تراجم مشاهير الشرق په نولسمه پېړۍ کې (لومړی برخه)
تراجم مشاهير الشرق في القرن التاسع عشر (الجزء الأول)
ژانرونه
مقدمة الطبعة الأولى
مقدمة الطبعة الثانية
القسم الأول: العائلة الخديوية
1 - محمد علي باشا
2 - إبراهيم باشا
3 - عباس باشا الأول
4 - سعيد باشا
5 - إسماعيل باشا
6 - محمد توفيق باشا الخديوي السابق
7 - عباس حلمي باشا الخديوي الحالي
ناپیژندل شوی مخ
القسم الثاني: الملوك والأمراء
8 - السلطان محمود الثاني
9 - الأمير بشير الشهابي الثاني
10 - محمد أحمد المتمهدي السوداني
11 - عبد الله التعايشي
12 - ناصر الدين شاه ملك الفرس
13 - الأمير عبد الرحمن أمير الأفغان
14 - حبيب الله خان
15 - تسي هي إمبراطورة الصين
16 - منيليك ملك الحبشة
ناپیژندل شوی مخ
17 - علي بن حمود سلطان زنجبار
القسم الثالث: القواد والوزراء
18 - سليمان باشا الفرنساوي
19 - عمر باشا
20 - الأمير عبد القادر الجزائري
21 - عثمان باشا الغازي
22 - حميد بن محمد المرجبي فاتح الكونغو
القسم الرابع: رجال الإدارة والسياسة
23 - المعلم جرجس الجوهري
24 - المعلم غالي
ناپیژندل شوی مخ
25 - علي باشا تيه دلنلي
26 - بوغوص بك
27 - مصطفي رشيد باشا
28 - فؤاد باشا
29 - محمد شريف باشا
30 - رستم باشا
31 - نوبار باشا
32 - جواد باشا
33 - أحمد عرابي المصري
34 - لي هونغ تشانغ
ناپیژندل شوی مخ
35 - الماركيز إيتو
القسم الخامس: رجال الأعمال وأهل البر والإصلاح
36 - كيرلس الرابع
37 - الشيخ محمد عبده
38 - مصطفى باشا كامل
39 - سليم صيدناوي
40 - قاسم أمين
41 - بشارة الخوري
42 - السيد عبد الرحمن الكواكبي
تابع رجال الإدارة والسياسة
ناپیژندل شوی مخ
43 - مدحت باشا
44 - بطرس باشا غالي
مقدمة الطبعة الأولى
مقدمة الطبعة الثانية
القسم الأول: العائلة الخديوية
1 - محمد علي باشا
2 - إبراهيم باشا
3 - عباس باشا الأول
4 - سعيد باشا
5 - إسماعيل باشا
ناپیژندل شوی مخ
6 - محمد توفيق باشا الخديوي السابق
7 - عباس حلمي باشا الخديوي الحالي
القسم الثاني: الملوك والأمراء
8 - السلطان محمود الثاني
9 - الأمير بشير الشهابي الثاني
10 - محمد أحمد المتمهدي السوداني
11 - عبد الله التعايشي
12 - ناصر الدين شاه ملك الفرس
13 - الأمير عبد الرحمن أمير الأفغان
14 - حبيب الله خان
ناپیژندل شوی مخ
15 - تسي هي إمبراطورة الصين
16 - منيليك ملك الحبشة
17 - علي بن حمود سلطان زنجبار
القسم الثالث: القواد والوزراء
18 - سليمان باشا الفرنساوي
19 - عمر باشا
20 - الأمير عبد القادر الجزائري
21 - عثمان باشا الغازي
22 - حميد بن محمد المرجبي فاتح الكونغو
القسم الرابع: رجال الإدارة والسياسة
ناپیژندل شوی مخ
23 - المعلم جرجس الجوهري
24 - المعلم غالي
25 - علي باشا تيه دلنلي
26 - بوغوص بك
27 - مصطفي رشيد باشا
28 - فؤاد باشا
29 - محمد شريف باشا
30 - رستم باشا
31 - نوبار باشا
32 - جواد باشا
ناپیژندل شوی مخ
33 - أحمد عرابي المصري
34 - لي هونغ تشانغ
35 - الماركيز إيتو
القسم الخامس: رجال الأعمال وأهل البر والإصلاح
36 - كيرلس الرابع
37 - الشيخ محمد عبده
38 - مصطفى باشا كامل
39 - سليم صيدناوي
40 - قاسم أمين
41 - بشارة الخوري
ناپیژندل شوی مخ
42 - السيد عبد الرحمن الكواكبي
تابع رجال الإدارة والسياسة
43 - مدحت باشا
44 - بطرس باشا غالي
تراجم مشاهير الشرق في القرن التاسع عشر (الجزء الأول)
تراجم مشاهير الشرق في القرن التاسع عشر (الجزء الأول)
تأليف
جرجي زيدان
مقدمة الطبعة الأولى
رأينا من جمهور القراء ارتياحا لما ننشره في الهلال من تراجم مشاهير الناس، وتقدم إلينا غير واحد من حضراتهم أن نؤلف من تلك التراجم وأمثالها كتابا على حدة مع ما تقتضيه من الرسوم ونحوها؛ ليسهل الاطلاع عليها والاعتبار بها، فرأينا أن نلبي الطلب، على أن يكون عملنا قاصرا على مشاهير الشرق دون سواهم، وأن لا يتجاوز وفيات القرن التاسع عشر.
ناپیژندل شوی مخ
ومما يهون ذلك علينا أننا قضينا العقد الأخير من القرن المذكور في البحث عن مشاهير رجالنا في السياسة، والإدارة، والعلم، والأدب، وقد نشرنا كثيرا من تراجمهم في أهلة السنين الماضية، فعمدنا إلى جمع تلك التراجم في كتاب نرتب فيه أولئك المشاهير باعتبار ما اشتهروا به؛ فقسمناه إلى جزأين: الجزء الأول في رجال الحكومة، والثاني في رجال العلم مع ملاحظة الشروط الآتية: (1)
أننا لا ننشر إلا تراجم المشاهير الذين توفوا في أثناء القرن التاسع عشر، إلا في أحوال خصوصية أهمها أن يكون المترجم قد فرغ من العمل الذي انتدب نفسه له أو أوقف سيرته عند حد لا يرجى له أن يتعداه. (2)
توسعنا في المراد من لفظ الشرق إلى آخر الشرق الأقصى، فترجمنا الذين بلغت إلينا شهرتهم من رجال فارس، والهند، والصين، واليابان. (3)
عددنا في جملة مشاهير الشرق رجالا من الإفرنج خدموا الشرق، وقضوا معظم حياتهم فيه، مثل: سليمان باشا الفرنساوي، والدكتور كلوت بك، والدكتور فنديك، وغيرهم، وفعلنا نحو ذلك بمشاهير المسلمين في بلاد المغرب. (4)
قسمنا كلا من جزأي الكتاب إلى أبواب، ورتبنا رجال كل باب باعتبار سني وفاتهم بقطع النظر عن أهليتهم.
