجل واحد ، معتمدعلى الله لا على يد وساعد . فلما رأت التتر أن لا ملجأ لهم من القتل والأسر ، ولا منجا عن القهر والقسر ، نزلوا عن خيولهم ، وقاتلوا فلم يغن ذلك شيئا ، وأنزل له باسه بهم ، فقتلوا وفر من نجا منهم ، فاعتصم بالجبال ، فطلبوا وقصدوا ، فلما رأواالساكر محيطة بهم ، نزلوا عن خيولهم وقاتلوا فقتلوا ، وقتل حينئذ من قاتلهم الأمير ضياء الدين محمود بن الخطير . ولما أحاط الله بهم دايرة القتل والفتك، لم ينج منهم إلا من ضن بنفسه عن الفوات ، ودرأ عنها كأس الموت ، فغدا طريدا للعوام الجريحا بسيوف الملام . واستشهد من آمراء العسكر المنصور ، الأمير شرف الدين قيران العلاني [ أحد مقدمي الحلقة] والأمير عز الدين أخو الأمير جمال الدين الملحمدي ، ومن المماليك السلطانية سيف الدين قليجق الجاشنكير وعز الدين ايبك الشقيفي . وأسر من كبراء الروميين مهذب الدين بن معين الدين البرواناة ، وينعت بكلار بكي ، يعني أمير الأمراء ، وابن بنت معين الدين [ولد خواجا يونس] والأمير نور الدين جبريل بن جاجا ، والأمير قطب الدين محمود أخو مجد الدين الأتابك ، والأمير سراج الدين إسماعيل بن جاجا ، والأمير سيف الدين سنقرجاه الزوباشي ، والأمير نصرة الدين بهمن أخو تاج الدين كيوي صاحب سيواس ، والأمير كمال الدين إسماعيل عارض الجيش ، والأمير حسام الدين كياوك ، والأمير سيف الدين بن الجاويش ، والأمير شهاب الدين غازي بن علي شير التركماني . ومن مقدمي التتر على الألوف والمثين : زيرك صهر أبغا وسرطق [ قرابته ] وحبركر وسركده وتماديه وتتاوون .
مخ ۱۶۹