فاما كيف يعرض هذا الانقباض عن البرودة والرطوبة فمما اقوله. اما الرطوبة فان من شانها ان تسد مجارى الحار الغريزى فى العروق والاعصاب، فتمنع الروح وتحجبه من الوصول الى آلاتها الخاصة به، كما يحجب السحاب الشمس، فلا يصل هذا الروح اذا كثرت الرطوبة فيه الى الخارج. واما البرودة فان من شانها ان تحرك الحرارة الغريزية الى منبعثها من جهة ما هو ضد لها، والا فسدت الحرارة الغريزية مع ان البرودة ايضا من شانها شأنها ان يكثف بها الجرم ويعود الى كمية اصغر. ولذلك كان الاسطقس البارد اصغر كمية من الاسطقس الحار. وقد يشهد لكون البرودة والرطوبة فاعلة للنوم، ما يعرض من كثرة النوم عند تناول الاشياء الرطبة الباردة. وهذا العارض يعرض للروح على المجرى الطبيعى من شيئين: احدهما، طبخ الغذاء ونضجه فى الدماغ والقلب؛ والثانى، الخلال الذى يلحق آلات الحواس والحار الغريزى.
فاما كيف يعرض ذلك للروح الغريزى عن هذين السببين، فعلى ما اقوله. وذلك ان الغذاء اذا استحال دما وصار صفوه الى القلب، ثم الى عضو عضو من البدن بحسب ما يلائمه ويشاكل طبيعته، صار الى الدماغ ايضا منه ما يشاكله، وهو الجزء البرد الرطب. ومن شان الاعضاء اذا ورد عليها الغذاء، ان تبرد وترطب اكثر مما كانت، وبخاصة العضو الذى هو بارد رطب، وذلك ما دام الغذاء فى طريق الانهضام وذلك لان الحار الغريزى يتاثر ايضا عن الغذاء كما يتاثر عنه الغذاء فيرطب اكثر مما كان ويبرد ايضا لم لان الغذاء هو من جهة شبيه ومن جهة غير شبيه ويحدث ايضا عن الطبخ فى الاعضاء ابخرة غليظة، فيكدر لها الروح الغريزى ويثقل ويتحرك منقبضا الى مبدئه الذى هو القلب، فيحدث النوم ضرورة.
مخ ۶۲