1
فالجزء الأول:
من تراجم مشاهير الشرق - وهو هذا - يحتوي على تراجم من اشتهر في الشرق من رجال الحكومة في أثناء القرن الماضي، وهو يقسم إلى أربعة أقسام:
أولا:
أمراء العائلة الخديوية.
ناپیژندل شوی مخ
ثانيا:
الملوك والأمراء.
ثالثا:
القواد.
رابعا:
رجال الإدارة والسياسة.
والجزء الثاني:
يشتمل على من اشتهر في الشرق من رجال العلم والأدب في أثناء القرن التاسع عشر، وهو أربعة أقسام: (1)
أركان النهضة العلمية الأخيرة. (2)
المنشئون وكتاب الجرائد. (3)
ناپیژندل شوی مخ
سائر رجال الأقلام وخدمة العلم والأدب. (4)
الشعراء.
فالجزء الأول عبارة عن تراجم رجال الحكومة، وتاريخ أعمالها الإدارية في الآستانة ومصر والشام والسودان وسائر المشرق، أو هو تاريخ الشرق السياسي في القرن التاسع عشر، والجزء الثاني عبارة عن تاريخ العلم والأدب في النهضة الشرقية الأخيرة، وقد توخينا تحري الحقائق جهد طاقتنا، والعصمة لله وحده.
ونظرا لما يعتور هذا المشروع من العقبات في انتقاء الرجال، والبحث عن تراجمهم لقلة المآخذ المؤدية إلى ذلك؛ لقرب عهدنا من الحضارة الجديدة، فلا يخلو أن يكون قد فاتنا ذكر بعض المشاهير من رجالنا، فنرجو من أهل الاطلاع أن ينبهونا إلى ذلك، ويبعثوا إلينا بما يعلمونه من تراجم أولئك الرجال؛ لندرجها في ملحق نجعله جزءا ثالثا لهذا الكتاب إن شاء الله.
مقدمة الطبعة الثانية
صدرت الطبعة الأولى من هذا الكتاب سنة 1902 فلم تمض بضع سنين حتى نفدت نسخها واضطررنا إلى إعادة طبعها، وكنا قد حصرنا موضوع الكتاب في ترجمة الرجال العظام الذين توفوا في الشرق قبل انقضاء القرن التاسع عشر، ثم رأينا في ذلك تقصيرا بحق جماعة نبغوا في القرن المذكور لكنهم توفوا في أوائل القرن العشرين، وفيهم جماعة من أرباب الأقلام أو غيرهم، وآخرون من كبار الرجال لا يدخلون في باب من الأبواب الأربعة التي عيناها في الطبعة الأولى وفصلناها في مقدمتها المنشورة مع هذه، فأضفنا إلى أبواب الجزء الأول هذا بابا خامسا سميناه «باب رجال العمل وأهل البر والإصلاح»، فدخل في الكتاب بسبب ذلك جماعة من خيرة الرجال؛ كالشيخ محمد عبده، ومصطفى كامل، وقاسم أمين، وغيرهم فنشرنا تراجمهم في هذا الكتاب مع تراجم أخرى فاتتنا في الطبعة الأولى، ونبهنا إليها بعض الأدباء.
فأصبحت أبواب هذا الكتاب خمسة، وهي: (1)
أمراء العائلة الخديوية. (2)
الملوك والأمراء. (3)
القواد. (4)
ناپیژندل شوی مخ
رجال الإدارة السياسية. (5)
رجال الأعمال وأهل البر والإصلاح.
وأضفنا إلى الجزء الثاني تراجم كثيرين من أهل العلم والأدب فاتنا ذكرهم في الطبعة الماضية، ولا نزال نوالي البحث عن تراجم رجالنا لنضيفها إلى ما عرفناه في فرصة أخرى وبالله التوفيق.
القسم الأول
العائلة الخديوية
الفصل الأول
محمد علي باشا
(1) صبوته وشبيبته
انظر إلى خارطة بلاد الروملي في سواحلها الجنوبية على مسافة 320 كيلومترا من الآستانة غربا، تر قرية اسمها قوالة لا يزيد عدد سكانها على ثمانية آلاف نفس، وكان في تلك القرية في أواسط القرن الثامن عشر رجل اسمه إبراهيم آغا، كان متوليا خفارة الطرق، ولد له سبعة عشر ولدا لم يعش منهم إلا واحدا، وفي سنة 1773 توفي هذا الرجل وامرأته عن ذلك الولد وسنه أربع سنوات واسمه محمد علي.
فأصبح الغلام يتيما ليس له من يعوله إلا عما اسمه طوسون آغا، وكان متسلما على قوالة، فجاء به إلى بيته شفقة عليه، غير أن المنية عاجلت طوسون فقتل بأمر الباب العالي بعد ذلك بيسير، فأصبح الغلام يتيما قاصرا وليس من ينظر إليه.
ناپیژندل شوی مخ
شكل 1-1: محمد علي باشا.
وكان لوالده صديق يعرف بجربجي براوسطة فشفق على الغلام وجاء به إليه، وعني بتربيته مع أولاده، غير أن ذلك لم ينسه حاله من اليتم، فكان يشعر بالذل وضعة النفس. ويروى أنه بعد أن ارتقى ذروة المجد واعتلى منصة الأحكام، أنه كان يحدث أخصاءه عما قاساه في صبوته من الذل إلى أن يقول:
ولد لأبي سبعة عشر ولدا لم يعش منهم سواي، فكان يحبني كثيرا ولا تغفل عينيه عن حراستي كيفما توجهت، ثم توفاه الله فأصبحت يتيما قاصرا، وأبدل عزي بذل، وكثيرا ما كنت أسمع عشرائي يكررون هذه العبارة التي لا أنساها، وهي: «ماذا عسى أن يكون مصير هذا الولد التعيس بعد أن فقد والديه»، فكنت إذا سمعتهم يقولون ذلك أتغافل عنه، ولكنني أشعر بإحساس غريب يحركني إلى النهوض من تحت هذا الذل، فكنت أجهد نفسي بكل عمل أستطيع معاطاته بهمة غريبة حتى كاد يمر علي أحيانا يومان ساعيا لا آكل ولا أنام إلا شيئا يسيرا، وفي جملة ما قاسيته أني كنت مسافرا مرة في مركب فتعاظم النوء حتى كسره، وكنت صغيرا، فتركني رفاقي وطلعوا إلى جزيرة هناك على قارب معنا، أما أنا فجعلت أجاهد في الماء وسعي، تتقاذفني الأمواج، وتستقبلني الصخور حتى تهشمت يداي، وكانتا لا تزالان يانعتين، وما زلت حتى أراد الله ووصلت الجزيرة سالما، وقد أصبحت هذه الجزيرة الآن قسما من مملكتي.
