============================================================
ذكر ذي القرنين سنة إلى أن خرج أردشير ببابل من ولد دارا بن دارا فدعا الناس إلى نفسه واجتمع له ملوك فارس، وليست قصته من شرط كتابنا وأن ذا القرنين فيما قالت له المنجمة إنك لا تموت حتى ترى السماء فوقك من صفر والأرض تحتك من حديد، قالوا: فلما وصل إلى أرض بايل لحقته علة ليس من نفسه ويروى أته كان في مسير له حين اعتل فلم يتماسك على دابته فنزل ولم يكن عنده في الوقت فراش ولا خيمة فأمر فطرح له درغ أو جوشن فنام عليه وأظله من كان معه بترس من صفر فوقه، قال: فنام ساعة ثم إنه نظر إلى ما فوقه فرأى الترس فوقه والدرع تحته فقال لمن معه: ادع لي كاتبي حتى يكتب كتاب وصيتي فقيل له: وما ذلك أيها الملك؟ قال: عرفت أن أجلي قد اقترب، قالوا: وما يدريك؟ قال: لأن المنجمة قد قالت لي كذا وكذا، وأنا أعلم أن السماء لا تصير صفرا قط ولا الأرض حديذا، والآن قإني أرى ما فوقي صفرا وما تحتي حديذا، فعلمت أن هذا هو ما قيل لي، ثم إله أملى كتابا إلى أمه وكان فيه من الإسكندر رفيق أهل الأرض بجسده ورفيق أهل السماء بروحه إلى أمه الغيدا التي لم تنتفع منه في الدنيا بقربه وذلك كان بإرادة الحكيم الرحيم وقدرته أسألك يا أماه أن تقرئي كتابي هذا بالتدبير والتفكر وأن لا تتشبهي بالنساء في الجزع والضجر كما لا ترضي لابنك في حياته أن يتشبه بالرجال في قلة عزمهم وحزمهم، يا أماه هل رأيت في الدنيا شيئا لا يتغير ولا يفنى؟ ألم تري إلى الشجرة المهتزة أغصانها الملتفة ورقها الطيبة ثمارها كيف تتعشم عن قريب أغصانها ويتساقط ورقها وتتناثر ثمارها؟ ألم تري إلى النبت يصبح نضيرا ويمسي هشيما؟ ألم تري إلى النهار يمضي كيف يحفه الليل المظلم؟ وإلى القمر المنير كيف ينكسف؟ وإلى الشمس الزاهرة كيف يحفها الغروب؟ وإلى النجوم الثاقبة كيف يغشاها الطموس؟ وإلى الشهب النيرات كيف يطفئها الخمود؟ وإلى الماء العذب كيف يفسده الأجون؟ وإلى هذا الحيوان الذي يولد فيعيش أياما ويصحب الدنيا أعواما ثم يفارقها سريغا ولعمري إن الدنيا ليست للخلق بدار ولا منزل قرار وطال ما قيل لكم: لذوا للموت وابنوا للخراب، يا أماه هل رأيت مقرضا لا يتقاضى قرضه أو مستودغا لا يسترد وديعته؟ يا أماه إن كان شيئا حقيقا بالبكاء فلبكت السماء على نجومها الزائلة لا محالة عنها، والأرض على عمرانها التي تخرب، والبحور على حيتانها التي تهلك، والطير على أفراخها التي تغتي فليس شيء على هذه يبكي ولكته يبكي الإنسان على ما يفارقه وكان أحق بالبكاء على نفسه التي يفارقها حتى لا يأمن الموت والفراق وإنه إن كان يبكي لم ينفعه البكاء، ولا يبقى الباكي بعد الذي يبكي عليه إلا يسيرا يا أماه إن الموت مورد لا بد منه وقد كنت مستيقنا لوروده كما ورد من قبلي، يا آماه إن كنت تجيبيني فيما آمرتك به من الصبر والرضى وإن علامة المحبة أن يطيع المحب حبيبه، يا أماه إني كتبت إليك
مخ ۳۷۶