والمقصود من ملاحظته ذلك أن لا يرى عند التعريف والإنكار عزة نفسه بالعلم والتنزه عن مثل هذه المعصية، وذل ذلك المنكر عليه بالجهل والوقوع فيها فيكون قصده الباطن بكلامه إظهار رتبته بشرف العلم والعفة وإذلال صاحبه بالنسبة إلى خسة الجهل ورذالة المعصية، فإن علم من نفسه أن هذا هو الباعث له / على الإنكار؟ .
قال الغزالي: فهذا المنكر أقبح في نفسه من المنكر الذي يعترض عليه. ومثال هذا المنكر مثال من يخلص غيره من النار بإحراق نفسه، وهو غاية الجهل وهذه مزلة عظيمة، وغائلة هائلة، وغرور للشيطان يدلى بحبله كل إنسان إلا من عرفه الله تعالى عيوب نفسه، وفتح عين بصيرته بنور هدايته فإن في الاحتكام على الغير لذة النفس عظيمة من وجهين:
أحدهما: من جهة دالة العلم.
والآخر: من جهة دالة الاحتكام والسلطنة.
وذلك يرجع إلى الرياء وطلب الجاه، وهو الشهوة الخفية المتداعية إلى الشرك الخفي، وله محك ومعيار ينبغي أن يمتحن به المحتسب نفسه، وهو أن يكون امتناع ذلك الإنسان عن المنكر بنفسه، أو بإنكار غيره أحب إليه من امتناعه بإنكاره، ويرى أن القيام بالإنكار يشق عليه، ويثقل على نفسه، ويود أن يكفى بغيره فليمض في ذلك، فإن هذه علامات تدل على أنه مخلص.
وإن فقدت هذه العلامات ورأى من نفسه كراهية لرجوعه إلى غيره، أو رأى عنده مسابقة إلى الإنكار خشية أن يسبقه إليه غيره، أو يثقل عليه أن يرجع
1 / 51