كثير من السنن الصحيحة، وهذا يُشْعِرُ بصعوبةِ الحكمِ على الحديث بالصحَّة، كما يُشْعِرُ بصعوبةِ الإعلال بالتدليس.
والذي يُهِمُّنَا هنا هو أنَّ الرواةَ الثقاتِ قد يقع منهم التدليسُ، فَيُحْتاجُ إلى جِهْبِذٍ يَكْشِفُهُ لِتَظْهَرَ عِلَّةُ الإسناد؛ ومِنْ هنا نعلمُ أنَّ مِنْ أسبابِ وجودِ العِلَّةِ: وقوعَ التدليس.
فمن أمثلة ذلك:
قولُ عبد الرحمن بن أبي حاتم (١): وسمعتُ أَبِي وذكَرَ الحديثَ الَّذِي رَوَاهُ إسحاقُ بنُ رَاهُوْيَهْ، عَنْ بَقِيَّة (٢)؛ قَالَ: حدَّثني أَبُو وَهْب الأَسَدِي؛ قَالَ: حدَّثنا نَافِعٌ، عَنِ ابْنَ عُمَرَ؛ قَالَ: لا تَحْمَدُوا إسلامَ امْرِئٍ حَتَّى تَعْرِفُوا عُقْدَةَ رَأْيِهِ.
قَالَ أَبِي: هَذَا الحديثُ لَهُ عِلَّةٌ قَلَّ مَنْ يَفْهَمُهَا؛ روَى هذا الحديثَ عبيدُاللهِ بنُ عَمْرٍو، عَنْ إسحاقَ بنِ أَبِي فَرْوَةَ، عَنْ نَافِعٍ، عَنِ ابن عمر، عن النَّبِيِّ (ص)، وعبيدُاللهِ بنُ عَمْرٍو كنيتُهُ: أَبُو وَهْبٍ، وَهُوَ أَسَدِيٌّ؛ فكأنَّ بَقِيَّةَ بنَ الوليد كَنَى عبيدَاللهِ بنَ عَمْرٍو، ونسَبَهُ إِلَى بَنِي أَسَد؛ لِكَيْلا يُفْطَنَ بِهِ، حَتَّى إِذَا ترَكَ إسحاقَ بنَ أَبِي فَرْوَة مِنَ الوسَطِ لا يُهْتَدَى لَهُ، وَكَانَ بَقِيَّةُ مِنْ أفعَلِ الناسِ لِهَذَا، وأمَّا ما قَالَ إسحاقُ فِي روايتِهِ عَنْ بَقِيَّة، عَنْ أَبِي وَهْب: «حدَّثنا نَافِع»، فهو وَهَمٌ، غيرَ أنَّ وجهه عندي:
(١) في "العلل" (١٩٥٧) .
(٢) هو: ابن الوليد.