المسجد من غير دعاء قال الله تعالى : { فإذا فرغت فانصب وإلى ربك فارغب } [ الشرح : 8 ] أي إذا فرغت من العبادة فانصب في الدعاء ، وارغب فيما عند الله ، واطلبه منه وقد جاء في الحديث عن أنس بن مالك عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال : ( إذا قام الإمام في محرابه وتواترت الصفوف نزلت الرحمة ، فأول ذلك تصيب الإمام ثم من عن يمينه ، ثم من عن يساره ، ثم تتفرق الرحمة على الجماعة ، ثم ينادي ملك ربح فلان وخسر فلان فالرابح من يرفع يديه بالدعاء إلى الله تعالى إذا فرغ من صلاته المكتوبة ، والخاسر الذي خرج من المسجد بلا دعاء ، فإذا خرج بلا دعاء قالت الملائكة : يا فلان استغنيت عن الله تعالى ما لك عند الله حاجة ) انتهى ( وقال النبي صلى الله عليه وسلم الدعاء مخ العبادة ) أي خالصها رواه الترمذي عن أنس ، وهو حديث صحيح وإنما كان مخها لأمرين : أحدهما أنه امتثال أمر الله تعالى حيث قال ادعوني فهو مخ العبادة وخالصها ، والثاني أنه إذا رأى نجاح الأمور من الله تعالى قطع أمله عمن سواه ، ودعاه لحاجته وحده ، وهذا هو أصل العبادة ، ولأن الغرض من العبادة الثواب عليها ، وهو المطلوب بالدعاء وقال الحكيم : إنما صار مخا لأنه تبرأ من الحول والقوة ، واعترف بأن الأشياء كلها له تعالى ، وتسليم إليه قال سيدي الشيخ عبد القادر : والأدب في الدعاء أن يمد يديه ، ويحمد الله تعالى ، ويصلي على النبي صلى الله عليه وسلم ، ثم يسأل حاجته ولا ينظر إلى السماء في حال دعائه ، وإذا فرغ مسح يديه على وجهه لما روي عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال : ( سلوا الله ببطون أكفكم ) اه . ( وقال صلى الله عليه وسلم : إن الله تعالى يحب الملحين في الدعاء ) أي الملازمين له بإخلاص وصدق نية رواه الحكيم وابن عدي والبيهقي عن عائشة ، وهو حديث ضعيف . وفي لفظ يحب اللحاح في الدعاء : أي المقبل عليه والمواظب عليه ، وفي الإحياء قال صلى الله عليه وسلم : ( إن العبد لا يخطئه من الدعاء إحدى ثلاث إما ذنب يغفر له ، وإما خير يعجل له ، وإما خير يدخر له ) . وقال أبو ذر رضي الله عنه : يكفي من الدعاء مع البر ما يكفي الطعام من الملح انتهى . ( وقال صلى الله عليه وسلم : ليس شيء أكرم ) بالنصب خبر ليس ( على الله تعالى من الدعاء ) لدلالته على اعتراف الداعي بالعجز والافتقار إلى ربه والذل والإنكار رواه أحمد والبخاري والترمذي والنسائي عن أبي هريرة وأسانيده صحيحة . | وفي الإحياء قال صلى الله عليه وسلم : ( سلوا الله تعالى من فضله ، فإنه تعالى يحب أن يسأل ، وأفضل العبادة انتظار الفرج ) . ( وقال صلى الله عليه وسلم : يقول الله تعالى يا عبدي أنا عند ظنك ) أي إن ظن بي خيرا فله مقتضى ظنه ، وإن ظن بي شرا بأن ظن أني أفعل به شرا فله ما ظن . ( وأنا معك ) أي بالتوفيق ( إذا دعوتني ) فأسمع ما تقول فأجيبك ، وفي رواية العسكري عن أبي هريرة بإسناد حسن قال الله تعالى : من لا يدعوني أغضب عليه بإثبات حرف العلة في يدعوني ، فينبغي للإنسان أن لا يغفل عن الطلب من ربه كذا أفاد العزيزي ( وقال صلى الله عليه وسلم : من لم يدع الله تعالى يغضب عليه ) قال