«تارودانت» فانتهى إلى أوائلهم، فتلقوه فى عدة عظيمة، وقتلهم قتلا ذريعا، وهرب بقيتهم، وافترقت خيله فى طلبهم إلى كل موضع هربوا إليه من الأرض لا يزمهم أحد ومضى كذلك حتى دخل السوس الأقصى، فاجتمع به البربر فى عدد لا يحصى فلقيهم، فقاتلهم قتالا شديدا ما سمع أهل المغرب بمثله، وقتل منهم خلقا عظيما، وأصاب منهم نساء لم ير الناس فى الدنيا مثلهن، فقيل: إن الجارية منهن كانت تبلغ بالمشرق ألف [دينار وهربوا بين يديه ..] فخرجت العرب منها، ولم يكن لهم بقتاله طاقة، لعظيم ما اجتمع معه من البربر والروم، وأسلموا القيروان وبقى بها أصحاب الذرارى والأثقال فأرسلوا إلى كسيلة: يسألونه الأمان وأجابهم، وأقام كسيلة حتى نزل القيروان وأقام أميرا على إفريقية، وقد بقى من بقى من المسلمين تحت يده، فما زال على ذلك إلى أن ولى عبد الملك بن مروان فاشتد سلطان بنى أمية وعظم أمرهم، واجتمع إليه أكابر المسلمين فسألوه فى قيروان إفريقية أن يخلصها ومن فيها من المسلمين من يد كسيلة بن ليوم، وأن يرد بها الإسلام عزيزا كما كان، فقال لهم: «لا يصلح للطلب بدم عقبة من المشركين وكفرة البربر إلا من هو مثله فى دين الله» فأتفق رأيه على زهير بن قيس البلوى، وقالوا: «هو صاحب عقبة واعرف الناس بسيرته وتدبيره، وأولاهم بطلب ثأره وكان زهير مقيما ببرقة مرابطا مع أهل من إفريقية، فوجه إليه عبد الملك يأمره بالخروج على أعنة الخيل إلى إفريقية ليستنقذ القيروان ومن فيها من المسلمين، وكتب له قيس بن زهير: يعرفه بكثرة من اجتمع إلى كسيلة من البربر والروم، ويستمده الرجال والأموال، فوجه إليه وجوه أصل الشام.
ولاية زهير بن قيس البلوى
فلما حشد له وجوه الرجال من العرب، وبعث إليه الأموال وتسرع الناس معه، ووفدت عليه الجنود، أقبل فى عسكر عظيم، يريد إفريقية، فلما دنا من مدينة القيروان، وذلك فى سنة سبع وستين وبلغ كسيلة بن ليوم الأوربى قدوم زهير عليه .. لا نهاية له، وكان كسيلة فى خلق عظيم من البربر والروم، دعا أشرافهم وأكابرهم فشاورهم
مخ ۴۴