تاریخ اسلامي: یوه لنډه مقدمه
التاريخ الإسلامي: مقدمة قصيرة جدا
ژانرونه
يرى باحثون كثيرون أن الحكم على هذه الكتب يكون على أساس استنتاجاتها، وإذا كانت الاستنتاجات مغلوطة، يكون كل ما يرتبط بهذه الأعمال مغلوطا أيضا. أما المتشككون، فيعولون على المنهجية ؛ إذ ربما تكون الإجابات المقترحة مغلوطة ، لكن تظل الأسئلة بحاجة إلى إجابات (وبالأحرى إذا كانت الإجابات السابقة غير مرضية). وهناك أدلة تشير إلى أنه توجد الآن اعتبارات تتخطى حدود النقاش والجدال الأكاديمي المعتاد. ربما لا يجب أن نفاجأ بأن «الهاجرية» لم تشتهر قط بوصفها مصطلحا يشار به إلى «الإسلام»، لكن لماذا هجر مصطلح «المحمدية» في النصف الثاني من القرن العشرين؟ حتى ذلك الحين، كانت الكلمة مقبولة تماما ومتماشية مع «الزرادشتية»، و«البوذية»، و«الكونفشيوسية»، والمصطلح الفارسي «الموسوية» إشارة إلى اليهود. ومع أن هذا الأمر قد يبدو شكليا وغير ذي صلة كبرى، فإنه يمتد إلى أسئلة أعم تتعلق بالتفرد الإسلامي. وبينما يبدأ مؤرخو الأديان الأخرى بالنماذج التاريخية ويقرءون المصادر الرئيسية في ضوئها، يبدأ الكثيرون من مؤرخي الإسلام بالمصادر الإسلامية ثم ينتقلون إلى تنظيمها؛ فيستبعدون المواد التي تتجلى عدم مصداقيتها (مثل الإشارات إلى المعجزات، والأرقام الصحيحة، وما شابه) ويتقبلون المادة الباقية دون تمحيص. لماذا يعفى الإسلام - والتاريخ الإسلامي على وجه الخصوص - من قواعد التحقيق التاريخي المقررة؟
إحدى إجابات هذا السؤال أن الإسلام ودراسة التاريخ الإسلامي حديثا العهد نسبيا. وحداثة الإسلام مقارنة باليهودية والمسيحية دفعت إرنست رينان (الذي توفي عام 1892) إلى القول إن محمدا «ولد في وضح التاريخ»، وهو ما عارضه معظم الباحثين (بمن فيهم الباحثون المسلمون فيما قبل العصر الحديث)، وتناقضه أيضا الأدلة الواردة في الفصل السابق. تعد حداثة التاريخ الإسلامي تفسيرا مقنعا للنزوع إلى تصديق الروايات التقليدية يقينا، وهكذا فإن طبعة مهمة من كتاب «تاريخ الطبري» الجامع (الذي لا غنى عنه للتاريخ الإسلامي الأول) قد نشرت أول مرة في نهاية القرن التاسع عشر، واكتملت الترجمة الكاملة لهذا العمل في نهاية القرن العشرين. فالكثير من الأعمال الخاصة بالتاريخ الإسلامي في نهايتي القرنين التاسع عشر والعشرين اشتمل على البحث عن المصادر الرئيسية، وتحريرها، وفك شفراتها، وإعداد تحليلات أساسية لمحتوياتها. أما القلة من الباحثين - أمثال يوليوس ڤلهاوزن (الذي توفي عام 1918) - الذين استطاعوا في هذه المرحلة المبكرة أن يحللوا التاريخ الإسلامي تحليلا نقديا، فقد قدموا إلى الدراسات الإسلامية من الدراسات الإنجيلية أو دراسات الشرق الأدنى بوجه عام، ولا يزال عملهم عن التاريخ الإسلامي المبكر ينزع إلى كونه أكثر تحفظا من عملهم عن الثقافات الدينية الأخرى للشرق الأدنى.
إجابة أخرى أن الروايات الواردة عن صدر الإسلام كالمحفوظة في «تاريخ الطبري» يصعب تجاهلها للغاية في ظل ما تزخر به من أوصاف تفصيلية بالغة التفصيل للأشخاص والأحداث التي تثير اهتمام العلماء والدارسين. إن تجاهل الإجابات الجاهزة عن أسئلة محورية يشكل تحديا بالغا في ظل غياب البدائل المناسبة للروايات التقليدية. ومفهوم أن معظم الباحثين قد يفضلون قبول نسخة معيبة من التاريخ عن ألا تكون لديهم أي نسخة منه على الإطلاق. وما إن تطرح الرواية التقليدية داخل الفصول المدرسية، يحدث الآتي: يصبح الطلاب الذين تعلموا هذه الرواية التقليدية عن التاريخ الإسلامي أنفسهم أساتذة ويخلدون الرواية والمنهج.