سيدي الشيخ عبد القادر قال النبي صلى الله عليه وسلم في حديث أبي هريرة رضي الله عنه : ( من لا يسأل الله يغضب عليه ) وقال الشاعر : | الله يغضب إن تركت سؤاله | وبني آدم حين يسأل يغضب | ( قال صلى الله عليه وسلم : ترك الدعاء معصية ) أي لعدم امتثال الأمر ( وقال صلى الله عليه وسلم : الدعاء سلاح المؤمن ) أي به يدافع البلاء كما يدافع عدوه بالسلاح ( وعماد الدين ) أي عموده الذي يقوم عليه ( ونور السموات والأرض ) أي يكون للداعي نور فيهما رواه أبو يعلى والحاكم عن علي وهو حديث صحيح . ( وقال صلى الله عليه وسلم : دعوة المظلوم ) على من ظلمه ( مستجابة وإن كان فاجرا ففجوره على نفسه ) رواه الطيالسي وأبو داود عن أبي هريرة ورواه عنه أحمد ، وإسناده عنه حسن ، وذلك لأنه مضطر ملتجىء إلى ربه ( وقال صلى الله عليه وسلم : اتقوا دعوة المظلوم ) أي تجنبوا الظلم لئلا يدعو عليكم المظلوم ، وفي ذلك تنبيه على المنع من جميع أنواع الظلم ( فإنها تحمل على الغمام ) أي يأمر الله تعالى بارتفاعها حتى تجاوز الغمام ، أي السحاب الأبيض حتى تصل إلى حضرته تعالى ( يقول الله وعزتي وجلالي لأنصرنك ) بنون التوكيد الثقيلة وفتح الكاف ، أي لأستخلصن لك الحق من ظلمك ( ولو بعد حين ) أي أمد طويل رواه الطبراني والضياء عن خزيمة بن ثابت بإسناد صحيح ( وقال صلى الله عليه وسلم : اتقوا دعوة المظلوم ) أي فإنها مقبولة ( وإن كان ) أي المظلوم ( كافرا ) أي معصوما ( فإنه ) أي الشأن ( ليس دونها حجاب ) أي ليس بينها وبين القبول مانع رواه أحمد والضياء المقدسي عن أنس بن مالك ، وإسناده صحيح قال ابن العربي هذا مقيد بالحديث الآخر ، إن الداعي على ثلاث مراتب ، إما أن يعجل له ما طلب ، وإما أن يدخر له أفضل منه ، وإما أن يدفع عنه من السوء مثله . | ( خاتمة ) هذا الدعاء لسيدي الشيخ عبد القادر الجيلاني الحمد لله الذي خلق السموات والأرض ، لا إله إلا هو عليه توكلت ، وهو رب العرش العظيم سبحانه وتعالى عما يشركون ، اللهم اغفر لنا ذنوبنا ما أظهرنا وما أسررنا ، وما أخفينا وما أعلنا وما أنت أعلم به منا ، اللهم أعطنا رضاك في الدنيا والآخرة ، واختم لنا بالسعادة والشهادة والمغفرة ، اللهم اجعل آخر أعمارنا خيرا ، وخواتيم أعمالنا خيرا ، وخير أيامنا يوم نلقاك ، اللهم إنا نعوذ بك من زوال نعمتك ، ومن فجاءة نقمتك ، ومن تحويل عافيتك ، اللهم إنا نعوذ بك من درك الشقاء ، وجهد البلاء وشماتة الأعداء ، وتغير النعماء وسوء القضاء ، ونعوذ بك من جميع المكاره والأسواء ، ونسألك اللهم خير العطاء ، اللهم إنا نسألك أن تكشف سقمنا وتبرىء مرضنا ، وترحم موتانا وتصح أبداننا ، وتخلصها لك ، وأن تخلص أدياننا ، وأن تحفظ عياذنا ، وتشرح صدورنا وتدبر أمورنا ، وتستر جرمنا وترد غيابنا ، وأن تثبتنا على ديننا ، ونسألك خيرا ورشدا ، اللهم ربنا إنا نسألك أن تؤتينا حسنة في الدنيا ، وحسنة في الآخرة ، وأن تتوفانا مسلمين برحمتك ، وقنا عذاب النار ، وعذاب القبر يا أرحم الراحمين يا رب العالمين . |
1 ( الباب العشرون في فضيلة الاستغفار ) 1
قال الله تعالى : { واستغفر الله إن الله كان غفورا رحيما } [ النساء :
مخ ۴۰