فنقول انه قد تبين فى ما سلف ان مبداء الحس المشترك انما هوفى القلب، وان الدماغ هو احد الآلات المتممة لهذا الفعل من جهة التعديل الموجود فيه. واذا كان ذلك كذلك، وكان النوم هو غوص الحس المشترك الى داخل البد ن، فبين ان مبداء هذه الحركة فى السهر هو من القلب، ومنتهاها الى الدماغ. واما فى النوم، فمبدأها من الدماغ ومنتهاها الى القلب؛ وعلى الحقيقة فمبدأها فى الامرين انما هو من القلب، لكن الدماغ هوسبب فى النوم بجهة ما اكثر منه فى السهر. وبالجملة فكل واحد منهما سبب فى ذلك لكن القلب هو السبب الاول، والدماغ سبب ثانى. واذا كان هذا هكذا، فهذان عضوان هما المشركان لهاتين القوتين. واما عن اى سبب يعرض لهذين العضوين، فذلك يظهر مما اقوله. وذلك انه اذا وضع ان كل عرض يعرض لحيوان فانما سببه الحار والبارد والرطب واليابس او ما تركب منها، ووضعنا ان النوم هو غور الحس المشترك الى العضو الذى هو مبدأه، وكان موضوع الحس المشترك انما هو الحار الغريزى، فبين ان النوم انما يكون بانصراف الحار الغريزى وانقباضه ورجوعه الى مبدائه مبدئه الذى هو القلب. فان الحركة انما تكون للجسم بما هى حركة، ولذلك لا تتحرك القوى الا من جهة موضوعها. واذا تبين هذا وكان الانقباض للحار الغريزى الى باطن البدن انما يعرض له من قبل ضده الذى هوالبرد والرطوبة كما ان الانتشار والحركة له الى الخارج انما تعرض له من قبل الحرارة واليبس، فواجب ان يكون انما يعرض له فى وقت النوم هذا العرض من قبل البرودة والرطوبة التى هى اغلب على الدماغ، وان يكون السهر انما يعرض له من قبل الحرارة واليبس الغالب على مزاج القلب.
مخ ۶۱