تراجم مشاهير الشرق په نولسمه پېړۍ کې (لومړی برخه)

جرجي زيدان d. 1331 AH
147

تراجم مشاهير الشرق په نولسمه پېړۍ کې (لومړی برخه)

تراجم مشاهير الشرق في القرن التاسع عشر (الجزء الأول)

ژانرونه

أما حلمي باشا فإنه أتى برجاله إلى قصر مدحت بحجة أنه جاء يستفتيه في أمر الحريق الذي شب في المدينة، فأجابه أهل المنزل أنه خرج الساعة فظنهم يخدعونه، فأمر رجاله فكسروا الأبواب ودخلوا البيت عنوة حتى فتحوا غرف الحريم للبحث عنه، وكان الخادم نذير جالسا على مقعد والمسدس في يده، فهم أن يقوم بمهمته ويطلقه فهجم عليه خادم آخر عارف بغرضه واستخرج المسدس من يده بالقوة وسقط ميتا من التأثر، ولم يترك الجند مكانا لم يفتشوا فيه عن مدحت حتى سرير الطفل، فلما رأت امرأة مدحت باشا تطاول القوم إلى هذا الحد، خاطبت حلمي باشا قائلة: «أرجع رجالك عن منزلنا وإلا فإني أفتح النوافذ وأستنجد الأمة عليهم.» فخاف حلمي تهديدها؛ لأنه أمر أن يعمل عمله بدون أن يشعر أحد به، فصرف رجاله إلا جماعة منهم استبقاهم معه وخرج. علم أن مدحت في قنصلاتو فرنسا فذهب إلى هناك، وسد عليه منافذ الطرق من كل ناحية حتى يقبضوا عليه إذا خرج أينما كانت وجهته، وكان قنصل فرنسا الموسيو بليسيه قد أنبأ سفير فرنسا بالآستانة بما جرى، وبعث مدحت إلى قناصل الدول العظمى في أزمير يدعوهم إلى الاجتماع في قنصلاتو فرنسا فجاءوا وقص عليهم الخطر الذي يحدق به، وطلب إليهم أن يوسطوا دولهم لدى الباب العالي، وأنه لا يطلب منهم عفوا ولا رحمة وإنما يطلب إذا كان متهما أن يحكم جهارا في محكمة قانونية قضاتها نزيهون، فجرت المخابرات التلغرافية وأخذت الدول المواثيق والعهود على ذلك، فلم يبق لمدحت بد من السفر إلى الآستانة للمحاكمة، وبعد أيام جاء اليخت السلطاني، فحملوه عليه إلى الآستانة، وأنزله السلطان في كشك مالطة في يلدز ريثما تتألف المحكمة لمحاكمته. (18) محاكمته والحكم عليه

وأخذوا في استنطاقه، وبعد الفراغ من ذلك عقدوا جلسة في سراي يلدز حضرها السلطان من وراء الستار، ولم يحضرها إلا السفراء وبعض مكاتبي الصحف الإفرنجية، مع أن الشرط أن تكون المحاكمة في جلسة جهارية، وكان القضاة خمسة: ثلاثة مسلمين، واثنين مسيحيين برئاسة سروري أفندي أحد العلماء، وقد تقدم ذكره في مكان آخر من هذه الترجمة، وكان في جملة المتهمين مع مدحت الدامادان محمود باشا ونوري باشا وعلي بك ونجيب بك وفخري بك الجزائرلي وبعض الخدم.

ولما فتحت الجلسة قرئت ورقة الاتهام، وفحواها: «إنه بعد خلع عبد العزيز ببضعة أيام تواطأ الدامادان نوري باشا ومحمود باشا مع اثنين من المصارعين، وأحد حرس السراي على قتل السلطان المخلوع، ووعدهم براتب قدره ثلاثة جنيهات عثمانية لكل واحد في الشهر مكافأة على هذه الخدمة، فقتلوا السلطان بمساعدة فخري بك أحد الحجاب، وأن علي بك ونجيب بك أدخلا القتلة إلى غرفة عبد العزيز، وأنه كان في الآستانة يومئذ لجنة مؤلفة من مدحت ورشدي وعوني وشيخ الإسلام خير الله، والداماد محمود لم يكن يصدر أمر أو يجري حادث ما لم تصادق هي عليه، فلا بد أن يكون القتل قد حصل بعلمهم؛ ولذلك كان مدحت مشتركا في ارتكاب تلك الجريمة.»

وبعد تلاوة ورقة الاتهام أخذ القضاة يسألون المتهمين أسئلة مختلفة وهم يدافعون عن أنفسهم، وتوالت جلسات هذه المحاكمة بين 23 يونيو و29 منه، وانتهت بالحكم على مدحت ومحمود ونوري وآخرين بالإعدام، وكانت أخبار هذه المحاكمة تنقل يوميا بالتلغراف إلى صحف أوروبا، ولم يستطع المكاتبون انتقادها؛ لأن رسائلهم كانت تمر على المراقب قبل إرسالها، يشهد بذلك رسالة مكاتب التيمس المؤرخة في أول سنة 1881 بعد صدور الحكم، فقد صدرها بقوله إنه لم ينتقد أعمال القضاة في رسائله السابقة خوفا من المراقبة، ثم أفاض في النقد، ومآله أن المحاكمة كانت مهيأة، وأنها جرت على رغائب أهل المابين فأكثروا من الشهود وفي جملتهم شاهد لم يذكر اسمه في قائمة الشهود، ولم يكن يجوز سماع شهادته، واسمه رفعت أفندي، شهد أنه سمع مدحت يقول في دمشق إنهم إنما قتلوا عبد العزيز لئلا يعود إلى السلطة ويقتل الوزراء الذين خلعوه، وفي جملة انتقادات مكاتب التيمس أن المتهمين لم يكن يتيسر لهم المفاوضة مع المحامين الموكلين في الدفاع عنهم، وأن مدحت لم يتداول مع محاميه إلا مرتين، وغير ذلك مما يطول شرحه، وهو مفصل في رسالة التيمس المشار إليها، ثم توسطت الدول في الحكم فأبدل بالنفي، وعين لكل واحد منفاه. (19) مدحت في منفاه إلى مقتله

