تراجم مشاهير الشرق په نولسمه پېړۍ کې (لومړی برخه)

جرجي زيدان d. 1331 AH
128

تراجم مشاهير الشرق په نولسمه پېړۍ کې (لومړی برخه)

تراجم مشاهير الشرق في القرن التاسع عشر (الجزء الأول)

ژانرونه

فاشتهر بالأمانة والاستقامة بين الأغنياء، فزادت مكاسبه، وضاق ذلك الحانوت عليه فانتقل سنة 1881 إلى حانوت أكبر منه في الموسكي أيضا يطل على الخليج، ثم وسعوه من داخله بعد ذلك، وهو شطر محلهم الحالي، وفيه أصناف السجاد والفرش، ولما أخذا ذلك المحل اجتمع الإخوان للتعاون على العمل، وظل محل الحمزاوي لهما، وما زالت أشغالهما تتسع ورأس مالهما يكبر، وكلما ضاق المحل وسعاه حتى لم يبق سبيل إلى توسيعه، فأخذا محلا تجاهه جعلاه المحل المركزي وفيه الكتاب والحساب.

ومما يعد خطوة كبرى في طريق النجاح اعتمادهم في المسواق على أوروبا. بدءوا بذلك سنة 1885 في فرصة عرضت لهما؛ وذلك أن المرحوم سليما أصيب بانحراف في صحته فوصفت له الأطباء الاستشفاء بأوروبا، فاغتنم وجوده هناك وخابر المعامل التي تشتغل بأصناف تجارته، ورأى فرقا كبيرا بالأثمان فعاملها رأسا، فصار ذلك قاعدة في المسواق كل عام، وانقسم الشغل بين الأخوين فتولى سليم المسواق والحسابات وانفرد سمعان بتنظيم إدارة البيع، وما زالا في تقدم، والشغل ينمو ويتسع ويتفرع حتى أصبح محلهم في القاهرة أعظم محل تجاري في الشرق، عدد عماله يناهز 150 عاملا من الباعة والكتاب غير المستخدمين الصغار وغير مستخدميهم في أطيانهم وعقاراتهم وأعمالهم الأخرى، فضلا عن محلاتهم الفرعية في منشستر وليون وباريس والإسكندرية وغيرها، وغير البنك الذي أنشأه قبل وفاته شركة مساهمة باسم «بنك صيدناوي وظريفة ونحاس وشركاهم»، وأنعم عليهما الجناب العالي بالرتبة الثانية مع لقب بك، وفي ذلك العام جعلا محلهما التجاري بالقاهرة شركة مساهمة اسمها «سليم وسمعان صيدناوي ليمتد»، وظلت شركتهما الأصلية في العقار والطين باسم «سليم وسمعان صيدناوي» أما ثروتهم فنحو ثمانمائة ألف جنيه، ثلثاها عقار وأطيان والثلث الآخر في التجارة.

حساب الحق أو العشور

قد رأيت أنهما أسسا شركتهما على الاستقامة والأمانة، وقد سيجاها بالإحسان على أسلوب جعلا الإحسان فيه فرضا عليهما لا يتوقعان عليه أجرا؛ وذلك أنهما تعاهدا منذ تأسيس الشركة - وهما في ذلك الحانوت الصغير - أن يخصصا خمسة في المائة من الربح تفرق على الفقراء على سبيل الزكاة، فأصبحا يجردان المحل في كل سنة، فإذا عرفا الربح أخرجا خمسة في المائة منه للإحسان، وسميا هذا المال «الحق أو العشور» تنفق في سبيل البر، وما زال ذلك دأبهما إلى الآن، وقد زادت أموال العشور بزيادة أرباحهما ففتحا لها حسابا خاصا في دفاتر خاصة وربما بلغ مقدارها الآن نحو 2000 جنيه في العام تنفق في إعالة الفقراء لا يفرقان في ذلك بين المسلم والمسيحي واليهودي وغيره، للكساء أو الطعام أو المأوى أو بتزويج العذارى اللواتي يحول الفقر دون زواجهن، فكم من عائلة سترها إحسانهما، وكم من بيوت أمست لولاهما خرابا، يفعلان ذلك ولا يعدانه إحسانا، وإذا أردت التنويه بذكره تجاهلا، وقد ينكرانه، ولكن الحق يأبى إلا الظهور، فلا عجب إذا رأيت آثار إحسانها ظاهرة في الجمعيات والعائلات والمستشفيات والمدارس والكنائس، وهي أمثولة للأغنياء يحسن تحذيها والعمل بها، فإن المحسنين بينهم قليلون، وإذا عملوا برا نفخوا بالبوق وضربوا بالطبل وأشاعوا ذلك على صفحات الجرائد التماسا لحسن الأحدوثة. (2) صفاته وأخلاقه

