تراجم مشاهير الشرق په نولسمه پېړۍ کې (لومړی برخه)
تراجم مشاهير الشرق في القرن التاسع عشر (الجزء الأول)
ژانرونه
وكان الغرض من قدومه إليه الالتماس منه أن يتوسط لدى الباب العالي في العفو عن عبد الله باشا؛ لأن الدولة كانت تحب محمد علي باشا وتراعي خاطره على أثر ما أوتيه من النصر في حرب الوهابيين في بلاد العرب بعد أن تعبت الدولة في قهرهم.
وكان محمد علي باشا إذ ذاك في شاغل من أمر الحرب في المورة، وكانت الدولة قد بعثت إليه أن يجند جندا لمحاربتها، فلما جاء الأمير مستنجدا طيب خاطره ووعده بالمساعدة وكتب إلى الباب العالي بذلك، وأسكن الأمير في بني سويف ريثما يرد الجواب، وشدد في طلب العفو تشديدا كبيرا ؛ لأنه كان راغبا في امتلاك قلب الأمير ولسانه ليكون له عونا فيما نواه من فتح الشام.
ولبث الأمير في مصر حتى وردت الأوامر بالعفو عن عبد الله باشا فحملها شاكرا بعد أن تداول مع محمد علي سرا بشئون كثيرة تعود إلى مقاصد الباشا في بر الشام، وسار الأمير من مصر إلى عكا بكل إكرام ومعه سلاحدار الباشا حاملا العفو، فوصلوا عكا وبلغوه ذلك فسر عبد الله باشا بفوزه، ولكن الجنود العثمانية في الشام طلبت النفقات المعينة في مثل هذا الصلح ولم يكن عند عبد الله باشا نقود، وكان الأمير قد جاء بنحو نصف القدر اللازم من محمد علي، فضرب عبد الله باشا الباقي ضرائب على المقاطعات وفي جملتها جانب على الأمير، وكان الأمير قد زاد حقدا على الشيخ بشير، ولا سيما لما بلغه تواطؤه مع الأمير عباس عليه فأحب التخلص منه قطعيا ففرض عليه مبلغا كبيرا من ذلك المال، فدفع جانبا واعتذر عن الباقي، فألح عليه ففر إلى دمشق، فطلبه من واليها فأمره بالذهاب، ثم التمس من عبد الله باشا التوسط له عند الأمير بالعفو فأظهر الأمير القبول، فحضر الشيخ بشير وكان لا يزال خائفا من الغدر به فجاء في جماعة من رجاله إلى بيت الدين، وسار توا إلى مقابلة الأمير في قصره، فجعل رجاله صفين مر بينهما ذليلا خائفا من الغدر به حتى دخل على الأمير وسلم عليه فأمره بالجلوس فجلس مكتئبا واجسا، وأمر له بالقهوة فلم يستطع تناولها لما كان فيه من الارتعاش، ولكنه أمسك الفنجان وأراد الارتشاف منه فنظر إليه الأمير بعين الغضب فازداد ارتعاش يده حتى انسكبت القهوة على ثيابه، وكان منظر الأمير مخيفا بغير غضب فكيف بالغضب! ولم يستطع الوقوف حتى حول الأمير نظره عنه إلى نافذة بقربه، فنهض الشيخ مستأذنا وخرج.
ثم بعث إليه الأمير أن يصرف من جاء بهم من الرجال لئلا يتكدر خاطره عليهم فانصرفوا عنه، فخاف الشيخ ففر إلى حوران، فضبط الأمير أرزاقه وممتلكاته فعاد الشيخ بشير ناقما، وجمع إليه أحزابه الدروز وبعض أحزاب الأمراء مناظري الأمير وقدموا لمحاربته، فانتشبت الحرب بينهما شديدة حتى اضطر إلى استنجاد ولاة طرابلس وعكا ومحمد علي باشا في مصر، فبعث إليه محمد علي باشا «أن ألفي مقاتل متأهبة تنتظر أمركم.»
