والبيت المكرم له أربعة أركان، وهو قريب من التربيع وذكر أن ارتفاعه في الهواء من السطح الذي يقابل الصفا وهو بين الحجر الأسود واليماني تسع وعشرون ذراعا وسائر الجوانب ثمان وعشرون بسبب انصباب السطح إلى الميزاب فأول أركانه الركن الذي فيه الحجر الأسود ومنه ابتداء الطواف ويتقهقر الطائف عنده قليلا كأنه يمس جميعه بيده والبيت المكرم عن يساره وأول ما يلقى بعده الركن العراقي وهو ناظر إلى جهة الشمال ثم الركن الشامي وهو ناظر إلى جهة المغرب ثم الركن اليماني وهو ناظر إلى حيز الجنوب ثم يعود إلى الركن الأسود وهو ناظر إلى جهة المشرق وعند ذلك يتم الطائف شوطا واحدا ومن الركن الذي فيه الحجر الأسود إلى الركن العراقي أربعة وخمسون شبرا وذلك داخل الحجر، وأما من خارجه فمنه إليه أربعون خطوة وهي مائة وعشرون شبرا ومن خارجه يكون الطواف. ومن الركن الشامي إلى الركن اليماني ما من الأسود إلى العراقي لأنه الصفح الذي يقابله ومن اليماني إلى الأسود ما من العراقي إلى الشامي داخل الحجر لأنه الصفح الذي يقابله أيضا وباب البيت المكرم في الصفح الذي بين ركن الحجر الأسود بعشرة أشبار وذلك الموضع الذي بينهما من صفح البيت يسمى الملتزم وهو موضع استجاب الدعوة على ما ورد عن النبي ﷺ ومن الحجر الأسود إلى الأرض ستة أشبار فالطويل يتطامن لتقبيله والقصير يتطاول له والحجر الأسود مرأى بديع ورونق صقيل هو قيد الأبصار حسنا وفي وسطه مما يلي جانبه الذي على يمين المستلم له إذا وقف نقطة بيضاء صغيرة مشرقة تلوح كأنها خال في تلك الصفحة المباركة، وفي هذه الشامة البيضاء أثر أن النظر إليها يجلو البصر فيجب على المقبل أن يقصد بتقبيله من الشامة المباركة ما استطاع، وللحجر عند تقبيله لدونة ورطوبة يتنعم بها الفم حتى يود اللاثم أن لا يقلع فمه عنه فهو أعذب من رضاب الكعاب، وأشهى من شم العرب الاتراب، وتلك من خواص العناية الالاهية فيه، روى الترمذي عن أبن عباس ﵄ عن رسول الله ﷺ قال: أنزل الحجر من الجنة أشد بياضا من اللبن، فسودته خطايا بني آدم. وروى الترمذي أيضا من طريق عبد الله بن عمر ان الحجر الأسود والركن اليماني ياقوتان من الجنة ولولا ما طمس من نورها لأضاءتا ما بين المشرق والمغرب، وفي رواية غيره ولا براء من أستلمها من الخرس والجذام والبرص ومن حديث أبن عباس أيضا قال: قال رسول الله ﷺ في الحجر والله ليبعثنه الله يوم القيامة به عينان يبصر بهما ولسان ينطق يشهد على من استلمه بحق وروى عن علي بن أبي طالب ﵁ قال: كنت طائفا مع النبي ﷺ بيت الله الحرام فقلت فذاك أبي وأمي ما هذا البيت. فقال يا علي أسس الله تعالى هذا البيت في دار الدنيا كفارة لذنوب أمتي. فقله: فذاك أبي وأمي يا رسول الله ما هذا الحجر الأسود. قال: تلك جوهرة كانت في الجنة أهبطها الله إلى الدنيا لها شعاع كشعاع الشمس فاشتد سوادها وتغير لونها مما مسها من أيدي المشركين.
وفي حديث آخر قال دحيت الأرض من مكة وأول من طاف بالبيت الملائكة وما من نبي هرب من قرية إلا هرب إلا الله بمكة يعبده بها حتى يموت وأن قبر نوح وهود وصالح وشعيب وإسماعيل فيما بين زمزم والمقام.
وفي حديث آخر أن حول الكعبة من قبور الأنبياء ثلاثمائة قبر نبي وان ما بين الركن اليماني والركن الأسود لقبور سبعين نبيا.
وروي عنه صلى الله عليه سلم أنه قال الركن يمين الله في الأرض يصافح بها عباده كما يصافح أحدكم أخاه وان الركن والمقام يأتيان يوم القيامة كل واحد منهما مثل أبي قبيس لهما عينان وشفتان يشهدان لمن وافاهما بالوفاء.
وروى صلى الله عليه سلم أنه قال ما أتيت الركن اليماني قط إلا وجدت جبريل عنده قائما يقول يا محمد أستلم.
1 / 70