ومما يحكى عنه في أيام صبوته أنه كان يتردد على رجل فرنساوي مقيم في قوالة اسمه المسيو ليون، وكان من كبار التجار محبا للفضيلة وحالما، رأى محمد علي للمرة الأولى، فشفق عليه وأحب مساعدته؛ لما توسم فيه من الفطنة والنباهة، فكان يقدم له كثيرا من حاجياته ويسعفه بكل ما في وسعه حتى ألفه محمد علي كثيرا، وهذا هو سبب وثوقه بالأمة الفرنساوية بعد توليه الأحكام في مصر واستخدامه أفرادا منهم في مصلحة البلاد، ويقال: إنه رحمه الله بعث سنة 1820 إلى المسيو ليون المشار إليه يدعوه إلى مصر يقضي فيها زمنا في ضيافته، فأجاب دعوته، ولكنه مات قبل قدومه، فأسف عليه محمد علي كثيرا وبعث إلى شقيقته هدية تساوي عشرة آلاف فرنك.
قلنا: إنه ربي في صبوته ببيت جربجي براوسطة، وتعلم في صغره ما يتعلمه أبناء تلك البلاد من ألعاب السيف والجريد والحكم وما شاكل، فنبغ فيها حتى إذا بلغ أشده انتظم في سلك الجهادية تحت إدارة مربيه، فأظهر في جباية الضرائب مهارة وبسالة عجيبتين، فرقاه إلى رتبة بلوك باشي وزوجه إحدى ذوات قرابته وكانت مطلقة ولها مال وعقار، فترك الجهادية وتعاطى التجارة وعلى الخصوص في صنف التبغ؛ لأنه أكثر أصناف التجارة في بلاده، وقد برع في تلك التجارة حتى اكتسب شهرة واسعة، وثقة عظمى لدى عملائه، وكان قد ذاق لذة التجارة وأحبها مذ كان يتردد على المسيو ليون المتقدم ذكره؛ ولذلك رأيناه بعد أن تولى مصر يوجه انتباهه بنوع خاص لتنشيط التجارة.
وما زال يتعاطى التجارة إلى سنة 1801 حينما عزم الباب العالي على إخراج الفرنساوية من مصر بمساعدة إنكلترا، وكان الفرنساويون قد جاءوا مصر تحت قيادة نابليون بونابرت سنة 1798 فحاربوا الأمراء المماليك، ودخلوها عنوة، وأقاموا فيها ثلاث سنوات والحكومة العثمانية تبعث إليهم الجنود، وتحاربهم تارة وحدها وطورا بمساعدة إنكلترا، وهم قائمون بين إقدام وإحجام إلى سنة 1801 فبعثت العثمانية إليهم عمارة قوية تحت قيادة قبطان باشا وفيها قوات إنكليزية وبعثت الصدر الأعظم في حملة من جهة البر. (2) ارتقاؤه منصة الأحكام
وكان محمد علي في جملة القوة البحرية، وقد تجند إليها في جملة من تجند في براوسطة بصفة معاون لعلي آغا ابن مربيه على ثلاثمائة جندي ألباني (أرناءوط).
فجاءت العمارة إلى أبي قير، وكانت الغلبة هناك للفرنساويين، ثم عاد علي آغا إلى بلاده تاركا رجاله تحت قيادة محمد علي، وكان هذا قد ترقى إلى رتبة بكباشي.
ثم تغلب العثمانيون بمساعدة العمارة الإنكليزية وحملة الصدر الأعظم، ودخلوا البلاد وأخرجوا الفرنساويين منسحبين انسحابا قانونيا، وجعلوا يهتمون بتأييد سلطة الباب العالي فيها.
وكان في الجنود العثمانية جماعات من الأرناءوط والإنكشارية والغليونجية، فتفرقت هذه الجنود لحماية مصر السفلى وبعض مدن الصعيد. أما الإنكليز فكانوا تحت قيادة الجنرال هتشنسون فنزلوا الإسكندرية ريثما يقيمون في القطر المصري واليا عثمانيا يؤيد سلطة الباب العالي، ويكبح جماح المماليك الذين كانوا لا يزالون يحاولون الاستقلال.
ناپیژندل شوی مخ
فأقاموا محمد خسرو باشا وكان في الأصل من مماليك حسين قبطان باشا، وهو الذي سعى له في هذه الولاية فجاء القاهرة وقاص الذين كانوا فيها من محالفي الفرنساوية، وكان في يده أوامر سرية بإعدام المماليك جملة بأي وسيلة كانت، فبعث إلى محاربتهم وكانوا في الصعيد فتضايقوا ولم يروا وسيلة إلا الالتجاء إلى فرنسا، فكتبوا إليها يستنجدونها متعهدين بإجراء كل ما تطلبه منه فلم يسعدهم الحظ بمساعدتها.
أما الحملة التي بعثها خسرو باشا إلى الصعيد فإنها عادت ولم تأت بفائدة، ثم حاربهم مرارا في أماكن مختلفة وفي جملتها واقعة بعث إليها حملة من جنده وكان محمد علي قد ترقى إلى رتبة سرحشمة، وصار قائدا لأربعة آلاف من الألبانيين فأمره أن يسير في رجاله مددا لتلك الحملة، فسارت الحملة وحاربت المماليك وانكسرت قبل وصول محمد علي ورجاله فنسب قائدها انكساره إلى تأخر محمد علي عن المجيء، وأبلغ ذلك لخسرو باشا، وكان هذا حاقدا على محمد علي فاستقبل ذلك البلاغ بالصدق، وأقر على إعدامه سرا، وكتب إليه أن يوافيه في منتصف الليل للمخابرة ببعض الشئون، فأدرك محمد علي مراده، ولم يجب الدعوة ولم ير وسيلة لنجاته من مكيدته وعدوانه إلا بالالتجاء إلى المماليك فانحاز إليهم، وأخذ في مخابرتهم سرا وجهرا فتمكنوا بذلك التحالف من إخراج خسرو باشا من القاهرة قهرا، ففر إلى دمياط وأقاموا مكانه طاهر باشا، ثم قتل طاهر واحتل محمد علي القلعة برجاله، فقام أحمد باشا والي الشرطة إذ ذاك بطلب الولاية فأخرجه المماليك من القاهرة ذليلا، ثم اتحد الجميع وساروا لمحاربة خسرو باشا في دمياط فأسروه، وجاءوا به إلى القاهرة وحجروا عليه في القلعة.
أما الباب العالي فلما بلغه ما حصل في مصر بعث إليهم واليا اسمه علي باشا الجزائرلي فلم يصل القاهرة إلا بعد شق الأنفس، ولما وصلها عمد إلى الكيد بالمماليك ومحمد علي فعادت العائدة عليه.
