فان قيل وما السحر الذي هو كفر أتقولون ان جميعه كفر أو بعضه وما حقيقته. قيل له ان السحر في الأصل هو ما لطف مأخذه مما يقصد به الاضرار والاحتيال لكن في الناس من يوهم انه يفعل ما لا حقيقة له كما يدعي بعضهم أنه يطير بلا جناح ويركب المكانس وغيرها فيبعد بالوقت اليسير وانه يخيط الناس ويصور المرء بخلاف صورته الى ما شاكل ذلك وهو قال صلى الله عليه وسلم (من أتى كاهنا أو عرافا فصدقهما فيما يقولان فقد كفر بما أنزل على محمد) لانهم يوهمون انهم يعلمون الغيب وذلك كذب منهم ربما صدق في هذا الزمان بعض المنجمين في مثل ذلك وهو عظيم يوجب الطعن في نبوة الانبياء صلوات الله عليهم الذين انما عرفت نبوتهم بان أظهروا علم الغيب نحو قوله عز وجل في وصف عيسى عليه السلام (وأنبئكم بما تأكلون وما تدخرون في بيوتكم إن في ذلك لآية لكم) فمن أوهم ذلك فهو كافر في في الحقيقة فاما السحر الذي يصح وقوعه فهو ما لم يلطف من هذه الافعال التي تجري مجرى الحيل فالأول هو الكفر والثاني يحتمل أن يكون كفرا ويحتمل خلاف ذلك فان أوهم انه يفرق بين المرء وزوجه بان يفعل في قلب الزوج أو قلبها ما لا يمكن ويكون معجزا فهو كالأول وان أوهم انه يزيل العقل ويحدث العيوب في أحدهما فهو كالاول وان ذكر انه يحتال بما يمكن للمرء أن يفعله حتى يفرق بينهما أو يقتل أو يفعل ما يؤدي الى المرض فذلك فسق ليس بكفر وقد ذكر بعض مشايخ المتكلمين ممن عمل كتاب المتشابه ان رجلا تزوج امرأة على أخرى فعظم ذلك على الأولى وانها استعانت بغيرها فتوصل الى أن قال للثانية ان أردت أن تنغرس محبتك في قلب الزوج ليختارك على الاولى فخذي موسى فاقطعي ثلاث شعرات من لحيته وهي ما يقارب الحلق وألقى الى الزوج بأن هذه المرأة ستحتال عليه بالقتل فلما قربت الموسى منه في المحل الذي حرره لم يشك الزوج بان الامر على ما قال الرجل من انها قصدت قتله فقام اليها وقتلها وكان ذلك تفرقة وقيل توصل اليها بهذه الحيلة فما يجري هذا المجرى يكون فسقا ولا يكون كفرا وكل ذلك مما يصح تعرفه من الانبياء لكنهم يعلمون ذلك لكي يتحرز منه فيحسن ذلك والشياطين يعلمون ليعمل به فيقبح ذلك فهذا تأويل الآية وقوله تعالى (وما هم بضارين به من أحد إلا بإذن الله) يحتمل أن يكون المراد بهذا الاذن العلم دون الأمر ويحتمل أن يكون المراد فعلهم نفسه فيما عنده بفعل الله تعالى ما يضر من يضر غيره فيكون ذلك منسوبا الى الله تعالى وما يفعله من حيث يقع بارادته يجوز أن يقال انه باذنه وبين ان من يفعل ذلك ماله عند الله من خلاق وزجر بذلك عن التمسك بالسحر والحيل ثم قال (ولبئس ما شروا به أنفسهم) لأن من باع نفسه بما يأتيه من السحر فهو خاسر الصفقة في هذه التجارة.
[مسألة]
مخ ۲۹