تاریخ اسلامي: یوه لنډه مقدمه

انس مغربي d. 1450 AH
29

تاریخ اسلامي: یوه لنډه مقدمه

التاريخ الإسلامي: مقدمة قصيرة جدا

ژانرونه

ليس من المدهش إذن أن تكون للظروف المختلفة التي شكلت أعمالهما التاريخية تأثير على منهجيهما تجاه التاريخ. كالمتوقع، ضم الطبري في عمله روايات عن الأقاليم الشرقية أكثر اكتمالا من مثيلاتها عن الأقاليم الغربية، والعكس صحيح في كتابات ابن خلدون. علاوة على ذلك، بذل الطبري - بحكم كونه فارسيا - جهودا مهمة نحو التوفيق بين الروايات الفارسية القديمة والمسيحية اليهودية عن تاريخ ما قبل الإسلام. أما ابن خلدون فلم يكترث من جانبه بهذه الأمور.

الأقل توقعا أن نظرتيهما لمسار التاريخ وكذلك أسبابه ونتائجه كانتا مختلفتين اختلافا جذريا. لو كان للطبري بطاقة عمل لكتب عليها على الأرجح أنه «فقيه » أو «عالم» أو شيء من هذا القبيل لا «مؤرخ». والواقع أن الطبري كان معروفا في زمانه على أنه باحث ديني بارز، بل ويقال إنه أنشأ مدرسة للفكر الإسلامي خاصة به (المذهب الجريري)، وهو مشهور أيضا بين المسلمين بتفسيره الزاخر للقرآن قدر شهرته بكتابه «تاريخ الطبري». وهكذا كانت رؤيته للتاريخ الإسلامي محكومة باهتمامات دينية. فهو يرى أن الله خلق العالم، وأنه بعد نحو 7000 عام (وفق توضيحه للعملية الحسابية في مقدمة كتابه) سيضع نهايته. التاريخ بيد الله، ومساره يتقدم بخطى ثابتة نحو نهاية الأزمان (وهي فكرة ذات أصول إيرانية وسامية).

على النقيض، نظر ابن خلدون للتاريخ على أنه نتاج عمليات ديناميكية معينة يمكن تحديدها، مثل التفاعل بين البربر المفعمين بفكرة التماسك القبلي (العصبية) والحضارات المستقرة التي تاخموها. تقول نظرية ابن خلدون عن التاريخ إن البربر سوف يتحدون من حين لآخر كي يغزوا الحضارات المجاورة ويصبحوا متحضرين هم أنفسهم؛ ليتعرضوا للغزو بعدها على يد دفعة جديدة من البربر حيث تتوالى العملية بلا توقف. ومن ثم، على عكس رواية الطبري الخطية اللاهوتية الخاضعة لتوجيه الله، نظر ابن خلدون إلى التاريخ على أنه عملية دورية خاضعة للقواعد والأنماط. وهذا هو المنهج الذي يتبناه المؤرخون وعلماء الاجتماع المعاصرون، وبقدر ما ينسب إلى ابن خلدون من وضع هذا المنهج، يمكن اعتباره مؤسس هذه المجالات الأكاديمية (وإن لم يكن هناك دليل على أن مؤسسيها اللاحقين يدينون بالفضل لابن خلدون). قال أرنولد جوزيف توينبي عن مقدمة ابن خلدون (المقدمة النظرية لعمل ابن خلدون التاريخي التي وردت هذه الملاحظات فيها) إنها «فلسفة تاريخ لا شك أنها العمل الأعظم من نوعه الذي يضعه أي عقل في أي زمان أو مكان». وكان رونالد ريجان أيضا من المعجبين المؤكدين بابن خلدون.

لا تقتصر المناهج المتضاربة تجاه التاريخ الإسلامي على الدراسة الغربية الحديثة؛ فقديما نظر أهل السنة والشيعة إلى التاريخ من منظورين مختلفين تماما، وفي العصور الحديثة، لاقت التفسيرات «الإسلامية» و«المعاصرة» (أو «الإصلاحية») للتاريخ التأييد من قبل أنصارها المسلمين. يرى معظم أهل السنة (على الأقل منذ القرن التاسع) أن التاريخ ليس أقل من تنفيذ لإرادة الله على الأرض؛ ومن ثم فالمسار الذي اتخذه التاريخ لا جدال فيه. أما الشيعة فيرون أن التاريخ الإسلامي قد قطعته سلسلة من الأخطاء الكارثية؛ إذ كان ينبغي لعلي أن يخلف النبي، لكنه تعرض للتجاوز (وكانت السنوات الست التي قضاها خليفة قصيرة ومتأخرة للغاية)، ثم استشهد مثلما حدث مع ابنه الحسين. وكان المفترض بالثورة العباسية أن تعيد الشيعة إلى الحكم، لكن زعماء الحركة غيروا آراءهم في آخر لحظة؛ وبعدها سعى الخليفة المأمون لتعيين إمام شيعي خليفة له، لكن الأخير مات في ظروف غامضة (ومعظم الأئمة الاثني عشر - إن لم يكن جميعهم - تعرضوا إما للسجن أو القتل أو كليهما معا). واستطاع البويهيون الشيعة الوصول إلى الحكم في بغداد، لكنهم اختاروا عندئذ الإبقاء على الخليفة العباسي على العرش. والفاطميون والصفويون طبقوا حكما شيعيا، لكنهم سرعان ما تخلوا عن معظم وعودهم الثورية. وفي معظم أجزاء العالم الإسلامي (والغربي) كانت الهيمنة لرواية أهل السنة عن التاريخ الإسلامي. وفي إيران الحديثة يجتمع الحنين الفارسي للأمجاد الاستعمارية الماضية مع إحساس الشيعة بالاضطهاد ليوجدا شعورا قويا بالظلم التاريخي.

