سعيا}. فدل ذلك على أن الدعاء توجه إليهن وهن أجزاء متفرقة. قلنا ليس الأمر على ما ذكر في السؤال، لأن قوله: {ثم اجعل على كل جبل منهن جزءا} لا بد من تقدير محذوف بعده، وهو: (فإن الله يؤلفهن ويحييهن ثم أدعهن يأتينك سعيا}. ولا بد لمن حمل الدعاء لهن في حال التفرق وانتفاء الحياة من تقدير محذوف في الكلام عقيب قوله: {ثم أدعهن} لأنا نعلم أن تلك الأجزاء والأعضاء لا تأتي عقيب الدعاء بلا فصل، ولا بد من أن يقدر في الكلام عقيب قوله ثم أدعهن، فإن الله تعالى يؤلفهن ويحييهن فيأتينك سعيا.
فأما أبو مسلم الأصفهاني فإنه فرارا من هذا السؤال حمل الكلام على وجه ظاهر الفساد. لأنه قال إن الله تعالى أمر إبراهيم (ع) بأن يأخذ أربعة من الطيور، ويجعل على كل جبل طيرا، وعبر بالجزء عن الواحد من الأربعة، ثم أمره بأن يدعوهن وهن أحياء من غير إماتة تقدمت ولا تفرق من الأعضاء، ويمرنهن على الاستجابة لدعائه، والمجئ إليه في كل وقت يدعوها فيه.
ونبه ذلك على أنه تعالى إذا أراد إحياء الموتى وحشرهم أتوه من الجهات كلها مستجيبين غير ممتنعين كما تأتي هذه الطيور بالتمرين والتعويد. وهذا الجواب ليس بشئ لأن إبراهيم عليه السلام إنما سأل الله أن يريه كيف يحيي الموتى، وليس في مجئ الطيور وهن أحياء بالعادة والتمرين، دلالة على ما سئل عنه ولا حجة فيه. وإنما يكون في ذلك بيانا لمسألته إذا كان على الوجه الذي ذكرناه.
فإن قيل إذا كان إنما أمره بدعائهن بعد حال التأليف والحياة، فأي فايدة في الدعاء وهو قد علم لما رآها تتألف أعضاءها من بعد وتتركب أنها قد عادت إلى حال الحياة؟ فلا معنى في الدعاء إلا أن يكون متناولا لها وهي متفرقة.
قلنا للدعاء فائدة بينة، لأنه لا يتحقق من بعد رجوع الحياة إلى الطيور وإن شاهدها متألفة، وإنما يتحقق ذلك بأن تسعى إليه وتقرب منه.
مخ ۵۴