شكل 1-2: أمراء المماليك: أوطة باشي (أبو طبق)، جندي.
وكان للماليك زعيمان: الألفي والبرديسي يتنازعان السلطة، وكان الألفي قد سار إلى إنكلترا يطلب مساعدتها على رفيقه للاستئثار بالسلطة، فلما عاد من سفرته اغتنم محمد علي تلك الفرصة وأوغر صدر مناظره البرديسي عليه، فنصب له مكيدة لم يقع فيها ولكنه فر إلى الصعيد، فظن البرديسي أن جو القاهرة قد خلا له، ولكن محمد علي كان له بالمرصاد فحرك الألبانيين عليه وأوعز إليهم سرا أن يثيروا ويطالبوا بمرتباتهم، فقاموا وهددوا البرديسي بالأذى إذا لم يدفع إليهم المتأخرات، فضرب على أهل القاهرة أموالا، واستبد في تحصيلها بقساوة، فثاروا جميعا عليه فاضطر إلى مغادرة القاهرة ولم يعد يرجع إليها، وكل ذلك سنة 1804.
فلما فر الأميران، لم يبق في القاهرة من رجال السلطة إلا محمد علي، فجمع إليه العلماء والمشائخ وتفاوضوا في إخلاء سبيل خسرو باشا، فأقروا على ذلك وأن يعود إلى منصبه فأعادوه، ولكنه لم يمكث فيه إلا يوما واحدا ثم أخرجوه من القاهرة إلى رشيد ومنها إلى الآستانة، وكل ذلك بمساعي محمد علي ودهائه وحسن سياسته.
ثم تظاهر أن الأمور لا تستقيم في مصر إلا بتنصيب وال عثماني حر، وأشار بتنصيب خورشيد باشا وكان في الإسكندرية، فوافقه العلماء والمشائخ في ذلك على أن يكون هو نائبا عنه في الأحكام بصفة «قائمقام»، وبعثوا إلى الباب العالي يخبرونه بذلك ويسترحمون تثبيت انتخابهم فأجيب طلبهم.
غير أن خورشيد باشا رأى محمد علي مستأثرا بالنفوذ عليه بمن معه من الجند الألباني فخاف عاقبة ذلك فاستقدم جندا مغربيا (الدالاتية أو الدلاة) يكونون له عونا وقت الحاجة، فأدرك محمد علي قصده فوقف له بالمرصاد، ثم جعل الدالاتية يسيئون معاملة أهل القاهرة، وينهبون ويقتلون اعتمادا على نفوذ الباشا، فسئم أهل القاهرة منهم ولا سيما المشائخ والعلماء.
شكل 1-3: الجند الألباني (الأرناءوط).
وفي 2 صفر سنة 1220 ورد لمحمد علي خط شريف بولاية جدة، فألبسه خورشيد باشا الفروة والقاووق المختصين بهذه الرتبة وقد توسم قرب تخلصه منه، فخرج محمد علي يريد الذهاب إلى جدة وفي نفسه ألا يخرج من مصر، فقامت العساكر وطالبوه بالعلوفة فقال: «هذا هو الباشا طالبوه بها»، وسار إلى منزله في الأزبكية (قرب أوتيل شبرد) وهو ينثر الذهب على الناس فازدادوا له حبا ولخورشيد باشا كرها.
ناپیژندل شوی مخ
وبعد ثلاثة أيام (لا ندري ما دار في أثنائها بينه وبين علماء البلاد ومشائخها) سار المشائخ والعلماء جميعا إلى محمد علي في منزله ينادون بصوت واحد: «لا نقبل خورشيد باشا واليا علينا»، فقال: «ومن تريدون إذن؟» قالوا: «لا نريد أحدا سواك» فامتنع أولا وجعل يرغبهم في خورشيد ويحملهم على الإذعان والسكينة، وهم لا يزدادون إلا إصرارا على طلبهم، فوافقهم فأحضروا له الكرك والقفطان وألبسوه إياهما، وبعثوا إلى خورشيد أن ينزل من القلعة فأبى، فحاصروه فيها، وكتبوا إلى الباب العالي بذلك فورد الفرمان بولاية محمد علي في 11 ربيع آخر سنة 1220ه/9 يوليو (تموز) 1805 وعزل خورشيد باشا، فخرج هذا من القلعة بأمر من الآستانة، وغادر البلاد وفي نفسه من الغيظ على محمد علي ما ليس وراءه غاية.
ولكن المماليك كانوا أشد غيظا منه؛ لما ظهر لهم من تلاعب محمد علي بهم واستخدامه إياهم لأغراضه، فثاروا وفي مقدمتهم الألفي، فإنه حالما علم بتولية محمد علي نزل بعصابته، وخابر حكومة إنكلترا بخلع محمد علي، واشترط على نفسه أنها إذا فعلت ذلك سلمها البلاد حالا، فعلم قنصل فرنسا بذلك فعرقل مسعاه، فعكف على مصالحة محمد علي باشا على شيء يرضى به الاثنان، فلم يتفقا، فعاد الألفي لمخابرة سفير إنكلترا، فأقنع هذا الباب العالي فبعث واليا اسمه موسى باشا مع العفو عن المماليك، وكادت تنطلي هذه الحيلة لو لم يقم العلماء والمشائخ من جهة وسفير فرنسا في الآستانة من جهة أخرى ويوضحوا للباب العالي مقصد المماليك فتثبت محمد علي، ولكنه أمر أن لا يتعرض للمماليك فيما بعد لصدور العفو عنهم قبلا، ولكن التقادير ساعدته فتوفي البرديسي بعد قليل، ثم الألفي، فتولى على المماليك شاهين بك، ولكن شوكتهم ضعفت، ولم تعد تقوم لهم قائمة.
أما إنكلترا فاعتبرت إرجاع محمد علي مخلا بنفوذها، فبعثت حملة تحت قيادة الجنرال فرازر لإرجاع سلطة المماليك، ولكن المماليك كانوا قد تبعثروا في البلاد، فأقامت الجنود الإنكليزية على سواحل القطر مدة ثم عادت بخفي حنين بعد الاتفاق على صلح، فاجتمعت السلطة في قبضة محمد علي باشا، ثم سعى بعضهم في المصالحة بينه وبين شاهين بك زعيم المماليك فتصالحا، وقدم هذا إلى مصر بالهدايا الثمينة فأكرمه محمد علي، وبنى له قصرا لسكناه في الجيزة، وفي 5 جمادى الآخرة سنة 1223 بويع السلطان محمود الثاني على عرش الآستانة العلية. (3) أعماله الحربية
فلما رسخت قدم محمد علي باشا في مصر أخذ في تسليم مصالح حكومته إلى من يثق بهم من ذوي قرباه؛ لأنه كان شديد المحبة لعائلته ولا شك أن أزره اشتد بهم، ثم استفحل أمر الوهابيين في شبه جزيرة العرب فأرسل السلطان محمود خان يعهد إلى محمد علي باشا أمر إخضاعهم وتخليص البلاد من أيديهم.
