تراجم مشاهير الشرق په نولسمه پېړۍ کې (لومړی برخه)
تراجم مشاهير الشرق في القرن التاسع عشر (الجزء الأول)
ژانرونه
أما كيفية سقوط الخرطوم فعلى ما يأتي: من تأمل هذه الخارطة (ش
10-8 ) علم أن الخرطوم واقعة موقعا طبيعيا حصينا للغاية؛ فهي محاطة من الشمال والغرب بالنيل ومن الجنوب والغرب بسور منيع، وراءه من الخارج خندق عميق والجند قائمون على السور ليلا ونهارا، وترى بين بنايات الخرطوم وسورها أرضا لا بناء فيها.
وقد ذكرنا أن المهدي حاصر الخرطوم وشدد الحصار عليها لكي تسلم من الجوع، فلم تمض مدة حتى أنبأه جواسيسه أن حملة الإنكليزية قادمة لإنقاذ الخرطوم وغوردون، فبعث إليها جندا لاقاها في أبي طليح تحت قيادة موسى ولد الحلو وأبي صافية فعادت خاسرة، فأرسل جندا آخر إلى أبي كرو بقيادة نور عنقرة فانكسر أيضا كما تقدم، فلما بلغه خبر انكسار رجاله أراد التمويه على أتباعه فأمر بإطلاق مائة قنبلة وقنبلة، وهي إشارة النصر عندهم، فاطمأن الدراويش، ولكن محمد أحمد جمع أمراءه وخلفاءه في جلسة سرية، وقال لهم: إن الحضرة جاءته (أي رأى رؤيا روحية) فأوحت إليه أن يهاجر إلى الأبيض، فاعترضه الأمير محمد عبد الكريم قائلا: «إن الهجرة ميسورة لنا كل حين والطريق إلى الأبيض مطلق لنا، فلنهاجم الخرطوم أولا فإذا امتنعت علينا هاجرنا إلى الأبيض، وإذا فتحناها فلا يقوى الإنكليز ولا غيرهم على أخذها منا.» فاستحسن المهدي رأيه وصبر بضعة أيام وهو يستقصي أخبار الإنكليز وحركاتهم، وفي 25 يناير بلغه قيام الباخرتين من المتمة فأقر الرأي على مهاجمة المدينة في صباح اليوم التالي (يوم الإثنين في 26 يناير سنة 1885) فبعث المهدي إلى القوات المحاصرة يقول: إنه علم بالوحي أن الله جعل أرواح أهل الخرطوم كلها في قبضته.
وفي مساء ذلك اليوم 25 منه قطع المهدي النيل الأبيض من أم درمان، وكل من أراد الجهاد معه ونزل إلى معسكر ولد النجومي في كلاكلا، وتلا هناك خطابا حث رجاله فيه على الجهاد وأوصاهم ألا يقتلوا غوردون باشا، ويقول سلاتين باشا: إن غرضه من ذلك بقاء غوردون أسيرا حتى يفتدي به أحمد عرابي المنفي في سيلان، فلما أتم خطبته عاد ببطانته إلى أم درمان.
وفي الصباح التالي 26 منه الساعة الأولى بعد نصف الليل زحف الدراويش من كلاكلا بقيادة ولد النجومي وانقسموا فرقتين: فرقة تهاجم السور بين النيل الأبيض وباب المسلمية وفرقة تهاجمه من ناحية بوري (انظر شكل
10-8 )، وكان السور بين باب المسلمية والنيل الأبيض قد تهدم بعضه مما يلي النيل لمجاورته أرضا يغمرها ماء النيل في فيضانه ترى حدودها في الخارطة منقطعة، وكان الماء قد انحسر عنه إذ ذاك وتهدم بعضه فتكونت فيه ثغور دللنا عليها بتقطيع السور هناك إلى نقط، فعول الدراويش على أن يدخلوا المدينة من تلك الثغور على أنهم إذا فازوا بالدخول منها عدلوا عن الهجوم من جهة بوري، ودخل القسمان معا من جهة النيل الأبيض.
فزحفوا سكوتا حفاة تحت جناح الليل لا تسمع لهم حركة حتى صاروا عند تلك الثغور فردموا الخندق ووسعوا الثغور وصاحوا صياح الحرب قائلين: «في سبيل الله» ودخلوا يزاحم بعضهم بعضا، وقد غاصوا في الأوحال إلى الركب، فبغتت الحامية فأطلقت بعض الطلقات، وكان فرج باشا على باب المسلمية فما انتبه إلا وقد قضي الأمر ولم تبق فائدة بالدفاع، ففتح الباب وسلم، فانهال الدراويش على المدينة كالصواعق وهم ينادون «للكنيسة ... للسراي»، وأمعنوا في الأهالي المساكين قتلا ونهبا لم يبقوا ولم يذروا. وسار بضعة منهم إلى السراي حيث يقيم غوردون، وكان قد يئس من قدوم الحملة وبات تلك الليلة حوالي نصف الليل، ولم يكد يغمض جفنه حتى سمع إطلاق النار فصعد إلى سطح السراي وأشرف على الأسوار فرأى العرب قد دخلوا السور ولم يعد باليد حيلة، فلبس ثيابه وتقلد سلاحه وهم بالنزول فلاقاه ثلاثة من الدراويش عند أعلى السلم، فسأل أولهم قائلا: «أين سيدك المهدي؟» فأجابه بطعنة قاضية، وضربه آخر بالسيف فخر قتيلا لم يبد دفاعا، ويقال إن قتلته من رجال ولد النجومي، ولم يكن ولد النجومي معهم فجاء بعدئذ فساءه قتله، فأمرهم بجر جثته إلى باحة السراي وأن يقطع رأسه ويحمل إلى المهدي في أم درمان، فحملوه إليه في منديل كبير في الساعة الأولي من النهار، وكان سلاتين مقيدا في خيمته بأم درمان وقد سمع إطلاق المدافع وعلم بهجوم العرب على الخرطوم، ثم سمع بفتحها فوقف حزينا كئيبا، فمر حاملو رأس غوردون به وبينهم رجل اسمه شطا كان يعرفه سلاتين قبلا، فكشف له عن رأس غوردون، وقال: «أليس هذا رأس عمك الكافر؟» كما ترى في الرسم ش
10-9 .
فأثر ذلك المنظر في سلاتين كثيرا، وكان قد هزل جسمه من الأسر والخوف وكاد يغمى عليه، ولكنه تجلد، وقال بصوت ضعيف: «إنه مات في سبيل الدفاع عن واجباته، هنيئا له فقد استراح من متاعبه.» فقال له شطا ضاحكا: «أتمدح الكافر، سوف تلقى ما لقيه قريبا.» فتأمل حال سلاتين إذ ذاك.
شكل 10-9: رأس غوردون يريه الدراويش لسلاتين باشا.
ناپیژندل شوی مخ