أراد: قطعهم. والأصل صرى يصري صريا، من قولهم يأت يصري في حوضه إذا استسقى ثم قطع، والأصل صرى، فقدمت اللام وأخرت العين.
هذا قول الكوفيين، وأما البصريون فإنهم يقولون إن صار يصير، ويصور بمعنى واحد، أي قطع. ويستشهدون بالأبيات التي تقدمت، وبقول الخنساء: " فظلت الشم منها وهي تنصار " وعلى هذا الوجه لا بد في الكلام من تقديم وتأخير، ويكون التقدير: فخذ أربعة من الطير إليك فصرهن أي قطعهن. فإليك من صلة خذلان التقطيع لا يعدى بإلى.
فإن قيل فما معنى قوله تعالى: (ثم أدعهن يأتينك سعيا) وهل أمره بدعائهن وهن أحياء أو أموات؟ وعلى كل حال فدعاؤهن قبيح، لأن أمر البهائم التي لا تعقل ولا تفهم قبيح. وكذلك أمرهن وهن أعضاء متفرقة أظهر في القبح.
قلنا لم يرد ذلك إلا حال الحياة دون التفرق والتمزق. فأراد بالدعاء الإشارة إلى تلك الطيور. فإن الانسان قد يشير إلى البهيمة بالمجئ أو الذهاب فتفهم عنه. ويجوز أن يسمي ذلك دعاء. إما على الحقيقة أو على المجاز. وقد قال أبو جعفر الطبري أن ذلك ليس بأمر ولا دعاء، ولكنه عبارة عن تكوين الشئ ووجوده، كما قال تعالى في الذين مسخهم: (كونوا قردة خاسئين) (1) وإنما أخبر عن تكوينهم كذلك من غير أمر ولاء دعاء، فيكون المعنى على هذا التأويل. ثم اجعل على كل جبل منهن جزءا، فإن الله تعالى يؤلف تلك الأجزاء ويعيد الحياة فيها، فيأتينك سعيا، وهذا وجه قريب فإن قيل على الوجه الأول: كيف يصح أن يدعوها وهي أحياء؟ وظاهر الآية يشهد بخلاف ذلك، لأنه تعالى قال: (ثم اجعل على كل جبل منهن جزءا). وقال عقيب هذا الكلام من غير فصل: (ثم أدعهن يأتينك
مخ ۵۳