والوهابيون فئة من المسلمين ذهبوا إلى إغفال كل الكتب الدينية الإسلامية إلا القرآن الشريف فهم بمنزلة الطائفة الإنجيلية عند المسيحيين. زعيمها الأول يدعى محمد عبد الوهاب، ولد سنة 1110ه/1696م، ولما شب تفقه وحج ثم أظهر دعوته فالتفت عليه أحزاب كثيرة، فافتتح نجدا، فالحجاز، فالحرمين، وما زال يفتتح في بلاد العرب حتى توفي سنة 1205ه/1798م وسنه 95 سنة، فاستمرت أحزابه في أعمالهم حتى سنة 1224ه سنة 1809م تحت قيادة الأمير سعود، وقد أصبحت حدود مملكتهم من الشمال صحراء سوريا، ومن الجنوب بحر العرب، ومن الشرق خليج العجم، ومن الغرب البحر الأحمر، فنهبوا الكعبة وقد استفحل أمرهم، ولم ير الباب العالي بدا من تكليف بطل مصر إخضاعهم.
فأجاب محمد علي مطيعا، وجعل يجمع القوات اللازمة لتلك الحملة، لكنه فكر في أمر المماليك فخشي إذا سارت الحملة أن لا تكون البلاد في أمن منهم فيجمعون كلمتهم ويعودون إلى ما كانوا عليه من القلاقل، فعمد إلى إهلاكهم قبل مسير الحملة، لكنه في الوقت نفسه عمل على إعداد مواد الحملة، فجند أربعة آلاف مقاتل تحت قيادة ابنه طوسون باشا ثم طلب إلى الباب العالي أن يبعث إلى السويس بالأخشاب لبناء المراكب اللازمة لنقل الجند ومعدات الحرب، فأرسل إليه ما طلب، فابتنى ثمانية عشر مركبا، وأعدها عند السويس في انتظار الحملة.
أما المماليك فكانوا قد يئسوا من الاستقلال بالأحكام لما رأوا ما حل بسلفائهم وما عليه محمد علي باشا من العزيمة، فكفوا عن مطامعهم، واكتفوا بالتمتع بأرزاقهم وممتلكاتهم في حالة سلمية، فقطن بعضهم الصعيد، وبعضهم القاهرة، وتشتتوا في أنحاء القطر، وكان شاهين بك وهو الذي تولى رئاستهم بعد وفاة الألفي قد أذعن لمحمد علي باشا كما تقدم، فأقطعه أرضا بين الجيزة وبني سويف والفيوم فأوى إليها، وفي محرم سنة 1226ه/فبراير(شباط) سنة 1811م سار قواد الحملة من القاهرة وعسكروا في قبة العزب في الصحراء ينتظرون باقي الحملة ومعها طوسون باشا، وتعين يوم الجمعة لوداع طوسون والاحتفال بخروجه ورجاله إلى قبة العزب، فأعلن ذلك في المدينة ودعا كل الأعيان لحضور ذلك الاحتفال وفي جملتهم المماليك وطلب إليهم أن يكونوا بالملابس الرسمية.
ففي يوم الجمعة 5 صفر سنة 1226ه/أول مارس (آذار) سنة 1811 احتشد الناس إلى القلعة، وجاء شاهين بك في رجاله فاستقبلهم الباشا في قصره بكل ترحاب ثم قدمت لهم القهوة وغيرها، ولما تكامل الجمع وجاءت الساعة أمر محمد علي بالمسير فسار الموكب وكل في مكانه منه جاعلين المماليك إلى الوراء يكتنفهم الفرسان والمشاة حتى إذا اقتربوا من باب العزب من أبواب القلعة في مضيق بين هذا الباب والحوش العالي أمر محمد علي فأغلقت الأبواب، وأشار إلى الألبانيين (الأرناءوط) فهجموا على المماليك بغتة، فانذعر أولئك وحاولوا الفرار تسلقا على الصخور، ولكنهم لم يفوزوا؛ لأن الألبانيين كانوا أكثر تعودا على تسلقها، واقتحم المشاة المماليك من ورائهم بالرصاص فطلب المماليك الفرار بخيولهم من طرق أخرى فلم يستطيعوا لصعوبة المسلك على الخيول، ولما ضويق عليهم ترجل بعضهم وفروا ساعين على أقدامهم والسيوف في أيديهم، فتداركتهم الجنود بالبنادق من الشبابيك، فقتل شاهين بك أمام ديوان صلاح الدين، وحاول بعضهم الالتجاء إلى الحريم أو إلى طوسون باشا بدون فائدة، ثم نودي في المدينة أن كل من يظفر بأحد المماليك في أي محل كان يأتي به إلى كحيا بك، فكانوا يقبضون عليهم ويأتون بهم إليه أفواجا وهو يقتلهم.
شكل 1-4: أمين بك (المملوك الشارد).
وكان عدد المماليك المدعوين إلى الوليمة أربعمائة فلم ينج منهم إلا اثنان: أحدهما أحمد بك زوج عديلة هانم بنت إبراهيم بك الكبير كان غائبا بناحية موش، والثاني أمين بك؛ كان قد أتى القلعة متأخرا فرأى الموكب سائرا نحو باب العزب فوقف خارج الباب ينتظر خروج الموكب، ثم لما أقفلت الأبواب بغتة وسمع إطلاق النار علم المكيدة فهمز جواده وطلب الصحراء قاصدا سوريا، والمتبادر على الألسنة أن أمين بك هذا كان داخل القلعة فلما حصلت المعركة همز جواده فوثب به من فوق السور لجهة الميدان فقتل جواده وسلم هو ، والأقرب للحقيقة أن هذه الإشاعة مختلقة أو مبالغ فيها، ثم نودي في الأسواق أن شاهين بك زعيم المماليك قد قتل، فخاف الناس، ثم طافت العساكر المدينة ينهبون بيوت المماليك، ويأخذون حريمهم وجواريهم وعلا الصياح.
ناپیژندل شوی مخ
وفي اليوم التالي نزل الباشا من القلعة وطوسون معه، وطاف المدينة يأمر الناس بإيقاف النهب، وقتل كل من حاول ذلك، ولكنه حرض على قبض من يظفرون به من المماليك في سائر أنحاء القطر، فكانوا يأتون بهم أفواجا يسوقونهم كالغنم إلى الذبح، فبلغ عدد من قتل من البكوات 23 بيكا، وفي اليوم التالي نزل طوسون باشا إلى الأسواق في فرقة من الجند؛ لتسكين الخواطر وإيقاف النهب. أما الجثث التي كانت في القلعة فاحتفروا لها حفرا جعلوا فوقها التراب، وصرح محمد علي باشا بحماية نساء المماليك، ولم يسمح بتزويجهن إلا لرجاله.