حتى داخل الدوائر السنية، ظهرت على مر القرون مناهج متضاربة تجاه التاريخ الإسلامي. يرى المنهج السني التقليدي أن إرادة الله تقف وراء الأحداث، وأن علينا الاستجابة للحقائق التي تشكلت في الفترة من عام 600 إلى 800 لا أن نوجد حقائق جديدة. وبداية من القرن الثامن عشر أيدت مجموعات ممن قد يطلق عليهم الآن اسم «الإسلاميين» - و«المعاصرين» بداية من القرن التاسع عشر - قراءات متعارضة للتاريخ الإسلامي (المبكر). يرى الإسلاميون أن مياه الإسلام تكدرت على مدار القرون بسبب تراكمات غير مرغوب فيها كتلك المرتبطة بالممارسات والمعتقدات الدينية الشائعة. من وجهة نظرهم، لا بد أن يعود المسلمون لمصادرهم الأولى (القرآن والحديث) ولا يتبعون سوى الضوابط الواردة فيهما. ويتفق المعاصرون في الرأي مع الإسلاميين بشأن المشكلة العامة، لكن يختلفون معهم في حلهم الحرفي لأنه - من وجهة نظر المعاصرين - يركز كثيرا على تفاصيل التاريخ ولا يركز بدرجة كافية على الدروس العامة المستفادة من القرآن ومن محمد وأصحابه وخلفاؤه. يعترض المعاصرون على تركيز الإسلاميين على التفاصيل بدلا من الصورة العامة؛ بينما يؤكد الإسلاميون على أن هذه التفاصيل هي من صنع الله وهو الذي أمرنا بالتركيز عليها.

المربك أن الإسلاميين والمعاصرين يعرفون باسم «السلفيين» (الذين يتبعون أسلاف المسلمين). وما يجمع بينهم هو اهتمامهم بقصة التاريخ الإسلامي المبكر واقتناعهم الأكيد بأنه ذو أهمية للمسلمين المعاصرين. والغريب أن ما يتفق فيه السلفيون - وخصوصا الإسلاميين منهم - مع مستشرقي إدوارد سعيد هو الاعتقاد بأن ثمة إسلاما أصليا أو جوهريا يرغب المستشرقون في وصفه (والتحكم فيه) بينما يرغب الإسلاميون في أن يعيدوه إلى سابق عهده. لكن لماذا تحتل أحداث وقعت على مدار ألف سنة ماضية أي أهمية عملية لأناس يعيشون في القرن الحادي والعشرين؟ هذا هو السؤال الذي سنتناوله في الفصل التالي.

هوامش

الفصل السادس

الأهمية الدينية للتاريخ الإسلامي

يقول إدموند بيرك (الذي توفي عام 1797): «من لا يعرفون التاريخ مقدر لهم أن يكرروه»؛ فهل هذا صحيح؟ قد لا يوافق الجميع على ذلك؛ فربما يقول أنصار الفلسفة التشاؤمية إنه ليس مقدرا لمعظم الناس أن يفعلوا أي شيء ذا أهمية، ناهيك عن تكرار التاريخ (ومن المستبعد أن يشكل الانتباه في فصل تدريس التاريخ فارقا). علاوة على ذلك، فإن الفكرة القائلة إن تكرار التاريخ نوع من العقاب على الجهل هي فكرة تفتقر إلى المنطقية في المجتمعات الإسلامية. والواقع أن هناك أجزاء كبيرة من التاريخ لها أهمية مباشرة وحاسمة فيما يتعلق بممارسة الإسلام، والتاريخ الإسلامي بوجه عام لعب (ولا يزال يلعب) أدوارا سياسية مهمة للمسلمين ولمن يتعاملون معهم. لهذه الأسباب، سعى المسلمون على مر القرون إلى تعلم التاريخ الإسلامي حتى يكرروه، أو على الأقل ليستقوا من تفاصيله التوجيه العملي أو فوائد أخرى. وسوف نتطرق إلى الأهمية السياسية للتاريخ الإسلامي في الفصل التالي، بينما نركز فيما يلي على أهميته الدينية.

ناپیژندل شوی مخ