تاج منظور
التاج المنظوم من درر المنهاج المعلوم لعبد العزيز الثميني مج2 من المخطوط
ژانرونه
وكل ليلة للعارف -قيل- كليلة القدر، فينبغي للعبد أن يتفكر في قوله تعالى: {إن الله كان عليكم رقيبا} (سورة النساء: 1) وأمثاله، فإذا تحقق له (65) ذلك استفاد مقام المراقبة، وهو شريف أصله علم وحال، ثم يثمر حالين، أما العلم فهو معرفة أن الله سبحانه مطلع عليه ناظر إليه، يرى جميع أعماله، ويسمع جميع أقواله، ويعلم كل ما يخطر على باله، وأما الحال فهو ملازمة هذا العلم للقلب بحيث يغلب عليه، ولا يغفل عنه، ولا يكفي العلم دون هذه الحال، فإذا حصلا أثمرا عند أصحاب اليمي.؛ الحياء من الله تعالى وهو موجب بالضرورة، ترك المعاصي والجد في الطاعات، وكانت تمرتها عند المقربين المشاهدة الموجبة للتعظيم، والإجلال لذي الجلال، وإلى هاتين التمرتين أشار الرسول -صلى الله عليه وسلم- بقوله: ((الإحسان أن تعبد الله كأنك تراه، فإن لم تكن تراه فإنه يراك))(66)، إشارة إلى التمرة الثانية وهي المشاهدة الموجبة للتعظيم، كمن يشاهد ملكا عظيما، فإنه يعظمه إذ ذاك بالضرورة.
وقوله: ((فإن لم تكن تراه فإنه يراك))، إشارة إلى الأولى، ومعناه إن لم تكن من أهل المشاهدة التي هي مقام المقربين فاعلم أنه يراك، فكن من أهل الحياء الذي هو مقام أصحاب اليمين؛ فلما فسر الإحسان أول مرة بالمقام الأعلى رأى أن كثيرا من الناس قد يعجزون عنه فنزل عنه إلى المقام الآخر.
واعلم أن المراقبة لا تستقيم حتى تتقدم قبلها المشارطة والمرابطة وتتأخر عنها المحاسبة والمعاقبة، فالمشارطة هي اشتراط العبد على نفسه التزام الطاعة وترك المعصية، والمرابطة هي معاهدة العبد لربه على ذلك، ثم تكون بعدهما في أول الأمر المراقبة، وبعد ذلك يحاسب نفسه على ما اشترطه وعاهد به ربه عليه، فإن وجدها أوفت بما عاهده به حمده، وإن وجدها حلت عقد المشارطة ونقضت عهد المرابطة عاقبها بزجرها عن المعاودة إلى مثل ذلك، ثم عاد إلى المشارطة والمرابطة ويحافظ على المراقية ثم بالمحاسبة(67)، ثم يكون هكذا إلى أن يلقى مولاه -عز وعلا-.
فصل(68)
فمن فهم ما ذكرنا ندب له إذا نال نعمة أن يشكر، وإن أصيب أن يستغفر، وإن وجد نفسه بحال المؤمنين استبشر، وإن وجدها بضدها تاب وتذكر وحزن على ذلك واعتذر، فيكون ساعة يناجي وساعة يحاسب وأخرى يفكر في صنع الله، وساعة يخلو فيها لمباح له، فإنه عون على تلك الساعات؛ فالعاقل يكون مقبلا على شأنه، حافظا للسانه، عارفا لزمانه.
مخ ۱۴۰