[جواز الوصول إلى الظلمة لنصحهم]
فرع: فأما إتيانهم لمجرد وعظ، أو تذكير، أو أمر بمعروف، فلا إشكال في جوازه، كما أتى صلى الله عليه وآله وسلم أبا جهل إلى بيته، ليأمره بإيفاء غريمه، وذلك مشروط بأن يعلم مقصده، حتى لا يتوهم قصد تعظيم لهم بذلك، لأنه يكون حينئذ مصلحة تعارضه مفسدة مساوية، أو راجحة.
فرع: فأما لو كان الظالم هو الذي وصل إلى الفاضل تعظيما له فلا بأس بالقيام في وجهه ولقائه مكافئة له على إحسانه، وهو في تلك الحال ليس بمعظم على حد تعظيم الفضلاء، بل هو المعظم للفاضل بوصوله، ولأن فيه مصلحة دينية لا تعارضها مفسدة راجحة، أو مساوية، وتلك المصلحة هي استدعاؤه بذلك إلى تعظيم الفضلاء، وليس له مكافأته بأن يصله إلى منزله تعظيما، لا لحاجة سوى التعظيم، لأنه في تلك الحال يكون هو المعظم بالوصول إليه خالصا، وقد نهينا عن تعظيمهم، إلا لمصلحة عامة كما قدمنا وقد كره المؤيد بالله أكل طعامهم، وقبول عطاياهم لما يورث من محبتهم، وهي محرمة، [قلت] : (فإن أحسنوا إلى المؤمن لم يجب عليه شكرهم أكثر من الاعتراف بأنهم أنعموا، واليسير من التعظيم الذي لا يظهر فيه جلالة، كالقيام في وجه من وصل بنفسه معظما لأهل الفضل، فهذا القيام لا أثر له في جنب وصوله بنفسه إلى الفاضل، بخلاف وصول الفاضل إلى منازلهم لقصد وجه تعظيم من تهنئة أو غيرها، فجلالتهم في ذلك ظاهرة، إذ لو جوزنا ذلك لم يفترق الحال بينهم، وبين أئمة الهدى فيما يستحقون من التعظيم، فأما إطعامهم وإنزالهم فليس بتعظيم، بل تفضل وإحسان، كالإحسان إلى الذميين، وإلى الزوجة، والخادم الفاسقين.
مخ ۵۸