وسألوا عن قوله (واتبعوا ما تتلوا الشياطين على ملك سليمان) وقالوا الآية تدل على ان السحر من عند الله وان الملائكة أنزلت به وعلى انه اذا أدى الى مضرة فبإذن الله. وجوابنا انه تعالى حكى عن اليهود انهم نبذوا كتاب الله وراء ظهورهم وانهم اتبعوا ما تتلوا الشياطين والمراد بذلك ما تخبر به الشياطين على ملك سليمان ويكذبون عليه فانهم يتبرءون من نبوته أعني اليهود وينسبوه الى السحر كما حكت الشياطين فقال تعالى (وما كفر سليمان) نزهه عن السحر الذي نسبوه اليه ثم قال (ولكن الشياطين كفروا) بان نسبوا السحر الى سليمان على وجه الكذب وجحدوا نبوته ثم قال تعالى في وصفه الشياطين (يعلمون الناس السحر) على وجه الاضرار ثم قال تعالى (وما أنزل على الملكين ببابل هاروت وماروت) فبين انه تعالى أنزل ببابل السحر عليهما ليعرفا الناس فيتحرزوا من ضرره لان تعريف الشر حسن ومعه يصح الاحتراز ولذلك قال تعالى (وما يعلمان من أحد) يعني الملكين (حتى يقولا إنما نحن فتنة فلا تكفر) فبين ان مرادهم بتعليم السحر لا أن يعمل به ثم قوله تعالى (فيتعلمون منهما ما يفرقون به بين المرء وزوجه) وهو ذم لمن يتعلم من الملكين فلا يتحرز بل يعمل به فهو بمنزلة أن يعرف من الرسول الزنا وغيره من الفواحش فبعضهم يعمل بذلك فلا يخرج بيان النبي صلى الله عليه وسلم لذلك من أن يكون حسنا فكأنه قال (واتبعوا ما تتلوا الشياطين على ملك سليمان) واتبعوا (ما أنزل على الملكين) فيما يعملون على وجه الذم لهم. وقد روي عن الحسن انه كان يقرأ (وما أنزل على الملكين ببابل هاروت وماروت) ويقول كانا علجين أقلفين يأمران بالسحر ويتمسكان به والقراءة المشهورة خلاف ذلك وقد قيل في تأويله ان المراد واتبعوا ما تتلوا الشياطين أي تحكي وتخبر على ملك سليمان وما أنزل على الملكين ببابل فكأنهم كما كذبوا على ملك سليمان كذبوا أيضا على ما أنزل على الملكين لا أنهما أنزلا ليعلما السحر ويكون قوله (فيتعلمون منهما) أي من السحر والكفر والوجه الأول أقوى.
مخ ۲۸