ولما خلت البلاد من المماليك عكف محمد علي على المهام الأخرى، وأخصها مسألة الوهابيين، فكتب إلى غالب شريف مكة يخبره بإعداد حملة تنقذه من الوهابيين فيفتح طريق الحرمين لجميع المسلمين، وطلب إليه أن يمهد له السبيل فأجابه شاكرا ووعده بالمساعدة.
أما سعود أمير الوهابيين فأنبأته الجواسيس بما نواه محمد علي، فأمر فاجتمع حوله خمسة عشر ألفا ليدفع بهم جنود مصر. أما حملة طوسون فركبت من البحر من السويس حتى أتت ينبع على الساحل الشرقي من البحر الأحمر، ومنها يتصل إلى المدينة، فتملكوا ينبع، وساروا منها إلى صفر وفيها معسكر الوهابيين وقد تأهبوا للدفاع، فهجم طوسون باشا فتقهقر سعود ورجاله أولا ثم ارتدوا على الجيوش المصرية فانهزموا تاركين كل مؤنهم وذخائرهم وجمالهم، وعادوا إلى ينبع، فعلم محمد علي باشا بذلك فجند جندا كبيرا مددا لابنه، فاشتد أزر طوسون وجمع إليه القوتين وسار حتى أتى المدينة، فأطلق عليها النار فهدم بعض السور، ثم دخلها وأثخن في حاميتها حتى سلمت فكف السيف عنها، فانتشر خبر افتتاح المدينة في سائر الحجاز فخاف الوهابيون وفرح أعداؤهم، ولا سيما الشريف غالب، وكان في جدة لا يدري ماذا يكون من أمر تلك الحملة، فلما علم بانتصارها كاد يطير من الفرح.
وأجلي الوهابيون عن مكة خوفا من أهلها، فجاءها طوسون واحتلها، وكتب إلى أبيه ففرح فرحا لا مزيد عليه لما آتاه الله من النصر على يد ابنه نصرا لم يأت لغيره من القواد العثمانيين، وجيء إليه بقائد حامية المدينة من الوهابيين، فأرسله في خفر إلى الآستانة فقتلوه حال وصوله إليها. أما من بقي من دعاة الوهابيين فكانوا لا يزالون في مأمن خارج مكة تحت قيادة كبيرهم سعود.
فلما جاء صيف سنة 1812م/1228ه علموا أن جنود طوسون لا يحتملون حر تلك البلاد، وأنهم إذا ناهضوهم إذ ذاك يتغلبون عليهم، فجندوا وساروا إلى تربة شرقي مكة فحاربوها واستولوا عليها، ثم ساروا إلى المدينة وهددوها بعد أن استولوا على كل ما بين هاتين المدينتين من القرى والمدن، فاتصل الخبر بمحمد علي فلم ير بدا من ذهابه بنفسه لنصرة الجنود المصرية، وقد أصبحت مصر في مأمن من المماليك وغيرهم، فسار في جند عظيم حتى أتى جدة فنزلها في 30 شعبان سنة 1228ه/28 أوغسطس (آب) سنة 1813م فلاقاه الشيخ غالب شريف مكة، ورحب به، وبعد أن أدى فروض الحج رأى أن الشريف ليس ممن يعتمد عليهم في الدفاع، فعمد إلى خلعه بطريقة تضمن حقن الدماء، ففاز ثم وضع يده على ممتلكاته، وبعث به وبعائلته إلى القاهرة، ومنها إلى سالونيك فعاش فيها أربع سنوات ومات. أما الوهابيون فمات قائدهم سعود في درعية في 26 ربيع آخر 1229ه/17 أبريل (نيسان) سنة 1814م فانحطت سطوتهم فأقاموا عليهم ابنه عبد الله، ولم يكن كفئا فحصلت بينه وبين الجنود المصرية مناوشات كبيرة لم تأت بنتيجة، وفي 28 محرم سنة 1230ه 10 يناير (ك2) سنة 1815م) حصلت معركة بين جنود محمد علي والوهابيين تحت قيادة فيصل أخي عبد الله شفت عن انتصار المصريين، فتقدم طوسون إلى نجد إلا أنه اضطر أخيرا إلى التوقف لقلة المؤن وهو لم يبلغ درعية.
ثم اقتضت الأحوال عود محمد علي إلى مصر فعاد وقد فتح طريق الحرمين، ولكنه لم يبد جميع الوهابيين، فوصل القاهرة في 4 رجب سنة 1230ه فاهتم بتدريب الجند على نظام جند أوروبا ، وهو أول من فعل ذلك في مصر، فأصدر أمرا عاليا في شعبان سنة 1230ه مؤداه أن الجنود المصرية ستدرب على النظام الحديث وهو النظام الفرنساوي، فعظم على رجاله - ولا سيما الأرناءوط - الامتثال إلى هذه الأوامر، فرأى أن يدخل هذا النظام أولا بين الجنود الوطنية؛ لأنهم أقرب إلى الطاعة من هؤلاء الألبانيين ومن كان على شاكلتهم.
وفي أثناء ذلك عاد طوسون باشا من الحجاز، فخرج الناس لملاقاته بالاحتفال والإكرام، ثم نزل الإسكندرية حيث كان أبوه مقيما فوجد امرأته قد وضعت في أثناء غيابه غلاما دعته عباسا، وبعد يسير أصيب طوسون بألم شديد في رأسه وحمى لم يعش بعدها إلا بضع ساعات، وكان محمد علي في القاهرة، ولما اتصل به الخبر كان على ضفة النيل الغربية بجوار أهرام الجيزة، فقالوا له: إن طوسون مريض، فأسرع إلى الإسكندرية لمشاهدته، فلما دنا من المكان علم بوفاته فوقف مبغوتا لا يبدي حراكا، وبقي على مثل هذه الحال ثلاثة أيام متوالية، ونقلت جثة طوسون باشا إلى القاهرة ودفنت قرب مسجد الإمام الشافعي وراء جبل المقطم حيث مدفن العائلة الخديوية اليوم.
وبعد قليل عاد محمد علي إلى روعه فأخذ يهتم في أمر الوهابيين خشية أن يعودوا إلى ما كانوا عليه، فكتب إلى عبد الله بن سعود أن يأتي إليه بالأموال التي استخرجها الوهابيون من الكعبة، وأن يتأهب متى قدم للمسير إلى الآستانة، فأجابه يعتذر بعدم الشخوص، وقال: إن تلك الأموال قد تفرقت على عهد أبيه، وأرسل له هدايا فاخرة، فأرجع إليه محمد علي تلك الهدايا وأوسعه تهديدا، ثم جرد إليه حملة عهد قيادتها إلى ابنه إبراهيم وكان باسلا مقداما، وقائدا مجربا، لا يهاب الموت، شديد الغضب سريعه، ولكنه كان سليم القلب حر الضمير؛ ولذلك كانت أحكامه عادلة صارمة.