إجابة ثالثة هي أن الضغوط المجتمعية والسياسية قد أثنت المؤرخين المسلمين والغرب أيضا - لأسباب مختلفة - عن التشكيك في الروايات التقليدية والمصادر الخاصة بظهور الإسلام وتطوره قديما. أحيانا ينظر المسلمون إلى المؤرخين المسلمين الذين يثيرون الشكوك حول تراثهم على أنهم يستحقون اللوم أكثر ممن يفعل ذلك من مؤرخي الغرب. فمنذ أن اتهم المسلمون الأوائل اليهود والمسيحيين بالتشويه المتعمد لكتاب الله، كانت مثل هذه الأكاذيب المناهضة للإسلام متوقعة من الباحثين غير المسلمين. لكن يعتقد أن الباحثين «المسلمين» ينبغي حقا أن يكونوا أكثر معرفة. لذا حينما ذكر سليمان بشير (الذي توفي عام 1991) أن الإسلام تطور تدريجيا - كحال الأديان الأخرى - ألقى به طلابه في جامعة نابلس (فلسطين) من نافذة بالطابق الثاني. ولأن الباحث المصري نصر حامد أبو زيد أشار إلى أن القرآن نص أدبي ولا بد من قراءته على هذا الأساس، اعتبر مرتدا، وصدر حكم بالتفريق بينه وبين زوجته (فرا من مصر على إثره). وقبل نحو سبعين عاما - في عام 1926 - قال وزير التعليم والمفكر المصري البارز طه حسين (الذي توفي عام 1973) إن الكثير من الشعر الجاهلي منحول، وهو ما جلب له اتهاما بالردة هو الآخر (مع أن الفكرة لا تحمل سوى صلة طفيفة بالموروث الإسلامي ). مما لا شك فيه أن مواقف التعصب الدراسي هذه نادرة للغاية، لكن مجرد وجود عدد قليل ذائع الصيت من هذه الأمثلة يمكن أن يكون له تأثير مروع على من يعيشون داخل العالم الإسلامي ممن كانوا سيجنحون - لولا وجود تلك الأمثلة - إلى تطبيق منهج الغرباء إزاء دراسة التراث.
كان الباحثون الغرب الذين درسوا التاريخ الإسلامي - خصوصا منذ الحرب العالمية الثانية - منتبهين إلى حساسية المسلمين أيضا. ويرتبط هذا بدرجة ما بالتوجهات الأكاديمية الحديثة التي نشأت في العلوم الاجتماعية، والتي تركز على أهمية فهم «تجربة المؤمن» قبل أي شيء. ويرتبط أيضا بدرجة أخرى بمحاولات الباحثين المعاصرين تدارك الأخطاء التي وقعت فيها الأجيال السابقة من المستشرقين، وهو ما يأخذنا إلى كتاب «الاستشراق» لإدوارد سعيد.
إدوارد سعيد وكتاب «الاستشراق»
في بداية الأربعينيات من القرن العشرين، قال ساطع الحصري (الذي توفي عام 1967) - وهو مفكر سوري ومؤيد بارز للقومية العربية - إن الكتب الغربية عن التاريخ «العربي» «متحيزة و[مستخدمة] كأدوات من قبل الاستعماريين الذين حاولوا دوما بشتى السبل المتاحة لديهم أن يقمعوا أو يشوهوا الوعي التاريخي من أجل تخليد حكمهم». وهناك رأي ذو صلة ورد في كتاب «الاستشراق»، وهو عمل بالغ الأثر ساعد في إرساء قواعد الدراسات ما بعد الاستعمارية. ومع أن الكتاب يدور في الأساس عن الشرق كما ينعكس في الأعمال الأدبية، فإنه يركز أيضا على السير المهنية لمستشرقين بعينهم (بدءا من نحو عام 1800 فصاعدا)، وتدور نقاطه الرئيسية الثلاثة حول مجال الاستشراق نفسه. النقطة الأولى أن الاستشراق مال لكونه «جوهريا»، مفترضا أن للعرب (والمسلمين بوجه عام، وإن كان سعيد مهتما في الأساس بسكان الشرق الأدنى) طبيعة جوهرية ثابتة يمكن تحديدها ووصفها والتحكم فيها سياسيا. النقطة الثانية أن الاستشراق - وخصوصا كما مارسه الباحثون البريطانيون والفرنسيون - كانت تحركه دوافع سياسية. إذا أمكن إظهار «طبيعة» المجتمعات العربية أو الإسلامية على أنها أقل شأنا من مجتمعات الغرب، حينئذ يمكن تبرير الهيمنة السياسية الغربية على العرب والمسلمين. والنقطة الأخيرة أن هذه الانطباعات الخاطئة عن جوهر «الشرقيين» المتدني والحاجة إلى التفكير في الشرق على قدر ارتباطه بالغرب فحسب قد احتفظت بمكانها داخل مجال دراسة معيب ذاتي التخليد.
