ومنها ما يتعلق بإمكان الأمور كما يقال: " كلما يستطاع أو يجتهد فيه فهو ممكن " و" كلما هو لشخص ممكن فلغيره ممكن " و" إذا كان الأصعب ممكنا فالأسهل ممكن " ؛ أو بوقوع وجودها كما يقال: " ما حدث لشخص فهو لمثله متوقع " و" ما يقع في وقت فوقوعه في مثل ذلك الوقت متوقع " أو كونها كما يقال: " المؤثر كائن، فالأثر كائن " و" الأندر كائن فالأكثري كلئن " و" كلما يقصده قادر عليه بإيجاده فهو كائن " .
أو تعظيمها لقربها " لعزتها - ن " ونفاستها وعظم فائدتها، أو ما يقابل ذلك. وقس على ذلك.
والغرض من هذه الأمثلة الهداية إلى كل أسلوب فليطلب التفاصيل من الكتب الكبيرة.
استعمال المتقابلات في الخطابة
وتقع في الخطابة القضايا المتقابلة لاختلاف الاعتبارات، مثلا يقال: " قل لأنك إن صدقت أحبك الله، وإن كذبت أحبك الناس " و" اسكت لأنك إن صدقت أبغضك الناس، وإن كذبت أبغضك الله " . وللمقر بذنبه: " أنه مذنب، لأنه إن صدق فهو مذنب، وإن كذب فالكاذب مذنب " .
الضمائر المحرفة
والمغالطة ههنا أن أوقعت إقناعا فهي من الصناعة وتسمى بالضمائر المحرفة من باب الاشتراك، كمدح الكلب بأن كلب السماء أضوء كواكبها، ومن باب تركب المفصل: " فلان يحسن الكتابة لأنه يعد حروف الهجاء " ومن باب وضع ما ليس بعلة عنه: " فلان مبارك القدم لأنه مع قدومه تيسر الأمر الفلاني " ؛ ومن باب المصادرة على المطلوب إذا قيل: " لم قلت: فلان أذنب؟ فيقال: لأنه أذنب " - وكذلك في سائرها.
وإن لم أتوقع إقناعا لكونها غير معقولة فهي خارجة عن الصناعة، كما لو قيل: " فلان القاتل غير مجرم لأنه قتل في حال السكر بغير اختيار منه " .
قرب الأنواع إلى الجزئيات أحسن
وكلما كانت الأنواع إلى الجزئيات أقرب كان أخذ المواضع منها أسهل؛ وأيضا كلما كانت المقدمات بالجزئيات أخص كانت أقنع؛ مثلا إذا قيل: " زيد فاضل لأجل الفضيلة التي صدرت عنه في المقام الفلاني " كان أنفع مما لو قيل: " لأنه مستجمع للفضائل " .
توابع الخطابة
وأما توابع الخطابة - وتسمى تزيينات " ترتيبات - ن " فثلاثة أشياء: أولها يتعلق بالألفاظ؛ وهو أن تكون عذبة غير ركيكة عامية ولا مبينة فيرتفع عن أن يصلح لمخاطبة الجمهور، فإن الطبائع العامية قد تستوحش عن العمليات وأن تكون جيدة الروابط والانفصالات.
وقد يتزين اللفظ بالاستعارة والتشبيه وما يجري مجراهما والاستكثار فيه قبيح.
وبأن يكون ذات وزن والوزن ههنا غير الحقيقي - بل ما يشبهه كما في قوله تعالى، " إن الأبرار لفي نعيم، وإن الفجار لفي جحيم " 82 - 13 - 14 والتقسيمات والتسجيعات وإيراد القرائن أيضا تقتضي هذا الوزن.
ولكل من الملفوظ والمكتوب أسلوب خاص وكذلك لأصنافها.
وثانيها: الترتيب؛ كالتصدير بما يلوح بالمقصود والاقتصاص بالمقصود صريحا والتبيان له بما يقنع؛ والخاتمة وهو الختم بالتذكير، وربما يختص بعض الأصناف بالبعض، كما أن التصدير في الشكاية قبيح.
وثلثها الأخذ بالوجوه والنفاق - وهو من الحيل - وقد يتعلق بالقول مثل رفع الصوت في موضوع يليق به، أو خفضه، فإنه يفيد إيذانا لحال القائل أو استدراجا في المخاطب.
وقد يتعلق بالقائل كتزكية نفسه أو كونه في زي وهيئة يليقان به.
ولا يمكن استعمال أكثر هذا القسم في المكتوبات وضعفاء العقول للاستدراجات أطوع، وكذلك يطيعون " يعظمون - ن " المتنسك وإن كان مبتدعا.
الفصل التاسع
في الشعر
صناعة الشعر ما يقتدر معها على إيقاع تخيلات تصير مبادئ انفصالات نفسانية مطلوبة.
موارد استعمال الشعر
ومنفعتها العامة في الأمور المدنية الجزئية المذكورة، وربما يكون أنفع من الخطابة، لأن النفوس العامية للتخيل أطوع منها للإقناع، والخاصة الالتذاذ بها والتعجب.
والسبب في كون التخيل محاكاة ما، فإن المحاكاة لذيذة كالتصوير مثلا، وإن كان لشيء قبيح، فمنها طبيعية - قولية أو فعلية، كما يصدر عن الببغاء، والقرد - ومنها صناعية؛ وهي إما مطابقة ساذجة، أو مع تحسين، أو مع تقبيح.
تعريف الشعر
والشعر من الصناعات، وهو عند القدماء: " كلام مخيل " : وعند المحدثين: " كلام موزون متساوي الأركان مقفى " ولا يعتبرون التخيل في كلامه؛ واعتبار الجميع أجود.
مخ ۲۲