ومن أرجحهم عقلا، وأوضحهم فضلا، الشيخ العالم الفاضل أبو العباس أحمد بن إبراهيم الشافعي ﵁ شيخ علم وذكاء، وشبح حلم وذكاء حسن الشارة مستحسن الإشارة حافظ العلم محافظ على شيم الحلم عبادة موردها صفوزلال، وزهادة موعدها روض يانع وظلال، ودراية تعضدها رواية وسماع. وينعقد عليها اتفاق واجتماع وقد أثنى عليه كل من أخذ عنه بما أثنى، ووردت فضائله على الألسن فرادى ومثنى محامده مطلعة في روض الطرس، وأفق النقس كل زهرة وزهرة، وأسانيده مكتوبة في صحف مكرمة مرفوعة مطهرة، لقيته بحرم مكة الشريف تجاه الكعبة المعظمة فسمعت عليه كثيرا من حديث رسول الله ﷺ ومن غير ذلك وانتفعت به وأجازني الإجازة التامة المطلقة العامة، ومولده سنة ست وثمانية وستمائة، ثم تكاملت الركبان بمكة شرفها الله تعالى فخرجنا إلى منى يوم التروية وهو اليوم الثامن لذي حجة في أمم يرتفع لها العجاج، ويتزاحم بها الفجاج، وخلائق يغص بهم البسيط الأفيج ويضيق عنهم المهمة الصحصح، فترى الأرض تميد بهم ميدا وتموج بجمعهم موجا، فتبصر منهم بحرا طامي العباب ماؤه السراب، وسفنه الركاب وشرعها الطلائل المرفوعة والقباب، فمن لم يشاهد هذا الخروج لم يشاهد الخروج لم يشاهد من أعاجيب الزمان ما يحدث به فمن هوادج تسيل في أباطح مكة وشعابها، ومن محاير كالقباب المضروبة تسير بأربابها، والإبل قد زينت تحتها بأنواع التزيين، فتراها تتهادى تهادي العرائس في الكلل، وترفل من قلائد الذهب وأستار الديباج في الحلي والحلل، فلا تبصر إلا سجفا، تسحب على وجه الأرض، وتشبه في وشيها وشى الروض، خلائق تملأ من الطول إلى العرض، وتذكر مرأى الحشر والعرض، فسبحان من أحصاهم عددا، وأراد بهم رشدا ثم نزلنا) بمنى (فعاينا ليلة من لم يعاينها لم يعاين أعذب ليالي الدنيا، ولم يصبر الأرض عادت ثريا يوقد فيها من الشمع والمشاعل، والسرج ما ترى الأرض تتلألأ به نورا، وتضيء سهولا ووعورا، وتفوق كواكب السماء سطوعا وظهورا، فلله هي ليلة الدهر وعروس ليالي العمر، والبكر التي تهيم بها بنات الفكر،) بمنى (مدينة عظيمة الآثار واسعة الاختلاط عتيقة الموضع تملأ النفوس بهجة وانشراحا، قد درست إلا منازل حسنة محدثة النزول، تحف بجانبي طريق ممتد الطول، كأنه الميدان اتساعا وانفساحا، فأول ما يلقى المتوجه إليها عن يساره بمقربة منها مسجد البيعة المباركة التي كانت أول بيعة في الإسلام عقدها العباس ﵁ للنبي ﷺ مع الأنصار، حسبما أشتهر من ذلك ثم يفضي منها إلى جمرة العقبة وهي أول منى للمتوجه إلى مكة، وعن يسار المار إليها وهي على قارعة الطريق مرتفعة بالمتراكم فيها من حصا الجمرات، ولولا آيات الله البينات فيها لكانت كالجبال الرواسي لما يجتمع فيها على تعاقب الدهور وتوالي الأزمنة وعليها مسجد مبارك وبها علم منصوب شبه أعلام الحرم التي ذكرنا قبل، وبعد هذه الجمرة العقبية) موضع الجمرة الوسطى (وبها أيضا علم وبينها قدر الغلوة، ثم بعدها تلقي الجمرة الأولى ومسافتها منها كمسافة الأخرى. والصادر من عرفات إلى منى أول ما يلقي الجمرة الأولى ثم الوسطى ثم جمرة العقبة ثم بعد الجمرة الأولى يعرج عن الطريق يسيرا ويلقى منحر الذبيح ﵇ حيث فدى بالذبح العظيم، وعلى الموضع المبارك مسجد مبني وهو بمقربة من سفح جبل ثبير، وفي المسجد المذكور حجر قد ألصق بالجدار قيه أثر قدم صغير يقال إنها أثر قدم الذبيح ﵇ عند تحركه، فلان له الحجر بقدرة الله، فيتبرك الناس بلثمه ومسه، ثم يفضي من ذلك إلى مسجد الخيف المبارك وهو آخر منى من التوجه من المعمور منها بالبنيان، وأما الآثار القديمة فآخذة إلى ابعد غاية أمام المسجد وهو متسع الساحة، كبير المساحة، وهو من المساجد المشتهرة بركة وشرف بقعة وكفى بما ورد في الأثر الكريم، من أن بقعته مدفن لكثير من الأنبياء صلوات الله عليهم أجمعين ثم صعدنا إلى عرفات وتكامل الجمع بها فاجتمع فيها من الخلائق جمع لا يحصى عددهم إلا الله ﷿، ومن مزدلفة بسيط من الأرض فسيح بين منى وعرفات من منى إليها ما من مكة إلى منى، وذلك نحو خمسة أميال ومنها إلى عرفات مثل ذلك ومن مزدلفة تسمى المشعر الحرام، وقبلها بنحو الميل وادي محسر وجرت السنة بالهرولة فيه وهو حد بين مزدلفة ومنى
1 / 80