على الرغم من أن الكثير مما قاله سعيد لم يكن جديدا في الأوساط الفكرية الغربية والعربية/الإسلامية، فإن كتابه جذب لهذه القضايا اهتمام جمهور أكبر من القراء اشتمل غالبا على مفكرين من مجالات أخرى. أيضا ساهم نشر الكتاب عام 1978 في شهرته؛ إذ كانت هذه فترة دائمة التغير في حقول النظرية الأدبية التي ركزت على دور الثقافة في الهيمنة على عناصر المجتمع الضعيفة أو إخضاعها سياسيا (وفي هذا السياق تبرز على وجه التحديد نظريتا النسوية وما بعد الاستعمار). كان كتاب «الاستشراق» محل ثناء على نحو بارز في مجال الدراسات الثقافية، لكنه على الرغم من ذلك كان مثار جدل على نحو متوقع بين المستشرقين أنفسهم.
أبرز نقاد كتاب «الاستشراق» - والكثيرون منهم باحثون بارزون في التاريخ الإسلامي - عددا من الأخطاء في الكتاب تطعن في صحة كل من تفاصيله وأطروحته الرئيسية. فقد أشير مثلا إلى أنه في القرن التاسع عشر وفي أوج الهيمنة الاستعمارية الأوروبية على العالم الإسلامي، لم يكن مجال الاستشراق خاضعا لهيمنة باحثين بريطانيين أو فرنسيين، بل متحدثين للغة الألمانية من دول لم تتمتع بحكم مباشر على المسلمين في أي مكان. ذكر أيضا أن الكثيرين من المستشرقين البريطانيين والفرنسيين في ذلك الوقت لم يكونوا مؤيدين لسياسات بلادهم. ومن ثم كان إدوارد براون أستاذ اللغة الفارسية في جامعة كامبريدج - (الذي توفي عام 1926) - ناقدا صريحا للمواقف والسياسات البريطانية تجاه المسلمين، وكانت جهوده وإنجازاته سببا في تسمية أحد شوارع طهران باسمه اعترافا بفضله (ولا يزال هناك تمثال شبيه به). ومن الاعتراضات الأخرى على كتاب «الاستشراق» أنه يتجاهل الإسهامات العديدة الحيوية التي قدمها المستشرقون لمجال الدراسات الإسلامية؛ فإنتاج طبعات نقدية للمخطوطات - على سبيل المثال لا الحصر - مهمة تخدم المسلمين أيضا وليست عرضة سهلة للتحيزات السياسية. مع ذلك لا يمكن للباحثين الغرب المهتمين بالمجتمعات الإسلامية أن يتجاهلوا كتاب «الاستشراق»، وحتى منتقدي الكتاب يوافقون على أن تأثيره على مجال الدراسات الإسلامية كان هائلا ؛ ففي العقود الأخيرة، وجه الدراسات الإسلامية جهد واع للتعاطف مع المجتمعات الإسلامية - في الماضي والحاضر - وأيضا احتراز من تقديم حجج تاريخية قد تسيء إلى المسلمين. ولم يكن من المتوقع أن تجد الأسئلة والأفكار المطروحة في كتابي وانسبرو وكتاب «الهاجرية» مكانا راسخا في مثل هذه البيئة الدراسية القاحلة.
حقيقة أنه ينبغي لأهل الغرب الدارسين للمجتمعات الإسلامية أن يتحلوا بالرقة والحساسية تجاه الشعوب الخاضعة لدراستهم هي محمودة (وبديهية) لا شك. رغم ذلك، فإنه من التبعات غير المتوقعة لتأثير كتاب «الاستشراق» أن محاولات التودد الواعية قد تقضي على النقاش الأكاديمي المفتوح والجاد؛ ومن ثم تحول دون اتخاذ الدراسات الإسلامية للموقف المهني الذي تتمتع به الفروع الأخرى من دراسات الشرق الأدنى. ويتساوى ذلك مع تبني وجهة نظر متعالية تجاه أحد الموروثات الدينية التاريخية التي تستحق أن تعامل بالاحترام نفسه الذي تعامل به موروثات شبيهة؛ فلا يمكن لأحد الباحثين في التاريخ الإنجيلي أن يقدم بحثا أكاديميا عن الدقة التاريخية لقصة موسى الرضيع في سلة في نهر النيل، ثم يتوقع أن يؤخذ على محمل الجد من قبل زملائه من الجمهور. على الرغم من ذلك وفي العديد من الحالات، يمكن لباحث في التاريخ الإسلامي أن يتحدث عن التفاصيل الأكثر تقليدية في سيرة محمد ويتلقى الابتسامات العذبة والثناء الرفيع. إن معاملة الدراسات الإسلامية بلين استثنائي تشير ضمنا (حتى وإن كان دون وعي) إلى أن الإسلام لا ينبغي أن يتعرض للتحليل الصارم نفسه الذي خضعت له الديانات الأخرى، خشية ألا يكون صلدا بما يكفي لتحمل الفحص الدقيق. والمفارقة أنه على الرغم من أن هذا المنهج في تناول الموروث الإسلامي «لطيف»، فإن افتراضاته المتعالية ترتبط ارتباطا وثيقا بنوع الاستشراق الذي انتقده إدوارد سعيد مع أن هذا المنهج غير النقدي يتبناه عادة مؤيدو الحجج التي طرحها سعيد.
ناپیژندل شوی مخ