شكل 1-5: إبراهيم باشا بلباسه العسكري.
وفي 10 شوال سنة 1231ه سار إبراهيم باشا بحملته من القاهرة في النيل إلى قنا ، ومنها في الصحراء إلى القصير على شاطئ البحر الأحمر، ومنها بحرا إلى ينبع ثم إلى المدينة، وتربص هناك بجميع قواته استعدادا لهجوم شديد امتثالا لمشورة أبيه، فالتفت حوله عصبة جديدة من القبائل المتحابة، ولما تكاملت قواته أقام الحرب سجالا، وما زال بين هجوم ودفاع حتى فاز وقبض على زعيم الوهابيين عبد الله، فأرسله إلى أبيه، فوصل القاهرة في 18 محرم سنة 1233ه، فأذن له بالمثول بين يدي الباشا وتقبيل يديه، فرحب به كثيرا؛ لأنه كان يعجب بجسارة الوهابيين، ثم سأله ما ظنه بإبراهيم؟ فأجابه قائلا: «إنه قد قام بواجباته ونحن قمنا بواجباتنا، وهكذا أراد الله.»
ناپیژندل شوی مخ
وفي 20 محرم أرسل إلى الآستانة، وطافوا به في أسواقها ثلاثة أيام ثم قتلوه، وخلع السلطان على إبراهيم باشا خلعة شرف مكافأة له، وسماه واليا على مكة، فاتصلت هذه الأخبار بدرعية فخاف أهلها، فهدموا المدينة وفروا من وجه الموت، فاحتلتها الجنود الظافرة وانتهى أمر الوهابيين. أما محمد علي باشا فإنه نال من إنعام السلطان محمود لقب خان مكافأة لإخلاصه وبسالته، وهو لقب لم يمنح لأحد من وزراء الدولة إلا حاكم القرم.
ولما انتهى هذا الرجل الخطير من محارباته في بلاد العرب فكر في افتتاح السودان على أمل أن يلاقي فيها الكنوز الثمينة من معادن الذهب بجوار البحر الأزرق، ناهيك بما هنالك من المحصولات والواردات العجيبة من الصمغ والريش والعاج والرقيق وغير ذلك، فجند خمسة آلاف من الجند النظامي، وبعض العربان، وثمانية مدافع، وجعل الجميع تحت قيادة إسماعيل باشا أحد أولاده، فسارت الحملة من القاهرة في شعبان عام 1235ه/يونيو (حزيران) 1820م في النيل، فقطعت الشلال الأول فالثاني فالثالث حتى السادس فأتت شندي والمتمة، وقد أخضعت كل ما مرت به من القرى والبلدان بدون مقاومة، ومن شندي سارت إلى سنار على البحر الأزرق وراء الخرطوم، ولم يكن من القبائل التي يعتد بها هناك إلا الشائقية فقاوموا قليلا ثم سلموا، ودخلت سنار وكردوفان في أملاك مصر، فسار إسماعيل باشا في جنوده إلى فزغل، وهناك ظن نفسه اكتشف معادن الذهب ، ثم فشا في رجاله الوباء فمات منهم كثيرون، ثم أتته نجدة من ثلاثة آلاف رجل تحت قيادة صهره أحمد بك الدفتردار فاشتد أزره، فأقام صهره هذا على كردوفان، وسار في جيش إلى المتمة على البر الغربي من النيل، ثم عدى إلى شندي في البر الشرقي لجباية المال وجمع الرجال، فاستدعى إليه ملكها واسمه النمر، وقال له: «أريد منك أن تأتي إلي قبل خمسة أيام بملء قاربي هذا من الذهب وألفين من العساكر.» فجعل الملك يستعطف إسماعيل باشا ليتنازل عن ذلك القدر، فقبل منه أخيرا عوضا عن الذهب مبلغ عشرين ألف ريال من الفضة، فأجابه إلى ما أراد، ولكنه لم يكن يستطيع جمعها في تلك المدة فطلب إليه تطويل الأجل فضربه إسماعيل بالشبق (الغليون) على وجهه قائلا: «لا. إن كنت لا تدفع المال فورا ليس لك غير الخازوق جزاء.» فسكت النمر، وقد أضمر له الشر وصمم على الانتقام، فطيب خاطره ووعده بإتمام ما يريد، وفي تلك الليلة جعل يرسل التبن الجاف أحمالا إلى معسكر إسماعيل علفا للجمال، ولكنه أقامه حول المعسكر كأنه يريد إشعاله، وفي المساء أتى إلى إسماعيل في سرب من الأهالي ينفخون بالمزمار ويرقصون رقصة خاصة بهم، فطرب إسماعيل ورجاله وضباطه، ثم أخذ عدد المتفرجين من الوطنيين يزداد شيئا فشيئا حتى أصبح كل أهل المدينة هناك، فلما تكامل العدد أمرهم ملكهم بالهجوم فهجموا بغتة على إسماعيل ورجاله ثم داروا بالنيران على التبن فأشعلوه، فمات إسماعيل باشا وكثيرون ممن كانوا معه بين قتل وحرق، وفي اليوم التالي أتموا على الباقين وساقوا سلبهم إلى المدينة.
فاتصل الخبر بأحمد بك الدفتردار فاشتعل غيظا، وأقسم أنه لا يقبل أقل من عشرين ألف رأس انتقاما لإسماعيل، فنزل بجيشه القليل، ولم ينفك حتى أنفذ قسمه فقتل ذلك العدد من الرجال متفننا في طرق قتلهم على أساليب مختلفة، فهدأت الأحوال بعد ذلك، وهكذا تم افتتاح السودان، وما زال أحمد بك على حكومة سنار وكردوفان إلى عام 1240ه/عام 1824م ثم أبدل برستم بك.
وفي عام 1239ه أرسل محمد علي باشا بأمر الباب العالي حملة مصرية تحت قيادة ابنه إبراهيم باشا لمحاربة المورا في بلاد اليونان، فسار وحارب، وأظهرت العمارة المصرية في تلك الحروب شجاعة الأبطال، ولولا اتحاد الدول مثنى وثلاث على الجنود العثمانية والمصرية لما قامت لليونان قائمة في تلك الحرب، ولكننا نقول: إن إبراهيم باشا عاد عود الظافرين بعد أن بذل في سبيل ذلك عشرين مليون فرنك وثلاثين ألف مقاتل.
