قلت: لما لم يجلوا معاصي الله عند انتهاكها واستخفوا بها، فلم يهتموا بإنكارها، ولم يرحموا من هلك بمواقعة الحدود فينقذوه من الهلاك/ ببذل النصيحة كان جزاؤهم أن سلط الله عليهم من لا يجل كبيرهم لكبره، ولا يرحم صغيرهم لصغره، والجزاء من جنس العمل.
وسئل حذيفة –﵁ عن ميت الأحياء فقال: الذي لا ينكر المنكر بيده، ولا بلسانه ولا بقلبه.
قلت: وإنما سمَّاه ميتًا لأنَّ هذه الأعضاء الثلاثة اليد واللسان والقلب إذا لم يصرف الإنسان قوتها في هذه الطاعة العظيمة التي فرضها الله عليه كانت كأنَّها معدومة، ومن عدمت منه هذه الأعضاء كان ميتًا، ومن هذا قوله تعالى ﴿لَهُمْ قُلُوبٌ لا يَفْقَهُونَ بِهَا وَلَهُمْ أَعْيُنٌ لا يُبْصِرُونَ بِهَا وَلَهُمْ آذَانٌ لا يَسْمَعُونَ بِهَا أُولَئِكَ كَالأَنْعَامِ بَلْ هُمْ أَضَلُّ﴾ [سورة الأعراف: ١٧٩].
وقال تعالى ﴿أَوَمَنْ كَانَ مَيْتًا فَأَحْيَيْنَاهُ﴾ [سورة الأنعام: ١٢٢].
وقال علي بن أبي طالب –﵁: «أول ما تغلبون عليه من الجهاد الجهاد بأيديكم ثم الجهاد بألسنتكم، ثم الجهاد بقلوبكم، فإذا لم يعرف القلب المعروف، ولم ينكر المنكر نكس فجعل أعلاه أسفله».
ويؤيد قول علي –﵁ ما جاء في صحيح مسلم عن حذيفة ﵁ قال: سمعت رسول الله ﷺ يقول: «تعرض الفتن على القلوب كالحصير عودًا عودًا، فأي قلب أشربها نكتت فيه نكتة سوداء، وأي قلب أنكرها نكتت فيه نكتة بيضاء حتى تصير على قلبين، على أبيض مثل الصفا فلا تضره فتنة ما دامت السماوات والأرض، والآخر أسود مربادًا كالكوز مجخيًا لا يعرف معروفًا ولا ينكر منكرًا إلا ما أشرب منه هواه».