ولكن لم تبق حاجة إليها؛ لأن والي الشام قبض على الشيخ بشير وباقي المشائخ وقتل أحدهم الشيخ علي العماد؛ لأنه من أكبر زعماء الثورة، وكان لوالي دمشق ثأر عليه، وبعث بالباقين إلى عكا، أما الأمراء المتحزبون معهم فقبض عليهم الأمير، وأمر بسمل عيونهم وقطع رءوس ألسنتهم.
أما الشيخ بشير فكتب الأمير إلى عبد الله باشا أن يقتله لأن أصل الشر منه، ثم علم الأمير أن الباشا أطلق سراحه وأذن له بالسكنى خارج السجن، فبعث إلى محمد علي باشا على يد ابنه الأمير أمين - لأنه كان إذ ذاك في مصر - يخبره بالأمر ويلتمس منه كتابا إلى عبد الله باشا بقتل الشيخ بشير، فبعث إليه برسول خاص بشأن ذلك فقتله شنقا مع شيخ آخر، وبقيت جثتاهما معلقتين أمام باب عكا ثلاثة أيام.
وبقتل الشيخ بشير خلا الجو للأمير بشير ففرق أولاده وذويه حكاما في المقاطعات، وهدأت الأحوال إلى سنة 1826 حينما قدمت مراكب اليونانيين إلى بيروت، وكان قدومها عدوانيا؛ لأن اليونان كانوا في حرب مع الدولة العلية في المورة فبعثوا بمراكبهم إلى سواحل سوريا لافتتاح الثغور.
فلما بلغ الأمير قدوم تلك المراكب جمع إليه رجاله ونزل إلى حرج بيروت لدفعها، وكانت قد أطلقت بعض القنابل على المدينة، فلما علم اليونان بتجمع الرجال لدفاعهم تحولوا عن المدينة، وفي سنة 1830م انتدبه عبد الله باشا لفتح قلعة سانور في نابلس فسار وفتحها فتحا أيد ما عرف به اللبنانيون من الشجاعة والإقدام، وفي السنة التالية قدم المغفور له إبراهيم باشا بن محمد علي باشا لحصار عكا.
والسبب الحقيقي لقدومه يكاد يكون مجهولا؛ لأن المؤرخين قلما أفصحوا عن حقيقته، ولكننا قد عرفناه ممن عاصر الأمير وكان من حاشيته وسمع حقيقة الخبر من فيه، قال: إن محمد علي باشا لما قدم إليه الأمير بشأن العفو عن عبد الله باشا تداولا في أمور كثيرة تعود إلى التعاضد والتعاون عند الحاجة، ولذلك رأينا عزيز مصر لم يتقاعد عن نجدة الأمير في حروبه مع الشيخ بشير كما قدمنا، وأما محمد علي فكان عازما على توسيع نطاق حكمه بافتتاح سوريا، وكان يظن صنعه الجميل مع عبد الله باشا والأمير يكفي لبلوغ أمانيه، ولكنه رأى من عبد الله باشا اعوجاجا عن غرضه، والغالب أن عبد الله كان طامعا بمثل مطامع محمد علي، فلما علم بما نواه هذا صار يحاذره.
وأدرك محمد علي ذلك فعزم على اختياره والتعويل على تنفيذ مقاصده بالقوة، فبعث إلى الأمير بشير أن يبعث إليه بجانب من الأخشاب التي يحتاج إليها في بناء المراكب فباشر الأمير إجابة طلبه فمنعه عبد الله باشا، فشق ذلك على محمد علي واعتبره بظاهر الأمر مخالفا لأوامر الدولة العلية؛ لأن تلك المراكب إنما هي للحكومة فجرد لمقاصته حملة تحت قيادة ولده إبراهيم باشا فسار لحصار عكا كما قدمنا.
ناپیژندل شوی مخ