ثم كانت حملة إبراهيم باشا على سوريا لافتتاح عكا لأسباب تتضح للقارئ من مراجعة ترجمة الأمير بشير الشهابي الثاني في هذا الكتاب، فجرد محمد علي باشا سنة 1247ه/عام 1831م حملة في البر والبحر، فأرسل البيادة والطبجية عن طريق العريش برا، وسار إبراهيم باشا إلى يافا، وسار في جيشه إلى عكا فوصلها في 21 جمادي الأولى سنة 1247ه فحاصرها برا وبحرا إلى 26 ذي القعدة منها، فهجم عليها هجمة نهائية شفت عن تسليمها. ثم سار قاصدا دمشق فأخضعها، ولم تدافع إلا يسيرا، وبارحها إلى حمص حيث كانت تنتظره الجنود العثمانية تحت قيادة محمد باشا والي طرابلس، فوصلها في 8 يوليو (تموز) سنة 1822م، فهجم عليه محمد باشا، وبعد الأخذ والرد استولى إبراهيم باشا على حمص، فخافت سوريا سطوة هذا القائد العظيم، فسلمت له حلب وغيرها من مدن سوريا، فتغير وجه المسألة باعتبار الباب العالي، فبعث حسين باشا السرعسكر بجيش عثماني لإيقاف إبراهيم باشا عند حده، فجاء وعسكر في إسكندرونة، فلاقاه إبراهيم باشا وحاربه وانتصر عليه، ولم يعد يلاقي بعد ذلك مقاومة تستحق الذكر، ثم تقدم في آسيا الصغرى تاركا طورس وراءه، وكان الباب العالي قد أرسل رشيد باشا في جيش لملاقاته، فجند إبراهيم باشا جندا كبيرا من البلاد التي افتتحها، وسار نحو الآستانة لملاقاة رشيد باشا، فالتقى الجيشان في دسمبر (ك1) سنة 1832م في قونية جنوبي آسيا الصغرى، فتقهقر رشيد باشا برجاله، واخترق إبراهيم آسيا الصغرى حتي هدد الآستانة.
فتعرضت الدول وفي مقدمتهن الدولة الروسية فأنفذت إلى مصر البرنس مورافيل لمخاطبة محمد علي باشا بذلك وتهديده، فبعث إلى إبراهيم باشا أن يتوقف عن المسير، ثم عقدت بمساعي الدول معاهدة من مقتضاها أن تكون سوريا قسما من مملكة مصر وإبراهيم باشا حاكما عليها، وجابيا لخراج أدنة، وقد تم ذلك الوفاق في 24 ذي القعدة سنة 1248ه/14 مايو (أيار) سنة 1833م، وهو المدعو «وفاق كوتاهيا»، فعاد إبراهيم باشا إلى سوريا، واهتم بتدبير أحكامها وجعل مقامه والا في أنطاكية وابتنى فيها قصرا وقشلاقات وولى إسماعيل بك على حلب، وأحمد منكلي باشا على أدنة وطرسوس، أما الإجراءات العسكرية فلم يكن يسوغ لأحد أن يتولاها سواه.
وكان إبراهيم باشا سائرا بالأحكام بكل دراية وحكمة خشية سوء العقبى إلا أنه مع ذلك لم ينج من ثورة ظهرت في ضواحي السلط والكرك في أواخر سنة 1249ه/منتصف عام 1834م وامتدت إلى أورشليم، وبعد الأخذ والرد اضطر إبراهيم باشا إلى الاعتصام بأورشليم؛ لأنها ذات أسوار منيعة، ثم امتدت الثورة إلى السامرة وجبال نابلس.
وفي 16 يونيو (حزيران) منها هجم المسلمون على صفد وفيها جماهير من اليهود، فهدموا منازلهم، وقتلوا رجالهم، وفتكوا بنسائهم، وأصبحت تلك المدينة في حوزتهم، ثم أجروا مثل هذه التعديات على المسيحيين في الناصرة، وبيت لحم، وأورشليم، ولكنهم لم يتمكنوا مما تمكنوه بصفد، ويقال بالجملة: إن سوريا أصبحت بسبب ذلك شعلة ثورية، فاتصل الخبر بمحمد علي باشا فبرح الإسكندرية إلى يافا فتقربت منه وجهاء البلاد وسراتها، ثم عمدت الجيوش المصرية إلى قمع الثائرين، فتشتت العصاة إلا النابلسيين فإنهم قاوموا طويلا، لكنهم أذعنوا أخيرا، ثم هاجم المصريون السلط والكرك وهدموها، وبعد قليل عادت الثورة إلى جبال النصيرية، فاعترض أهلها فرقة من الجند كانت سائرة من اللاذقية إلى حلب وأعادوها إلى حيث أتت؛ فأرسل المصريون سبعة آلاف مقاتل اتحدوا بثمانية آلاف من الدروز والمارونيين تحت قيادة الأمير خليل ابن الأمير بشير أمير لبنان، وسار الجميع إلى النصيرية وأخضعوهم، ثم سعى إبراهيم باشا في تجريد السوريين من السلاح خوفا من عودتهم إلى الثورة ففعل، لكنه لم يستطع تجريد اللبنانيين، وكان الأمير بشير وإبراهيم باشا على وفاق تام وكأنهما خلقا ليتحدا.
وبعد أن أتم إبراهيم باشا جمع سلاح السوريين بمساعدة الأمير بشير هجم برجاله على أهالي الشوف والمتن من لبنان، وجمعوا ما استطاعوا جمعه من الأسلحة، وحملوا كل ما جمعوه منها إلى عكا، وكانوا يصنعون منها نعالا لخيولهم ، فاستتبت الراحة في سوريا وأذعنت البلاد، إلا أن محمد علي باشا لم يقف عند هذا الحد، فأحب استخدامها لتوسيع دائرة حكمه، فجعل يجمع منها الرجال والخيل بطرق زجرية فشق ذلك على الباب العالي، فعقد مجلسا في يناير سنة 1839 للنظر في مقاصد المصريين، فأقر المجلس على تجريد حملة من ثمانين ألف مقاتل منهم خمسة وعشرون ألفا من الباشبوزق طبقا لإرادة السلطان محمود الثاني، وأن تسير تحت قيادة حافظ باشا لمحاربة المصريين.
وكان محمد علي باشا قد سار إلى السودان تاركا القاهرة تحت قيادة حفيده عباس باشا، فلما عاد إليها علم بإعدادات الباب العالي فانذعر لها فكتب إلى ابنه يستحثه، فأخذ إبراهيم في الاستعداد للدفاع، فحشد جيوشه في حلب لدفع الجنود العثمانية القادمة برا، ثم علم أن معظم الأهالي راغبون في دولتهم الأصلية، ومستعدون للتسليم وعلى الخصوص الدروز تحت قيادة شبلي العريان أحد أبطالهم المعدودين، فحصلت مواقع شديدة بين الجيوش العثمانية والجيوش المصرية في نزيب انتهت بانهزام الأولى إلى مرعش، وكان السلطان محمود قد أرسل عمارة بحرية لمحاربة المصريين فجاءت الإسكندرية فأصابها ما أصاب الحملة البرية، ولكنه توفي قبل بلوغه خبر تلك الوقائع، فخلفه السلطان عبد الحميد سنة 1839.
ناپیژندل شوی مخ