صلى الله عليه وسلم
أنه قال في حقه: «لو كان نبي بعدي لكان عمر.» فهو صحابي ولكن ليس كغيره من الصحابة ولقد منع عمر المتعة واحتج بعمله الفقهاء من أهل السنة. وعلى كل حال لم يكن عمر بالذي يخفى عليه حكم الشرع في مسألة هي أجل المسائل، ولم يكن أيضا سعد بن عبادة ورهطه من الأنصار بالذين يمارون قريشا في أمر الإمامة لو كانوا يعلمون أنها لا يجوز أن تتعدى قريشا. وأين تذهب مع قوله
صلى الله عليه وسلم : «اسمعوا وأطيعوا وإن ولي عليكم عبد حبشي ذو زبيبة.» فهل هذا ينتظم مع حصر الخلافة في قريش؟
إن الذين يقولون بحصر الخلافة في قريش إنما يستندون على الحديث الشريف «الأئمة في قريش.» ولكن هذا جاء في زمن كانت الرئاسة فيه لقريش فكانت أولى بهذا الأمر من غيرها، وكانت العرب في صدر الإسلام تطيعها مالا تطيع سواها. ولا ينبغي من ذلك أن هذا الأمر يجب أن يكون أبدا سرمدا في قريش مهما تقلبت الأحوال وتبدلت الأطوار، وما دامت تطلع الشمس، وما بل بحر صوفة. وما بالهم لا يذكرون أنه جاء في رواية هذا الحديث الأئمة في قريش ما أقاموا الدين. وجاء هذا الحديث في بعض المسانيد التي يعول عليها مثل صحيح مسلم، فإن كان حصر هذا الأمر في قريش معلقا بهذا الشرط فيكون قد انحل الإشكال. وليس من ينازع في رئاسة قريش في كونها الأولى بالإمامة من غيرها من عرب وعجم، وإنما النزاع واقع في أنه إذا وجد من الخارجين عن قريش من عرب وعجم، وإنما النزاع واقع في أنه إذا وجد من الخارجين عن قريش من هم أقوى على حمل الخلافة منها، وأشد عصبية في وقتهم، وأقدر على حفظ حوزة الإسلام في وجه الأجانب، فهل يجب حصر الخلافة الإسلامية في القرشي مع ضعفه وإقصاء غير القرشي عنها مع كفايته ورجحانه؟ هذا هو المعترك الذي كان ينبغي أن يجرأ العلماء أن يفصلوا فيه فصلا يتلاءم مع روح الإسلام المبني على قاعدة
إن أكرمكم عند الله أتقاكم
وعلى قاعدة
وأن ليس للإنسان إلا ما سعى
فليس في الإسلام طبقات كما هي عند البراهمة، الدين في هذه الطبقة، والحكم في تلك الطبقة، والصناعة في هاتيك الطبقة... إلخ، وليس الإسلام في شيء من مشابهة اليهودية في أن الملك هو في السبط الفلاني، وأن الكهنوت هو في السبط الفلاني... إلخ، فكل هذه الأوضاع لا يعرفها الإسلام، ولا يعرف إلا عمل الإنسان نفسه. وكما قال عمر رضي عنه: «لو جاءت الأعاجم بالأعمال وجئنا بغير عمل فهم أولى بمحمد منا يوم القيامة، فلا ينظر رجل إلى القرابة، وليعمل لما عند الله، فمن قصر به عمله لا يسرع به نسبه.» أفتكون الشريعة التي يقول فيها عمر مثل هذا القول هي الشريعة التي تجعل الإمامة إرثا خاصا بعشيرة خاصة إلى أبد الدهر مهما كان في الخارج عنها من كفاية تزيد على كفايتها، وقدرة على حفظ بيضة الإسلام ترجع على قدرتها؟! لا جرم أن هذا غير معقول، ولذلك لا نعجب من أن يكون مثل القاضي أبي بكر الباقلاني وغيره من العلماء قد أسقطوا شرط القرشية في الخلافة بعد أن رأوا ما رأوا من ضعف قريش ورجحان غيرها عليها.
ولو أن الذين اشترطوا القرشية في الخلافة استدركوا الأمر بقولهم: إنه إذا تساوى القرشي وغير القرشي في الاشتمال على شروط الخلافة فالقرشي بمكانه من قرابة الرسول عليه السلام، ومن رئاسته القديمة أولى من غير القرشي لهان الخطب. ولكن مقتضى كلامهم أن القرشي بسلطان ذلك الحديث المتعلق بقريش في عهد كانت فيه هي الأول - مهما بلغ من الضعف ومن عدم الكفاية - فإنه أولى من غير القرشي مهما بلغ من القوة على حفظ حوزة الإسلام، ومهما بلغ من الضلاعة والكفاية، فهذا الذي نراه مخالفا لروح الشرع، ولما يتجلى من جميع أحكام الكتاب والسنة.
لقد كان لقريش التقدم على جميع العرب، وعلى جميع المسلمين، فكان ذلك الحديث لو صح على ما رووه وارتفعت فيه كل شبهة مطابقا لحالة قريش في أيام تقدمها، فأما من بعد أن غلبت الأعاجم، وقام فيها من رجح ميزانه على قريش في القوة والمتعة رجحانا محسوسا لا يمتري فيه عاقل؛ فقد أصبح من العبث أن نجعل المرجوح أولى من الراجح. ولعمري أن ابن خلدون رحمه الله قد جمع فأوعى عندما قال في مقدمته: «إذا ثبت أن اشتراط القرشية إنما هو لدفع التنازع بما كان لهم من العصبية والغلب، وعلمنا أن الشارع لا يخص الأحكام بجيل ولا عصر ولا أمة؛ علمنا أن ذلك إنما هو من الكفاية فرددناه إليها، وطردنا العلة المشتملة على المقصود من القرشية وهي وجود العصبية، فاشترطنا في القائم بأمور المسلمين أن يكون من قوم أولى عصبية قوية غالبة على من معها في عصرها ليستتبعوا من سواهم، وتجتمع الكلمة على حسن الحماية، ولا يعلم ذلك في الأقطار والآفاق كما كان في القرشية. إذ الدعوة الإسلامية التي كانت لهم كانت عامة، وعصبية العرب كانت وافية، فغلبوا سائر الأمم، وإنما يخص لهذا العهد كل قطر بمن تكون له فيه العصبية الغالبة.
ناپیژندل شوی مخ