كان سليم رحمه الله ربع القامة، ممتلئ الجسم، مخلص الطوية، صادق اللهجة، لا يحلف ولا يخلف، وكان واسع الصدر، طويل الأناة، شديد الميل إلى المسالمة والتساهل، صبورا على العمل، شديد المحافظة على الوقت، كثير الرغبة في مواساة الحزانى، وإعالة المساكين، فإذا احتضر والد وعلم قبل موته أن سليم صيدناوي سيكون وصيا على أولاده مات قرير العين مطمئن الخاطر؛ ولذلك كثرت الوصايات إليه وهو لا يبالي بما ينفقه في سبيلها من الوقت أو الصحة، فضلا عن أعماله في خدمة أوقاف الطائفة الكاثوليكية، وعن توسطه في حل المشاكل بين الشركاء أو الأقرباء أو الأصدقاء.

ومع كثرة شواغله كان كثير الائتناس بأهله، لا يبرح بيته، زاهرا مشرقا بقرينته وهي ابنة عمه نقولا صيدناوي الذي تقدم ذكره في صدر هذه المقالة بما فطرت عليه من الذكاء واللطف والتعقل وحب المطالعة، فلم تكن تذخر وسعا في سبيل راحته، فإذا أوى إلى منزله خففت عنه متاعب الحياة بلطفها وحسن أسلوبها، كما ينبغي أن تكون المرأة الفاضلة، ويعمد هو إلى ملاعبة أولاده أو أولاد أخيه ومداعبتهم فيذهب تعبه وتتجدد قواه، فيزداد نشاطا على العمل. (3) العبرة والموعظة

نحن في مقام ترجمة المرحوم سليم صيدناوي، ولكننا لم نر بدا من الكلام عن أخيه أيضا لارتباطهما في العمل وتعاونهما على الخير. أما العبرة بما تقدم فهي أن نجاح هذين الأخوين حجة دامغة على أن الاستقامة والصدق ضروريان للنجاح، ولا يكون مأمونا إن لم يتعهده أصحابه بالإحسان زكاة أو صدقة، فتزداد المكاسب وينجو صاحبها من غوائل الحسد؛ ليس لأن الحسد يضر المحسودين، ولكن الإنسان إذا ارتقى بأي باب من أبواب العمل كثر حساده ومنتقدوه، وكلما كبرت نفسه كثر الطاعنون فيه، ومن الناس من لا يهمه ما يقال عنه، وإنما يهمه أن تزيد ثروته أحبه الناس أو أبغضوه، ومنهم من لا يهمه الكسب بقدر ما يهمه حب الناس، فهؤلاء يتلافون الطعن والحسد بالإحسان والتواضع والتلطف، وقد يكون إحسانهم عن إحساس ديني التماسا للثواب، وكلا السببين الآخرين حسن نافع؛ لأن النتيجة منهما إعالة الضعفاء وعمل الخير، وأما الذين يقتصر همهم على جمع المال لا يبالون بما يقال عنهم فإنهم نمو غريب في جسم الاجتماع ينمو بامتصاص غذائه ويعود بالضرر عليه.

أما الصيدناويان فإنهما أفضل مثال لما ينبغي أن يكون عليه رجال الثروة وأهل الجاه، وهما مع ثروتهما وجاههما يتوخيان البساطة في أساليب معاشهما ويبذلان الألوف في إعالة الفقراء، وهما مثال في الجد والنشاط، يشتغلان من الصباح إلى ما بعد العشاء شغلا شاقا يعرفه كل من زار محلهما ورأى حركة العمل فيه.

ومن أسباب نجاحهما غير ما تقدم من الأمانة والنشاط واغتنام الفرص حسن الاختيار؛ فقد اختارا العمل، واقتسماه على حسب استعداد كل منهما: سليم للمسواق والإدارة والحسابات، وسمعان لإدارة البيع، ومن تلك الأسباب أيضا الثبات؛ فقد ثبتا في شغل واحد ثلاثين سنة، وهو الاتجار بالحرير والخردوات لم يتحولا عنه، وإنما وسعوه بما يلائم أن يكون ملحقا به، ومنها أسلوب المعاملة، وهما مشهوران باللطف والتواضع، فلا يخرج الشاري ولا البائع من محلهما إلا راضيا.

الفصل الأربعون

ناپیژندل شوی مخ