أما مدحت فتعين منفاه في الطائف بقرب مكة، ومعه الدامادان محمود ونوري، فحمل مع رفاقه في باخرة أنزلته في جدة، فالتقى هناك بصديقه خير الله أفندي شيخ الإسلام المنفي إلى مكة كما تقدم. أما عائلة مدحت فظلت في أزمير تنتظر ما يأتي به القدر. ففي السنة الثالثة من منفى رجلها جاءهم منه كتاب مؤرخ جمادى الآخرة سنة 1301 يقول فيه إنه مصاب بخراج في كتفه اليمنى شديد الألم - وظهر بعد ذلك أنه الجمرة (فرخ جمر) - وأن طبيبه غلام غير محنك، وذكر ما يقاسيه من العذاب بجهل الطبيب، وما اتخذه رفاقه من الوسائط لراحته مع يأسه من الشفاء، وذكر طعامهم، فقال: إنه عبارة عن طبق شوربا لثمانية أشخاص وطبق ورق الفجل ونحوه، وذكر في كتاب آخر أن الخراج تتحسن حالته، لكنه يشعر بالضعف، وقال في كتاب آخر: إنه ربما كان آخر كتبه إليهم؛ لأنه لحظ أن القوم عاملون على التخلص منه بواسطة السم، وأنه يقاسي العذاب من شدة التيقظ لنفسه؛ لأنه محاط بأقوام أشرار لا يبالي أحدهم من يقتل ولا كيف يقتل، وذكر على الخصوص أحدهم بكير الشركسي رفيق حسن الشركسي الذي قتل عوني باشا قديما، وختم كتابه بالدعاء بحفظ العائلة، والكتاب مؤرخ في 24 سبتمبر سنة 1882.

فلما وصل الكتاب إلى امرأته عرضته على سفير إنكلترا في الآستانة فوعدها ببذل الجهد، واجتهد اللورد دفرين بالبحث عن صحة مدحت بواسطة ترجمان قنصلاتو فرنسا في جدة، فأجاب بعد البحث على يد شريف مكة أن صحته حسنة، وتوفي في أثناء ذلك الداماد نوري باشا مجنونا.

وفي 26 أفريل سنة 1883 كان مدحت راقدا في غرفته، فدخلها بضعة رجال فقبضوا عليه وعلى رفيقه الداماد محمود وقتلوهما خنقا، وكتب بذلك خير الله أفندي تقريرا مطولا نشر في تاريخ مدحت الذي ألفه ابنه علي حيدر، ولم ينج خير الله من القتل إلا خوفا من نقمة العلماء على الدولة لصبغته الدينية.

وجاء في تقريره المشار إليه أسماء الأشخاص الذين اشتركوا في ذلك القتل، وهم تسعة قتلوا مدحت و11 قتلوا محمودا، وهذه أسماء قتلة مدحت: اليوزباشي إبراهيم الشركسي، والضابط الصغير نوري، أصله من كوما أحمد جاويش، والأنفار قندرجي إسماعيل، وأحمد، ومحمد وكلاهما من كوتاهية، ورجب، وعثمان من قراحصار، وإسماعيل البربري. وأما الذين قتلوا محمد الداماد فهم: الضابط الصغير مميش أصالة من سبارطة، ومحمد وحسن جاويش من قوتاهية، وسليمان جاويش، ومحمد الأونباشي، وعثمان البلطاجي، وأحمد، وعلي الروملي، ومصطفى بربر.

ويقال إنهم بعد أن قتلوا مدحت أرادوا أن يثبتوا صدق خدمتهم للمابين، فأرسلوا الجمجمة في علبة عنونوها إلى يلدز في الآستانة، وذكروا أنها تحتوي عاجا يابانيا، وأدوات صناعية لجلالة السلطان فلم تفتح إلا هناك.

وكان مدحت كما رأيت من سياق سيرته ذكي الفؤاد، حاد المزاج، حرا، حازما، هماما، مستقل الفكر جسورا يحب وطنه ودولته، ويتفانى في مصلحتهما، وكان مخلص النية في أقواله وأعماله، شديد الرغبة في الإصلاح، يكره الاستبداد ولا يبالي بما يلاقيه في سبيل مقاومته؛ يدلك على ذلك أنه ذهب ضحية في هذا السبيل، ولكنه كان قليل الدهاء، يحسن الظن في الناس حتى في أعدائه، ولم يكن كتوما إلى الدرجة التي تقتضيها حاله لما يحيط به من أرباب الدسائس؛ ولذلك رأيته انخدع في مواقف بيناها في أثناء الكلام عنه، فلو كان أكثر دهاء في تفكيره، وأقل حدة في مزاجه، وأسوأ ظنا في أعدائه وأكتم لأسراره لما انتهت حياته بالكيفية التي ذكرناها، فذهب رحمه الله شهيد الحرية والدستور، فلما حدث الانقلاب الأخير وفاز الأحرار اعترفوا بفضله وسموه أباهم وصاحب دستورهم، وسيبقى ذكره ما بقي التاريخ.

ناپیژندل شوی مخ